عناصر الخطبة
1/الحث على صلة الأرحام والترغيب في ذلك 2/مظاهر اهتمام الإسلام بالرحم وتعظيمه لها 3/الآثار الحميدة لصلة الرحم في الدنيا والآخرة 4/العواقب الوخيمة لقطيعة الرحم في الدنيا والآخرة 5/صلة الرحم طاعة من الطاعات وليست على سبيل المكافئة 6/معونة الله وتأييده لمن يصل رحمه وإن قطعتهاقتباس
في صلة الرحم من الآثار الحميدة، والعوائد المباركة، والخيرات العميمة، في الدنيا والآخرة ما لا يُعَدُّ ولا يُحصى؛ فصِلَتُها -معاشر المؤمنين-: سببٌ لسعة الرزق وكثرته، وراحة القلب وطمأنينته، وزيادة العمر وبركته؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ". والقطيعة -وهي ضد الصلة- شؤمٌ كلها، ومضرةٌ كلها، وعواقبها على القاطع وخيمة في الدنيا والآخرة؛ فهي موجبةٌ للخسران، ومعقِبةٌ للحرمان في الدنيا والآخرة، ولو...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه سبحانه مراقبة من يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه.
وتقوى الله -جل وعلا-: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.
أيها المؤمنون: إنَّ الإسلام دينُ الوفاء والصفاء، والمحبة والإخاء، والبرِّ والصلة والإحسان: (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[البقرة: 195].
أيها المؤمنون -عباد الله-: وإنَّ من الإحسان الذي حثَّ عليه دين الله، وجاء الترغيب فيه في شرعه؛ صلة الأرحام؛ فإنَّ الله -عز وجل- عظَّم من شأن الرحمن وأعلى من قدرها.
وقد قرن جل وعلا الوصية بها بتقواه جل في علاه، قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، ولكن برُّوها وصِلُوها وأحسِنوا إليها.
معاشر المؤمنين: وإن من تعظيم الإسلام للرحم؛ ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ" قَالَ: "نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟" قَالَتْ: "بَلَى يَا رَبِّ" قَالَ: "فَهُوَ لَكِ" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ)[محمد: 22-23].
أيها المؤمنون: ومن تعظيم شأن الرحم؛ ما جاء في الصحيح من حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ: مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللهُ".
ومن عظيم شأن الرحم -معاشر المؤمنين-: ما ثبت في سنن أبي داود عن عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قَالَ اللَّهُ: أَنَا الرَّحْمَنُ وَهِيَ الرَّحِمُ، شَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي، مَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَتُّهُ".
أيها المؤمنون -عباد الله-: ولقد بدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بالحث على صلة الرحم، وبيان عظيم شأنها، من أول رسالته، وبداية بعثته؛ ففي صحيح مسلم في قصة إسلام عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- قال: "أتيتُ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت له: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: "أَنَا نَبِيٌّ" فَقُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: "أَرْسَلَنِي اللهُ" فَقُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: "أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الْأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لَا يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ".
أيها المؤمنون -عباد الله-: وفي صلة الرحم من الآثار الحميدة، والعوائد المباركة، والخيرات العميمة، في الدنيا والآخرة ما لا يُعَدُّ ولا يُحصى.
فصِلَتُها -معاشر المؤمنين-: سببٌ لسعة الرزق وكثرته، وراحة القلب وطمأنينته، وزيادة العمر وبركته؛ ففي الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، ويُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".
أيها المؤمنون -عباد الله-: والقطيعة -وهي ضد الصلة- شؤمٌ كلها، ومضرةٌ كلها، وعواقبها على القاطع وخيمة في الدنيا والآخرة؛ فهي موجبةٌ للخسران، ومعقِبةٌ للحرمان في الدنيا والآخرة، ولو لم يأتِ في ذلك إلا ما ثبت في الصحيح من حديث جُبير بن مطعِم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ" أي: قاطع رحم.
أعاذنا الله أجمعين من العقوق والقطيعة، وأصلح لنا شأننا كله، ورزقنا بمنِّه وكرمه البر والصلة والإحسان، إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء، وهو أهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرةً وأصيلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-؛ فإن من اتقى الله وقاه، وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه.
أيها المؤمنون -عباد الله-: وليست صلة الرحم أمرًا على سبيل المكافئة والمعاوضة؛ بأن تصل من وصلك وتقطع من قطعك.
وإنما الصلة -عباد الله-: قربةٌ من القرب وطاعةٌ من الطاعات، بأن تصل رحمك كلها، من وصلك منهم ومن قطعك؛ ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا".
أيها المؤمنون -عباد الله-: ومن كان واصلًا لرحمه وإن قطعته، فلا يزال معه من الله معونةٌ وتسديدٌ وتأييد؛ روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة أَنَّ رَجُلًا قَالَ: "يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ؟" فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ".
ونسأل الله -جل وعلا- أن يصلح أحوالنا أجمعين، وأن يجمعنا على البر والتقوى ومن العمل ما يرضى.
واعلموا -رعاكم الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهُدى هُدى محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ الصديق، وعمرَ الفاروق، وعثمانَ ذي النورين، وأبي الحسنين علي، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كُن لهم ناصرًا ومُعِينا وحافظًا ومؤيِّدا.
اللهم وعليك بأعداء الدِّين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك، اللهم من شرورهم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها.
اللهم اهدِنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنَّا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله؛ دقه وجلَّه، أوله وآخره، علانيته وسره.
اللهم تقبَّل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبِّت حجَّتنا، واهد قلوبنا، وسدِّد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا.
(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23].
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم