عناصر الخطبة
1/ عذاب يفوق الوصف 2/دوام عذاب أهل النار 3/صفة دركات النار وأبوابها 4/سوء أحوال أهل النار 5/صفة خزنة جهنماقتباس
والنار قعرها بعيد، وعذابها شديد، والناس فيها في ظلمة وحر وعذاب شديد، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً -والوجبة صوت ارتطام شديد-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : "تَدْرُونَ مَا هَذَا؟". قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي بدأ الخلق ثم يعيده وهو على كل شيء قدير, والحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه فيجازيهم بعملهم والله بما يعملون بصير, فسبحانه من رب عظيم وإله غفور رحيم, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الخلق والملك والتدبير, وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله البشير النذير والسراج المنير, أرسله الله بين يدي الساعة فختم به الرسالة وأكمل له الدين, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما.
اتقوا الله -عباد الله- واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، يومَ ينفخ في الصورِ، ويبعث من في القبورِ، ويظهرُ المستورُ، يومَ تُبلىَ السرائر، وتُكشَفُ الضمائرُ ويتميزُ البرُ من الفاجر، واعلموا أن تقوى الله والحرص على رضاه من الأمور التي تقرّب العبد من الجنة وتبعده عن النار.
عباد الله: الدنيا غراسُ الآخرة، ومن غرس صالحًا جنى الخير وافرًا، ومن غرس سيئًا فلن يجني إلا الشر، وإن الله -تبارك وتعالى- خلق الجنة وجعلها داراً للثواب لمن آمن به وأطاعه, وخلق النار وجعلها داراً للعقاب لمن كفر به وعصاه، وجعل الله ربنا -سبحانه- الخير والنعيم كله بحذافيره في الجنة, وجعل الشر والعذاب كله بحذافيره في النار، نسأل الله السلامة والعافية.
أيها الإخوة: النار وما أدركم ما النار، ما أشد عذابها! وما أسوأ أحوال أهلها! وما أبعد قعرها، النار هي دار العذاب التي أعدها الله للكفار والمنافقين والعصاة في الآخرة، وقال الله تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) [النساء: 14].
عذابها دائم، مستمر بلا انقطاع، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء: 56]، فلا يفنى عذابها، بل تُجدد جلودهم ليدوم عذابهم؛ إذ الجلد مركز الإحساس والشعور بالألم، وهذا من بلاغة القرآن وإعجازه العلمي، فسبحان من هذا كلامه.
عباد الله: للنار -أجرانا الله وإياكم منها- أسماء كثيرة بحسب ما فيها من ألوان العذاب، ومن أشهر أسمائها: جهنم: كما قال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا) [النساء: 140]، نجانا الله وإياكم منهم. ومن أسمائها: الجحيم: كما قال -سبحانه: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) [المائدة: 10]. ومن أسمائها: السعير: كما قال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا) [الأحزاب: 64]، إذ تسعر وتوقد على أهلها ومن فيها، فيجدوا فيها العذاب الأليم.
وهي الهاوية: كما قال -سبحانه-: (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ) [القارعة: 8-11]، وما أهوى وأضعف وأذل من صارت النار مأواه. وهي أيضًا سقر: كما قال -سبحانه-: (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) [القمر: 48]، يسحبون مهانين، أذلاء، من رحمة الله مطرودين، إلى النار والعياذ بالله.
وهي الحطمة: كما قال -سبحانه-: (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ) [الهمزة: 4-6]، كأن النار تحطم من فيها، بلا موت، ليدوم عذابهم. وهي لظى: كما قال -سبحانه-: (كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى * تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) [المعارج: 15-17]، فكل من أدبر عن الحق وتولى عن الشرع، دعته إذ هو بإعراضه صار من أهلها.
وهي دار البوار: كما قال -سبحانه-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ) [إبراهيم: 28-29]، وهل من تجارة بارت، كمن دعي إلى الفوز بالجنة والقرب من الرحمن، فهوى به عمله، وخاب سعيه حتى كان من أهل النار، نعم إنها دار البوار والخسران، فماذا كسب من دخل النار؟!.
أيها الإخوة: أما عن مكان النار فهي في سجين، فكما أن الجنة تحت العرش, فوق السماء السابعة, فالنار تحت الأرض السابعة, قد جمعت بين الضيق والسفول، قال الله تعالى: (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) [المطففين: 7]، وأهلها في الأرض السفلى، قال تعالى: (َقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [التين: 4-6]. وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وأمَّا الكَافرُ فَإذَا قُبضتْ نَفسُهُ، وذُهِبً بهَا إلى بَابِ الأَرْضِ، يَقولُ خَزنَةُ الأَرْضِ: مَا وَجَدْنا رِيحاً أنتنَ منْ هذهِ، فتبلغُ بهَا إلى الأَرضِ السُّفلَى" [أخرجه الحاكم برقم (1304) بسند صحيح] نجانا الله وإياكم منها.
عباد الله: وأبواب النار سبعة, وكل باب أسفل من الآخر, ولكل باب من أبواب النار جزء مقسوم من أهلها بحسب أعمالهم، قال الله تعالى: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ) [الحجر: 43، 44]. وأبواب النار مغلقة على أهلها، فمع الحرارة الشديدة في النار, أهلها محبوسون فيها, قد يئسوا من الخروج منها. قال الله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) [الهمزة: 5-9]. وقال تعالى: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [السجدة: 20]، فإذا حاولوا الخروج رُدوا وأعيدوا إلى عذاب مقيم، نسأل الله السلامة والعافية.
أيها الإخوة: ويؤتى بالنار يوم القيامة يراها الخلائق، يفزعون لصوتها، ويتذكر كل عبد يومها ما فرط فيه من عمله، قال الله تعالى: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) [الفجر: 21-23]. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- يصف مجيء النار في عرصات القيامة، قال: "يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ ألْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ ألْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا» [أخرجه مسلم: 2842].
عباد الله: والنار قعرها بعيد، وعذابها شديد، والناس فيها في ظلمة وحر وعذاب شديد، عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: "كُنَّا مَعَ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً -والوجبة صوت ارتطام شديد-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- : "تَدْرُونَ مَا هَذَا؟". قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الآنَ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا" [أخرجه مسلم: 2844]، يا الله! ما أبعد قعرها! وما أظلمه! حجر يلقى من أعلاها يظل في هبوط مدة سبعين عامًا!! بالله عليكم هل نعي هذا التشبيه؟! وهل تفكرنا فيه؟!.
ومع هذا القعر البعيد، فإن عدل الله باقٍ، ولا يظلم ربك أحدًا، فأهل النار ليسوا سواء في العذاب، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ النَّارُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى حُجْزَتِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُهُ إِلَى عُنُقِهِ" [أخرجه مسلم:2845] والجزاء من جنس العمل، جعلني الله وإياكم من الناجين من النار يوم القيامة.
أيها الإخوة: لكل نار وقودها، فما وقود النار؟! وقود النار يوم القيامة الناس والحجارة العظيمة, قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6]. وقال الله تعالى: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ) [الأنبياء: 98]، فتصور -يا عبد الله- وتخيل أن وقود النار أناس مثلنا، وحجارة شديدة، فهل بعد هذه الأوصاف والنعوت المخيفة نظل عصاة بعيدين عن الصراط المستقيم.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال وجنبنا يا ربنا النار وحرها وكربها وغصصها، إنك على كل شيء قدير، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي شرح صدور المؤمنين، فانقادوا لطاعته، وحبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم, فلم يجدوا حرجًا في الاحتكام إلى شريعته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- والزموا أوامر ربكم، وتعلموا أحكام دينكم، وما ينجيكم من عذاب ربكم، تدخلوا جنة ربكم، وتنالوا عنده الدرجات العالية.
عباد الله: وللنار قوة إحراق قوية جدًّا، لا تنطفئ، ولا تخفت؛ لذا فحرارة النار شيء غير متصور، قال الله تعالى: (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) [الإسراء: 97].
ولا مقارنة بين نار الدنيا ونار الآخرة، حتى نار الدنيا هذه التي بين أيدينا؛ نستدفئ بها، ونُنضج بها طعامنا، ولو شبّت في إنسان أو جماد أو منزل حوّلته فحمًا، هباء منثورًا، ومع ذلك كله لا تقاس بنار الآخرة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "نَارُكُمْ هَذِهِ، الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ، جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ". قَالُوا: وَالله! إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً، يَا رَسُولَ الله! قَالَ: "فَإِنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَيْهَا بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا، كُلُّهَا مِثْلُ حَرِّهَا" [أخرجه البخاري:3265، ومسلم: 2843] رحمني الله وإياكم وجنبنا سخطه وعذابه.
أيها الأحبة: إن الله الرحيم بعباده يذكرهم في هذه الحياة الدنيا بشيء من حر النار وبردها، ليكونوا منها على حذر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقالتْ: رَبِّ أكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ" [أخرجه البخاري:3260 ، ومسلم: 617].
عباد الله: وكما أن الجنة درجات بعضها فوق بعض, فالنار دركات بعضها أسفل من بعض, وأشد أهل النار عذابًا المنافقون فهم في الدرك الأسفل من النار؛ وذلك لغلظ كفرهم, وتمكنهم من أذى المؤمنين، قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [النساء: 145]. وقد يخفف الله عذاب بعض أهلها، فعن العباس بن عبدالمطلب -رضي الله عنه- قال: يَا رَسُولَ الله! هَلْ نَفَعْتَ أبَا طَالِبٍ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قال: "نَعَمْ، هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلا أنَا لَكَانَ فِي الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِنَ النَّارِ" [أخرجه البخاري: 3883، ومسلم:209]، اللهم شفّع فينا نبينا -صلى الله عليه وسلم-.
أيها الإخوة: إن أهل النار في سموم وحميم، ولهم ظل ولكنه ظل شديد الحرارة، ومن فوقهم ظلل من النار، ومن تحتهم ظلل، فظل نار جهنم لا ظليل ولا يغني من اللهب، قال الله تعالى: (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ) [الواقعة: 41-44]، فتصور هذا الظل الذي فيه النار، فلا هو ظل بارد ولا يشعر المستظل به بالراحة، فليس في النار موضوع للراحة، نسأل الله السلامة والعافية.
وتأمل -يا عبد الله- حال أهل النار، يقول الله تعالى: (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ) [الزمر: 15- 16]، فهؤلاء هم الخاسرون حقًّا، الذين خسروا رحمة الله الواسعة، ولم يعملوا صالحًا، فيعيشوا في النار، من فوقهم نار ومن تحتهم نار، ينامون في النار، ويأكلون النار، فلا إله إلا الله ما أشد هذا العذاب! وما أفظعه! يبحثون عن الراحة والظل والماء فلا يجدون إلا العذاب وقال الله تعالى: (انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ * لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ * إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ) [المرسلات: 30، 33]، ينطلقون للظل فإذا هو عذاب.
عباد الله: ومالك هو اسم خازن النار، وخزنة جهنم تسعة عشر من الملائكة، غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم، قال الله تعالى: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [الزخرف: 77، 78]. وقال الله تعالى في وصف خزنة النار: (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) [المدثر: 26-31].
تخيل -يا عبد الله- أن أقصى أماني أهل النار عندما يعرض عنهم مالك ويتأكدون أنهم باقون فيها، أقصى أمانيهم أن يخفف عنهم العذاب يومًا، قال الله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) [غافر: 49، 50].
أيها الإخوة: عودوا إلى ربكم، واعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئًا، واستقيموا على شرعه، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، اللهم نجنا من النار ومن حرها، وجنبنا سوء أحوال أهلها، واجعلنا من الناجين يوم القيامة.
اللهم املأ قلوبنا ثقة بك، وتوكلاً عليك، ومحبة لك، اللهم إنا نسألك إيمانًا صادقًا، ولسانًا ذاكرًا، وقلبًا خاشعًا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم