ظاهرة العنوسة والعزوبة

الشيخ د عبدالرحمن السديس

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ أهمية الترابط الاجتماعي 2/ أثر المتغيرات الحضارية في خلخلة الروابط الاجتماعية 3/ آفات اجتماعية منتشرة 4/ استفحال ظاهرة العزوبة والعنوسة 5/ أسباب هذه الظاهرة 6/ كلمة للدعاة والمصلحين والإعلاميين 7/ الحل والعلاج

اقتباس

من أبرز الظواهر والسلبيات التي أذكتها المتغيرات والمستجدات تلك الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تعصف بكيان الأسر وتهدد تماسك المجتمع، حتى تقلَّصت وظائف البيت، وضعفت مسؤوليات الأسرة، وكثرت ظواهر العقوق، وتخلّى كثير من الأبناء والآباء عن أداء الحقوق، وعلت نسبة العنوسة، وكثرت المشكلات الاجتماعية، وارتفعت معدلات الطلاق ..

 

 

 

 

أما بعد: فأوصيكم -عباد الله- ونفسي بتقوى الله -عز وجلّ-، فإنها سبب التوفيق والنجاح، وطريق العز والصلاح، وينبوع الخير والفلاح.

أيها المسلمون: النسيج الاجتماعي المترابط في الأمة دعامة من دعائم سعادتها واستقرارها، وركيزة من ركائز نموها وازدهارها، والمنظومة الاجتماعية الخيِّرة في المجتمعات قاعدة كبرى في إرساء حضارتها وبناء أمجادها، والخلل الاجتماعي في أية أمة نذير خطر يهدد كيانها؛ لما يحدثه من شروخ عميقة في بنائها الحضاري ونظامها الاجتماعي؛ ما يهدد البنية التحتية الاجتماعية، ويستأصل شأفتها.

والمتأمل في الواقع الاجتماعي لكثير من المجتمعات يدرك ما أحدثته المتغيرات الحضارية من نقلة نوعية في حياة الأفراد والأسر والبيوتات، انعكست آثارها السلبية على كافة المستويات، لا سيما في القضايا الاجتماعية؛ فبعد أن كانت قضايا الأمة الاجتماعية متَّسمة باليسر والسهولة، انقلبت إلى صور جديدة متَّسمة بالعنت والمشقة والتعقيد، لتظهر أنماط جديدة وظواهر خطيرة، يُخشى أن تُسهم في خلخلة النظام الاجتماعي في الأمة، ويأتي الانفتاح العالمي والتواصل الحضاري بين الشعوب والمجتمعات ليُسهم في إضرام هذه الظواهر وإذكاء سعير هذه المظاهر؛ ما يتطلب التأكيد على التمسك بثوابت الأمة وأصولها وأخلاقها وقيمها ونُظُمها.

ولعل من أبرز الظواهر والسلبيات التي أذكتها المتغيرات والمستجدات تلك الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تعصف بكيان الأسر وتهدد تماسك المجتمع، حتى تقلَّصت وظائف البيت، وضعفت مسؤوليات الأسرة، وكثرت ظواهر العقوق، وتخلّى كثير من الأبناء والآباء عن أداء الحقوق، وعلت نسبة العنوسة، وكثرت المشكلات الاجتماعية، وارتفعت معدلات الطلاق، وتعددت أسباب الانحراف والجريمة والانتحار والمخدرات والمسكرات، وجنوح الأحداث وتشرد الأطفال، والعنف العائلي، وتفككت كثير من العلاقات الاجتماعية، وضعفت أواصر الأرحام وذوي القربى، وسادت القطيعة والجفاء، وعمّ الحقد والحسد والبغضاء، وأُسنِدت مهمة البيت وتربية النشء للخدم والسائقين، وضعفت أواصر المودة ووشائج الأخوة، وانتشرت ظواهر البطالة والاستهلاك التفاخري بين مطرقة الديون وسِندان التقصير، وشاعت قيم الأحادية والأنانية محلّ القيم الجماعية والإيثارية، وأهمِلت قضايا المرأة في حجابها وعفافها، واشتكت كثير من المجتمعات من تبرجها وسفورها؛ ما يشكل أزمة اجتماعية وتربوية محدقة، ويفرز أجيالاً جديدة وسْط معطياتٍ ثقافية مخالفة لعقيدتنا، وقيمٍ مخالفةٍ لمجتمعاتنا المحافظة؛ ما يتطلب من الغيورين إيلاء القضايا الاجتماعية في الأمة حقها من العناية والتذكير والاهتمام والرعاية.

معاشر المسلمين: ولْنقِف وقفةً مع إحدى أبرز قضايانا الاجتماعية المتعلقة بقضايا الزواج؛ لنشخص فيها ظاهرة من أخطر الظواهر الأسرية التي لها آثارها وأخطارها على الفرد والمجتمع والأمة، إنها ظاهرة ما يُعرف بالعزوبة والعنوسة التي يئنّ من لأوائها فئام من الشباب والفتيات.

لقد أكّدت دراسات اجتماعية معاصرة نسبة الإحصاءات المذهلة في بعض المجتمعات لهذه الظاهرة، حيث بلغت في مجتمع واحد مليونًا ونصف مليون من العوانس تنتظر كلُّ واحدة منهن فارس أحلامها، ومن المحتمل أن يزيد العدد خلال خمس سنوات قادمة إلى أربعة ملايين أو أكثر لو استمرت معدلات الزيادة بنفس الوتيرة، ولا شك أنه مؤشِّر مزعج ينذر بشؤم خطير وضرر كبير ما لم تُتَدارك هذه الظاهرة وتُشخَّص داءً ودواءً بحلول عملية تطبيقية، لا نظرية فحسب.

أمة الإسلام: إن ظاهرة العنوسة في المجتمع وعزوف كثير من الشباب والفتيات عن الزواج له مضاره الخطيرة وعواقبه الوخيمة على الأمة بأسرها، سواء أكانت هذه الأخطار والآثار نفسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم أخلاقية وسلوكية، لا سيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه أسباب الفتن، وتوفّرت فيه السبل المنحرفة لقضاء الشهوة، فلا عاصم من الانزلاق في مهاوي الرذيلة والردى والفساد الأخلاقي إلا التحصّن بالزواج الشرعي، فالقضية إذًا -أيها الغيورون- قضية فضيلة أو رذيلة.

ومن المؤسف أن يصل بعض الشباب إلى سن الثلاثين أو أكثر، وهو لم يفكر بعد في موضوع الزواج، وما انفتحت أبواب الفساد إلا لما وضعت العراقيل أمام الراغبين في الزواج، بل لم ينتشر الانحلال والدعارة والعلاقات المشبوهة والسفر إلى بيئات موبوءة ومستنقعات محمومة إلا بسبب تعقيد أمور الزواج، لا سيما مع غلبة ما يخدش الفضيلة، ويقضي على العفة والحياء، مما يُرى ويُقرأ ويُسمع، مع ألوان الفساد الذي قذفت به المدنية الحديثة، وحَدِّث ولا كرامة عما تبثه القنوات الفضائية، والشبكات المعلوماتية التي تفجِّر براكين الجنس، وتزلزل ثوابت الغريزة، وتوَجَّه ضدَّ قيم الأمة وأخلاقها، فإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

معاشر المسلمين: وإذا التُمست أسباب هذه الظاهرة نجد أن جملة منها لا تعدو أن تكون رواسب مرحلة تاريخية مرّت بها كثير من المجتمعات الإسلامية، أعقبها غزوٌ فكري كانت له آثار خطيرة على الأوضاع الاجتماعية في الأمة؛ ما أفرز عوامل نفسية وثقافية واقتصادية، منها ما يرجع إلى الشباب والفتيات، ومنها ما يرجع إلى الأولياء، ومنها ما يعود إلى المجتمع بأسره.

فأما الشباب والفتيات فبعضهم يتعلق بآمال وأحلام، وخيالات وأوهام، وطموحات ومثاليات، هي في الحقيقة من الشيطان، فبعضهم يتعلق بحجة إكمال الدراسة، زاعمين أن الزواج يحول بينهم وبين ما يرومون من مواصلة التحصيل، فمتى كان الزواج عائقًا عن التحصيل العلمي؟! بل لقد ثبت بالتجربة والواقع أن الزواج الموفق يعين على تفرغ الذهن، وصفاء النفس، وراحة الفكر، وأنس الضمير والخاطر، ونقولها بصراحة: ماذا تنفع المرأةَ بالذات شهاداتها العليا إذا بقيت عانسًا قد فاتها ركب الزواج، وأصبحت أيِّمًا لم تسعد في حياتها بزوج وأولاد، يكونون لها زينة في الحياة، وذخرًا لها بعد الوفاة، وكم من امرأة فاتها قطار الزواج، وذهبت نضارتها، وذبلت زهرتها، وتمنت بعد ذلك تمزيق شهاداتها، لتسمع كلمة الأمومة على لسان وليدها، ولكن بعد فوات الأوان، وكم هي الصيحات والزفرات الحرَّاء التي أطلقت من المجربات، فأين المتعقلات؟!

إن هذه المشكلة ومثيلاتها مردّها إلى غبش في التصور، وخلل في التفكير، بل لا نبالغ إذا قلنا: إنها إفراز ضعف المعتقد، وقلة الديانة، والخلل في الموازين، وسوء الفهم لأحكام ومقاصد الشريعة الغراء، إنه النظر المشوش حول المستقبل، والتخوف الذي لا مبرر له، والاعتماد على المناصب والماديات، والتعلق بالوظائف والشهادات، وتأمين فرص العمل زعموا؛ ما يزعزع الثقة بالله، والرضا بقضائه وقدره، ويضعف النظر المتبصِّر، والفكر المتعقل.

إن حقًّا على الشباب والفتيات أن يبادروا عمليًّا إلى الزواج متى ما تيسر لهم أمره، وأن لا يتعلقوا بأمور مثالية، تكون حجر عثرة بينهم وبين ما ينشدون من سعادة وفلاح، ويقصدون من خير ونجاح، وأن لا يتذرعوا بما يُعبَّر عنه بتأمين المستقبل، فالله -عز وجل- يقول: (وَأَنْكِحُواْ الأَيَـامَى مِنْكُمْ وَلصَّـالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِن يَكُونُواْ فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [النور:32]، ويقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "لو لم يبقَ من أجلي إلا عشرة أيام، أعلم أني أموت في آخرها، ولي طَوْل على النكاح، لتزوجت مخافة الفتنة"، ويقول الإمام أحمد -رحمه الله-: "ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء، ومن دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام".

إخوة الإيمان: ومن الأسباب الخطيرة في انتشار هذه الظاهرة واستفحالها: عضل النساء من زواج الأَكفاء، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض". خرَّجه الترمذي وابن ماجه والحاكم بسند صحيح.

فهناك بعض الأولياء -هداهم الله- قد خانوا الأمانة التي حُمِّلوها في بناتهم وفتياتهم، بمنعهنّ من الزواج من الأكفاء دينًا وخلقًا وأمانة، فقد يتقدم إليهم الخاطب الكفء فيماطلونه ويعتذرون له بأعذار واهية، وينظرون فيه إلى أمور شكلية وجوانب كمالية، ويسألون عن ماله ووظيفته ووجاهته ومكانته، ويغفلون أمر دينه وخلقه وأمانته.

بل لقد وصل ببعض الأولياء الجشع والطمع أن يعرض ابنته سلعة للمساومة، وتجارة للمزايدة والعياذ بالله، وما درى هؤلاء المساكين أن هذا عضل وظلم وخيانة، وقد تكون مدرِّسة وموظفة فيطمع في راتبها، ألم يعلم هؤلاء بالاعترافات والقصص الواقعية لضحايا هذه الظاهرة؟! ألم يسمعوا الرسائل المؤلمة المفجعة التي سطرتها دموع هؤلاء؟! إنها صرخة نذير في آذان الآباء والأولياء، ورسالة عاجلة إليهم أن يتداركوا شرفهم وعفتهم وعرضهم قبل فوات الأوان، أين الرحمة في هؤلاء الأولياء؟! كيف لا يفكرون بالعواقب؟! أيسرُّهم أن تلطَّخ سمعتهم مما يندى له جبين الفضيلة والحياء؟! سبحان الله، كيف يجرؤ مسلم غيور يعلم فطرة المرأة وغريزتها على الحكم عليها بالسجن المؤبد إلى ما شاء الله؟! ولو عقل هؤلاء لبحثوا هم لبناتهم عن الأزواج الأكفاء، فهذا عمر -رضي الله عنه- يعرض ابنته حفصة على أبي بكر ليتزوجها، ثم على عثمان -رضي الله عنهم أجمعين-، وهذا سعيد بن المسيب -رحمه الله- يزوج تلميذه أبا وداعة. وهذا ديدن السلف في عصورهم الزاهية.

إن تضييق فرص الزواج علّة خراب الديار، به تُقضّ المضاجع، وبه تكون الديار بلاقع، وبه يقتل العفاف، وتوأد الفضائل، وتسود الرذائل، وتهتك الحرمات، وتنتشر الخبائث والسوءات.

فيا أيها الأولياء: اتقوا الله فيمن تحت أيديكم من البنات، بادروا بتزويجهن متى ما تقدم الأكفاء في دينهم وأخلاقهم، "إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".

وعضل النساء ورَدُّ الأكفاء فيه جناية على النفس، وعلى الفتاة، وعلى الخاطب، وعلى المجتمع برمّته، والمعيار كفاءة الدين، وكرم العنصر، وطيب الأرومة، وزكاء المعدن، وسلامة المحضن، وحسن المنبت، وصدق التوجه، "فاظفر بذات الدين تربت يداك".

أمة الخير والفضيلة: وسبب آخر لا يقل أهمية عن سابقه، ألا وهو مشكلة غلاء المهور والمبالغة في الصداق في بعض الأوساط، حتى صار الزواج عند بعض الناس من الأمور المستحيلة، وبلغ المهر في بعض البقاع حدًّا خياليًّا، لا يطاق إلا بجبال من الديون التي تثقل كاهلَ الزوج.

ويؤسف كلَّ غيور أن يصل الجشع ببعض الأولياء أن يطلب مهرًا باهظًا من أناس يعلم الله حالهم، لو جلسوا شطر حياتهم في جمعه لما استطاعوا، فيا سبحان الله، أإلى هذا الحد بلغ الطمع وحب الدنيا ببعض الناس؟! وكيف تُعرض المرأة الحرة الكريمة المحصنة العفيفة سلعة للبيع والمزايدة وهي أكرم من ذلك كله؟! حتى غدت كثيرات مخدَّرات في البيوت، حبيسات في المنازل، بسبب ذلك التعنت والتصرف الأرعن.

إن المهر في الزواج -يا رعاكم الله- وسيلة لا غاية، وإن المغالاة فيه لها آثار سيئة على الأفراد والمجتمعات لا تخفى على العقلاء؛ من تعطيل الزواج، أو الزواج من مجتمعات أخرى مخالفة للمجتمعات المحافظة؛ ما له عواقب وخيمة، فربّ لذة ساعة تعقبها حسرات إلى قيام الساعة.

ولم يقف الجشع ببعض الناس عند هذا الحد، بل تعداه إلى ما هو أبعد من ذلك مما هو خروج عن منهج السلف الصالح -رحمهم الله-؛ يقول الفاروق -رضي الله عنه-: "ألا لا تغالوا في صداق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى في الآخرة، لكان النبي أولاكم بها"، وقد زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً بما معه من القرآن، وقال لرجل: "التمس ولو خاتمًا من حديد"، وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواه من ذهب. فالله المستعان، كيف بحال المغالين اليوم؟! أما علم أولئك أنهم مسؤولون أمام الله عن أماناتهم ورعاياهم؟! هل نُزعت الرحمة من قلوبهم؟! ولا تنزع الرحمة إلا من شقيّ.

أمة الإسلام: وعامل مهم في رواج هذه الظاهرة ألا وهو ما أحيطت به بعض الزيجات من تكاليف باهظة، ونفقات مذهلة، وعادات اجتماعية وتقاليد وأعراف جاهلية فرضها كثير من الناس على أنفسهم، تقليدًا وتبعية، مفاخرة ومباهاة، إسرافًا وتبذيرًا، فلماذا كل هذا يا أمة الإسلام؟!

فاتقوا الله -عباد الله- وتناصحوا فيما بينكم، وتعقلوا كل التعقل في حلِّ قضاياكم الاجتماعية، لا سيما قضايا الزواج، ولا تتركوا الأمر بأيدي غيركم من السفهاء. والدعوة موجهة للمصلحين والوجهاء والعلماء والأثرياء وأهل الحل والعقد في الأمة أن يكونوا قدوة لغيرهم في هذا المجال، فالناس تبع لهم، وعلى وسائل الإعلام بكافة قنواتها نصيب كبير في بث التوعية والتوجيه في صفوف أبناء المجتمع، لعلاج هذه المشكلات الاجتماعية الكبيرة واختفاء هذه الظواهر الخطيرة.

وأنتم -أيها الإخوة والأخوات-، يا من ابتليتم بهذه الظاهرة: صبرًا صبرًا، وثباتًا واستعفافًا، ورضًا بقضاء الله وقدره، وعملاً بالأسباب الشرعية، وفتحًا لآفاق الآمال الكبرى، فما عند الله خير وأبقى.

وأنتم أيها الآباء والأولياء: الأمل فيكم كبير، إننا لمتفائلون كل التفاؤل أن تفتحوا قلوبكم، وتستجيبوا لما فيه صلاح أنفسكم وأبنائكم ومجتمعاتكم، وكان الله في عون العاملين المخلصين لما فيه صلاح دينهم وأمتهم.

بارك الله لي ولكم في الوحيين، ونفعني وإياكم بهدي سيد الثقلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين والمسلمات، فاستغفروه وتوبوا إليه، فهو أهل التقوى وأهل المغفرة.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:
 

 

 

 

الحمد لله، خلق من الماء بشرًا فجعله نسبًا وصهرًا، وكان ربك قديرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يزل بعباده خبيرًا بصيرًا، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، بعثه الله هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، (وَتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة:281]، واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

أيها الإخوة الأحبة في الله: وبعد تشخيص الداء يأتي وصف الدواء.

وإن الحل والعلاج لظاهرة العزوبة والعنوسة في المجتمع يكمن في تقوية البناء العقدي في الأمة، والتربية الإيمانية للأجيال من الفتيان والفتيات، وتكثيف القيم الأخلاقية في المجتمع، لا سيما في البيت والأسرة، ومعالجة الأزمات والعواصف والزوابع التي تهدد كيان المجتمع، وتيسير أمور الزواج، وتخفيف المهور، وتزويج الأكفاء، وترسيخ المعايير الشرعية لاختيار الزوجين، ومجانبة الأعراف والعادات والتقاليد الموروثة والدخيلة، وتحقيق التعاون بين أبناء المجتمع، وكذا قيام وسائل الإعلام بواجبها التربوي والتوجيهي. ينبغي العناية بجمعيات إعانة الشباب على الزواج والدلالة عليه، ومنحها فرصًا كبرى في أداء مهمتها العظمى، وكذا دعم ذوي اليسار لها، وأن يكون الوجهاء قدوة لغيرهم في هذا المجال، وكذا الاهتمام بالقضايا الاجتماعية عبر مؤسسات خيرية كبرى وهيئات خيرية عليا.

وثمَّت موضوع في علاج هذه الظاهرة، ألا وهو ضرورة أن تعيد المجتمعات النظر في قضية تعدد الزوجات على حسب الضوابط الشرعية، ومراعاة الحكمة التشريعية، فمن للعوانس والأرامل والمطلقات وذوات الأعذار والاحتياجات الخاصة؟! إنه تعدد المودة والرحمة والإحسان والعدل، لا الظلم والتسلط والحيف والجور، لا سيما للزوجة الأولى، وكم يُسمع من الشكاوى في ذلك، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من كان له زوجتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وشقه مائل" أي ساقط. رواه أحمد وأصحاب السنن.

ألا فاتقوا الله -عباد الله-، واتقين الله -إماء الله-.

ثم صلوا وسلموا جميعًا على الحبيب رسول الله، نبيكم محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلك ربكم -جل في علاه-، فقال تعالى قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً) [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم...
 

 

 

 

 

المرفقات

العنوسة والعزوبة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات