عناصر الخطبة
1/ أهمية فقه سنن الله 2/ مكانة الشكر ومنزلته 3/ بالشكر تدوم النعم 4/ ثناء الله على عباده الشاكرين 5/ أسباب زوال النعم 6/ منزلة الشاكر 7/ أحوال الناس مع النعم.اقتباس
الشكر في العبودية؛ فهو ظهور أثر نعمة الله تعالى على عبده على لسان العبد ثناء واعترافا وعلى قلبه شهودا ومحبة وعلى جوارحه انقيادا وطاعة والشكر مبني على خمس قواعد خضوع الشاكر للمشكور وحبه له واعترافه بنعمته وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره؛ فهذه القواعد هي أساس الشكر ومنزلة الشكر...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير؛ أحمده تعالى وأشكره حمد الشاكرين الذاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا-، أما بعد:
فاتقوا الله أيها -المسلمون- حق التقوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
عباد الله: إن لله تعالى في هذا الكون سننا؛ لا تتغير ولا تتبدل، (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) [فاطر: 43].
وإن من المهم فقه هذه السنن ومعرفتها؛ فإنها سنن ثابتة وفقهها مهم جدا في الاعتبار وفي التذكرة وفي الاتعاظ، ونتحدث عن سنة من هذه السنن العظيمة التي ذكرها ربنا -عز وجل- هذه السنة هي المذكورة في قول الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7]؛ فأخبر ربنا -عز وجل- بأن شكر النعم سبب لزيادتها فضلا عن دوامها واستمرارها وأن كفر النعم سبب لحلول العذاب والنقم فضلا عن زوال تلك النعم.
والشكر منزلة علية منزلة رفيعة؛ وأصل الشكر في لغة العرب: ظهور أثر الغذاء في بدن الحيوان ظهورا بينا يقال: شكرت الدابة إذا ظهر عليها أثر العلف ودابة شكور إذا ظهر عليها من السمن فوق ما تأكل وما تعطى من العلف، وكذلك حقيقة الشكر في العبودية؛ فهو ظهور أثر نعمة الله تعالى على عبده على لسان العبد ثناء واعترافا وعلى قلبه شهودا ومحبة وعلى جوارحه انقيادا وطاعة والشكر مبني على خمس قواعد خضوع الشاكر للمشكور وحبه له واعترافه بنعمته وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره؛ فهذه القواعد هي أساس الشكر ومنزلة الشكر من أعلى المنازل، وهي فوق منزلة الرضا؛ فإن الشكر رضا وزيادة فالرضا مندرج في الشكر إذ يستحيل وجود الشكر بدونه وقد أمر الله تعالى بالشكر ونهى عن ضده؛ فقال -سبحانه-: (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172]، وقال: (وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152].
وأثنى على من شكر من عباده ووصف به خواص خلقه؛ فقال عن إبراهيم: (شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل: 121]، وقال عن نوح: (إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا) [الإسراء: 3]، وقال عن داوود وسليمان: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ: 13]، وقال عن لقمان: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) [لقمان: 12]، وأخبر بأن أهل الشكر هم المنتفعون بآيات الله، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [إبراهيم: 5].
عباد الله: وإن جحد النعمة وإنكارها ونسبتها إلى غير المنعم بها؛ سبب لزوالها وإن شكر النعمة والاعتراف بها ونسبتها إلى المنعم بها سبب لدوامها وزيادتها، وإليكم هذه القصة العجيبة التي قصها علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأخذ العبر والعظات منها، وهي قصة أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-"إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمى أراد الله أن يبتليهم؛ فبعث إليهم ملكا فأتى الأبرص؛ فقال: أي شيء أحب إليك ؟ قال: لون حسن وجلد حسن ويذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس به فمسحه فذهب عنه قذره فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا قال الملك له: أي المال أحب إليك ؟ قال: الإبل فأعطي ناقة عشراء أي لقحة وقال: بارك الله لك فيها ثم إن الملك أتى الأقرع قال: أي شيء أحب إليك ؟ قال: شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس به فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرا حسنا قال: أي المال أحب إليك ؟ قال: البقر فأعطي بقرة حاملا وقال: بارك الله لك فيها ثم أتى الأعمى قال: أي شيء أحب إليك ؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس فمسحه فرد الله إليه بصره قال: أي المال أحب إليك ؟ قال: الغنم فأعطي شاة والدا فأنتج هذان وولد هذا فكان لهذا وادي من الإبل ولهذا وادي من البقر ولهذا وادي من الغنم ثم إن الملك أتى الأبرص في صورته وهيئته أي في صورة رجل أبرص فقير فقال له: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسالك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ به في سفري فقال: الحقوق كثيرة قال: كأني أعرفك ألم تكن أبرص يقذرك الناس فقيرا فأعطاك الله -عز وجل- هذا المال قال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر أي أبا عن جد فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ثم إن الملك أتى الأقرع في صورته أي أتاه في صورة رجل أقرع فقير فقال له: مثل ما قال لهذا ورد عليه مثل ما رد عليه فقال: إن كنت كاذبا صيرك الله إلى ما كنت ثم إن الملك أتى الأعمى في صورته أي أتاه على صورة رجل أعمى فقير فقال له: رجل مسكين وابن سبيل قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك أسالك بالذي رد عليك بصرك شاة أتبلغ بها في سفري فقال الأعمى: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري فخذ ما شئت ودع ما شئت فو الله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله -عز وجل- فقال له الملك: أمسك عليك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك".
عباد الله: أرأيتم في هذه القصة كيف أن الأبرص والأقرع جحدا نعمة الله -عز وجل- عليهما ونسباها إلى غير الله ولم يؤديا حق الله فيها؛ فحل عليهما السخط وأما الأعمى فقد اعترف بنعمة الله عليه ونسبها إلى المنعم بها -سبحانه- وأدى حق الله تعالى فيها؛ فرضي الله تعالى عنه بشكره لتلك النعمة ونعم الله تعالى على عباده كثيرة، (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) [إبراهيم: 34].
ومن رحمة الله تعالى بعباده؛ أن جعل الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر في الأجر والثواب؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر" (أخرجه البخاري)، قال بعض أهل العلم، وهذا من تفضل الله على عباده أن جعل للطاعم إذا شكر ربه على ما أنعم به عليه جعل له ثواب الصائم الصابر على الفقر فكذلك أيضا الصابر على شكر نعمة الله -عز وجل- عليه له مثل الأجر.
اللهم اجعلنا من عبادك الشاكرين اللهم اجعلنا من عبادك الشاكرين اللهم اجعلنا ممن إذا أعطي شكر وإذا ابتلي صبر اللهم أعنا على شكرك وذكرك وحسن عبادتك أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا-، أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
عباد الله: إننا في هذه البلاد نعيش في نعم عظيمة وآلاء جسيمة؛ نعيش في أمن وأمان واستقرار ووحدة ورخاء ورغد عيش تأتينا فاكهة الصيف في الشتاء وتأتينا فاكهة الشتاء في الصيف إذا دخلت أي محل تسوق من محلات التسوق الكبيرة؛ فانظر إلى أصناف وألوان النعم العظيمة التي تأتينا من كل مكان يجبى لهذا البلد من كل مكان بلد آمن مطمئن يأتيه رزقه رغدا من كل مكان؛ فلنحمد الله تعالى، ونشكر الله -عز وجل- على هذه النعم وإلا؛ فإن الله تعالى ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب إذا كفرت النعم؛ فإنها تذهب وتزول وإذا شكرت النعم؛ فإنها تقر وتزداد ولننظر ولنعتبر بمن حولنا ممن يعيشون في فقر وفي جوع وفي حروب وفي فرقة وفي شتات.
فلنحمد الله -عز وجل- على هذه النعم العظيمة التي نحن فيها ثم لنتذكر أحوال آبائنا وأجدادنا الذي كانوا يعيشون في أزمنة مضت كانوا يعيشون في شظف من العيش وفي فقر مدقع بلغ حالات شديدة في بعض الأزمنة حدثني أحد كبار السن يقول: إنه مرت علينا أوقات لا نجد ما نأكله سوى بضع تمرات إن وجدنا التمر بضع تمرات نأكلها طيلة اليوم فقط لا نجد غير هذا مما يسد به الجوع فقد مر بهذه البلاد مرحلة من شظف العيش والفقر والشدة فلنتذكر تلك المرحلة لكي نحمد الله -عز وجل- على ما نحن فيه من هذا الخير العظيم وهذه النعم الكثيرة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- ما أنه قال في تفسير قول الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ) [المائدة:20]؛ قال كان الرجل من بني إسرائيل إذا كان له دار وزوجة وخادم سموه ملكا سماه الناس ملكا؛ فهذا معنى قوله وجعلكم ملوكا أي تعيشون عيشة الملوك؛ فكم منا في مجتمعنا من يعيش عيشة الملوك؛ فنحمد الله تعالى ونشكره على هذه النعم العظيمة وعلى هذه الآلاء الجسيمة، وينبغي أن يكون نظر الإنسان إذا نظر إلى من هو أقل منه ولا ينظر إلى من هو فوقه، كما أوصى بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "انظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم؛ فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم" (أخرجه البخاري)، أي: فهو أحق ألا تحتقروا نعمة الله عليكم لا تنظر إلى من هو أفضل منك إنما انظر إلى من فضلت أنت عليه في نعم عظيمة وفي آلاء جسيمة فإن هذا يقود إلى شكر نعمة الله -عز وجل-.
عباد الله: ونجد في المجتمع صنفين من الناس:
فنجد من الناس من هو: ساخط متسخط متبرم ناقد لكل شيء لا يعجبه العجب دائما يعيش في تسخط دائما ينتقد كل شيء لا يرى أن ما فيه هو من النعمة لا يراها نعمة؛ فإن هذا على خطر عظيم هذا ليس شكورا وهذا يوشك أن تسلب منه النعم التي هو فيها.
والصنف الثاني: من الناس من هو شاكر لنعمة الله -عز وجل- بقلبه وبلسانه وبجوارحه؛ يتحدث بنعم الله تعالى في كل مناسبة وفي كل مجلس يشكر الله -عز وجل- في كل أحيانه في السراء وفي الضراء؛ فهذا هو الشكور هذا هو الذي يجزيه الله تعالى الجزاء العظيم هذا هو الذي تدوم عليه النعم وتزداد؛ فلنكن من الصنف الشاكر نشكر الله -عز وجل-، ولنحمد الله -سبحانه- وتعالى على ما أنعم به علينا من النعم العظيمة والآلاء الجسيمة، وليجعل المسلم الحمد والشكر لله -سبحانه- وتعالى ليجعله على لسانه ليجعله مع أذكار الصباح والمساء يحمد الله تعالى ويشكر الله -عز وجل- على كل حين وفي كل حين.
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير؛ فقد أمركم الله بذلك؛ فقال -سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم أذل الشرك والمشركين اللهم أذل النفاق، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم