عناصر الخطبة
1/بعض الروابط بين السنة الميلادية الجديدة وبداية شهر رجب الحرام 2/الرابط بين السيدة مريم والمسجد الأقصى 3/دور المرأة المسلمة في بيت المقدس وأكنافه 4/بعض الفوائد من معجزة الإسراء والمعراج 5/معنى لقب المسيح عليه السلام 6/حرمة الظلم عامةً وفي الأشهر الحرم خاصةً 7/وجوب سير المسلمين على هدي المرسليناقتباس
لقد اشتُهر عن عيسى ابن مريم أنَّه كان يقول: "مَنْ لَطَمَكَ على خدِّكَ الأيمنِ فَحَوِّلْ له الآخَرَ، ومَنْ أرادَ أن يُخاصِمَكَ فاترُكْ له الرداءَ، وأحسِنُوا إلى مبغضيكم"، فأين دول العالَم من هذه التعاليم؟! إنها دول لا تلطم الخدود فحسبُ، بل يقتلون الناس ظلمًا وعدوانًا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، بنعمته تتمُّ الصالحاتُ، سيأذن للحرب أن تضع أوزارها، وسيأذن للأسرى أن يتحرروا من أَسْرِهم؛ لأنَّ كلَّ شيء عندَه بقَدَر، وله أَجَلٌ معلومٌ، والحمد لله على كل حال، نحتسب عندَه شهداءنا وجرحانا، ومصاب شعبنا، فاللهم إنَّا نستودعك أهلنا في غزَّة، نستودعك أطفالهم ونساءهم ومرضاهم، ونستودعك جوعهم، وخوفهم، وظمأهم وكل ما أهمهم.
اللهمَّ إنَّا نستودعكَ شعبَنا، احقن دماءهم، واجمع كلمتهم على ما يرضيك، اللهمَّ إنَّا نستودعكَ المسجد الأقصى، ونستودعكَ المرابطينَ فيه إلى يوم القيامة.
وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، لأن نواصينا بيده، لا نخاف غيره، ولأن حكمه ماض فينا، فنحن راضون عنه، ولأن قضاءه عدل فينا، نسلم له، وعدنا أن العاقبة لنا فقال: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[الْأَعْرَافِ: 128]، فنحن على يقين أنَّنا أهل هذه العاقبة الخيِّرة.
وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمَّا بعدُ، أيها المؤمنون: دخلنا في بداية سنة ميلادية جديدة، وناسب دخولها دخول شهر رجب، والسنة الميلاديَّة الجديدة تُذَكِّر الناسَ بعيسى -عليه الصلاة والسلام-، وتُذكِّرنا بأمه مريم، وأمَّا شهر رجب فيُذكِّرُنا بسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، ويُذكِّرنا بالدِّين القَيِّم، الذي تُقاتِلُنا البشريَّةُ عليه.
أيها المسلمون: أما الصِّدِّيقةُ مريمُ فكانت من أُولى المرابطات في المسجد الأقصى المبارَك، وقد نذرتها أمها لتكون خالصة للبيت المقدس، ومتفرغة لعبادة الله -تعالى- فيه، فمريم وأمُّها مِنْ أوائل مَنْ سَنَّ الرباطَ في المسجد الأقصى، الأقصى الذي أخبرنا عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه أرض رباط قائم ودائم حتى تقوم القيامة، فقال: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك. قالوا: أين هم يا رسول الله؟ قال: ببيت المقدس وأكناف بَيْت الْمَقدسِ".
يا عبادَ اللهِ: والمرأة المسلمة في بَيْت الْمَقدسِ وأكنافه ينبغي لها أن تحرص على تربية نفسها، وتربية أبنائها على الانتماء لدِينهم، وأن تقتدي بمريم وأُمِّها في الإقبال على الله وطاعته، وأن تجعل من بيتها مكانًا لأسرة خالصة للإسلام، الذي أكرمها الله به.
أيها المرابطون: أما شهر رجب الذي دخلنا في أول أيامه فمن المناسَبات التي يتذكرها المسلمون فيه، هو معجزة الإسراء والمعراج، إلى المسجد الأقصى الذي هو أرض رباط مريم، وغيرها من الصالحين، فاتخذُوهم قدوةً كي تكونوا من الصِّدِّيقينَ عندَ ربِّ العالمينَ.
يا مؤمنون: الإسراء والمعراج تأكيد على الحق الخالص للمسلمين في الأقصى؛ حيث سمَّاه اللهُ مسجدًا، والمسجد مصطلح لا يطلق إلا على مكان صلاة المسلمين من أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ قال الله -تعالى-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)[الْإِسْرَاءِ: 1]؛ فالأقصى وقفٌ إسلاميٌّ، وهو مسجدُ المسلمينَ من أتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- حين نزول هذه الآية الكريمة، وقبلها، منذ أن بُنيت القدس بعد بناء المسجد الحرام بأربعين عامًا بأمر الله -تعالى- في الوقت الذي لم يكن فيه أهل كتاب في المدينة المقدَّسة، فكيف يدَّعون حقًّا لهم فيه؟! سبحان ربي، إن هذا لَشيءٌ عُجابٌ.
يا مسلمون: والأقصى هو بَيْت الْمَقدسِ كما سمَّاه -صلى الله عليه وسلم-، بهذا الاسم فقال: "حتى أتيتُ بَيْتَ الْمَقدسِ، فصليتُ فيه ركعتينِ"، فيا مؤمنون: خذوا أماكن عبادتكم في الأقصى كما أخذت مريم مكانها فيه، وشدوا رحالكم إليه في صلواتكم كلها، كما شد رسولكم -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعون من بعدهم رحالهم إليه.
يا مسلمون: سُمي الأقصى بهذا الاسم لعدة اعتبارات؛ أهمها أنَّه مقدَّس، وبعيد ومنزَّه عن الدنس والقاذورات، ونحن لا نرضى تدنيسه بأي تدنيس كان، ولا نقبل الاعتداء عليه بالقاذورات الماديَّة والمعنويَّة.
أيها المرابطون: وفي المعراج رحَّب عيسى ابنُ مريمَ وهو في السماء الثانية بمحمد -صلى الله عليه وسلم- قائلًا له: "مرحبًا بكَ، مِنْ أخٍ ونَبِيٍّ"، وعيسى ابن مريم ستكون الشام مكانًا لنزوله، حين يأذن اللهُ له بذلك، الشام التي تكفَّل اللهُ بها، وبِمَنْ فيها مِنَ المسلمينَ، الشام التي حمل عمود الإسلام إليها.
أيها المسلمون: عيسى ابن مريم لقبَّه اللهُ بالمسيح؛ فقال مخاطِبًا أُمَّهُ مريمَ: (إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ)[آلِ عِمْرَانَ: 45].
يا مؤمنون: ولقبُ المسيحِ معناه الصِّدِّيقُ، وأمَّا لقب المسيخ فهو لقب الأعور الدجال، الذي سيقتله عيسى ابن مريم عند باب اللد؛ لينهي فتنته وشره، حيث يمن الله عليكم بحكم إسلامي رشيد، على منهاج النبوة، لترجع الأرض المقدَّسة كما كانت عربيَّة إسلاميَّة، ومن بلاد الشام سوف يكتب الله -تعالى- تاريخ عالم جديد مشرق لدينه، وللمسلمين، وللناس، وسوف يضع السلام العادل والأمن الحقيقيّ رحالهما في الناس؛ لأن الإسلام هو الذي سيحكم الناس يومئذ، وليس النظام العالميّ، الذي يجتاح الناس ببغيه، وظلمه، وطغيانه، سينتهي قهر الشعوب وقتها، ولن يعتدى على امرأة مسلمة، ولن يقتل طفل، ولن يُهدَم بيتٌ، ولن يجوع طفلٌ يا سيدي عمر، ولن تضيع بغلة في العراق يا أمير المؤمنين، بل لن تضيع أمة المسلمين بعدئذٍ، وستنتهي عبادة الشيطان؛ لأن عيسى -عليه السلام- يقتل دجالهم، شيطانهم الأكبر.
أيها المرابطون: رفَع اللهُ المسيحَ ابنَ مريمَ إليه وسيعود في آخِر الزمان ليكون من علاماتها الكبرى، وليحكم بشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الرسل جميعًا بُعِثُوا بدينِ الإسلامِ، وسيهبط من السماء في دمشق، كما جاء في الحديث الصحيح، فينزل عند المنارة البيضاء، شرقي دمشق، فدمشق ستكون محط أنظار العالَم كله وقتئذ، وقبل ذلك ستكون الشام مكانًا لملحمة عظيمة، بين المسلمين والروم، يكون فيها النصر للمسلمين، كما جاء في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، وقد يكون -والله أعلم- ما يجري على أرضنا خاصَّة، وفي العالَم حولها عامَّة إرهاصات بين يَدَيْ تلك الملحمةِ، فَرَحِمَ اللهُ منكم مَنْ بادَر إلى دِينِه فاحتَضَنَه كما تحتضنُ الأمُّ ولدَها بَعْدَ فِرَاقٍ، فهذا أوان العودة إلى الدين، فبادروا إلى التوبة وأحسنوا صلتكم بالله، ومقامكم بين يديه.
أيها المسلمون: المسيح ابن مريم هو نبي السلام؛ قال عن نفسه بعد خلق الله له: (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا)[مَرْيَمَ: 32-33]؛ فعيسى ليس جبارًا ولا شقيًّا؛ لأن الجبار الشقي هو الذي يقتل ويخرب، وأمَّا المسيح فهو رسول السلام، فلا يخرب، ولا يقتل الناس كما تفعل الدول اليوم، المسيح ابن مريم سلم يوم ولد في الدنيا، وسلم يوم يموت في قبره، وسلم يوم القيامة حين يبعث الناس لفصل القضاء.
يا مسلمون: لقد اشتُهر عن عيسى ابن مريم أنَّه كان يقول: "مَنْ لَطَمَكَ على خدِّكَ الأيمنِ فَحَوِّلْ له الآخَرَ، ومَنْ أرادَ أن يُخاصِمَكَ فاترُكْ له الرداءَ، وأحسِنُوا إلى مبغضيكم"؛ فأين دول العالَم من هذه التعاليم؟! إنها دول لا تلطم الخدود فحسبُ، بل يقتلون الناس ظلمًا وعدوانًا، ولا يتركون الرداء لمن يخاصمهم، بل يأخذون منه رداءه وطعامه وشرابه وبيته ودفأه وعافيته، ولا يحسنون إلى مبغضيهم، بل هم أهل البغض لغيرهم حقدًا وحسدًا.
أيها المرابطون: شهر رجب من الأشهر الحرم، والظلم في شهر رجب أشد من الظلم في غيره؛ قال الله -سبحانه- عن الأشهر الحرم: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التَّوْبَةِ: 36]، وقد كانت العرب في جاهليتها تقعد في شهر رجب عن القتال، وتضع فيه السلاح، وتحقن فيه الدماء؛ ولهذا أطلَقُوا عليه لقبَ (الأصمِّ)؛ أنَّه لا يُسمَع فيه قعقعةُ سلاحٍ، ولا صوتُ نفيرٍ للقتال، فهل يتنادى أبناء شعبنا فيه إلى القعود عن الفُرْقة والخصام والاقتتال، وإلى التنافس في كتاف الاعتصام بكتاب الله الذي فيه نجاتهم ووحدتهم وخلاصهم من الذل والتبعية والصغار؟! وهل تقعد فيه الدول الجاهلة اليوم عن ظلم شعبنا وأمتنا؟! وهل تحقن فيه دماء الأبرياء؟! أم أن العرب في جاهليتهم حين كفوا عن القتال في شهر رجب أرشد من هذه الدول التي تجعل المنكر معروفًا، وتروج له؟! فأي ظلم أشد من إزهاق الأرواح البريئة بغير ذنب، وإذا كانت الموءدة يوم القيامة تسأل بأي ذنب قتلت، فكم من طفل موءود، وكم من طفلة موءودة بأساليب معاصرة؟! سيُسأَلُون يوم القيامة بأي ذنب قُتِلُوا؟! وكم من عجوز، وكم من امرأة سيسألون يوم القيامة بأي ذنب قتلن؟! والجواب مطلوب ممن قتلهم، وممن شارك في قتلهم، وممن أقر قتلهم.
يا مؤمنون: ومحمد وعيسى -عليهما الصلاة والسلام- من أولي العزم من الرسل، ومن أئمة الأمم الذين أخذ الله عليهم الميثاق ألا يداهنوا في الدين، وألا يوالوا الكافرين، وألا يمالئوهم، وشريعة محمد وعيسى كباقي الشرائع السماوية تجمع على قطع الولاية بين المسلمين والكافرين، وهذا ما أكَّدَه ربُّنا بقوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا)[الْأَحْزَابِ: 7]، فسيروا -يا عباد الله- على نهج محمد وعيسى والنبيين قبلَهم، فلا تداهنوا في دينكم، ولا تُوالُوا كافرًا، ولا تُمَالِئُوا منافقًا، جاء في الحديث الشريف، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم -وفي رواية: فأمكم منكم- ومعنى: فأمكم منكم: يعني أمَّكم بكتاب ربكم -تبارك وتعالى- وسنة نبيكم -صلى الله عليه وسلم-"، فكم نحن ظمآى إلى كتاب الله يحكمنا بشريعته، وكم نحن ظمآى إلى سُنَّة رسولنا -صلى الله عليه وسلم- نتخذها منهاج حياة! فاللهم ارزقنا من يحكمنا بكتابك، وسُنَّة رسولك -صلى الله عليه وسلم-، واجعل لنا فرجًا عاجلًا قريبًا، ومخرجًا.
عبادَ اللهِ: إن الله لا يستجيب دعاءً مِنْ قلبٍ غافلٍ ساهٍ لاهٍ، فادعوا اللهَ وأنتُم موقِنونَ بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، اللهمَّ صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آله وأزواجه وذريته، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.
أمَّا بعدُ، أيها المؤمنون: لقد أثنَى اللهُ على عبدِه المسيحِ عيسى ابنِ مريمَ فقال عنه: (وَجِيهًا في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ * وَيُكَلِّمُ النَّاسَ في الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 45-46]، فالمسيحُ ابنُ مريمَ وجيهٌ ذُو قَدْرٍ، ومِنَ المقربينَ عندَ اللهِ -تعالى-، وهو من عباد الله الصالحين.
فيا مسلمون: لا تنفعكم الوجاهةُ والزعاماتُ في الدنيا مَهمَا مَلَكْتُمْ من أسبابها حتى تكونوا من الصالحينَ، فأصلِحُوا وجاهتَكم وأعمالَكم، وكونوا من المقرَّبِينَ عندَ ربِّكم، بالاستقامة على دِينِه، ولن تستقيموا على دِينِه حتى تكون الآخرةُ أحبَّ إليكم من الدنيا وما فيها، واعلموا -رحمكم الله- أن عيسى -عليه السلام- من الأنبياء الذين لَعَنُوا الذين كانوا يرون المنكَرات ولا ينكرونها؛ قال الله -سبحانه-: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)[الْمَائِدَةِ: 78-79].
يا مؤمنون: والمنكَراتُ بينَنا ظاهرةٌ، والسكوتُ عن إنكارِها مُنكَرٌ؛ فالإجماعُ منعقِدٌ على أن النهي عن المنكَر فرضٌ، لمن أطاقَه، وأمن الضرر على نفسه، وعلى المسلمين، فإن خاف فينكر بقلبه، ويهجر هذا المنكَر ولا يخالطه، واعلموا -يا مسلمون- أنَّه ليس من شرط الناهي عن المنكَر أن يكون سليمًا عن معصية، بل قال الفقهاء: "يَنهى العصاةُ بعضُهم بعضًا"، حتى قال بعض علماء الأصول: "فرضٌ على الذين يَتَعَاطَوْنَ الخمرَ أن يَنهى بعضُهم بعضًا"، فرحم الله منكم من علم وعمل، ورحم الله منكم من سمع وبلغ، ورحم الله منكم من نهى وأنكر.
يا عبادَ اللهِ: وأما الأشهر الحرم -والتي منها شهر رجب- فحين ذكرها الله في القرآن قال عندها: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)[التَّوْبَةِ: 36]، أيها المرابطون: وقد ورَّثَكم رسولُكم -صلى الله عليه وسلم- الدينَ القَيِّمَ، الذي هو شرعُه وطاعتُه، فلا تظلموا أنفسَكم بالشرك والنفاق والمعاصي وسوء الأخلاق، وكونوا على الدِّين القَيِّم، مع قدسكم، وأقصاكم، وشعبكم، يدًا واحدةً، وقلبًا واحدًا، وجسدًا واحدًا، طاعةً لله -تعالى-، واتِّباعًا لهدي رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فالله مولاكم فنعم المولى ونعم النصير، والأقصى أقصاكم فنعمَ الرباطُ فيه إلى يوم الدين، فاللهمَّ ارضَ عن المرابطينَ في بَيْت الْمَقدسِ وأكنافه، اللهمَّ واجعل أقصانا آمِنًا بأمانكَ، عزيزًا بعزكَ، منصورًا بنصرك المبين.
اللهمَّ انصر دِينَنَا ومَكِّنْ له في الأرض، ووحِّد صفوفَنا على طاعتك ومرضاتك، ولا تُسلِّطْ علينا الكفارَ والمنافقينَ وأعداءَ الدين، اللهمَّ إنَّا نستودعكَ غزَّة وأطفالَها، نستودعُكَ بيوتَها، خيامَها، مرضاها، جوعَها عطشَها نساءها عجائزها، فكن لهم حافظًا يا خير مستودَع.
اللهمَّ عافِهم مِنْ بلائكَ، اللهمَّ احرسهم بعينك التي لا تنام، واكنفهم بركنك الذي لا يرام، وارحمهم برحمتك، فلا يهلكون وأنت رجاؤهم، اللهمَّ احرسهم بحِرْز قُدرَتِكَ، وأَغِثْهُم مِنْ كُربَتِهِم، سبحانكَ أنتَ أكبرُ وأجلُّ وأقدرُ ممَّا نخاف عليهم ونحذر، لا إلهَ إلا أنتَ وحدَكَ لا شريكَ لكَ، لكَ الملكُ ولكَ الحمدُ، لا إلهَ إلا أنتَ ولا حولَ ولا قوةَ إلا بكَ، اللهمَّ تقبَّلْ شهداءنا، أطلق سراح أسرانا، وعاف مبتلانا، فرج عَنَّا الكربات، اغفر لنا الزلات، وارفعنا عند عظيم الدرجات، واغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا، ولزوجاتنا ولأبنائنا وبناتنا، ولإخواننا ولأخواتنا ولأهلينا، واغفر اللهمَّ للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم