صفات الزوج التي رغب فيها الشرع

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2020-12-14 - 1442/04/29 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ تقوى الله وحسن الخلق. 2/ اللطف والمعاشرة بالمعروف. 3/ حمل أسرته على طاعة الله. 4/ القدرة على الاكتساب والإنفاق. 5/ الحلم والمداراة.

اقتباس

وَلَا تَخْدَعَنَّكَ الْمَظَاهِرُ، فَرُبَّ خَاطِبٍ أَتَى مُتَبَخْتِرًا فِي زِينَتِهِ وَجَمَالِهِ وَمَرْكَبِهِ وَهُوَ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ -تَعَالَى- جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، يَرْوِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ فَيَقُولُ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: يَتُوقُ قَلْبُ كُلِّ فَتَاةٍ إِلَى زَوْجٍ يَصُونُهَا وَيُعِفُّهَا، خَاصَّةً وَقَدْ قَلَّ عَدَدُ الرِّجَالِ الْمُقْبِلِينَ عَلَى الزَّوَاجِ، وَكَثُرَ عَدَدُ الْعَوَانِسِ؛ مِمَّا يَدْفَعُ بَعْضَهُنَّ إِلَى الْمُوَافَقَةِ عَلَى أَيِّ خَاطِبٍ يَتَقَدَّمُ لَهَا، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ دِينِهِ أَوْ خُلُقِهِ!... وَمِنْهُنَّ مَنْ لَا تَطْلُبُ فِيمَنْ يَتَقَدَّمُ لَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ غَنِيًّا ثَرِيًّا، أَوْ وَسِيمًا فَتِيًّا، أَوْ ذَا مَنْصِبٍ وَجَاهٍ وَسُلْطَانٍ، سَوَاءٌ كَانَ صَالِحًا أَوْ طَالِحًا!... وَنَسُوا أَوْ تَنَاسَوْا أَنَّ هُنَاكَ صِفَاتٍ مُحَدَّدَةً يَجِبُ أَنْ تَتَوَافَرَ فِي الْخَاطِبِ لِيَكُونَ الزَّوْجُ الصَّالِحُ الَّذِي حَثَّ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ أَوَّلَ الصِّفَاتِ وَأَهَمَّ الصِّفَاتِ فِي الزَّوْجِ الصَّالِحِ أَنْ يَكُونَ تَقِيًّا ذَا دِينٍ، وَذَا خُلُقٍ سَامٍ رَفِيعٍ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ)، فَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ تَرْضَوْنَ ثَرْوَتَهُ أَوْ عَائِلَتَهُ أَوْ وَسَامَتَهُ... بَلْ قَالَ: "دِينَهُ وَخُلُقَهُ".

 

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِيغَةِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَزَوِّجُوهُ" مَا بَيْنَ النَّدْبِ وَالْإِيجَابِ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ فَرِيقٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْخُلُقِ وَالدِّينِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكَفَاءَةِ غَيْرُهُمَا، وَأَنَّ الدِّينَ وَالْخُلُقَ هُمَا الْمُرَادَانِ فِي قَوْلِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

 

وَلَا تَخْدَعَنَّكَ الْمَظَاهِرُ، فَرُبَّ خَاطِبٍ أَتَى مُتَبَخْتِرًا فِي زِينَتِهِ وَجَمَالِهِ وَمَرْكَبِهِ وَهُوَ لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ -تَعَالَى- جَنَاحَ بَعُوضَةٍ، يَرْوِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ فَيَقُولُ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: "مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟"، فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا -وَاللَّهِ- حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟"، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، فَلَا يَصْرِفَنَّا عَنِ الْخَاطِبِ فَقْرُهُ، إِنْ كَانَ ذَا دِينٍ وَخُلُقٍ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ صِفَاتِ الزَّوْجِ الصَّالِحِ أَنْ يَكُونَ قَدْ عُرِفَ بِاللُّطْفِ وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ أَهْلِهِ وَأَصْدِقَائِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ دَعَا إِلَى ذَلِكَ؛ فَقَالَ: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[النِّسَاءِ: 19]، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- خَيْرَ الرِّجَالِ هُوَ مَنْ أَحْسَنَ مُعَامَلَةَ أَهْلِهِ، فَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي"(رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ)، وَأَخَصُّ الْأَهْلِ بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ هِيَ الزَّوْجَةُ؛ فَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "خِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).

 

وَلْنَنْظُرْ إِلَى قُدْوَةِ الْأَزْوَاجِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنَرَى النَّمَاذِجَ الْحَسَنَةَ الْمُعَاشِرَةَ بِاللُّطْفِ وَالْمَعْرُوفِ، مِمَّا وَقَعَ مَعَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، فَهَا هِيَ تَقُولُ: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا خَفِيفَةُ اللَّحْمِ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "تَقَدَّمُوا" ثُمَّ قَالَ لِي: "تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقَنِي فَسَبَقْتُهُ" ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي سَفَرٍ آخَرَ، وَقَدْ حَمَلْتُ اللَّحْمَ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: "تَقَدَّمُوا" ثُمَّ قَالَ لِي: تَعَالَيْ أُسَابِقْكِ"، فَسَابَقَنِي فَسَبَقَنِي فَضَرَبَ بِيَدِهِ كَتِفِي وَقَالَ: "هَذِهِ بِتِلْكَ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى).

 

وَتَرْوِي -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- مَرَّةً أُخْرَى فَتَقُولُ: كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي، "فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ يَتَقَمَّعْنَ مِنْهُ، فَيُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَعَنْهَا أَيْضًا قَالَتْ: "...كَانَ يَوْمَ عِيدٍ، يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَإِمَّا قَالَ: "تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟" فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ، خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: "دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ" حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ، قَالَ: "حَسْبُكِ؟" قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "فَاذْهَبِي"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)؛ فَهَذَا جَانِبٌ مِنْ لُطْفِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ زَوْجَتِهِ مَعَ مَا يَحْمِلُ مِنْ أَعْبَاءٍ وَمَسْئُولِيَّاتٍ، وَهُمُومِ أُمَّةٍ نَاشِئَةٍ مُضْطَهَدَةٍ، فَلَا عُذْرَ لِأَحَدٍ إِذَنْ فِي تَرْكِ اللُّطْفِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَهَمِّ الصِّفَاتِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تَتَوَافَرَ فِي الزَّوْجِ الصَّالِحِ أَنْ يَحْمِلَ أُسْرَتَهُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ -تَعَالَى-، فَقَدْ أَمَرَ الْجَلِيلُ -سُبْحَانَهُ- قَائِلًا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التَّحْرِيمِ: 6].

 

وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ -تَعَالَى- نَبِيَّهُ إِسْمَاعِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- قَائِلًا: (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ)[مَرْيَمَ: 55]، وَأَمَرَ -عَزَّ وَجَلَّ- نَبِيَّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَحْذُوَ حَذْوَهُ: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)[طه: 132].

 

وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَالَ: "... وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، فَإِنَّ أَوَّلَ مَسْئُولِيَّاتِهِ أَنْ يَقِيَ أَهْلَ بَيْتِهِ النَّارَ؛ بِحَمْلِهِمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ.

 

وَهَذَا نَمُوذَجٌ لِمَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ التَّعَاوُنُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ -تَعَالَى- دَاخِلَ الْأُسْرَةِ، يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَيَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى، ثُمَّ أَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَصَلَّتْ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، وَرَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ، ثُمَّ أَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَصَلَّى، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ).

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الزَّوْجَ الصَّالِحَ الَّذِي يَرْتَضِيهِ الْإِسْلَامُ لَيْسَ عَالَةً عَلَى غَيْرِهِ، بَلْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى الْكَسْبِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَى أُسْرَتِهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ -تَعَالَى-: (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ)[الطَّلَاقِ: 7]، فَالْإِنْفَاقُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فِي الْحَالَتَيْنِ؛ فِي سِعَتِهِ وَفِي ضِيقِهِ، وَمِنْ مُبَرِّرَاتِ قِوَامَةِ الرَّجُلِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْقُرْآنُ: (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)[النِّسَاءِ: 34].

 

وَلَمَّا أَرَادَتِ ابْنَةُ شُعَيْبٍ أَنْ تَصِفَ نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لِتُرَغِّبَ أَبَاهَا فِي اسْتِئْجَارِهِ قَالَتْ: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)[الْقَصَصِ: 26]، فَلَقَدْ رَأَتْهُ يَحْمِلُ الصَّخْرَةَ وَحْدَهُ، تِلْكَ الصَّخْرَةُ الَّتِي قَالَ عَنْهَا الْفَارُوقُ عُمَرُ: "وَلَا يُطِيقُ رَفْعَهَا إِلَّا عَشَرَةُ رِجَالٍ"(مُصَنَّفُ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ)، لِذَا وَصَفَتْهُ بِالْقُوَّةِ.

 

وَإِذَا تَقَدَّمَ عِدَّةُ خُطَّابٍ لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، كُلُّهُمْ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ شَرْطُ الدِّينِ وَالْخُلُقِ، فَإِنَّ مِنْ مَعَايِيرِ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَهُمْ حِينَئِذٍ: الْقُدْرَةُ عَلَى كَسْبِ الْمَالِ، وَهَذَا مِثَالٌ وَاقِعِيٌّ تَرْوِيهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ فَتَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَحْلَلْتِ فَآذِنِينِي"، فَآذَنَتْهُ، فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبُو الْجَهْمِ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ تَرِبٌ -أَيْ: فَقِيرٌ- لَا مَالَ لَهُ، وَأَمَّا أَبُو الْجَهْمِ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ، وَلَكِنْ أُسَامَةَ"، قَالَ: فَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا: أُسَامَةُ أُسَامَةُ، تَقُولُ: لَمْ تُرِدْهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ خَيْرٌ لَكِ"، فَتَزَوَّجَتْهُ فَاغْتَبَطَتْهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ، وَاللَّفْظُ لَهُ).

 يَقُولُ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ: "وَفِيهِ مُرَاعَاةُ الْمَالِ، لَا سِيَّمَا فِي الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ بِهِ يَقُومُ بِحُقُوقِ الْمَرْأَةِ".

 

 بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ صِفَاتِ الزَّوْجِ الَّذِي يَرْتَضِيهِ الْإِسْلَامُ: الْحِلْمُ وَالْمُدَارَاةُ، فَبَعْدَ أَنْ أَمَرَ اللَّهُ -تَعَالَى- بِمُعَاشَرَةِ الزَّوْجَةِ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ بَعْدَهَا: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا)[النِّسَاءِ: 19]، وَأَكَّدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ وَوَضَّحَهُ حِينَ قَالَ: "لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ -أَوْ قَالَ- غَيْرَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَيُبَيِّنُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السَّبَبَ فِي الْحَثِّ عَلَى التَّعَامُلِ مَعَ الْمَرْأَةِ بِالْحِلْمِ وَالْمُدَارَةِ فَيَقُولُ: "إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ، لَنْ تَسْتَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا، كَسَرْتَهَا، وَكَسْرُهَا طَلَاقُهَا"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَنَعْرِضُ هُنَا نَمُوذَجًا لِهَذَا الْحِلْمِ وَتِلْكَ الْمُدَارَةِ، فَعَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: "غَارَتْ أُمُّكُمْ"، ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ)، وَانْتَهَى الْأَمْرُ بِلَا مُبَالَغَاتٍ.

 

وَمَرَّةً أُخْرَى يَفِيضُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- مِنْ حِلْمِهِ، وَيُجَارِيهَا عَلَى مَا تَفْعَلُ دُونَ أَنْ يُعَنِّفَهَا أَوْ يُعَاتِبَهَا، تَحْكِي ذَلِكَ عَائِشَةُ فَتَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى"، قَالَتْ: فَقُلْتُ: مِنْ أَيْنَ تَعْلَمُ ذَاكَ؟ قَالَ: "إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى تَقُولِينَ: لَا وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ"، قُلْتُ: أَجَلْ -وَاللَّهِ- مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تُحِلِّيَ رِجَالَنَا بِالدِّينِ وَالتَّقْوَى، وَأَنْ تُزَيِّنَ نِسَاءَنَا بِالْعِفَّةِ وَالطَّهَارَةِ، وَأَنْ تُبَارِكَ لِكُلِّ مَخْطُوبَيْنِ، وَتُبَارِكَ عَلَيْهِمَا، وَتَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي خَيْرٍ...

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

المرفقات

صفات الزوج التي رغب فيها الشرع.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات