شيء من فقه وأركان وواجبات الصلاة

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/ أهمية إقامة الصلاة ومعرفة فقهها وتدارسه 2/ أركان الصلاة 3/ حكم تركها عمدا أو سهوا 4/ واجبات الصلاة 5/ حكم تركها عمدا أو سهوا 6/ حكم العجز عن أداء أركان وواجبات الصلاة 7/ أهمية الخشوع في الصلاة 8/ مما يعين على ا لخشوع في الصلاة

اقتباس

إنَّ تعلُّم فقه الصلاة وتطبيقه فيها هو من إقامتها، وكلما صلى المسلم على علم بأحكام الصلاة كلما كان أكثر إقامة لها, قال -صلى الله عليه وسلم-: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" أخرجه البخاري..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله على نعمه الكثيرة, وآلائه العظيمة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، الذي أمرنا أن نصلي كما كان يصلى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

 

أما بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله وتعلموا أمور دينكم، وخصوصاً فيما يتعلق بالصلاة التي فرضت عليكم خمس مرات في اليوم والليلة.

عباد الله: تكلمنا في الجمعة الماضية عن شيء من فقه شروط الصلاة, واليوم نتكلم عن شيء من فقه أركان وواجبات الصلاة، قال -تعالى-:  (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [البقرة:1-3]. قال السعدي -رحمه الله-: لم يقل: يفعلون الصلاة، أو يأتون بالصلاة؛ لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة؛ فإقامة الصلاة إقامتها ظاهرا، بإتمام أركانها، وواجباتها، وشروطها؛ وإقامتها باطنا، بإقامة روحها، وهو حضور القلب فيها، وتدبر ما يقوله ويفعله منها، فهذه الصلاة هي التي قال الله فيها:  (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت:45]، وهي التي يترتب عليها الثواب، فلا ثواب للإنسان من صلاته إلا ما عقل منها، ويدخل في الصلاة فرائضها ونوافلها. انتهى.

 
أيها المسلمون: إنَّ تعلُّم فقه الصلاة وتطبيقه فيها هو من إقامتها، وكلما صلى المسلم على علم بأحكام الصلاة كلما كان أكثر إقامة لها, قال -صلى الله عليه وسلم-: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" أخرجه البخاري.

 

وفي حديث المسيء صلاته، وهو خَلاد بن رَافع -رضي الله عنه-، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلاَتِكَ كُلِّهَا" متفق عليه.

 

وأركان الصلاة أربعة عشر ركنا، وهي:

 

الأول: القيام مع القدرة في الفرض، قال -صلى الله عليه وسلم-: "صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ" أخرجه البخاري. قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: أما النافلة فتصح من القاعد وإن كان قادراً على القيام، لكن أجره نصف أجر القائم.

 

الثاني: تكبيرة الإحرام. الثالث: قراءة الفاتحة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ". قال ابن حجر -رحمه الله-: تَفْسِيرُ مَا تَيَسَّرَ بِالْفَاتِحَةِ، كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، رَفَعَهُ: "وَإِذَا قُمْتَ فَتَوَجَّهْتَ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ"،  ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ" متفق عليه.

الرابع: الركوع . الخامس: الرفع منه. السادس: السجود على الأعضاء السبعة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: الْجَبْهَةِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ, وَالْيَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ، وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ" متفق عليه.

 

السابع: الرفع من السجود. الثامن: الجلوس بين السجدتين. التاسع: الطمأنينة في جميع الأركان. العاشر: التشهد الأخير. الحادي عشر: الجلوس له. الثاني عشر: الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير.

 

الثالث عشر: الترتيب بين الأركان, قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: لو بدأ بالسجود قبل الركوع لم تصح صلاته؛ لأنه أخل بالترتيب.

 

الرابع عشر: التسليمتان. قال -صلى الله عليه وسلم-: "مِفتاحُ الصَّلاة الطُّهورُ، وتحريمُها التكبيرُ، وتحليلُها التَّسليم" أخرجه الإمام أحمد وغيره، وصححه الألباني.

أيها المسلمون: هذه هي أركان الصلاة التي تُبطل الصلاة إن لم يفعلها المصلي عمداً, أما إن كان ترك ركنا ناسيا فقد قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "من ترك ركناً ناسياً لا يخلو من ثلاث حالات: الحال الأولى: إن ذكره قبل أن يصلَ إلى محلِّه وجب عليه الرجوع. الحال الثانية: إن ذكره بعدما وصل إلى محلِّه، فإنه لا يرجع؛ لأنه لو رجع لم يستفد شيئاً وتكون الركعة الثانية بدلاً عن التي قبلها. الحال الثالثة: إن ذكره بعد السلام فإن كان في الركعة الأخيرة أتى بها وبما بعده فقط، وإن كان فيما قبلها أتى بركعة كاملة, وفي كل الحالات يجب عليه سجود السهو، ومحله بعد السلام.

أيها المسلمون: وللصلاة واجبات تُبطل الصلاة إن تُركت عمداً, وتسقط سهوا وجهلا, وتُجبر بسجود السهو وهي ثمانية: الأول: جميع التكبيرات غير تكبيرة الإحرام، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا" متفق عليه. وقال أبو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ، ثُمَّ يَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ، ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ"، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ: "وَلَكَ الحَمْدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ، ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ، ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا، وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الجُلُوسِ" متفق عليه. الثاني: قول: سبحان ربي العظيم في الركوع، لحديث حذيفة -رضي الله عنه- في صفة صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ثُمَّ رَكَعَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ"، فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ"، ثُمَّ قَامَ طَوِيلاً قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقَالَ: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى" فَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ. قَالَ: وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ مِنَ الزِّيَادَةِ، فَقَالَ: "سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ"  أخرجه مسلم.

 

الثالث من واجبات الصلاة -يا عباد الله- قول: سمع الله لمن حمده، للإمام والمنفرد. الرابع: قول: رَبَّنا لك الحمد، للإمام والمأموم والمنفرد. الخامس: قول: سبحان ربي الأعلى في السجود. السادس: قول: ربِّ اغفر لي في الجلسة بين السجدتين .

 

السابع: التشهد الأول: عن ابْن مَسْعُودٍ، قال: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ، التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ: "التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ، وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ
لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
" متفق عليه.

الثامن من واجبات الصلاة: الجلوس للتشهد الأول.

عباد الله: مسألة: هل يسقط شيء من شروط وأركان وواجبات الصلاة في حال العجز عنها؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: الْعَاجِزُ عَنْ سَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلاةِ، كَالْعَاجِزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِيَامِ، وَعَنْ تَكْمِيلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَعَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، فَإِنَّ هَذَا يَسْقُطُ عَنْهُ كُلُّ مَا عَجَزَ عَنْهُ، وَلَمْ يُوجِبْ اللَّهُ عَلَى أَحَدٍ مَا يَعْجزُ عَنْهُ.

أيها المسلمون: هذه هي أركان وواجبات الصلاة، وشيء من فقهها، كما تعلمون، فتدارسوها فيما بينكم وبين أبنائكم، وعلموها من يجهلها؛ فإن زكاة العلم تبليغه للناس.

 

اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علما، وارزقنا العمل بما علمتنا.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم. .

 

 

الخطبة الثانية:

  

الحمد لله حمداً كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى, وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له, خلق فسوى، وقدر فهدى. وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

 

أما بعد: فيا أيها المؤمنون، اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى؛ فإنَّ أجسادكم على النار لا تقوى.

عباد الله: احرصوا على تأدية الصلاة بخشوع, قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِن امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا، إِلا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ" أخرجه مسلم.

 

وكان من خشوع النبي -صلى الله عليه وسلم- في صلاته ما رواه مُطَرِّفٌ، عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّي وَفِي صَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الرَّحَى -أي: صوت كصوت الرحى- مِنَ الْبُكَاءِ -صلى الله عليه وسلم-" أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني. وقال -صلى الله عليه وسلم-:"إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْصَرِفُ وَمَا كُتِبَ لَهُ إِلا عُشْرُ صَلاتِهِ، تُسْعُهَا، ثُمْنُهَا، سُبْعُهَا، سُدسُهَا، خُمسُهَا، رُبعُهَا، ثُلُثُهَا، نِصفُهَا" أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي. وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "لَيْسَ لَكَ مِنْ صَلاتِكَ إِلا مَا عَقَلْتَ مِنْهَا". وقال ابن القيم -رحمه الله-: "لا نِزَاعَ أَنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لا يُثَابُ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا إِلا بِقَدْرِ حُضُورِ قَلْبِهِ وَخُضُوعِهِ".

عباد الله: إنَّ مما يُعين على الخشوع في الصلاة استحضار العبد أنَّه يقف أمام ربه فيخضع ويتذلل لله، ويصلي صلاة مودع، وأن يتدبر ما يقرأ وما يدعو به في صلاته، ولا ينشغل بأمور الدنيا فيها.

 

اللهم ارزقنا الخشوع في صلواتنا، وتقبلها منا, واجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه, وأعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, وارزقنا الفقه في الدين، والعمل بسنة سيد المرسلين.

 

اللهم...

 

 

المرفقات

من فقه وأركان وواجبات الصلاة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات