صواريخ الحوثي وأسرار قوة المسلمين

محمد بن عبدالرحمن العريفي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/تشابه عداء أهل الباطل لأهل الحق بين الماضي والحاضر 2/تكالب اليهود والنصارى والمنافقين على المسلمين 3/موقف النبي الكريم مع أعدائه يوم فتح مكة 4/ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون 5/صاروخ الحوثي على مكة دليل على خبث سريرته وشؤم دعوته.

اقتباس

هذا الدين ظاهر فلا يقعن في قلبك شك في أن الله -تعالى- ناصره ومؤيده، اعلم أن الله -تعالى- إن ابتلى المسلمين فإنما يبتليهم لأجل أن يعظم أجورهم ويتخذ منهم شهداء، ولأجل أن يتعود المسلمون على البذل والتضحية والتعب؛ لأن الدين ينصر على سواعد الرجال..

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله؛ فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل والند والنظير، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أفضل من صلى وصام، ووقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر الميامين، ما اتصلت عين بنظر، ووعت أذن بخبر، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:

 

أيها الإخوة الكرام: الحمد لله -تعالى- القائل: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التَّوْبَةِ: 33]، الحمد لله القائل: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التَّوْبَةِ: 32]، الحمد لله القائل: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الْمُجَادَلَةِ: 21]، الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ووعد الله -تعالى- بإظهار الدين والملة، والصلاة والسلام على نبينا الذي بشر بنصرة هذا الدين وأنه مهما ظهرت عليه الفتن والكربات، إلا أن الله -تعالى- مظهره ومؤيده.

 

أيها المسلمون: إننا اليوم نعيش في واقع قد عاشه النبي -صلى الله عليه وسلم- في أوائل دعوته، وعاشه المسلمون في أيام التاريخ وأزمانه، نعيش في واقع تكالب فيه الأعداء من كل جانب، وحاربوا الإسلام بأنواع الحروب، من حرب إعلامية وعسكرية وثقافية واجتماعية واقتصادية وما يدعون بابا يمكن أن يحاربوا الإسلام من خلاله، إلا ولجوا هذا الباب أو فتحوه أو كسروه لأجل أن يصرفوا الناس ويحرفوهم عن هذا الدين، وكلما قوي الإسلام أكثر وقويت شوكته وزاد انتشاره ازداد عداء الكافرين للنبي -صلى الله عليه وسلم- أول ما بعث وظهر إلى الناس وبدأ يسلم الرجل والرجلان لم تكن قريش تتعرض له، رجل عنده فكر ينشره ولم يتبعه إلا واحد أو اثنان، ولكن عندما كثر أتباعه وجعل الناس يهتدون ويتوافدون إلى الإسلام وصار الحر يسلم والعبد يسلم، والفقير يسلم، والتاجر يسلم والقرشي يسلم والثقفي والخزاعي والبكري وجعلت أنواع المسلمين تتكاثر وأصنافهم تتنوع عندها علم الكفار أن سكوتهم عن دين رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، وأن سكوتهم وتقاعسهم عن حربه سيجعل أولادهم يسلمون، وسيجعل بلادهم تحكم بالإسلام عندها رفعوا له راية العداوة ما بقوا؛ فحارب الإسلامَ الكفارُ من قريش، وحاربوا القرآن (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) [فُصِّلَتْ: 26]، وبدأوا يسيرون في الناس يحذرونهم من الإسلام (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ) [ص:6].

 

يحذر كل واحد منهم الآخر من أن يدخل في الإسلام، بل يبقون على أبواب مكة كلما أقبل أحد ليدخل في الإسلام ردوه أو زهدوه في صحبة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان الذي أسلم تاجرا كسدوا تاجرته، وإن كان فقيرا ضيقوا عليه، وإن كان عبدا مملوكا عذبوه، كما فعلوا في بلال وخباب وبجموع من الصحابة -رضي الله عنهم-.

 

حتى إن من المسلمين من مات تحت التعذيب؛ سمية بنت خياط أول شهيدة في الإسلام ماتت تحت التعذيب، زوجها ياسر مات تحت التعذيب، وكاد ولدهما عمار أن يحلق بهما، ثم حارب الإسلامَ اليهودُ -أيضا- وكادوا للإسلام مكائد، وكادوا لرجاله ولنسائه، وظاهر اليهود الكفار من كل جانب يساعدوهم على حرب الإسلام، وحارب الإسلامَ -أيضا- المنافقون، وصار المنافقون يكيدون للإسلام من كل جانب، ويحاولون أن يحولوا بين الناس وبين الدخول فيه، وإذا رأيت وجدت أن المنافقين لا يكادون يدعون بابا من أبواب الحرب، إلا حاربوا فيها الإسلام، والمشكلة أنهم كانوا مقيمين في المدينة، يصلون مع المسلمين، يساكنونهم، ينكحون النساء، كما ينكح المسلمون نساءهم، ويمشون معهم في الأسواق، ويظهرون الإسلام وهم حرب على الإسلام يطعنونه في خاصرته (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ) [الْحَشْرِ: 11-12].

 

صار المنافقون يُظَاهِرُونَ الكافرين واليهود، يحاصِر النبيُّ -عليه الصلاة والسلام- بني النضير في المدينة؛ فيأتي المنافقون ينصرون بني النضير ضد المسلمين، يحاصر النبي -صلى الله عليه وسلم- بني قريظة وبني قينقاع وما تحصل حالة إلا ويحاول المنافقون أن يطعنوا الإسلام في خاصرته، حتى خرج النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى معركة أُحُد لما علم أن المشركين قد جمعوا جموعهم لحرب المسلمين وأقبلوا إلى معركة أحد، وإذا به -عليه الصلاة والسلام- يأمر الناس بالخروج فلما وصل المسلمون وهم تسعمائة وخمسون رجلا يترقبون ثلاثة آلاف مقاتل من قريش مقبلين لحربهم فإذا بثلاثمائة من المنافقين يستغلون هذه النقطة الحرجة عند المسلمين ويرجعون إلى المدينة ويتركون الستمائة والخمسين وحدهم، ثم لما وقع ما وقع على المسلمين في أحد صار المنافقون يتندرون بهم في المدينة، والنساء المنافقات تتندر على المسلمات وأطفالهم يتندرون على أطفال المؤمنين، ويقولون: (لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا) [آلِ عِمْرَانَ: 168]، لو رجعتم معنا ما متم هناك في أُحُد، ولا زال هذا الإسلام يقوى بالرغم مما يفعله أولئك حتى مكن الله -تعالى- للدين وغدا بلال سيدا، ومضى الطغاة إلى جهنم.

 

وصار عمار وسلمان وخباب الصحابة الذين طالما عُذِّبُوا وطالما ضيق عليهم يقفون مع رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في فتح مكة ينظرون إلى جموع الكافرين بين يديه وأولئك الكافرون ينظرون إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- بكل ذل وانكسار، ويقول لهم -عليه الصلاة والسلام-: "ما تظنون أني فاعل بكم"، أنتم الذين قتلتم أصحابي، أنتم قتلة سمية، وقتلة ياسر، أنتم الذين جلدتم بلالا وأصليتم ظهر خباب بالنار، أنتم الذين ألقيتم على رأسي الأذى والدم الذي خرج من الناقة أثناء ولادتها؛ سلا الجزور، ألقيتموه على رأسي وأنا ساجد، أنتم الذين طالما ضربتم أبا بكر، أنتم الذين مررت يوما عند الكعبة فأخذتم بردائي وخنقتموني حتى كدت أن أموت، أنتم الذين حاربتمونا في بدر، وفي أحد وحاصرتمونا في الخندق، أنتم الذين ظاهرتم المشركين من المنافقين ومن اليهود علينا. ما تظنون أني فاعل بكم؟

 

فإذا بهم بكل ذلة وانكسار يقولون: "أخ عزيز، وابن أخ عزيز" لا نملك أن نقول شيئا، آثرك الله علينا، أخ عزيز وابن أخ عزيز، ويأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بلالا أن يرقى على الكعبة؛ فيؤذن ويقول: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، وهو يرى هذا النصر العظيم للإسلام.

 

فلو أَبْصَرَتْ عيناكَ وجهَ محمدٍ *** ورأيتَ ما يجري بدار الأرقم

ورأيتَ مكة وَهْيَ تغسل وجهها *** بالنور من آثار ليل مظلم

وفتحتَ نافذةً لتسمع ما تلا *** جبريل من آي الكتاب المحكم

ورأيتَ ميزان العدالة قائما *** يقتص فيه ضحى من ابن الأيهم

ورأيتَ كيف غدا بلال سيدا *** ومضى الطغاة إلى شفير جهنم

لو أن عينَكَ أبصرت إسلامَنا *** لخرجت من كهف الضلال المظلم

 

ويُظْهِرُ اللهُ -تعالى- دينَه على الناس، واليومَ -أيها المسلمون- تتلفت يمينا ويسارا وترى ما حورب به الإسلام في بدايته لا تزال الأسلحة ترفع هي نفسها ذاتها على الإسلام في كل حين، ويحارب الإسلام من قبل التتار، ويحارب من قبل الصليبيين، (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) [آلِ عِمْرَانَ: 140]، ولا تزال إلى اليوم تلتفت يمينا ويسارا وترى آلاما، التفت؛ حيث شئت، وانظر في حال المسلمين، لماذا يحاربونه؟ ماذا يضرهم أن يتلفظ الناس بالإسلام بالشهادتين ويدخلون في دين الله أفواجا؟ ماذا يضرهم؟

يسوؤهم أن ينتشر الإسلام، يسوؤهم أن يعبد الله وحده لا شريك له، لا يرضون بذلك، انتشار الإسلام اليوم هو الذي يدعوهم إلى محاربته، القنوات الإسلامية اليوم من أكثر القنوات انتشارا في الدنيا، باللغة الإنجليزية والصينية وأنواع اللغات، واللغة الفلبينية والهندية والأوردو والسواحلية وغير ذلك، ومشاهدوها بالملايين، الكتب الإسلامية اليوم اسأل أي مركز إسلامي في الخارج ليخبرك كم عدد الذين يقبلون على الإسلام وعلى شراء الكتب الإسلامية أو أخذها إهداء.

 

المراكز الإسلامية اليوم تزداد ولا تنقص، في أمريكا خلال اثنتي عشرة سنة بني ألف ومائتا مسجد، بمعدل مائة مسجد في كل سنة، أي: كل ثلاثة أيام تقريبا مسجد، الدنمارك عدد سكانها خمسة ملايين ونصف، وصل عدد المسلمين إلى خمسمائة ألف من الدنماركيين الأصليين، ليس من الوافدين إليها، من الدنماركيين الأصليين، التخلي عن النصرانية بدأ يزداد، التقارير تقول: "إنه من كل خمسة أمريكيين هناك أمريكي واحد تخلى عن المسيحية" من كل خمسة أمريكيين، وفي بريطانيا يقولون: "إنه قد نقص اليوم عدد الذين يقولون: إنهم مسيحيون قد نقص منهم الثلث"، بصرف النظر عن تمسكهم وصاروا ملحدين، أو غير ذلك.

 

قالوا: وفي كل سنة ينقص ذلك العدد أكثر وأكثر من قبل الشباب الذين ينشئون، ينشأ شبابهم على العلمانية وعلى الفساد وعلى أنواع الفجور وبالتالي لا يفكر أن يذهب إلى كنيسة ليصلي، ولا يعقد زواجه؛ لأنه أصلا لا يعقد زواجا شرعيا؛ لأنه لم ير أباه يذهب إلى الكنيسة وربما لم ير جده -أيضا-.

 

هذا التفكك الذي يعيشونه هو الذي يدفعهم فعلا إلى حرب هذا الدين الذي يرون بأنه سيظهر على الدنيا، (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [الصَّفِّ: 8]، يقول الله -تعالى- عندما ذكر أحوال الرسل وحرب قومهم لهم قال: (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الرُّومِ: 47]، وقال تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يُوسُفَ: 110]، أي إجرام أعظم مما يحصل في سوريا أو في غيرها؟ أي إجرام أعظم؟ (وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يُوسُفَ: 110]، (فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الرُّومِ: 47].

 

والذي انتقم من المجرمين السابقين وحكى لنا -جل وعلا- هلاك فرعون والنمرود وقارون وهلاك أمم الكفر من أمة نوح وأمة لوط وشعيب وغيرهم الذي حكى لنا هذا في القرآن والله ما حكاه لنا عبثا، حكاه لنعتبر ونفهم أن الله -تعالى- ناصر دينه، إن لم يفعل اليوم فسيفعل غدا، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "بَشِّرْ أُمَّتِي بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالتَّمْكِينِ"، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [النُّورِ: 55]، كما استخلف نوحا والقلة الذين كانوا معه، كما استخلف إبراهيم والقلة الذين كانوا معه من المؤمنين، كما استخلف الله -تعالى- غيرهم، وكما استخلف محمدا -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النُّورِ:55].

 

هذا الدين ظاهر فلا يقعن في قلبك شك في أن الله -تعالى- ناصره ومؤيده، اعلم أن الله -تعالى- إن ابتلى المسلمين فإنما يبتليهم لأجل أن يعظم أجورهم ويتخذ منهم شهداء، ولأجل أن يتعود المسلمون على البذل والتضحية والتعب؛ لأن الدين ينصر على سواعد الرجال، والله -جل وعلا- يؤيدهم بعد ذلك (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ) [النِّسَاءِ: 104].

 

حَكِّمْ سُيُوفَكَ فِي رِقَابِ الْعُذَّلِ *** وَإِذَا نَزَلْتَ بِدَارِ ذُلٍّ فَارْحَلِ

وَإِذَا الْجَبَانُ نَهَاكَ يَوْمَ كَرِيهَةٍ *** خَوْفًا عَلَيْكَ مِنَ ازْدِحَامِ الْجَحْفَلِ

فَاعْصِ مَقَالَتَهُ وَلَا تَحْفِلْ بِهَا *** وَاقَدِمْ إِذَا حَقَّ اللقاء فِي الْأَوَّلِ

وَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ مَنْزِلًا تَعْلُو بِهِ *** أَوْ مُتْ كَرِيمًا تَحْتَ ظِلِّ الْقَسْطَلِ

لَا تَسْقِنِي مَاءَ الْحَيَاةِ بِذِلَّةٍ *** بَلْ فَاسْقِنِي بِالْعِزِّ كَأْسَ الْحَنْظَلِ

 

الصحابة الذين بذلوا وثبتوا وثبتهم الله -تعالى- حتى نصر الله بهم الدين، ونحن والله العظيم ننظر اليوم إلى ما يقع في الإسلام من البوارج التي تجمع من أنحاء الأرض إلى ديار المسلمين، وحاملات الطائرات ونتذكر قول الله -تعالى-: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ) [التَّوْبَةِ: 32]، وقوله: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ) [آلِ عِمْرَانَ: 54]، (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا) [الطَّارِقِ: 15]، (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) [النَّمْلِ: 50].

 

وما من يد إلا يد الله فوقها *** ولا ظالم إلا سيُبلى بأظلم

 

والله إن اليقين الذي يقع في قلب المؤمن ينبغي أن يكون مثل اليقين الذي وقع في قلوب الأولين من صحابة رسول الله -عليه الصلاة والسلام- وهم يرون جحافل الكافرين مقبلة إليهم، والله -جل وعلا- كفيل بنصر المؤمنين إذا حققوا الشروط لهذا النصر.

 

نسأل الله -تعالى- أن ينصر دينه، وأن يعز شريعته، وأن يجمع كلمة المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين، أما بعد:

 

لعلنا سمعنا -أيها الإخوة الكرام- جميعا بما أطلقه الحوثيون من صواريخ وآخرها الصاروخ الذي أطلق على مكة المكرمة بالأمس، لكن الله -تعالى- أيد بنصره المؤمنين، ودمر هذا الصاروخ قبل أن يصل إلى مكة بستين كيلو تقريبا، ونحمد الله -تعالى- أن حمى بيته، ولما سمعت هذا الخبر أيقنت أنها بداية النهاية لمن سولت له نفسه بالاعتداء على البيت الحرام، يقول الله -تعالى-: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الْحَجِّ: 25]، (مَنْ يُرِدْ)، ليس من يفعل، بل من خطط للإفساد في الحرم، مجرد تخطيط دون أن يفعل (نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما- وهو يتكلم عن هذه الآية، يقول: "لو أن رجلا في عدن أبين، لو أن رجل في أقاصي اليمن هم بمعصية في الحرم لأذاقه الله من العذاب الأليم وإن لم يفعلها"؛ يعني لو أن رجلا في ذلك البعد هم أن يفعل معصية، خطط أن يأتي ليفعل معصية في الحرم، ومشى لكم لم يصل إلى الحرم، مات في أثناء الطريق أذيق كأنه فعلها؛ لأن الحرم أحكامه تختلف عن غيره.

 

(وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الْحَجِّ: 25]؛ الجرأة على إرسال الصواريخ على مكة نعوذ بالله من ذلك، أي قلب يرضى بهذا؟ أي نفس تدعي الإسلام وتنتسب إليه وتتوجه إلى القبلة وترضى أن تطلق رصاصة على الحرم فضلا عن أن تطلق صاروخا؟ ولا يزال ما خلده الله -تعالى- في القرآن من قصة أبرهة، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) [الْفِيلِ: 1-5].

 

وكان الكافرون وهم كفار يعرفون عظمة الحرم ولما أقبل أبرهة بجيش لا يرى أوله ولا آخره، وإذا الجيش عرمرم ومعهم الفيلة، ومعهم الأسلحة الحديثة، أقبل بجيش لم يعرف من قبله أقوى منه، فلما وصل إلى الحرم وأراد أن يدكه دكا أقبل إليه عبد المطلب، وكان بعض قوم أبرهة قد سلبوا إبلا لعبد المطلب، وكان عبد المطلب من رؤوس مكة، وكان قد أوتي حسنا وجمالا في وجهه؛ فما أدخل على أبرهة طلب أن يؤذن له فأذن له؛ فلما أقبل على أبرهة أعجب به وكرمه ورفعه معه، وهو كان من رؤوس أهل مكة عبد المطلب جد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال لعبد المطلب: "ما حاجتك؟".

 

ظن أنه سينطرح على قدميه يقبلهما ويرجوه أن يعود أدراجه ولا يهدم الكعبة، وقد كان أبرهة أقبل لذلك، وإذا عبد المطلب لا يتكلم عن الكعبة ولا عن الحرم، قال: "إن أصحابك قد سلبوا إبلا لي فأريد أن تردها إلي"؛ فنظر إليه أبرهة وقال: "أنا جئت لأهدم البيت الذي تعظمه أنت وأجدادك وتكلمني عن إبل؟"، فقال له عبد المطلب: "أنا رب الإبل –أنا المسئول عن الإبل- وللبيت رب يحميه"؛ أنا لا أستطيع أن أردك عن الكعبة، لكن الذي في السماء لن يأذن لك أن تحرك منها حجرا، ثم خرج عبد المطلب وأمر أهل مكة أن يخرجوا في الجبال، قال: "حتى لا يصيبكم العذاب معهم"؛ فتقدم أبرهة فأرسل الله -تعالى- عليهم طيرا أبابيل، وإذا الطير معها حجارة تلقيها عليهم؛ فتأكلهم الحجارة أكلا كأنها نار يسري على رؤوسهم فيأكل أجسادهم، (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) [الْحَجِّ: 25]، ما فعله هؤلاء من إرسال هذا الصاروخ أو الاعتداء على البلد الحرام، أو على المملكة أو الاعتداء على الآمنين، أو ما فعلوه قبل ذلك في اليمن رأينا صورا لمساجد هدمت، ودور قرآن هدمت وعلماء فعل بهم ما فعل من سجن ومن اغتيال، (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [إِبْرَاهِيمَ: 42].

 

نسأل الله -تعالى- أن يكفينا شر أهل الشر، أسأل الله أن يكفينا شر أهل الشر، اللهم إنا نعوذ بك من شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر ما تعاقب عليه الليل والنهار، يا عزيز يا غفار يا رب العالمين، اللهم يا حي يا قيوم احم بلادنا من كل من أراد بها سوءا واحم جميع بلدان المسلمين، اللهم احم جميع بلدان المسلمين، اللهم احم جميع بلدان المسلمين، يا حي يا قيوم يا رب العالمين.

 

اللهم كن لأهلنا في اليمن، اللهم مكن للجنود الذين يقاتلون دفاعا عن الحق وأهله يا رب العالمين، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم واحم جنودنا في الحد الجنوبي يا رب العالمين، اللهم ومكن للحق وأهله في بلاد الشام، اللهم اجمع كلمة المجاهدين هناك على الحق والهدى يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وكن لأهلنا في العراق، وكن لأهلنا في مصر، اللهم صب عليهم في مصر الخير صبا صبا، اللهم لا تجعلن عيشهم كدا كدا، اللهم ول عليهم خيارهم، اللهم اجعل ولايتهم فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، يا رب العالمين يا حي يا قيوم، اللهم كن لأهلنا في ليبيا وفي كل أرض من أرضك يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم صَلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصَّافَّاتِ: 179-182].

المرفقات

صواريخ الحوثي وأسرار قوة المسلمين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات