شرح حديث: ‘إن الله -تعالى- زوى لي الأرض‘

ناصر بن محمد الأحمد

2015-01-19 - 1436/03/28
عناصر الخطبة
1/نص حديث: \"إن الله -تعالى- زوى لي الأرض\" 2/إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- بامتلاك أمة الإسلام للشرق والغرب 3/ثلاث دعوات طلبها النبي -صلى الله عليه وسلم- من ربه لأمته واستجابة الله لاثنتين ومنعه لواحدة 4/ابتلاء أمة الإسلام بالفرقة والاختلاف 5/تحذير النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأئمة المضلين 6/إخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ارتداد بعض أمته وأشهر أشخاص وفرق المرتدين

اقتباس

أخبر عليه الصلاة والسلام بأنه أعطى الكنزين، فقال: "وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض" فالأحمر ملك الشام، والأبيض ملك فارس، وإنما قال لفارس الأبيض لبياض ألوانهم؛ ولأن الغالب على أموالهم الفضة، كما أن الغالب على ألوان أهل الشام الحمرة، وعلى أموالهم الـ...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

أحب -يا عباد الله- أن أقف معكم في هذه الجمعة، التي أسأل الله -عز وجل- أن لا يحرمنا أجرها، وأن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعد تفرقاً معصوماً، وأن لا يجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، أحب أن نقف سوياً مع حديث عظيم من أحاديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، حديث عظيم، يتحدث عن الفتن، والذي جعلني أختار هذا الحديث، لما فيه من أمور مخفية، تخيف المسلم أن يصيبه شيئاً مما ذكر في هذا الحديث، مع وجود بعض المبشرات التي تطمأن المسلم، إذا هو أيضاً أخذ بها.

 

حديثنا هو حديث ثوبان -رضي الله عنه- في سنن أبى داود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله -تعالى- زوى لي الأرض -أو قال-: إن ربى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وأن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي -تعالى- لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال لي: يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، ولا أهلكم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها -أو قال-: بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، وحتى يكون بعضهم يسبى بعضاً، وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة، حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله -تعالى-".

 

أيها المسلمون: يخبر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في أول هذا الحديث، بأن الله -تعالى- قد زوى له الأرض، أي قبضها وجمعها، حتى رأى عليه الصلاة والسلام مشارقها ومغاربها، يقول النووي -رحمة الله تعالى-: وفيه إشارة إلى أن ملك هذه الأمة يكون معظم امتداده في جهتي المشرق والمغرب، وهكذا وقع، وأما في جهتي الجنوب والشمال، فقليل بالنسبة إلى المشرق والمغرب، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: بأن ملك أمته سيبلغ ما زوي له فيها.

 

ثم أخبر عليه الصلاة والسلام بأنه أعطى الكنزين، فقال: "وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض".

 

فالأحمر ملك الشام، والأبيض ملك فارس، وإنما قال لفارس الأبيض لبياض ألوانهم؛ ولأن الغالب على أموالهم الفضة، كما أن الغالب على ألوان أهل الشام الحمرة، وعلى أموالهم الذهب.

 

ثم قال عليه الصلاة والسلام في الحديث: "وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وأن ربي قال لي: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، ولا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها".

 

وهذه -أيها الإخوة- من مبشرات هذا الحديث العظيم، فالرسول -عليه الصلاة والسلام- سأل ربه، كما جاء في هذا الحديث أموراً ثلاثة: فأعطاه اثنتان، ومنعه الثالث، فسأله:

 

أولاً: أن لا يهلك هذه الأمة بسنة بعامة، وهذه استجاب الله -عز وجل- لسؤال نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فلا يمكن أن تهلك هذه الأمة بسنة بعامة، بقحط عام شامل لكل الأمة.

 

وهذا لا يعنى أنه لا يقع جوع أو مجاعة في بعض جهات الأمة، فقد يصاب طائفة من المسلمين بجوع، وقد تهلك طائفة أخرى من المسلمين بمجاعة، ويصيبهم الجهد والشدة في الحصول على أرزاقهم، وقد يموت بعضهم بسبب الجوع.

 

وهذا قد حصل منه الكثير في السابق، فآباؤنا وأجدادنا عاشوا ورأوا شيئاً من هذا، وقد ذاقوا الجوع والمجاعة فترة من حياتهم، ولهذا، فلاحظ أن كبار السنّ يقدرون النعمة، ويخافون زوالها، أكثر ممن تربى وكبر في النعمة، فإنه لا يدرى ما معنى الجوع؟

 

فأقول: بأنه حصل في سابق زمان هذه الأمة شيئاً من هذا، وحتى في وقتنا الحاضر، فإن هناك بعض الأماكن من العالم الإسلامي يعانى الجوع، وهناك الألوف المؤلفة من مسلمي إفريقيا ماتوا قريباً بسبب المجاعة -عافانا الله وإياكم من الفقر-، ولكن أن تهلك هذه الأمة بكاملها بقحط عام، فهذا لا يمكن أن يحصل أبداً بنص هذا الحديث.

 

الأمر الثاني: هو أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- سأله ربه بأن لا يسلط على هذه الأمة عدداً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، فقال عليه الصلاة والسلام: "وإن ربي قال لي: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، ولا أهلكهم بسنة بعامة، ولا أسلط عليهم عدداً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها".

 

وهذه الثانية: -يا عباد الله- أيضاً استجاب الله منها لسؤال نبيه -عليه الصلاة والسلام-، فلا يمكن أيضاً أن يسلط الله -عز وجل- على هذه الأمة عدداً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها.

 

ومعنى: "يستبيح بيضتهم" أي مجتمعهم وموضع سلطانهم ومستقر دعوتهم، أي يجعلهم له مباحاً لا تبعة عليه فيهم، ويسبيهم وينهبهم.

 

وهذا أيضاً -يا عباد الله- لا يمكن أن يحدث، وهو أن يتسلط الأعداء على هذه الأمة، ويقضوا عليها جميعها، ويستولوا على سلطانها، ويبيدوا دعوتها، فإن هذا أمر لا يمكن أن يحصل أبداً بنص حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهذا لا ينافى أن يتسلط الكفار، وأعداء هذا الدين على بلد معين، أو منطقة معينة، وأيضاً لا يمنع أن يتمكن الكفار من تقتيل وتشريد المسلمين، وانتهاك حرماتهم في بقعة من البقاع؛ لكن أن يحصل هذا على عموم الأمة، ويتمكن الكفار من التلسط والتغلب على جميع الأمة الإسلامية، حتى أنهم يستبيحوا بيضتهم، فهذا لا يحصل أبداً؛ لأن هذا الأمر يعارض آخر هذا الحديث بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله -تعالى-".

 

فإن الإسلام لا بد أن يكون قائماً في جهة من الأرض، ولا بد أن تكون راية التوحيد مرفوعة، وستزال هناك فئة وطائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق، لا يضرهم وإن خالفهم أهل الأرض كلهم حتى يأتي أمر الله، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: "ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها".

 

أي لو اجتمعت الدنيا كلها على أن يبيدوا هذا الدين، وأن يتمكنوا من أهل الإسلام كلهم، فلا سبيل لهم إلى ذلك؛ لأن هذا دين الله -عز وجل-، ولا يمكن الله للكفار على كل المسلمين، حتى يقضوا عليهم جميعاً، وقد قال سبحانه: (وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)[النساء: 141].

 

فهذا المقطع من الحديث يعطى المؤمن طمأنينة وثقة بهذا الدين الذي يحمله، وأن فرج الله قريب، فمهما تمكن الكفار من رقاب المسلمين، ومهما توغل الكفار في أراضى المسلمين، فلا بد أن نعلم بأنها فترة مؤقتة، وهى فترة اختبار وامتحان لنا، وبعدها يكون نصر الله لعباده المؤمنين الموحدين المخلصين؛ لأن المستقبل لهذا الدين، يقول الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[الصف: 9].

 

ويقول عليه الصلاة والسلام: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مد ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر".

 

ويقول عليه الصلاة والسلام: "وتكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء الله أن يرفعها ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها ثم تكون خلافة على منهاج النبوة".

 

ثم سكت عليه الصلاة والسلام -بأبي هو وأمي-.

 

إن الإسلام -يا عباد الله- لم ينزله الله -تعالى- ليقض عليه الكفار أبداً، فدين الله باق إلى قيام الساعة، هذا اعتقادنا، وإن تمكن الكفار منا ومن بلادنا، كما قلت فهي فترة زمنية مؤقتة: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[يوسف: 21].

 

ثم أن هذه الجزيرة -أيها الإخوة- ما خلقت إلا للإسلام، لا بد أن نعلم هذا، وأن هذه الجزيرة لا تحكم إلا بالإسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: "إن الدين ليأرز إلى الجهاز كما تأرز الحية إلى جحرها ما بين المسجدين".

 

عباد الله: الأمر الثالث الذي سأل الرسول -صلى الله عليه وسلم- ربه في هذا الحديث العظيم، هو: أن لا يهلك هذه الأمة بعضها بعضاً، ولا يسبي بعضها بعضاً، فهذه منعها عليه الصلاة والسلام، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: "حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، وحتى يكون بعضهم يسبي بعضاً".

 

وهذه هي بلاء هذه الأمة، وهذه التي أخبر بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- هي التي شتتت هذه الأمة وفرقتها، فأغلب الفتن وأغلب المصائب في بلاد المسلمين على أيدي المسلمين يقتل بعضهم بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً -ولا حول ولا قوة إلا بالله- كما أخبر بذلك الصادق المصدوق: (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ)[الأنعام: 65].

 

من الذين يقتل المسلمون في بلاد المسلمين أليس القتل بأيدي المسلمين من الذي يعذب المسلمين في بلاد المسلمين أليسوا المسلمون أنفسهم معظم مصائب المسلمين في كل بلاد العالم الإسلامي، تجدها تحصل على يد المسلمين أنفسهم، وهذا أمر قد أخبر به الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديثنا هذا من قرون بعيده -فإنا لله وإنا إليه راجعون-.

 

اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

عباد الله: نواصل التعليق على هذا الحديث العظيم، يقول عليه الصلاة والسلام تتمة للحديث: "وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين".

 

فالرسول عليه الصلاة والسلام يخاف على أمته من الأئمة المضلين، وهم الداعين إلى البدع والفسق والفجور، وكيف لا يخاف عليه الصلاة والسلام على أمته من الأئمة المضلين، وهو يعلم خطورة ذلك إذا كان من ينظر الناس إليهم بعين الاحترام والتقدير، ويقتدون بكلامهم وأفعالهم كانوا هم ضالين في أنفسهم، أو كان فيهم بدع هوى وفسق وفجور، فكيف يكون حال من تبعهم؟

 

عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"[متفق عليه].

 

ثم قال عليه الصلاة والسلام: "وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة".

 

وهذه هي قاصمة الظهر، ووالله إنه ليقع كما أخبر به صلى الله عليه وسلم، فمنذ وضع أول سيف في الأمة لم يرفع حتى الآن، ولن يرفع متى قيام الساعة فإن لم يكن في بلد يكون في بلد آخر، وقد ابتدئ في زمن معاوية -رضي الله عنه-، ولا يخلو عنه طائفة من الأمة، والحديث -كما يقول العلماء-: مقتبس من قوله تعالى: (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ)[الأنعام: 65].

 

والناظر اليوم في حال البلاد الإسلامية يرى مصداقية هذا الحديث، فلا يكاد يخلو بلد من بلدان المسلمين من القتل، فإن لم يكن في بلد كان في بلد آخر -ولا حول ولا قوة إلا بالله-.

 

ثم قال عليه الصلاة والسلام: "ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان".

 

فالرسول -عليه الصلاة والسلام- يخبر عن قبائل، وليس الأمر عبارة عن حالات فردية، بل قبائل من هذه الأمة تلحق بالمشركين، وقبائل تعبد الأوثان، ويكون ذلك بعد ما عرفوا الإسلام؛ لأنه قال: "من أمتي".

 

وقد وقع بعض ما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته في خلافة الصديق -رضي الله تعالى عنه-.

 

وهذا أمر يستدعى الحذر -أيها الإخوة- فإن المشركين والكفار لهم حيل وأساليب وألاعيب متنوعة، لا تنته عند حد، ومحاولة الإيقاع بالمسلمين، أمر لا يخفى على أحد، وهم يودون لو أن المسلمين كلهم لحقوهم لا مجرد قبائل معدودة، وقد استطاعوا تحقيق شيء مما يريدون، وما هؤلاء العلمانيون في زماننا هذا إلا تلامذة الاستعمار، ممن رضعوا من ألبانهم، وتربوا في أحضانهم، ولحقوا بالكفار منذ زمن، والآن يحاولون أن يلحقوا غيرهم معهم، لكن -بإذن الله عز وجل- تذهب تدابيرهم وتخطيطاتهم هباء منثوراً، فإنهم يخططون ويحسبون ويرسمون ويدبرون ويوقعون، ويمكرون ويكيدون كيداً: (وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)[الطارق: 16 - 17].

 

ثم قال عليه الصلاة والسلام في آخر الحديث: "وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي".

 

وحصل شيء من هذا في حياته عليه الصلاة والسلام، فادعى النبوة رجل، يقال له: "الأسود العنسي"، وكان ذلك في آخر حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذلك بعد مقدمه من حجة الوداع، لكن سرعان ما أخمد الله فتنته، ولم يظهر إلا ثلاثة، أو أربعة أشهر .

 

وأيضاً فمن ادعى النبوة في حياته عليه الصلاة والسلام: "طليحة بن خويلد الأسدي،" وتبعه كثير من العرب عصبية، وتوفى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكان لا يزال يدعى النبوة، فسير إليه الصديق -رضي الله عنه- جيشاً بقيادة خالد بن الوليد، فالتقى الجيشان بمكان يسمى بزاخة بأرض نجد، فكانت الدائرة على طليحة وجيشه، ففر بعدها مع زوجته إلى الشام، ثم تاب بعد ذلك وأسلم، وحسن إسلامه، وبعث بقصيدة إلى الصديق -رضي الله عنه- يقول فيها:

 

فهل يقبل الصديق أنى مراجع *** ومعط لما أحدثت من حدث يدي

وإني من بعد الضلالة شاهد *** شهادة حق لست فيها بملحدِ

 

وممن أدعى النبوة: "مسيلمة الكذاب" في أرض اليمامة، فأرسل له الصديق -رضي الله عنه- كتائب الإيمان بقيادة خالد بن الوليد، وعكرمة بن أبى جهل، وشرحبيل بن الحكم، وقتل مسيلمة بيد وحشي -رضي الله عنه-.

 

وأدعى النبوة أيضاً: "المختار بن أبى عبيد بن مسعود الثقفي" وأدعى النبوة: "الحارث بن سعيد"، وأدعى النبوة "بيان بن سمعان"، وأدعى النبوة أيضاً "المغيرة بن سعيد العجيلي"، وأيضاً "أبو منصور العجيلي" وأيضاً "أبو الخطاب الأسدي".

 

وممن من أدعى النبوة أيضاً: "علي بن الفضل الحميري" واستولى على أجزاء كثيرة في اليمن، وصل بعدها إلى زبيد وصنعاء، وهناك أعلن مذهبه ومعتقده السيء، وبعد أن دخل صنعاء صعد المنبر، وقال قصيدته المشهورة التي أدعى بدعوة النبوة فيها، وهذا مطلعها:

 

خذي الدف يا هذه وأضربي *** وغني هزارك ثم أطربي

تولى نبي بني هاشم *** وجاء نبي بني يعربِ

أحل البنات مع الأمهات *** ومن فضله زاد حل الصبي

لكل نبي مضى شرعه *** وهذى شريعة هذا النبي

 

إلى آخر ما جاء في القصيدة من الكفر والإلحاد، حتى إن مؤذنه كان يقول في آذانه: "أشهد أن علي بن الفضل رسول الله".

 

وبعد فترة قاسية عاشها أهل اليمن، أهلكه الله -عز وجل- على يد أحد الأطباء، فأراح الله منه البلاد والعباد.

 

أما بالنسبة لحركات إدعاء النبوة في العصر الحديث، فأمر مروراً سريعاً –كالسابق- على ثلاث من أهم وأخطر هذه الحركات في عالمنا الإسلامي، فبعدما فشلت الحروب الصليبية ضد الإسلام، رغم الضعف الذي وصل إليه المسلمون، فكروا بأساليب أخرى للنفوذ في العالم الإسلامي، فأدخلوا إليه أفكاراً منحرفة، كالشيوعية والقومية، وغيرها من المذاهب، كما أوجدوا بعض الشخصيات القيادية باسم النبوة والوحي.

 

فمن هؤلاء: "علي بن محمد رضا الشيرازي"، وقد أدعى النبوة عام (1260هـ)، وعمره آنذاك (25) سنة، وبعد ظهوره لقب نفسه بالباب، وتسمى دعوته: "البابية".

 

وأدعى النبوة أيضاً: "حسين بن علي المازنداري"، وكان يلقب بالبهاء، وسميت دعوته: "البهائية"، وهي في حقيقتها البابية السابقة، لكن في طورها الجديد، ومرت دعوة البهاء بثلاث مراحل:

 

ففي المرحلة الأولى: أدعى أنه المسيح بن مريم.

 

وفى الثانية: أدعى نزول الوحي عليه.

 

وفى الثالثة -نسأل الله العافية- أدعى الربوبية.

 

وأخيراً: وفى أوائل القرن الرابع عشر الهجري في قاديان من أرض الهند، أدعى النبوة "غلام بن أحمد بن غلام مرتضى"، وعرفت حركته بالقاديانية، يقول عن نفسه:

 

أخاطب جهراً لا أقول كخافت *** فإني من الرحمن أوحى وأخبر

تخيرني الرحمن من بين خلقه *** له الحكم يقضى ما يشاء ويأمر

يا معشر الأعداء توبوا واتقوا *** فو الله أني مرسل ومقربُ

 

 -أعوذ بالله من هذا الكفر الصريح-.

 

ولكن -أيها الإخوة- مع وجود هذه الحركات، ومع وجود هذه الطآمات التي تنخر جسم الأمة، فقد ختم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديثه بأعظم المبشرات، والتي تثلج صدر المؤمن إذا سمعها، والتي تزيده طمأنينة وثقة بهذا الدين، يقول عليه الصلاة والسلام: "ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله -تعالى-".

 

فمهما حدث -يا عباد الله- مما أشار إليه المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث من مظاهر غربة الدين من البلاء والافتراق والقتال، وفساد الحكام، وضياع معالم الدين عند الكثير من الفئات والطوائف، حتى يلحق بعضها بالمشركين في الأفكار والمبادئ والمعتقدات والولاءات، حتى يعبد بعضها الأصنام الحسية والمعنوية.

 

فإنه ستزال طائفة من هذه الأمة لا يضرهم من خالفهم ولو خالفهم أهل الأرض كلهم حتى أمر الله -تعالى-.

 

أسأل الله -عز وجل- بأسمائه أن يجعلنا من هذه الطائفة، وأن يثبتنا على ديننا، وأن يختم بالصالحات أعمالنا ...

 

اللهم إن أردت فتنة ...

 

 

المرفقات

إن الله -تعالى- زوى لي الأرض

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات