صمود أهل فلسطين رغم كيد المعتدين

الشيخ د محمد أحمد حسين

2022-11-04 - 1444/04/10 2022-11-06 - 1444/04/12
عناصر الخطبة
1/تحية إكبار للشهداء وذويهم 2/ضرورة نبذ العهود الباطلة من بريطانيا والدول المعادية للإسلام والمسلمين 3/الصراع بين الحق والباطل سنة من السنن الكونية 4/رسائل لذوي الأسرى والمعتقلين والجرحى 5/رسالة لقمة الجزائر 6/الكيل بمكيالين من الدول الكبرى 7/ثبات أهل فلسطين على الطريق المستقيم

اقتباس

الأمانة الكبرى في أعناقا جميعًا، أن نكون المرابطين والمعمِّرين للمسجد الأقصى المبارَك بشد الرحال إليه في جميع الأوقات والأحوال؛ حتى يكون عامرًا بالإسلام والمسلمين، عامرًا بالمرابطين، الذين لهم -بفضل الله وكرمه- الثواب العظيم، والأجر الجزيل في كل خطوة أو حركة يتحركون بها في المسجد الأقصى أو بشد رحالهم إليه...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ، ناصر المؤمنين وهازم الكافرين، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، له المُلكُ وله الحمدُ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، قال وقوله الحق: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ)[النُّورِ: 55]، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا، وقائدنا وقدوتنا، محمدًا عبد الله ورسوله، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغُرّ الميامين، ومَنْ سار على نهجهم واستنَّ سُنَّتَهم، واقتفى أثرَهم إلى يوم الدِّين، والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والقائمين الساجدين، في المسجد الأقصى المبارَك، وفي كل أرض من ديار المسلمين.

 

وبعد، أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، يا أبناء بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، مِنَ الجليل إلى الخليل، ومن جنين إلى غزة، لا، بل في كل أرجاء فلسطين: يزفُّ شعبُنا في هذه الأيام الشهداء من أبنائه المكرمين، المكرمين عند الله -تعالى-؛ ألم يقل -سبحانه- في حقهم: (وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 169-170]، نعم أيها المسلمون، قدَرُنا في هذه الديار المبارَكة التي كرَّمَها اللهُ بإسراء الحبيب الأعظم، -صلى الله عليه وسلم- مِنْ أول مسجدٍ وُضِعَ في الأرض، إلى ثاني مسجد وُضِعَ في الأرض؛ (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)[الْإِسْرَاءِ: 1]، لتكتسب هذه الديار المبارَكة على مستوى العقيدة والإيمان والإسلام قدرًا عاليًا عند الله -تعالى-، ومنزلةً كريمةً لأهلها والمرابطين فيها، والذائدين عن ترابها وعن مقدساتها، بأغلى ما يملكون؛ دمائهم الزكية، وأرواحهم الطاهرة، فصلاةُ اللهِ وسلامُه على أرواحهم الطاهرة، التي ارتفعت إلى العلا والمعالي، معلِنةً لكل المسلمين في هذا العالَم أن المرابطينَ في هذه الديار، وأنَّ أبناء الإسلام في هذه الديار وأن أبناء فلسطين قد نذروا أنفسهم لله -تعالى-، يَذُودُونَ عن قدسهم، وعن مقدساتهم، وعن كرامة الأمة الإسلاميَّة حيثما كانت هذه الأمة.

 

نعم، أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ورغم كل العهود التي جعلها الله باطلة، وهي باطلة فعلًا؛ بفضل رباطكم، وبفضل صبركم، وبفضل صمودكم؛ فإذا كانت مسيرة الشهداء منذ مطلع القرن الماضي في العصر الحديث، ورافقت تلك المؤامرات والعهود الباطلة، كعهد ذاك المجرم في بريطانيا المجرمة، بريطانيا المجرمة، يؤازرها ويقف إلى جنبها وخلفها قوى الاستكبار العالميّ، في هذا العالم؛ أمريكا الظالمة، والغرب المجحف الظالم، الذي لا يعرف حقوق الإنسان إلَّا في دياره إذا كان صادقًا في زعمه.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: لا وزنَ للعهود الباطلة، ولا وزنَ للعهود المجرمة، ولا للمعاهدات المجحفة بحق أرضنا وشعبنا وديار الإسلام، لا وزن لها في ميزان الله -تعالى-؛ لأنَّها وعود ظلم، ولأنها من صنع أعداء الله الذين يكيدون للإسلام والمسلمين، ولديار المسلمين، وعلى رأسها وفي مقدمتها هذه الأرض الطاهرة المباركة، التي روي ترابها بدم الصحابة الأخيار، والشهداء الأبرار، من أبناء أمة الإسلام منذ فجر التاريخ الإسلامي، ومنذ فتح هذه الديار المبارَكة، على أيدي الكرام من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومنذ ارتفع الأذان مكبرًا في هذه الديار المبارَكة بلسانِ وصوتِ مؤذنِ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، إلى يومنا الحاضر، وإلى غَدِنَا، وإلى أن يرث اللهُ الأرضَ وما عليها ومَنْ عليها.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: إن صراع الحق مع الباطل، وكراهية الباطل للحق أمران قرينان، فلا تخلو هذه الدنيا من الحق وأهله، الذين يذودون عن الحق، في كل زمان ومكان، ويحملون لواء الحق في جميع الأوقات والأحوال، ولعله يصدق عليكم قول حبيبنا -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قلنا: يا رسول الله، وأين هم؟ قال: هم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس".

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: لا يخفى على مُطالِع التاريخ، لا، بل على حتى المعاصرين لتاريخ نكبتنا، وتاريخ نكستنا، وتاريخ البلاء والابتلاء الذي ابتُلي به هذا الشعبُ الكريمُ المرابطُ، هذا الشعب الصابر المكافح، هذا الشعب الذي أخذ على عاتقه أن يكون سادنًا لمقدَّسات القدس وفلسطين، وأن يكون حارسًا أمينًا لترابها الطاهر، وأن يكون العين الساهرة على حقوق أبناء هذه الديار المبارَكة، فلا غرابةَ -أيها المؤمنون- أن تكون مواكب الشهداء تترى في هذا الديار المبارَكة، نترحم على أرواحهم الطاهرة، من علياء منبر المسجد الأقصى المبارَك، أُولى القبلتين، وثاني المسجدين، وثالث المساجد التي لا تُشَدّ الرحالُ إلا إليها، ضارعينَ إلى الله -تعالى- أن يُكرِمَهم ويُنزِلَهم الفردوسَ الأعلى من جِنانه؛ (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[النِّسَاءِ: 69].

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: نقول كذلك من علياء هذا المنبر لأسرانا البواسل: صبرًا أيها الأبطال؛ فإن النصر قادم، وإن الحرية قادمة، ولا بدَّ لفجر الليل المظلم أن يبزغ من ظلمات هذا الليل، نقول لأهل وذوي الجرحى الذين نتمنَّى لهم الشفاء العاجل، ونقول أيضًا من علياء هذا المنبر لذوي الشهداء: صبرًا أيها الأحبابُ، وتجمَّلوا بالصبر والعزيمة والرباط، نسأل الله -تعالى- أن يربط على قلوبكم بالإيمان، وأن يثب عزائمكم، وأن ينصركم بحوله وقوته، إنَّه نعم المولى ونعم النصير، نقول لأبناء ديار الإسراء والمعراج: لا يفتن في عضدكم ولا يضعف عزيمتكم ما يقوم به الاحتلالُ المجرمُ من جرائم تشمل الحصار والإغلاق في غزة، في نابلس، في جنين، في قرى وأرضنا ومدنها الطاهرة المباركة، لا، بل يجب أن تكون هذه الابتلاءات عونًا لكم في الصبر والثبات والرباط، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.

 

جاء في الحديث الشريف، عن رسولنا الأكرم، -صلى الله عليه وسلم-: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعُيِّنَ باتت تحرس في سبيل الله" أو كما قال؛ فيا فوز المستغفرين استغفروا الله وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبي بعده، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحب لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اهتدى واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

 

وبعدُ، أيها المسلمون: سنقيم صلاة الغائب بعد صلاة الجمعة على أرواح شهدائنا ومَنْ أُحضر من أموات المسلمين في المسجد الأقصى المبارَك، ونقول أيها الأحبابُ: إن القمة العربيَّة التي انعقدت منذ أيام قليلة في الجزائر، يجب عليها أن تُطبِّق ما نطقَتْ به، وما اتفقت عليه فعلًا على الأرض، فعلًا بأفعال يراها ويحث بها أبناء شعبنا على هذا التراب الطاهر المقدس، أفعالًا تشعر بها وتحس بها كل الشعوب العربيَّة والإسلاميَّة في هذا العالم، أفعالًا تُوحِّد صفَّ الأمة العربيَّة والإسلاميَّة، أفعالًا ترى ما يَحِلّ بالقدس ومقدَّساتها، وما يحلّ بهذا الشعب الصابر المرابط، أفعالًا تُترجَم إلى وقائع حقيقيَّة، تُعين الصابرين على صبرهم، وتؤازر المرابطين في رباطهم، وتثبت للأمة كل الأمة، أنَّه آن الأوان للنائمين أن يستفيقوا، وللمتفرقين أن يتوحدوا، وللمتخلفين أن يلحقوا بركاب العزة، وللمتساهلين في حقوق أبناء فلسطين وشعبها، أن يرتفعوا إلى مستوى مسئولياتهم قبل فوات الأوان.

 

أيها المسلمون، يا أبناء المسلمين في كل مكان: تشاهدون وتراقبون ما يجري في عالم اليوم، ذاك العالم الذي غلب عليه النفاق، وغلبت عليه العداوة، فبدت من أفواههم، وما تخفي صدورهم أكبر، هناك في بلاد أوروبا وأوكرانيا، يجتمع المجتمع الذي يزعم أنَّه يحافظ على حقوق الإنسان؛ ليحارب بالوكالة عن تلك الدولة التي هي أوكرانيا، وفي فلسطين وبلاد العرب والمسلمين، تغيب هذه المعايير، وهذه المكاييل، وتبدو العداوة بأسمى مظاهرها، أو بما هو بئيس في أحوالها، ولقد أصاب القائل:

كلُّ العَدَواتِ تُرجى مَودَّتُها *** إلَّا عداوةُ مَنْ عَادَاكَ في الدِّينِ

 

فاعتبِروا يا أولى الأبصار، واعتبِروا يا أُولِي الألباب، واعتبِروا أيها المفكرون والمثقفون، اعتبِروا أيها القادة في ديار العرب والمسلمين، اعتبِروا ممَّا يجري في هذا العالَم، رَاقِبُوه، حلِّلُوه، اخرجوا بالدرس الذي أوجبه الله عليكم؛ (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[الْمَائِدَةِ: 2].

 

أيها المسلمون، يا أبناء بيت المقدس، وأكناف بيت المقدس: نقول للقريب وللبعيد، وللصديق وللعدو: إن شعبنا الصابر المرابط، الذي هو بشارة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- لن يسير، ولن يحيد عن طريقه المستقيم، مهما كانت التضحيات، ومهما بلغت الخسائر في الأموال والأنفس والثمرات والأولاد، لا لن يحيد؛ لأنَّه أخذ على عاتقه أن يحيا بثواب الرباط، وكما جاء عن حبيبنا الأكرم: "كلُّ مَيِّتٍ يُختَم على عمله، إلا المرابطَ في سبيل الله، فإنَّه تُنمَّى لهم أعمالُهم"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لَمَوْضِعُ سوطِ أحدِكم من الجنة خيرٌ من الدنيا وما عليها".

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: وأما الأمانة الكبرى في أعناقا جميعًا، أن نكون المرابطين والمعمِّرين للمسجد الأقصى المبارَك بشد الرحال إليه في جميع الأوقات والأحوال؛ حتى يكون عامرًا بالإسلام والمسلمين، عامرًا بالمرابطين، الذين لهم بفضل الله وكرمه الثواب العظيم، والأجر الجزيل في كل خطوة أو حركة يتحركون بها في المسجد الأقصى أو بشد رحالهم إليه، كما هو الحال في هذا اليوم المبارَك، وفي سائر الأيام.

 

كونوا -أيها المؤمنون الكرام- على قدر المسؤوليَّة في الدفاع عن مسجدكم وقدسكم، كونوا كما أرادكم الله -تعالى-؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 200].

 

اللهم رُدَّنا إليكَ ردنا جميلًا، وهيِّئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، وينتصر لنا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات

صمود أهل فلسطين رغم كيد المعتدين.pdf

صمود أهل فلسطين رغم كيد المعتدين.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات