عناصر الخطبة
1/ميزة الوضوح في الدين الإسلامي الحنيف 2/مظاهر الوضوح في خُلُق النبي صلى الله عليه وسلم 3/معنى الوضوح وأثره 4/الفرق بين الوضوح والبلاهة 5/الوضوح والشفافية في المعاملات المالية والإداريةاقتباس
فاحرص -أيها المسلمُ- على أن تكون كما أنتَ، وأن تجعل الناسَ يعرفونك بأخصرِ الطُّرُقِ إليكَ، لا بأبعدِها عنكَ، وبأسهلِها تجاهَكَ، لا بأصعبها دونَكَ، كن واضحًا سمحًا، هيِّنًا ليِّنًا، واسعَ الاحتواء غيرَ ضيِّقِه، لا تترك للناس مجالًا لتنوُّع تفسيراتهم تجاهَ شخصِكَ، لا تكن بينَهم غريبًا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله العلي الأعلى، الذي خلَق فسوَّى، والذي قدر فهدى، والذي أخرج المرعى، فجعله غثاء أحوى، أحمده -جلَّ في علاه- وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، خَلَق الخَلقَ بعلمه، وقدَّر لهم أقدارًا، ووضع لهم آجالًا، لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وسيد ولد آدم أجمعين، أرسله الله إلى الثقلين الإنس والجن بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى أصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-، وامتثِلوا أمرَه، واجتنِبوا نهيَه، واستمسِكوا بعروته الوثقى التي لا انفصامَ لها؛ (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 256].
أيها المسلمون: في دين الإسلام سمة محمودة، تبدو للناس جليةً في وضوحه التام؛ عقيدةً وشريعةً وأحكامًا، فهو دين سهل سمح، لا يغشاه غموض، ولا يعيا في فهمه ذووه، مبرَّأ من التعقيد والإغراب والألغاز، فالاعتقاد فيه واضح، والعبادة فيه واضحة، وثوابه واضح، وعقابه واضح، نعم، إنَّه لَواضح وضوحًا طاردا لكل غموض، دافِعًا لكل جهالة، إنَّه دين الإسلام الشرعة الغراء، البيضاء النقية، في أصولها وفروعها، ووسائلها وغاياتها، وقواعدها ومصادرها، فرسولُها الخاتمُ -صلوات الله وسلامه عليه- هو مَنْ قال: "تركتُكم على البيضاء، ليلُها كنهارها، لا يَزِيغ عنها بَعدِي إلا هالكٌ"، وهو الذي قال أيضًا: "والذي نفسي بيده لقد جئتُكم بها بيضاءَ نقيةً"، وهو القائل كذلكم: "إن الحلال بيِّن والحرام بيِّن".
إنَّه وضوح الإسلام بكل ما يحمله الوضوحُ من معنًى؛ فلا مجالَ فيه للاستخفاء، ولا مكان فيه للإبهام، كيف لا يكون ذلكم، والذي أُرسِلَ به رسولٌ واضحٌ، صريحٌ صادقٌ، ترى الوضوحَ في محيَّاه قبلَ أن يَنطِق، وفي فعله قبلَ أن يتكلم، هو مَنْ وصَفَه عبدُ الله بنُ رواحةَ رضي الله -تعالى- عنه بقوله:
لو لم تكن فيه آياتٌ مبيِّنةٌ *** كانت بديهتُه تُنبيك بالخبرِ
إنَّه وضوح النبي -صلى الله عليه وسلم- وصِدقُه، وحُسْن ظاهره، المنبئ عن حُسْن باطنه؛ ففي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرَج ذاتَ ليلة من معتكَفِه؛ ليذهب بزوجته صفيَّة إلى بيتها، فمرَّ رجلانِ من الأنصار، فلما رأيَا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَسرَعَا، فقال لهما: "على رِسْلِكُما؛ إنَّها صفيةُ بنتُ حُيَيّ، فقالَا: سبحانَ اللهِ يا رسولَ اللهِ؟ فقال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شرًّا"؛ ففي هذا الحديث -عباد الله- وضوحُه البيِّن -صلوات الله وسلامه عليه- بإظهاره الحقيقة في وقتها؛ لقطع ما يُوصِل إلى الظن السيئ، والريبة المشينة.
وعند أبي داود والنسائي: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد في نَفسِه من بعض أصحابه، فعلَ أمرٍ تجاهَ رجلٍ يُريد مبايعتَه -صلوات الله وسلامه عليه-، فلمَّا عاتبهم -صلى الله عليه وسلم- على ذلك قالوا: ما ندري يا رسولَ اللهِ ما في نفسكَ، ألَا أومأتَ إلينا بعينك؟ قال: "إنَّه لا ينبغي لنبيٍّ أن تكون له خائنةُ الأعينِ"، قال الإمام ابن القيم: "أي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يُخالِف ظاهرُه باطنَه، ولا سِرُّه علانيتَه، وإذا نفَّذ حكمَ الله وأمرَه، لم يُومِ به، بل صرَّح به وأعلَنَه وأظهَرَه".
عبادَ اللهِ: الوضوح جَمالٌ في المحيا، وحُسْنٌ في المنطق، وصفاءٌ في القلب، ورزانة في الخصومة، وصدق في الحديث، وضوح المرء مع الآخَرين، يعد قاعدةً صلبةً، لا غنى له عنها في ثبات خطواته، وبَسْط الثقة به لديهم، وهو بذلك: لا يُروِّعه سخطُ السُّذَّج من الناس بسبب وضوحه؛ لأنَّه -في الوقت نفسه- يَكسِب به رضا ذوي العقل والحكمة، فالعبرة بذوي الفطن وإن قلوا، لا بذوي الغفلة وإن كثروا.
الوضوح -عباد الله- فيه معنى الصراحة، والبُعْد عن التكلف والتصنع، الوضوح كتاب مفتوح يقرأه كلُّ أحد، هو باب مُشرَع لكل والجٍ بعقله ولُبِّه، وهو أسٌّ رئيسٌ من أسباب القضاء على سوء الظن والازدواجية والانفصام.
الوضوح -يا رعاكم الله- عدو الغموض، لا يَحمِل معنى الوجهين، ولا يجرُّ ذوي الفضول إلى معرفة أغوار الشخصيَّة الغامضة، وفكّ طلاسمها، والتعنُّت في كيفية التعامُل معها، المرءُ الواضحُ سهلُ المعشرِ، جَهرُه ليس نقيضَ سرِّه، يفهَمُه أكثرُ الناس ويألفونه، ليِّنُ العريكة، لم يتزمَّل بما يُبعِده عن الناس ولا يُقرِّبه إليهم، المرء الواضح يرى نفسَه والآخرينَ، بخلاف المرء الغامض فإنَّه لا يرى إلا نفسَه؛ لذا تجدونه انتقائيًّا في حياته، وصوليًّا في مآربه، فقد يرى بعين العداوة ما من شأنه أن يكون بعين الرضا، والعكس كذلكم.
المرء الواضح لا يحتاج إلى قناع في وجهه ليُلفِت به نظرَ الآخرينَ، ولا إلى قُفَّاز ليصافحهم به، بل هو صاحبُ وجهٍ واحدٍ، وقلبٍ واحدٍ، ومبدأٍ واحدٍ، وخُلُقٍ واحدٍ؛ إذ بالوضوح تستمرّ الصلةُ بينَه وبينَ الآخَرِينَ وإن وقعَتْ خلافاتٌ بينَهم؛ لأن الوضوح كفيلٌ بسدِّ كلِّ ثغرةٍ يُمكن أن تَلِجَ منها الشكوكُ وسوءُ الظنِّ، وفي مقابل ذلكم تنقطع الصلةُ بينَه وبينَ الآخَرين إذا ما اعتراها الغموضُ والإبهامُ؛ لافتقارها إلى ما ذُكِرَ آنفًا، فإن للناس نُفرةً ظاهرةً من صاحب الغموض، لا يَدرُون أراضٍ هو أم غاضبٌ، أمُحِبٌّ هو أم كارهٌ، أشاكرٌ هو أم ناكرٌ، أمنقادٌ هو أم مستنكِفٌ، فلا يقع خوفُ الناس من أحد وتحيُّرُهم فيه إلا لغموضٍ يجدونه في شخصه، ولا يُبسَط اطمئنانُهم به وثقتُهم إلا لوضوحٍ ظاهرٍ عليه، فوضوحُ المرءِ مع الآخَرِينَ من علامات نجاحه في كسبهم لا في فَقدِهم، وفي لَفْت أنظارِهم إليه لا في صرفها عنه وتحوُّطِهم فيه؛ لأن الغموضَ لوثةٌ تَعبَث بشعور الآخَرِينَ، والعبثُ -بحدِّ ذاتِه- معرَّةٌ أخلاقيةٌ، أعاذنا اللهُ وإيَّاكم من غوائلها؛ فعلى المرء المسلم أن يكون واضحًا في أقواله؛ لتتضح الكلمةُ؛ ويتضح مدلولُها؛ درءًا لأي تفسير خاطئ؛ لأن الأفهامَ تتفاوت، والألفاظَ حمَّالة، وكذا عليه أن يكون واضحًا في أفعاله، فإن ذلك منقبةٌ له ومحمدةٌ، ولُيحَرِصْ على ألَّا يجعل ذهابه إلى الناس غير رجوعه منهم، ولا حضورَه بينَهم خلافَ غيبته عنهم، فالوضوحُ شعارُ الصادق؛ إذ يستوي فيه مظهرُه ومَخبَرُه.
ولا تَكُ ذَا باطلٍ في الورى *** يُخالِف في طبعه مظهرَكْ
وصَاحِبْ نصوحًا تُسَرُّ به *** ففيه الوضوحُ إذا بصَّرَكْ
عبادَ اللهِ: اعلموا أن الوضوح للمرء ينبغي أن يتصف بالديمومة، لا أن يكون استثناءً، كما أنَّه من المؤسف أن يكون لاحقًا لا سابقًا؛ حيث تَنبِشُه الخلافاتُ والخصوماتُ، بعدَ أن كان دفينَ الغموض والمجامَلات، ومثلُ هذا يُعَدّ تعييرًا لا وضوحًا؛ فالفرق بينهما ظاهر جليّ، لمن هداه اللهُ إلى أحسنِ الأقوالِ والأعمالِ؛ فإنَّه لا يهدي لأحسنها إلا هو.
فاحرص -أيها المسلمُ- على أن تكون كما أنتَ، وأن تجعل الناسَ يعرفونك بأخصرِ الطرقِ إليكَ، لا بأبعدِها عنكَ، وبأسهلِها تجاهَكَ، لا بأصعبها دونَكَ، كن واضحًا سمحًا، هيِّنًا ليِّنًا، واسعَ الاحتواء غيرَ ضيِّقِه، لا تترك للناس مجالًا لتنوُّع تفسيراتهم تجاهَ شخصِكَ، لا تكن بينَهم غريبًا، ولا تجعلهم يحذرونَكَ أو يَحتاطُون معَكَ، واعلم أن الغموض يُبعِد ولا يُقرِّب، ويَطرُد ولا يَجذِب، واعلم -كذلك- أن الذين يحضُّون على الغموض أو يتكلَّفُونه إنما هم في واقع الأمر يُدلِّسون به على الآخَرِينَ؛ ليوهموهم بأنهم أكثر عمقًا وتفكيرًا من غيرهم، فهم يرون الناسَ يَغرَقُونَ في بحر ظنونهم تجاهَهم، دونَ أن يَقذِفوا إليهم طوقَ النجاةِ بالوضوح، الذي يَزُمُّهم عن الظنون الكاذبة، والتأويلات المتكلَّفة.
ثم اعلم -يا رعاك الله- أن ثمة فرقًا ظاهرًا بين الوضوح وبين البلاهة، وبين الغموض وحفظ الأسرار؛ فالوضوح لا يعني أن يكون المرء بليدًا لا خصوصَ له، ولا يعني ألَّا يكون له أسرارٌ يجب حِفظُها، ولا مصالحُ تقتضي الحالُ كتمانَها، كما أن الغموضَ لا يعني أنَّه هو الحَذَرُ بذاته، ولا هو حَجْبُ البديهيات، والإمساكُ عن المروءات، وكتمان الشفافية، وعليكَ -أيها المسلم- بالوسط فإنَّه خير الأمور؛ لئلَّا يَبلُغَ وضوحُكَ حدَّ السذاجة؛ فتُؤذى، ويبلغَ كتمانُكَ حدَّ الغموض فيُنأى عنكَ، والكيِّسُ الفَطِنُ مَنْ كان وسطا بين اللاءين.
كَنْ واضحًا إِنْ رُمتَ عِزًّا شَامِخًا *** إِنَّ الْوُضُوحَ مِنَ اللَّبِيبَ لَتَاجُ
بِئسَ الغموضُ ففيه سوءُ مَظِنَّةٍ *** ومَسِيرُهُ بالغامضينَ خِدَاجُ
أقول قُولِي هذا وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إن ربي كان غفورًا رحيمًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأصلي وأسلم على نبيِّه المصطفى، الداعي إلى رضوانه.
أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أنَّه لا ينبغي للمرء أن يستخف بالأثر المترتب على عدم الوضوح؛ لما فيه من إذكاء مشاكل حثيثة على صعيد الأسرة والمجتمع والتعليم والعمل والإدارة؛ لذا وجب دفع كل تشويش وتعويق يحول دونه، وأمَّا في مجال الإدارة المتعلِّقة بمصالح البلاد والعباد، فإن الوضوح والشفافية فيها آكَدُ؛ لِمَا في ذلكم من الأثر المتعدِّي إيجابًا وسلبًا، فكان واجبُ المسؤول فيها أعظمَ أمامَ اللهِ، ثم أمامَ وليِّ الأمر، الذي استرعاه عليها، وما كَثُرَ طرحُ مبدأ الحوكمة المعاصِر إلا لضبط الإدارة والمال والمُخرَجات، مراعاةً للصالح العامّ، وإعمالًا لمبدأ النزاهة ومكافَحة الفساد، وإنه لا معنى لمفهوم الحوكمة إذا خلا من معاييره الثلاثة العامَّة، وهي معيار الامتثال والالتزام بما سنَّه وليُّ الأمر ضبطًا لمصالح المجتمع المرسَلة، ثم معيار السلامة الماليَّة؛ حفظًا للمال العامّ من التلاعب، ثم معيار الشفافيَّة والإفصاح، اللذين يعنيانِ الوضوحَ الجَلِيَّ، لإشراك المعنيينَ في استيعاب مُجرَيات العمل على الوجه المراد له، ولم تكُ تلك المعاييرُ بِدْعًا من الأمر، بل قد حضَّ عليها الإسلامُ كُلًّا على حِدَةٍ، وإنها متى غابت عن الموكلين بها فثمة السقطةُ الموجِعةُ، والإخفاقُ المحبِطُ في حق تلكم الأمانة.
ثم اعلموا -يا -رحمكم الله- أنَّ مطلبَ الوضوح الماليّ والإداريّ، لا يقلّ تأكيدًا كذلكم، حينما يكون متعلِّقًا بجانب الأعمال التطوعيَّة والخيريَّة والأوقاف؛ لارتباطها الوثيق بالعاطفة الدينيَّة والثقافة الاجتماعيَّة، وعدم خضوع عدد منها للرقابة النظاميَّة أو المؤسسيَّة؛ ما يكون مَظِنَّةَ تساهُل بعض الموكَلِينَ بها تجاهَ إبراز جانب الوضوح والإفصاح، فإنَّه بمثل هذا التساهل يقع الإهمالُ، ويَنشَطُ التأويلُ المتكلَّفُ في أموال المسلمين التطوعيَّة والخيريَّة، فإنَّ كونَ تلك الجمعيَّات المعنيَّة خيريةً أو تطوعيةً لا يعني أنَّها ليست مطالَبةً بالشفافية والوضوح في إدارتها ومصارفها ومواردها، ولا أنَّها في مَعزِلٍ عن النقد والمحاسَبة؛ لأنَّ القائمينَ عليها مستأمَنون مِنْ قِبَل المتصدقينَ الباذلينَ، فمن الغلط الفاحش أن تُستغَلّ العاطفةُ في تجاهُل الأمانة والوضوح، أو في غضّ الطرفِ عن المتابَعة والاستبانة، فكم هي قصصُ التلاعب والخداع بين الحين والآخَر، بِاسْمِ العملِ الخيريِّ تارةً، وبِاسْمِ التطوعِ تاراتٍ أخرى، يتم -من خلالها- استحلابُ أموال الناس، واستدرارُ عواطفهم، ولا عجبَ في ذلكم؛ فالناس يُخدَعون كثيرًا إذا كان الأمر متعلقًا بالعاطفة الخيريَّة؛ لِمَا فيه من إسباغ الجانب الدينيّ تجاهَها، وهو من أوسع أبواب استدرار العواطف، وقد قال عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما-: "مَنْ خَدَعَنَا باللهِ انْخَدَعْنَا له".
ثم إن حديثَنا هذا لا يعني التعميمَ البتةَ؛ فثمةَ جهاتٌ خيريةٌ وتطوعيةٌ كثيرةٌ منضبطةٌ، متقَنةٌ مُستأمَنةٌ، لها جهودها المشكورة، وإنَّما الحديث منصبٌّ على حالات فرديَّة، أو شبه جماعيَّة غير ملتزمة بالوضوح والإفصاح المعتبرينِ، ولا تَحمِل برامجُها معنى الانضباط الماليّ على الوجه المُرضِي، الخاضع للرقابة والمحاسَبة، وإعذارًا لمن استأمنوهم على صدقاتهم وزكواتهم.
ألَا فليتقِ اللهَ القائمون على تلكم الأعمال، ولْيَعْلَمُوا أنَّ الناسَ قد استأمنوهم على أموالهم بعواطفهم، وأنَّ التلاعُب بها أو إهمالها، أو استباحتها بالتأويلات الباطلة، والتبريرات الملوية، والفوضى اللامسؤولة ليس بمُعفِيهم من خطيئتهم عندَ اللهِ، وعندَ الناسِ، ولا من صيرورة ما تأوَّلُوه واستباحوه وأهمَلُوه وبالًا عليهم في دنياهم، وحسابًا عسيرًا عند خالقهم في أُخراهُم، (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[الْكَهْفِ: 49].
اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم في العالمين إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهم عن خلفائه الأربعة؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر صحابة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعن التابعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وكرمك، يا أرحم الراحمين.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، اللهم انصر دينك وكتابك، وسُنَّة نبيِّكَ وعبادك المؤمنين، اللهم فَرِّجْ همَّ المهمومينَ من المسلمين، ونَفِّسْ كربَ المكروبينَ، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمِنًا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا ربَّ العالمينَ، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده لِمَا فيه صلاح البلاد والعباد.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم ألف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، واهدهم سبل السلام، وجنبهم الفواحش والآثام، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام راقدين، ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، يا سميع الدعاء.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].
عبادَ اللهِ: اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم