عناصر الخطبة
1/ الحكمة من الزواج 2/ الهدي النبوي الكريم في معاملة الزوجات 3/ الاقتداء بالنبي الكريم تحقيقا للسعادة الزوجيةاقتباس
ولو قارن الناظر في الكتب الأجنبية الحديثة التي تعنى بالحياة الزوجية وتنظيراتها، وبما نُقل لنا من هديه -صلى الله عليه وسلم- في التعامل مع زوجاته؛ لرأى خلو تلك النظريات من الأمثلة الحقيقية الواقعية, وأنها لا تعدو من أن تكون شعارات على الورق.!.
أما بعد: أيها الإخوة، فقد خلق الله آدم من تراب، ونفخ فيه من روحه، وخلق منه زوجه، وأسكنهما جنته، ثم أهبطهما منها إلى الأرض، ولم يكتب لهما الخلد فيها.
وحتى يبقى العنصر الإنساني ويتكاثر ليعمر هذه الأرض، ويتعبد لله تعالى، جعل وسيلة تكاثره عليها بالزواج؛ فخلق الإنسان من ذَكَرٍ وأنثى، وعد ذلك من آياته الدالة على رحمته وعنايته بعباده، وحكمته العظيمة، وعلمه المحيط، فقال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم:21].
وذلك بما رتب -سبحانه- على الزواج من الأسباب الجالبة للمودة والرحمة، فحصل بالزواج الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، والسكون إلى الزوجة، فلا تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة.
ثم قال: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21]، أي: يُعْمِلُوْنَ أفكارهم ويتدبرون آيات اللّه.
فالسكينة والرحمة والمودَّة من أعظم آيات الله في الزواج.
أيها الأحبة: لقد سَمَتْ معاملات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سموًّا لا يدانيه أَحد؛ فكان النموذج والمثل في تعامله مع زوجاته وأولاده وأحفاده وأصحابه؛ فأحبُّوه حبًّا ملك عليهم أفئدتهم.
وكان صلوات ربي وسلامه عليه معلِّمًا ومربيًّا، غرس في نفوسهم وعقولهم المبادئ السامية التي تَفُوق كل المبادئ التي عرفتها الإنسانيَّة؛ فكانت معاملاته دليلاً على نبوَّته.
وكانت حياته -صلى الله عليه وسلم- الزوجيَّة تطبيقًا لهذه المعاني القرآنيَّة القائمة على المودَّة والرحمة، فهو القائل: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي" رواه ابن ماجة والترمذي وصححه الألباني.
أيها الأحبة: إن الناظر في سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يجده يقدر المرأة (الزوجة) ويوليها عناية فائقة، ويحبها محبة لائقة.
وضرب -صلى الله عليه وسلم- من خلال حياته اليومية أروع الأمثلة التي سنذكر جزءاً منها في ثنايا خطبتنا هذه إن شاء الله.
ولو قارن الناظر في الكتب الأجنبية الحديثة التي تعنى بالحياة الزوجية وتنظيراتها، وبما نُقل لنا من هديه -صلى الله عليه وسلم- في التعامل مع زوجاته؛ لرأى خلو تلك النظريات من الأمثلة الحقيقية الواقعية, وأنها لا تعدو من أن تكون شعارات على الورق.!.
بل وتعجز أكثر الكتب مبيعاً في هذا الشأن من أن تبلغ في تنظيرها ما بلغه نبي الرحمة -صلى الله عليه وسلم- من خلال حميدة، وهدي جميل، وحسن معاشرة؛ فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين، ومَن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
محبي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-: إليكم صورًا رائعة من عَلاقته مع زوجاته:
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن اشتكت إحداهن إليه حالاً وجدته يسمع شكواها، ويواسيها، ويُكَفْكف دَمْعها، ويُقَدِّر مشاعرها، ويخفِّف أحزانها، ولا يهزأ بقولها وطلبها؛ فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ زوجَ النَبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ: (أَيْ عَنْ صَفِيَّةَ) بِنْتُ يَهُودِيٍّ؛ فَبَكَتْ؛ فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَهِيَ تَبْكِي؛ فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ فَقَالَتْ: قَالَتْ: لِي حَفْصَةُ إِنِّي بِنْتُ يَهُودِيٍّ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّكِ لَابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ" أَيْ: إنَّ أباها هَارُونُ بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وعَمَّها مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وزَوْجَهَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله، "فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟" ثم قال: "اتَّقِي اللهَ يَا حَفْصَةُ" رواه الترمذي وأحمد وصححه الألباني.
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضرب أروع الأمثلة كزوج، فكان تعامله مع زوجاته من منطلق الرحمة والحب، ويتعامل أيضاً معهن من منطلق أنه بشر مثل باقي البشر الأسوياء، الذين لا يَرَوْنَ غضاضة في مساعدة أزواجهم.
وقد وصفت عائشة -رضي الله عنها- حال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- داخل بيته كزوج، فقالت كان "يَخْصِفُ نَعْلَهُ أي: يصلحه، "وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ" أي: يخيط رقعة من قماش في موضع خرق الثوب. رواه أحمد وابن حبان وهو صحيح.
ولما قِيلَ لِعَائِشَةَ: مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: "كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ، يَفْلِي ثَوْبَهُ، يَحْلِبُ شَاتَهُ، وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ". صحيح.
وجامع ذلك كله: ما رواه البخاري عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: مَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ- فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ.
رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كان يشارك زوجاته -رضي الله عنهن- المأكل والمشرب من نفس الإناء، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "كُنْتُ أَشْرَبُ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ, وَأَتَعَرَّقُ الْعرْقَ -أي: العظم، وتَعَرَّقْتُ العظمَ: أخذتُ اللحم عنه بأسناني نهشًا- فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فيَّ" رواه مسلم.
وكان يغتسل مع إحداهن من الجنابة من إناء واحد، وربما تنافسا على الماء من باب الدعابة، وربما اغتسل بباقي الماء الذي تركته إحداهن بعد غسلها؛ ذكرت أم سلمة -رضي الله عنها-أنها كَانَتْ هِيَ وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَغْتَسِلَانِ فِي الْإِنَاءِ الْوَاحِدِ، مِنَ الْجَنَابَةِ.
وعن مَيْمُونَةَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ.
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ إِنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولَ: دَعْ لِي! دَعْ لِي! قَالَتْ: وَهُمَا جُنُبَانِ.
وكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ. رواه مسلم، وكَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ. أي: يخرج ليؤنسها ويزيد في أواصر المحبَّة، رواه البخاري.
أيها الإخوة: ومن تودده -صلى الله عليه وسلم- إلى زوجاته وحسن معاشرتهن أنه لا ينفر منهن حتى وإن كنَّ في الحيض، وكان يقول: -صلى الله عليه وسلم-: "اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ".
وعن أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعَةٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْخَمِيلَةِ، إِذْ حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حيْضَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَنَفِسْتِ؟"، قُلْتُ: نَعَمْ، فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ. قَالَتْ: وَكَانَتْ هِيَ وَرَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَغْتَسِلَانِ فِي الْإِنَاءِ الْوَاحِدِ، مِنَ الْجَنَابَةِ.
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ"، وهي السجادة التي يصلي عليها، قَالَتْ: فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ، فَقَالَ: "إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ" روى هذه الأحاديث مسلم.
وعند البخاري ومسلم عن عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَتَّكِئُ فِي حجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ.
اللهم وفقنا لاتباع هديه، والسير على دربه، واجعلنا هداة مهتدين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الخطبةُ الثانيةُ:
أيها الإخوة: الحديث عن هديه وشمائله مع أهله حديث طويل، ونحن نقتطف من هديه ونقتبس.
أحبتي: رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: كان يسامر نساءه ويسمع لأمثالهن وحديثهن، وكان يخبرهن عن بعض سلوكهن ويفسره.
فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى"، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: "أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ! وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى قُلْتِ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ!".
قَالَتْ قُلْتُ: أَجَلْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ لَوَ نَزَلْتَ وَادِيًا فِيهِ شَجَرٌ كَثِيرٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا، وَوَجَدْتَ شَجَرَةً لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا، فِي أَيِّهَا كُنْتَ ترْتعُ بَعِيرَكَ؟ قَالَ: "فِي الَّذِي لَمْ يُرْتَعْ فِيهَا"، تُرِيدُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا. رواه البخاري.
رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كان وفياً محباً يعلن حبه لإحداهن ويمتدحها حتى بعد موتها، ويفي لها بصلة صديقاتها.
فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ، وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا!.
قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ: "أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ".
قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا" رواه مسلم.
وفي رواية: قالت عائشة: فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأنْ لَمْ يَكُنْ في الدُّنْيَا إلاَّ خَديجَةَ؟! فَيَقُولُ: إنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ، وَكَانَ لي مِنْهَا وَلَدٌ.
وكان يسر إذا اجتمعت مع صواحبها، فعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَتْ: وَكَانَتْ تَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: أي: يتغيبن حياء منه وهيبة، قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ، أي: يرسلهن. رواه مسلم.
وبعدُ: أحباب محمد -صلى الله عليه وسلم-، هذه صور حية من بيت النبوة، فهلا اقتدينا بها؟!.
أسأل الله لنا جمعياً ذلك، إنه جواد كريم.
وصلوا وسلموا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم