صور من الحرمان

مازن التويجري

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/تباين وجهات النظر لمعنى الحرمان 2/السعادة في سلوك طريق الجنة 3/أسباب حرمان السعادة 4/بعض صور الحرمان 5/الحرمان الحقيقي وحصول الفقراء المؤمنين على السعادة

اقتباس

إن الحرمان الحقيقي ليس في فقد الأموال ولا في فقد المناصب والجاه، ولا في فوات المطلوب من ملذات وشهوات. إن الحرمان -كل الحرمان- في فقد الإيمان، في البعد عن شرع الله ودينه، في تنكب طريق الاستقامة، طريق محمد -صلى الله عليه وسلم-. سلوا الأموات في...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

في حياة الناس: تباين أفهام، وتباعد أفكار، وعند نظرة فاحصة، وتجوال سريع في واقع البشر، ترى البون شاسعاً بينهم في تحديد مفهوم الفوز والفلاح، أو نظراتهم لمعنى الحرمان والخسارة.

 

يخالج صدور الكثيرين: أن السعادة -كل السعادة- في تحصيل المال، فمن أوتي المال، فقد حيزت له السعادة من أطرافها، فبالمال والثراء تقاس السعادة والراحة، فمن كان أكثر مالاً، بات أعظم سعادة، وكلما قلّ المال، قلت نسبة السعادة.

 

ويرى آخرون: أن من أوتي المنصب والجاه، فقد ملك السعادة، فهي عندهم لا تعدو بَهْرَجاً زائفاً، ووميضاً سرعان ما يخبو، فغاية ما يطلب هؤلاء أن يَعتلي أحدُهم عرش المناصب، يتمثل له الناس وقوفاً في دخوله وخروجه، يهابه الغادي والرائح، وترفع إليه حوائجهم بذل وانكسار ويشار إليه بالبنان أن هذا صاحب المنصب الفلاني، والمكانة المرموقة، فهذا هو المهم عنده، وإن كانت النفوس في حقيقتها لا تكن له من الود حبة خردل، أو تحمل له من الحب وزن شعيرة.

 

ويرى صنف ثالث يمثل جزءاً من المجتمع ليس باليسير: أن السعادة والراحة جَمِعَتا في الملذات والشهوات، لذا تراهم يبحثون عن مطلوبهم في كل مكان، فهذا في سيارة، وذاك في أغنية، وثالث في فلم، ورابع يسافر هنا وهناك، إلى بلاد شهد أهلها على أنفسهم بضيق العيش وألم الحرمان، وهم يملكون كل شيء في نظر هذا وأمثاله.

 

والسؤال الحق أين السعادة؟! أين الراحة والطمأنينة؟!

 

ماذا يعني الحرمان والخسران في ميزان العقلاء الأسوياء؟

 

وما غاية الفوز والبطولة عند أصحاب القلوب المؤمنة، والفطر السوية؟

 

إنما السعادة الحقيقية هي في طاعة الله ومرضاته، واتباع أمره واجتناب نهيه.

 

السعادة المحضة في سلوك طريق الجنة؛ سئل الإمام أحمد فقيل له: "يا إمام متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم يضعها في الجنة".

 

والحرمان -كل الحرمان- في تنكب الطريق المستقيم والاعوجاج عن النهج القويم، والخسارة المحضة والحرمان الحقيقي يوم يُحرم الإنسان من رحمة أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، يسير في طريق أصحاب الجحيم: (يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ)[هود:105-108].

 

إنه الحكم الرباني في الفصل بين أهل السعادة والإيمان، وأهل الشقاوة والحرمان: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً)[النساء:122].

 

ولك أن تتصور وتتفكر، فكل عمل يوصل إلى تلك السعادة الأبدية، فله من السعادة نصيب، كما أن كل عمل في طريق الحرمان الأبدي، فله من ظلمة الشقاء والتعاسة أوفر نصيب.

 

 فعجباً لمن يشتري الحرمان، ويتحدث للحرمان، ويسعى للشقاء، ويسير في طريق العناء؟!

 

فتعال -أيها المبارك- في طريق نفتش فيه عن أسباب الحرمان الحقيقي، لا كما نفهمه بأهوائنا ونفوسنا المسارعة إلى الشهوات واللذات، ولكن كما حكم به الحكم العدل سبحانه، أو قرره رسوله -عليه الصلاة والسلام-: الشرك بالله، والكفر به -أياً كان هذا الكفر- أعظم صورة للحرمان: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)[الحج:31].

 

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ)[البقرة: 161- 162].

 

(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)[طه:124].

 

فهذه حال الكافر، في الدنيا ألم وحيرة، وتردد وحسرة، وفي الآخرة طرد وإبعاد، وخيبة ونار، هذا لكل كافر أياً كان حاله أو موقعه، هذا حكم الله فيه، وإن صفق له الآلاف بل الملايين.

 

هذا حكم الله فيه، وإن خدع به من خدع من أبناء الأمة وشبابها.

 

هذا حكم الله فيه، وإن ملأ الدنيا صيتاً وشهرة زائفة، وإن تحدث عن موته أو موتها، مرتزقة الفكر، وصعاليك الأدب: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ)[آل عمران: 90- 91].

 

وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-كان يقول: "يجاء بالكافر يوم القيامة فيقال له: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهباً أكنت تفتدي به، فيقول: نعم، فيقال له: قد كنت سئلت ما هو أيسر من ذلك".

 

ولم تزل صور الحرمان تتراءى للمسلمين في كل حين على أعتاب قبر أو ضريح، والأفواج تتهادى إليه بين طائف ومتمسح، أو متقرب بذبح، والبعيد ينادي ويستغيث، ويدعو ويستشفع.

 

روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: "أتاني جبريل فبشرني أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، قلت: وإن سرق وإن زنى، قال: وإن سرق وإن زنى".

 

فأي حرمان بالله عليكم بعد هذا الحرمان؟!

 

ويكفي هذا الحديث رداً على الرافضة وغلاة الصوفية.

 

وإن من صور الحرمان العظيم: الخلل في فهم وتطبيق مفهوم الولاء والبراء: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)[المجادلة:22].

 

 (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ)[آل عمران:28].

 

فأين بني قومنا من هذا الوعيد الشديد: (فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ

 

فما أعظم الحرمان يوم أن يصرف الحب والولاء لأعداء الملة! أعداء الله ورسوله مهما كان موقعهم، لاعبين، أو ممثلين أو مغنين أو غيرهم، تجد أحدهم يصرف جزءاً من ولائه له.

 

وهذه ألعوبة شيطانية انطلت على كثير من القوم يوم أن تدرج معهم في شهواتهم وملذاتهم، ليصل بهم إلى خدش جناب التوحيد، وخرق جدار ركن الولاء والبراء.

 

ومن الصور: حرمان الطهور والصلاة والمسارعة إليها، روى مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كان بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب".

 

وروى أحمد في مسنده بسند حسن عن أبي ذر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-خرج في الشتاء والورق يتهافت فأخذ بغصن شجرة قال: فجعل ذلك الورق يتهافت، فقال: يا أبا ذر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: "إن العبد المسلم ليصلي الصلاة يريد بها وجه الله، فتهافت عنه ذنوبه كما تهافت هذا الورق عن هذا الشجر"[حسنه الألباني].

 

وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا"

 

إنها فرص عظيمة ولكن أين أصحاب الهمم؟

 

ومن صور الحرمان: حرمان إخراج الزكاة، وإنفاق المال في أوجه الخير والبر.

 

روى أبو داود والبيهقي وصححه الألباني عن عبد الله بن معاوية الفاخري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث من فعلهن فقد طَعِم طعْم الإيمان، من عبد الله وحده وأنه لا إله إلا الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه"[انظر: السلسلة الصحيحة للألباني].

 

(وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ)[التوبة:34 - 35].

 

وفي المقابل: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[آل عمران: 133- 134].

 

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من يوم تصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً"[رواه البخاري ومسلم].

 

ومن صور الحرمان الجلية: حرمان زيارة بيت الله حجاً وعمرة، فتجد المسكين قد جاب بلاد الأرض أقصاها وأدناها، متحملاً في ذلك ألم البعد، ومشقة السفر، وتكاليف السياحة، وذلك في كل عام، وهو مع هذا قد حرم عينيه التلذذ برؤية بيت ربه العتيق، وحرم جبينه وأنفه سجوداً طاهراً على أرضه الطاهرة، فما ذاق روعة الطواف والسعي، ولذة الدعاء والمناجاة، فمسكين أي مسكين! ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يقول: "من حج فلم يرفث ولم يفسق، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه".

 

ولهما عنه -رضي الله عنه-: "والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة"[9].

 

وعندهما عنه –كذلك-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما".

 

ومن صور الحرمان: حرمان الدعاء، ولذة المناجاة، وصدق اللجأ، روى أحمد والبزار وأبو يعلى والحاكم وقال صحيح الإسناد، عن أبي سعيد -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم-قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها" قالوا: إذاً نكثر، قال: "الله أكثر"[وصححه الألباني].

 

ومن صوره: حرمان المال الحلال والكسب الطيب، في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليأتين على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن الحلال أم من الحرام؟".

 

وفي صحيح مسلم عنه -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟".

 

وروى الطبراني بإسناده عن ابن عباس -رضي الله عنه-ما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به"[وصححه الألباني].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحرمان الحقيقي ليس في فقد الأموال ولا في فقد المناصب والجاه، ولا في فوات المطلوب من ملذات وشهوات.

 

إن الحرمان -كل الحرمان- في فقد الإيمان، في البعد عن شرع الله ودينه، في تنكب طريق الاستقامة، طريق محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

سلوا الأموات في قبورهم، سلوا أرباب الفن والغناء، سلوا الكفار والملحدين، سلوا فرسان العشق والهيام، سلوا من ملكوا الأموال والمناصب، سلوهم هل وجدوا السعادة التي كانوا ينشدونها، ويسعون ليلهم ونهارهم في طلبها.

 

والله لو أذن الله لهم لقالوا مجمعين: إن السعادة والراحة في الإيمان، وليس سوى الإيمان، ولرددوا: (فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء)[الأنعام:125].

 

لقد ذاق الفقراء والمعدمون والعبيد على مرّ العصور طعم السعادة، بينما حُرمها كثير من الأشراف والأغنياء والأحرار.

 

لقد جاء رسولنا -صلى الله عليه وسلم- إلى الناس بدعوة ربانية، ولم يكن له لعاعة من دنيا، فلم يُلقَ إليه كنز، وما كانت له جنة يأكل منها، ولم يسكن قصراً، فأقبل المحبون يبايعونه على شظفٍ من العيش، وذروة في المشقة، يوم كانوا قليلاً مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس من حولهم، حوصروا في الشِعب، وضيق عليهم في الرزق، وابتلوا في السعة، وحوربوا من القرابة وأوذوا في الناس، ومع هذا وجدوا طعم السعادة.

 

سُحب بعضهم على الرمضاء، وحبس آخرون في العراء، وتفنن الكفار في تعذيبهم، ومع ذلك وجدوا طعم السعادة.

 

سُلبوا أوطانهم ودورهم وأهليهم وأموالهم، طردوا من مراتع صباهم، وملاعب شبابهم، ومباني أهليهم، ومع هذا وجدوا طعم السعادة.

 

ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً، وبلغت القلوب الحناجر، وظنوا بالله الظنونا، ومع هذا وجدوا طعم السعادة.

 

وإنه لن يَصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

 

كان مسروق -رحمه الله- ينام ساجداً، فقال له أصحابه: لو أرحت نفسك؟ قال: "راحتَها أريد".

 

(كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آل عمران:185].

 

 

 

المرفقات

من الحرمان

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات