صلاح المؤمنين والمؤمنات

يوسف بن عبد الوهاب أبو سنينه

2024-07-26 - 1446/01/20 2024-08-03 - 1446/01/28
التصنيفات الفرعية: السياسة والشأن العام
عناصر الخطبة
1/التقوى والإحسان حرز وأمان 2/التحذير من فتن الدنيا وشهواتها 3/مواساة ومؤازرة لإخواننا في غزة المحاصرة 4/الصبر على البلاء سبب خيري الدنيا والآخرة 5/رسالة إلى كل ناكص على عقبيه 6/الحث على التحلي بمكارم الأخلاق وطيب الفعال

اقتباس

أفضل الأعمال الصبر والسماحة، وحُسْن الخلق، وأفضل الإسلام الفقه في الدين، والعمل في طاعة الله، وحسن الظن بالله، وأفضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأفضل العمل إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وطيب الكلام...

نصائح وتوجيهات لصلاح المؤمنين والمؤمنات

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله المتفضل بجزيل المواهب والعطاء، المتطول بقَبول الطاعة ممَّن أطاع، وبالغفران عمَّن أساء، المبتدئ بالنِّعم قبلَ استحقاق الجزاء، الحي الذي اختصَّ برحمته مَنْ يشاء، ووفَّق لمعرفته مَنِ اجتبى من عباده الأولياء، وخواصِّه الأصفياء، والسادة العلماء ورثة الأنبياء، ونشهد ألَّا إلهَ إلا الله، في السماء عرشه، وفي الأرض سلطانه، وفي الأحياء والأموات قضاؤه، نحمده -سبحانه وتعالى- في السراء والضراء، رب ما أعز نصرك وأقرب فتحك، رب ما أسرع فرجك وأقوى أمرك، وأجل ذكرك، وأعدل حكمك، وأصدق قولك، وأوفى عهدك، وأنجز وعدك، لا إله إلا أنت سبحانك، إنَّا كنا من الظالمين.

 

ونشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، خاتم الأنبياء، وصاحب الحوض والشفاعة العظمى واللواء، دينه فلاح، وأمره نجاح، ومُدَّت له الرماح، أكرمه المولى -تبارك وتعالى- فكان آدم في علمه، ونوح في فهمه، وإبراهيم في حلمه، ويحيى في زهده، وموسى في بطشه، وعيسى في سياحته.

 

اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه صلاة تنشرح بها الصدور، وتنحل بها العقد والأمور، وارضَ اللهُمَّ عن آل بيته، فهذا ابن عباس، ابن عم سيد الناس، المطعم في الكربات، ولنعم ترجمان القرآن، كهل الكهول، له لسان سؤول، وقلب عقول، وهكذا كان أهل البيت، وارض اللهُمَّ عن الصحابة أجمعين؛ أبي بكر الخليفة، كان قويًّا في أمر الله، وأمير المؤمنين عمر، أجلد القوم، وكان لا يخاف في الله لومة لائم، كان يمنع الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، وعثمان رحيم بالمؤمنين، كان يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم، وهذا علي المطهر، والذي قتل مشركي قريش، صاحب الأذن الواعية، أخوه جعفر، المزين بالجناحين مع الملائكة، وعمه أسد الله، وسيد الشهداء، تمم الله -تبارك وتعالى- نوره في السماء، فعليٌّ صاحب البطولات والمنازلات والفتوحات، فلا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي، قاتل عن يمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقاتلت الملائكة عن يساره، أليس هو أمير البررة؟! وقاتل الفجرة؟! منصور من نصره، ومخذول من خذله.

 

وارض اللهمَّ عن التابعين الكرام، الذين نشروا الإسلام، وارض اللهمَّ عَنَّا معهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

 

أمَّا بعدُ، فيا أيها الناسُ: أحسِنوا في عمركم تُحفَظوا في عقبكم؛ فإن الله وعد جنته من أطاعه، وأوعد ناره من عصاه، إنها نار لا يهدأ زفيرها، ولا يفك أسيرها، ولا يجبر كسيرها، حرها شديد، وقعرها بعيد، وماؤها صعيد، وإن أخوف ما نخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل.

 

عبادَ اللهِ: لا تغرنكم الحياة الدنيا؛ فهي محفوفة بالبلاء وبالفناء معروفة، وبالغدر موصوفة، وكل ما فيها إلى زوال، وهي بين أهلها دول وسجال، العيش فيها مذموم، والرخاء فيها لا يدوم؛ (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)[الرَّحْمَنِ: 26-27].

 

عبادَ اللهِ: الموت ليس منه فوت، إن أقمتم له أخذَكم، وإن فررتُم منه أدركَكم، الموت معقود في نواصيكم، وراءكم طالب حثيث؛ ألا وهو القبر، فاحذروا ضغطته، ووحشته، ألا وإن القبر حفرة من حفر النار، أو روضة من رياض الجنة.

 

ألَا وإنه يتكلم في كل يوم ثلاث مرات؛ فيقول: "أنا بيت الظُّلْمة، أنا بيت الدود، أنا بيت الوحشة"، ألَا إنَّ وراء ذلك يومًا يشيب فيه الصغير، ويسكر فيه الكبير، وتضع كل ذات حمل حملها، سبحانك خلقتنا أنت غياث المستغيثين، وقرة عين العابدين، وحبيب قلوب الزاهدين، فإليك مستغاثنا، فارحم شبابنا، واقبل توبتنا، واستجب دعانا، ولا تخذلنا، واحفظنا، وتولنا برعايتك يا ربَّ العالمينَ.

 

عبادَ اللهِ: انظروا ما الذي حدث ويحدث في غزة؟! كأن القيامة قد قامت، والأهوال قد بدت، والأمم جاثية على الرُّكَب، نحن في أشد الأوقات بلاء، لقد تخلى عَنَّا القريب والبعيد، في كل ساعة، الشهداء يرتقون إلى الله، دمر كل شيء، ولم يبق إلا الدين والعزة والكرامة.

 

لقد بلغتُم الدرجات العُلَا؛ فقد ورَد في الأثر: "العبد يُبتَلى في ماله فيصبر، وليبلغ ذلك الدرجات العلا، ويبتلى في ولده فيصبر، وليبلغ بلك الدرجات العلا، ويبتلى في بدنه فيصبر، فيبلغ بذلك الدرجات العلا"، اللهمَّ بلغنا الدرجات العلا برحمتك يا ربَّ العالمينَ.

 

عبادَ اللهِ: سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه فقال: "لا تلوموني؛ فإن يعقوب -عليه السلام- فقد سبطا من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، ولم يعلم أنَّه مات، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلًا من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة، فترون حزنهم يذهب من قلبي أبدًا؟!".

 

إلهَنا ومولانا: لئن أخذتَ لقد أبقيتَ، ولئن ابتليت لقد عافيت، أعانكم الله يا أهلنا في غزة، لقد كنتم أصبر الناس، والحمد لله، لقد أبقى الله -عز وجل- لكم دينكم، ورشدكم، رغم الفِقدان والآلام والجراح، والحرمان والأحزان، لقد انتشرت الأمراض وعم الجوع والعطش وقلة الموارد، ولكن تذكَّرُوا قول الله -تعالى-: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ)[الطَّلَاقِ: 2-3].

 

فيا أيها المسلمون: مَنْ للغريب البعيد النازح الوطن، من للأسير أسير الهم والحزن؟ مَنْ للغريب الذي لا مستراح ولا حظ له من الوسن؟!

 

وأنتم يا أيها الناكثون: أفبالحق تُكَذِّبون؟! وعن القرآن تَصدِفون؟! وبآيات الله تجحدون؟! ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام القدر نافذة غير مخطئة، لاسيما في قلوب أوجعتموها، وأكباد أجعتموها، وأجساد عريتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم، فإنا صابرون، وجوروا فإنا مستجيرون، واظلموا فإنا إلى الله متظلمون؛ (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)[الشُّعَرَاءِ: 227].

 

لأنتم أعظم جُرمًا عند الله من ثمود؛ فإن ثمود قتلوا ناقة الله، وأنتم قتلتم أولياء الله، أسلمتمونا وتبكون علينا، لحى الله قومًا شاركوا في دمائنا وكنا لهم عونًا على العثرات

 

انظروا إليهم، وكأن شيئًا لا يعنيهم، يتنعمون في الدنيا، يشربون من رمان حلوان، وعسل أصفهان، ويأكلون زبيب الطائف، ويتحلون بسكر الأهواز، ويشربون من ماء بردى، ويقيمون الحفلات والسهرات والعزف والقيان، لقد اتخذتم مال الله دولًا، ودين الله دخلا، وعباد الله خولا، ليت شعري، كيف تتبختر الأمة اليوم؟! كيف يفرح رجالهم وتمرح نساؤهم؟! أصبحنا اليوم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون؛ إذ كانوا يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم.

 

اللهُمَّ أَحْسِنْ خلاصَنا، وخلاصَ أهلنا في غزة، ارحم أطفالهم ونساءهم وشيوخهم يا ربَّ العالمينَ.

 

عبادَ اللهِ: تقول التوبة للشباب: مرحبًا وأهلًا، وتقول للشيخ: نقبلك على ما كان منك، فتوجهوا إلى الله -تبارك وتعالى- وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي حبِّب إلينا بَيْت الْمَقدسِ، وجعلنا من أهله ومن العباد في المسجد الأقصى المبارَك، فنحن في جواره ثابتين، وفي رعاية المولى مطمئنين، فالحمد لله على نعمة الجوار، وجار الدار أحق بدار الجار، والجار محسوب على جيرانه، وجار الكريم مسامح من ذنبه.

 

نحمده على أن خصَّنا بملازَمة بابه، والوقوف على أعتابه، والتجول والسعي في رحابه، فلا راحة إلا وأنتم في المسجد الأقصى، تصلون وتسبحون وتذكرون الله، فيا لها من نعمة!

 

ونشهد ألَّا إلهَ إلا الله، جعل أرضنا مقدسة، وآوى إليها الأنبياء والعلماء، فاحفظوا -رحمكم الله- هذه النعمة، وقوموا لله بواجب شكرها، واحرسوها بتقوى الله، الذي من تمسك بها سلم، ومن اعتصم بعروتها نجي وعصم، واحذروا من اتباع الهوى؛ (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا)[النَّحْلِ: 92].

 

ونشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدًا رسول الله، عبده المرتضى، ونبيه المصطفى، أضاء لنا مشارق الأرض ومغاربها، فالبدر يطلع من ضياء جبينه، والشمس تغرب من شقائق خده، مَلَكَ الجَمالَ بأسره، فكأنما حُسْن البرية كلها من عنده، اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ وأنعم عليه.

 

أمَّا بعدُ، فيا عبادَ اللهِ: أفضل الأعمال الصبر والسماحة، وحُسْن الخلق، وأفضل الإسلام الفقه في الدين، والعمل في طاعة الله، وحسن الظن بالله، وأفضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده، وأفضل العمل إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وطيب الكلام، وأفضلُ الصلاةِ الصلاةُ لوقتها، وطول القنوت، وحسن الركوع والسجود، وأفضل الهجرة أن تهجر ما كره الله -سبحانه وتعالى-، وأفضل المجاهدين من جاهد نفسه في طاعة الله، وهجر ما حرم الله، وأفضل ساعات الليل جوف الليل الآخر؛ فإن الله يفتح فيه أبواب السماء، ويطلع خلقه، ويستجيب فيه الدعاء؛ إنه وقت السحر، وقت النجاة؛ (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ)[الْقَمَرِ: 34].

 

وأنتم يا أهلنا في بَيْت الْمَقدسِ: أوجُهكم للصباحة، وألسنتُكم للفصاحة، وأيديكم للسماحة، وعقولكم للرجاحة، فكونوا على قدر المسؤوليَّة، احفظوا أنفسكم ومسجدكم بتقوى الله -تبارك وتعالى-، أنتم معدن العز والشرف، فلا تغرنكم الحياة الدنيا، عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، أسلِموا تسلموا، إن الجماعة ما وافق طاعة الله -عز وجل-.

 

عبادَ اللهِ: لقد كثرت الدواهي، وقل النواهي، وقلَّ الأخيار، وكَثُرَ الأشرارُ، وانتهكوا المحارم والآثام، وقطعوا الأرحام، غنيهم فقير، وجارهم ذليل، لبسوا الثياب على قلوب الذئاب، اتخذوا مساجد الله لرفع أصواتهم، وهناك فئة من الناس اتخذوا من المساجد أماكن للهوهم ولعبهم، فترى بعضهم يوم الجمعة لاهين في آلاتهم وتصويرهم، غافلين في نومهم، مجانبين للطاعة، بعيدين عن الاستقامة، وقد اشتغل كثير منهم بأمور لا تعنيهم، لا يستمعون إلى موعظة، أو قراءة أو ما ينفعهم، يتناولون أحاديث الدنيا أثناء خطبة الجمعة، لقد زين لهم الشيطان أعمالهم، فهلا عاد هؤلاء لرشدهم؟! هلا تابوا لربهم؟!

 

عبادَ اللهِ: اقترب موعد إعلان نتائج التوجيهي، والذي نسأل الله -عز وجل- أن يكتب الفلاح والصلاح والنجاح لأبنائنا، ونحن من هنا نحذر من إطلاق المفرقعات، ففيها الأذى، وكفانا ما نحن فيه من القتل والدمار، وحرمان أهل غزة وأبناء عزة من الدراسة والتعليم، ونشد على أيادي المسؤولين وأولياء الأمور أن يلتزموا بهذا.

 

اللهُمَّ ألحقنا بالأبرار، ولا تلحقنا بالأشرار، واسقنا من خير الأنهار، اللهُمَّ بالذاريات، وكهيعص والطواسين وياسين، ونون والقلم وما يسطرون، والنجم إذا هوى، والطور وكتاب مسطور، في رق منشور، والبيت المعمور، ورب الأرض والسماء، يا الله يا حي يا قيوم، ارحم أهلنا في غزة يا الله، اللهُمَّ اجعل جبريل عن أيمانهم، وميكائيل عن شمائلهم، ونبينا -عليه الصلاة والسلام- من أمامهم، أنت ربنا من فوقهم، ومن تحتهم، احرسهم بعينك التي لا تنام، أنت ولي نعمتنا، وملاذنا عند كربتنا، اجعل نقمتهم بردًا وسلامًا علينا، كما جعلتها بردًا وسلامًا على إبراهيم، اللهُمَّ حسن العمل، وبلغ الأجل.

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات

نصائح وتوجيهات لصلاح المؤمنين والمؤمنات.doc

نصائح وتوجيهات لصلاح المؤمنين والمؤمنات.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات