عناصر الخطبة
1/حزن وبكاء الصالحين على ما يحدث في فلسطين 2/انكشاف أقنعة المدعين لمناصرة حقوق الإنسان 3/إنما النصر من عند الله تعالى 4/الوصية بالدعاء واللجوء إلى الله عز وجل 5/الحث على الصبر والاحتساباقتباس
فَلْيَعْلَمْ كلُّ مسلمٍ غيورٍ على دين الله أنَّه مهما ساء واقع أمته، ومهما امتد كيد الأعداء، وطال ليل الظالمين، فإن المستقبل لهذا الدين، والعزة لأوليائه ولو بعد حين، وتشهد بذلك نصوص القرآن العظيم، وسنة رسولنا الكريم...
الخطبة الأولى:
الحمد لله العظيم في قدَرِه، العزيز في قَهْرِهِ، يَسمَعُ أنينَ المظلومينَ، ويجود عليهم بعونه ونصره، السميع القريب، النصير المجيب، يجيب المضطرَّ إذا دعاه، ويُجير مَنِ استجارَ به، ويكفي مَنْ توكَّل عليه، لا يسألُه عبدٌ فيَخِيبُ، ولا يلجأُ إليه مظلومٌ فيضيع، ولا يستنصرُه ذو حقٍّ فيُهزَمُ؛ (وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)[الْفَتْحِ: 7].
وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ولا ندَّ له، ولا مثيلَ له، يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وأن لله إرادة، ولا يكون إلا ما أراد؛ (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)[الْإِنْسَانِ: 30]، سبحانه جل في علاه، ذو العرش المجيد، فعَّال لما يريد، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، إمامُ المرسَلِينَ، وخاتم النبيينَ، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرينَ الطيبينَ، ورضي الله عن صحابته أجمعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
عبادَ اللهِ: اتقوا الله، الله -عز وجل- يقول في كتابه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102].
أيها المرابطون في أرض الإسراء والمعراج: لقد تقرحت أكباد الصالحين، ودمعت أعين الناظرين، مما يجري في غزة هاشم، من قتل للمستضعَفين، وتشريد للنساء والأطفال والشيوخ، قتل ودمار، وهدم وردم، وحصار واعتداء، وتخريب، وتهجير وتغريب، أحداث دامية، مناظر مأساوية، تتفطر لها القلوب، وتدمع لها العيون، وما هو إلا صراع بين الحق والباطل، وصدق الله القائل: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا)[الْبَقَرَةِ: 217]؛ لذلك من سنن الله الكونيَّة، أن الله يبتلي عباده؛ ليمحصهم، وليميز الخبيث من الطيب، قبل أن يمكنهم؛ (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 2-3].
أيها المصلون: أين حقوق الإنسان المزعومة؟! سقطت الأقنعة، وتعرَّت الوجوهُ، وانكشفت النفوسُ الزائفةُ، ورأينا الوجوهَ على حقيقتها، منظَّمات إنسانيَّة، وجمعيات حقوقيَّة، وحكومات غربية وشرقية، وعربيَّة وإسلاميَّة، عجزت عن إدخال قطرة ماء، أو كسرة خبز، أو غطاء لمن يلتحف السماء ويفترش الأرض، لقد نزلت بنا الهموم والغموم، والمصائب والكربات، خيَّمَت الأحزانُ على قلوبنا، فضاقت -واللهِ- بها صدورُنا، فأين المفر؟ وإلى أين الملتجأ؟ إلى الله -سبحانه-؛ (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)[الذَّارِيَاتِ: 50].
أيها المرابطون: اعلموا أن النصر والأمن من عند الله -سبحانه- دون سواه، وهو -سبحانه- مالك الملك، ومدبِّر الأمر، وكاتب النصر، ومسخِّر الجند؛ (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ)[الْمُدَّثِّرِ: 31]، فمن كتَب اللهُ له النصرَ فلن يُهزَم مهمَا بدَا ضعيفًا، ومَنْ خذَلَه اللهُ فلن يُنصَر وإن بَدَا قويًّا، وهو القائل: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 160]، هذا كلام الله، من قبل أن يخلق الخلق، وفي اللوح المحفوظ، وقد قضى الله وكتب الله وأمضى الله، وخط في أُمّ الكتاب حيث قال: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الْمُجَادَلَةِ: 21]، فهو القوي المتين، وله عزة الغلبة، وعزة القوة؛ (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)[الْأَنْعَامِ: 18].
أيها الموحدون: إن الله -جل ثناؤه- ذو قوة وقدرة على كل مَنْ حادَّه، وحارَب أولياءه، واعتدى عليهم، بشَّر المؤمنينَ بأن لهم الفتح والنصر والغلبة في الدنيا والآخرة، وهذا وعدٌ لا يُخلَف، ولا يُغيَّر؛ (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)[الرُّومِ: 6]، وهذا تقريرُ سُنَّةٍ من سُنَن الله -تعالى-، التي لا تتخلف، وأن النصر حليف المؤمنين والمظلومين، وهذا في وقت يحدده الله -عز وجل-، وفق علمه وإرادته جلت قدرته؛ (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصَّافَّاتِ: 171-173]، هذا إرثنا، وهذا ديننا؛ (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)[الْقَمَرِ: 45]؛ فالله ذو عز وعظمة وتمكين.
أيها الصامدون، أيها الصابرون، أيها المحتسبون: فَلْيَعْلَمْ كلُّ مسلمٍ غيورٍ على دين الله أنَّه مهما ساء واقع أمته، ومهما امتد كيد الأعداء، وطال ليل الظالمين، فإن المستقبل لهذا الدين، والعزة لأوليائه ولو بعد حين، وتشهد بذلك نصوص القرآن العظيم، وسنة رسولنا الكريم، فقال عز وجل: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)[الرُّومِ: 47]، وبشر الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم- أمته حيث قال: "بَشِّر هذه الأمةَ بالتيسير والسناء والرفعة في الدين، والتمكين في البلاد والنصر"، واعلموا -رحمكم الله- أن من سنة الله في خلقه أن ينصر عباده المؤمنين، وأن يمكن لهم في الأرض، متى ما قاموا بنصر دينه، وسعوا لذلك، ولئن تخلفت وتأخرت هذه السنة في بعض الأزمان، أو في بعض الأحوال، فما هي إلا لحكمة يريدها الله الواحد الديان، ومهما كاد أعداء الإسلام لدين الله، ومهما بذلوا لمحاربته فإن الله لهم بالمرصاد؛ (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)[الْفَجْرِ: 14]، فاتقوا الله يا عبادَ اللهِ، وتذكروا دائمًا أن الله مع المتقين، وأوليائه الصالحين؛ (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ)[آلِ عِمْرَانَ: 126].
عبادَ اللهِ: لا أحد من البشر أعلم بالله من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا أحد من البشر أعلم بالدعوات النافعة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما كان ليختار لنا إلا أنفع الدعاء، وما كان ليلهمه إلا أفضل الدعاء، فكان حبيبنا -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل به كرب أو هم أو غم قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".
أيها المؤمن: مُدَّ إليه يَدَكَ؛ فإنَّه لا يخيب السائل، ولا يقطع الرجاء، وقد أمرنا بالدعاء، قال الله -عز وجل-: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غَافِرٍ: 60]، وقال أيضًا: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً)[الْأَعْرَافِ: 55]، فأيقن أن النجاة لا تكون إلا بالدعاء، وأحسن الظن بالله، فما يجري بالكون لا يجري إلا بأمره ووفق حكمته، فهو يجريها بحكمة دقيقة، ولطف خفي، عجزت العقول عن إدراكه، وتدبروا عظمة هذه الآية العظيمة، قال عز وجل: (أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)[النَّمْلِ: 62]، فإليه نلجأ ونحتمي، وهو وحده من سيكشف ضر المضرورين، لا إله إلا هو.
أيها المرابطون: الدعاء عبادة لا تنقطع، فهو بالدعاء سقيا للروح، وغيث للقلب، فالنفس حين تنبض بالدعاء تركض في رحمة الله، هذه النفس تستقيم فلا تندثر، ولا تنحرف، فهي في حالة قرب مع الله؛ لذلك قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[الْبَقَرَةِ: 186]، وعن عبادة بن الصامت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما على ظهر الأرض من رجل مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إيَّاها، أو كف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم"، وقد صح عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أوصى معاذًا عندما أرسله إلى اليمن فقال له: "يا معاذ، اتق دعوة المظلوم؛ فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب".
اللهُمَّ أفرغ علينا النصر والصبر يا ربَّ العالمينَ، اللهُمَّ إنَّا مظلومون فانتصر، اللهُمَّ أيدنا بقوتك وملائكتك، وأجرنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، واكتب الشفاء العاجل لجرحانا، والرحمة لموتانا، وارفع شهداءنا في عليين يا أرحم الراحمين، وأطلق سراح المأسورين، وأعدهم إلينا سالمين، وفك الحصار عن إخواننا المحاصرين، واحفظ مسجدنا واجعله عامرًا بالإسلام والمسلمين.
عبادَ اللهِ: توجهوا إلى الله بالدعاء والتسليم، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ، مثيب الحامدين، وراحم المستغفرين، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، يجيب دعوة الداعي ويزيد الشاكرين، وأشهد أن سيدنا وقائدنا محمدًا عبد الله ورسوله، إمام الأنبياء والمرسَلينَ، -صلى الله عليه وسلم- في كل وقت وفي كل حين، وعلى آله وصحبه ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
عبادَ اللهِ: الدعاء سلاح المرسَلين، وأتباعهم من الصالحين، وهو أعظم سلاح يملكه المؤمنون في مواجَهة الجبابرة الظالمين، على مر العصور والدهور، فأمر الدعاء عند الله عظيم، وهو الذي يمنع المقدور، ويرفع المكروه؛ فبالدعاء أغرق الله -عز وجل- الأرض كلها، ونجا من الغرق سيدنا نوحا -عليه السلام- ومن معه في السفينة، وهذا كليم الله موسى استنصر ربه على فرعون وجنده فنصره الله عليهم.
أيها الموحدون: الأمور والأقدار بيد الله، فلا تيأسوا ولا تقنطوا من رحمة الله؛ فالله -سبحانه وتعالى- إذا أراد شيئًا عطل قوانين الكون، وقد حدث وأخبرنا بذلك أن النار لم تحرق الخليل -عليه السلام-؛ لأن العناية الربانية قالت: (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 69]، البحر لم يغرق كليم الله؛ لأن الصوت القوي الصادق نطق بكلمة التسليم -عليه السلام-: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)[الشُّعَرَاءِ: 62]، والحوت لا يهضم، والجبل لا يعصم، نواميس الكون كلها تتغير بأمر الله وقدرته، وهذا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في الغار يقول لصاحبه: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التَّوْبَةِ: 40]، لا تحزنوا إن الله معنا.
يُنزِل الأمنَ والأمانَ، والفتحَ والسَّكينةَ، وفي بدر الكبرى يصف ذلك المشهد سيدنا عمر -رضي الله عنه- فيقول: "اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْقِبْلَةَ، ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ وَعَلَيْهِ رِدَاؤُهُ وَإِزَارُهُ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ لَا تُعْبَدْ فِي الْأَرْضِ أَبَدًا، قَالَ: فَمَا زَالَ يَسْتَغِيثُ رَبَّهُ وَيَدْعُوهُ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَرَدَّهُ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ)[الْأَنْفَالِ: 9]"، فأمده الله بالملائكة المرسلين.
أيها المسلم، أيها المؤمن: مهما ينزل بك من بلاء وشدة فإن الله -عز وجل- سيجعل منه فرجًا، فلا تضق ذرعًا، فمن المحال دوام الحال، والليالي حبلى، والحكيم: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)[الرَّحْمَنِ: 29]، فالخلق خلقه، والأمر أمره، ونحن عبيده، وفي ملكه؛ (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)[الشَّرْحِ: 5-6]، ولن يغلب عسر يسرين.
إن العالم كله لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، فثق بما دبره الله، وتقرب إليه، وأحسن الظن به، فحسن الظن بالله ركيزة أساسيَّة في عقيدتنا، أمر أوجبه الله علينا، وتوكل على الله؛ لأن التوكل على الله من أعظم مقامات الإيمان، وأصل لجميع مقامات الدين؛ (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[الْمَائِدَةِ: 23]؛ لأنك تعتمد على الله، وتثق به، وتلجأ إليه، وتفوض أمرك إليه، فالذي أخرجك من بين الصلب والترائب، سيخرجك من الكُرَب والمصائب.
أيها المصلون: أَرُوا اللهَ -عز وجل- من أنفسكم خيرًا، وكونوا حيث يحب الله، واجتنِبُوا ما يكره، واصِبُروا وصابِرُوا، وألِحُّوا في الدعاء، يستجيب دعاءكم، ويعطيكم سؤلكم؛ فإن ربكم جواد كريم، واسع المغفرة، عظيم العطاء، لا يتعاظم شيء أعطاه.
اللهُمَّ اغفر لنا وارحمنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهُمَّ اقطع أمل أعدائنا، وشتِّت اللهمَّ شملهم وأمرهم، وفرِّق جمعَهم، واقلب تدبيرهم، وبدل أحوالهم، ونكس أعلامهم، وقرب آجالهم، ونقص أعمارهم، وزلزل أقدامهم، وخيب آمالهم، وخرب بنيانهم، واقلع آثارهم، حتى لا تبقى لهم باقية، ولا يجدوا لهم واقيا، وأشغلهم بأنفسهم، وارمهم بصواعق انتقامك، وابطش بهم بطشا شديدًا، وخذهم أخذًا عزيزًا، إنَّكَ على كل شيء قديرٌ.
اللهُمَّ إنَّا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم، يا مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين عليهم، دمرهم تدميرا، تبرهم تتبيرا، واجعلهم هباء منثورًا.
اللهُمَّ استجب دعاءنا والطف بنا فيما نزل.
سنقيم صلاة الغائب على أرواح الشهداء بعد الصلاة، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وأنت يا مقيم الصلاة أقم الصلاة؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم