سيرة أم أيمن

زيد بن مسفر البحري

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: شخصيات مؤثرة
عناصر الخطبة
1/ سيرة أم أيمن 2/ من أخبار ابنيها أيمن وأسامة بن زيد 3/ اعتقاد أهل السنة بكرامات الأولياء خلافا للمعتزلة 4/ نماذج من كرامات أولياء الله الصالحين 5/ دروس وعبر من قصة أم أيمن وابنيها

اقتباس

وهذه المرأة -عباد الله- لها قصة عجيبة غريبة ذكرها ابن حجر في [الإصابة]، وذكرها الذهبي في [السير]، وذلك أن هذه المرأة لما هاجرت من مكة إلى المدينة، وكانت صائمة، ولما بلغت مكانا يُدْعى بالروحاء -وهو يبعد عن المدينة ستة وثلاثين ميلا- لم يكن معها ماء، فعطشت، فأشرفت على الهلاك، فظلت صابرة محتسبة، فبينما هي على تلك الحال إذا بدلوٍ من السماء دُلِّي عليها فشربت حتى رويت.

 

 

الخطبة الأولى:

 

أما بعد: فيا عباد الله، يقول ابن شهاب الزهري -رحمه الله- كما في الصحيحين: "كانت هذه المرأة من الحبشة، فلما ولدت آمنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدما توفي أبوه حضنته، وكانت هذه المرأة وصيفة لأب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، -أي: كانت أَمَةً له- فحضنت النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى كبر، فلما كبر أعتقها، ثم أنكحها زيد بن حارثة".

 

المرأة -عباد الله- التي نحن بصدد الحديث عنها هي امرأة تسمى بـبركة بنت ثعلبة، والمُدعاة والمُكناة بـأم أيمن.

 

جاء في الصحيحين عن أنس -رضي الله عنه- أنه قال: "لما قدم المهاجرون إلى المدينة لم يكن بأيدهم شيء، فأعطاهم الأنصار نصف ثمارهم نظير العمل في مزارعهم، فجعل الرجل يعطي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النخلة والنخلتين والنخيل، حتى أعطت أم سُلَيم -وهي أم أنس- أعطت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عذاقا -أي: نخلا- فأعطاه أم أيمن، فلما رجع -عليه الصلاة والسلام- من خيبر رد المهاجرون تلك المنائح من ثمارهم".

 

قال أنس: "قالت أمي: اذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فليعطني العذاق أو بعضه، فجاءت أم أيمن فجعلت الثوب في عنقي وخنقتني وقالت: والله لا يعطيكه وقد أعطانيه! فقال -عليه الصلاة والسلام-: يا أم أيمن، اتركيه ولك كذا وكذا، فقالت كلا والذي لا إله إلا هو! فجعل -عليه الصلاة والسلام- يقول: اتركيه ولك كذا وكذا، حتى أعطاها عشرة أمثاله أو قريبا من عشرة أمثاله".

 

سبحان الله العظيم! كلنا عجب حينما نسمع عن عظمة هذا النبي العظيم -عليه الصلاة والسلام- مع أنه رئيس القوم، رغم أنه رئيس هؤلاء الأفذاذ، مع ذلك لم يبخس لأهل الفضل فضلهم، لم يبخس أهل الحق حقهم، ليُعلم الدنيا من ورائه أن هذه الدنيا وأن هذه الأموال لا تستأثر بها طبقة دون أخرى، إنما (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13]، فهو -عليه الصلاة والسلام- لا يمنع أن يعطي الجارية حظها من هذا المال، لا يمنع أن يعطيها نصيبها من الاحترام والتقدير جزاء ما قدمت وفعلت.

 

يقول النووي -رحمه الله- في شرحه على صحيح مسلم: إنما امتنعت أم أيمن لأنها ظنت أنها كانت هبة مؤبدة، فأراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يستطيب قلبها وأن يسترضيها، فما زال يعطيها ويزيدها في العوض حتى رضيت، وكل هذا تبرع منه وإكرام لها لما لها من حق الحضانة والتربية. انتهى كلامه -رحمه الله-.

 

وهذه المرأة -عباد الله- لها قصة عجيبة غريبة ذكرها ابن حجر في [الإصابة]، وذكرها الذهبي في [السير]، وذلك أن هذه المرأة لما هاجرت من مكة إلى المدينة، وكانت صائمة، ولما بلغت مكانا يُدْعى بالروحاء -وهو يبعد عن المدينة ستة وثلاثين ميلا- لم يكن معها ماء، فعطشت، فأشرفت على الهلاك، فظلت صابرة محتسبة، فبينما هي على تلك الحال إذا بدلوٍ من السماء دُلِّي عليها فشربت حتى رويت.

 

وهذه -عباد الله- من الكرامات، والكرامات، كما قال شيخ الإسلام -رحمة الله عليه- ثلاثة أنواع:

 

النوع الأول: نوع من أنواع العلوم، وذلك كقصة أبي بكر لما أطلعه الله -جل وعلا- على ما في بطن زوجته، فأخبر أن في بطنها أنثى، ذكر ذلك ابن حجر في [الإصابة].

 

النوع الثاني من أنواع الكرامات: نوع القدرة والتأثير، وذلك كقول الله -جل وعلا- لمريم (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً) [مريم:25]، ولو هز الرجل القوي جذع النخلة لم يتساقط عليه رطب، فكيف بامرأة في حالة الوضع وفي حالة النفاس تهز النخلة فيتساقط عليها رطب جني؟ وكذلك قول ذلك الذي آتاه الله العلم لما قال لسليمان: أنا آتيك بعرش ملكة سبأ قبل أن يرتد إليك طرفك!.

 

فاعلم -عبد الله- أن الأمر الخارق عن العادة الذي يستحيل أو يكاد أن يستحيل أن يقع، اعلم أن هذا الأمر الخارق إن أجراه الله -جل وعلا- على يد نبي فهو معجزة، وإن أجراه الله -جل وعلا- على يد رجل تقي صالح مؤمن فاعلم أنه كرامة، وإن أُجْرِي على يد فاسق فاجر فاعلم بأن هذا الأمر الخارج عن العادة شعوذة وسحر.

 

عباد الله: إذاً؛ دُلي عليها من السماء دلو فشربت منه حتى رويت، ونحن يجب علينا في هذا المقام أن نقف وقفة استرسال وتأنٍّ عند هذه النقطة، إذ إن البعض قد يضيق قلبه عن سماع هذه الأحداث وعن سماع هذه الوقائع، أو قد يبادر ذهنه إلى استنكارها، أو قد يظن أن هذه الأشياء من الأساطير الخيالية التي تتناقلها الأجيال عبر الأجيال، أو يظن أن تلك القصص كالتي تذكرها العجائز وتحكيها لأطفالها، وهذا ظن خطير قد ينزلق فيه الإنسان إلى هوة [الاعتزال]؛ لأن [المعتزلة]، وهي إحدى الفرق الضالة، تنكر كرامات الأولياء كما ذكر ذلك ابن أبي العز الحنيفي في[شرحه على الطحاوية]، وذكر ذلك النووي في شرح مسلم، ولذا قال أبو جعفر أحمد الطحاوي في عقيدته، قال: ولا نفضل أحدا من الأولياء على أحد من الأنبياء، ونقول: نبي واحد أفضل من جميع الأولياء، ونؤمن بما جاء من كراماتهم، وصح عن الثقات من رواياتهم. انتهى كلامه -رحمه الله-.

 

إذاً؛ هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة في إثبات الكرامات، وقد قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في عقيدته [العقيدة الواسطية]، قال: ومن أصول أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء، وما يجريه الله على أيديهم من خوارق العادات في العلوم، والمكاشفات، والقدرة، والتأثير، والمأثور عن سالف الأمم كسورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر فرقها، والكرامة موجودة فيها إلى قيام الساعة. انتهى كلامه رحمه الله.

 

فتفطن -عبد الله-، فهذا منحنىً خطير قد ينزلق الإنسان فيه إلى هوة الاعتزال، ولهذا ذكر أبو زكريا يحيى النووي في كتابه المعروف الشهير بـ [رياض الصالحين]، قال: [باب كرامات الأولياء وفضلهم]، ثم ساق الآيات والأحاديث في ذلك، فذكر قول الله -جل وعلا-: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً)، وذكر قوله -تعالى-: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً) [آل عمران:37]، وذلك، كما ذكر المفسرون، أن فاكهة الصيف تأتيها في الشتاء وأن فاكهة الشتاء تُقدم لها في فصل الصيف، (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ).

 

وقد جاء في هذا الكتاب ذكر حديث في الصحيحين "أن أبا بكر جاء بثلاثة من أهل الصفة ليطعمهم، فلما قدم لهم الطعام، كلما رفعوا لقمة ربت لقمة أكثر منها، فقال لزوجته أم رومان: ما هذا يا أخت بني فِراس؟ فقالت: والله إنه لأكثر من ذي قبل ثلاث مرات! فحمل القصعة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأكلها ومعه خلق كثير".

 

وجاء في المتفق عليه أن أهل الكوفة لما شكوا سعد بن أبي وقاص إلى عمر، قام رجل يقال له أسامة بن قتادة ويكنى أبا سعدة، فقال: "أما إذ سألتنا عن سعد، فإنه لا يعدل في القضية، ولا يسير في السرية، ولا يقسم بالسوية". فقال سعد: "اللهم إن كان عبدك هذا قام رياءً وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرِّضْه للفتن"، قال عبد الملك بن عمير، الراوي عن جابر بن سَمُرة: "فأنا رأيته بعدُ قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن".

 

ونظير قصته قصة سعيد بن زيد كما في الصحيحين، وذلك أن سعيد بن زيد خاصمته أروى بنت أوس إلى مروان بن الحكم وقالت إنه قد أخذ شيئا من أرضها، فقال سعيد: "أنا آخذ من أرضها بعدما سمعت من النبي -صلى الله عليه وسلم-؟!"، فقال مروان: "وماذا سمعت من النبي -عليه الصلاة والسلام-؟" قال: سمعته يقول: "من أخذ شبرا من الأرض طوقه من سبع أرضين"، فقال مروان: "تكفيني هذه البينة"، فقال سعيد: "اللهم إن كانت كاذبة فأعمِ بصرها، واقتلها في أرضها". قال أحد الرواة: "فوالله! ما ماتت حتى التمست الجدر، فبينما هي تمشي ذات يوم في أرضها إذ سقطت في حفرة فماتت فكانت قبرها".

 

ومما جاء -أيضا- في هذا السياق، ما جاء في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنه قال: "لما كثر القتل في غزوة أحد جعل النبي -عليه الصلاة والسلام- يدفن الاثنين والثلاثة في القبر الواحد"، قال جابر: "فما طابت نفسي أن أدع أبي مع شخص آخر، فأتيته بعد ستة أشهر فاستخرجته فوجدته كيوم وضعته لم يتغير منه شيء غير أذنه، فجعلته في قبر على حدة".

 

وعند البخاري -أيضا- أن أسيد بن حضير وعبّاد بن بشر خرجا من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة مظلمة، وإذا بمصباحين بين أيديهما يستضيئان بهما الطريق، فلما انصرفا صار مع كل واحد منهما مصباح حتى أتى أهله.

 

وجاء عند البخاري -أيضا- أن خبيب بن عدي لما أُسِر قالت امرأة من بني الحارث: "والله ما رأيت أسيرا أفضل من خبيب! وإني لرأيته ذات يوم موثقا بالحديد وفي يده قطف من عنب، وما بمكة من ثمرة".

 

وأيضا، جاء في صحيح البخاري أن عاصم بن ثابت لما قتل أرسلت قريشا مَن يأتي بشيء من جسده لأنه قتل أحد عظمائهم، فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدَّبْر -أي: مجموعة من النحل- فحمته منهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا.

 

وغيرها - عباد الله- كثير، حتى قال ابن عمر -رضي الله عنهما- كما في صحيح البخاري عن أبيه عمر، قال: "والله! ما سمعت عمر يقول لشيء أظنه كذا إلا كان كما يظن"، فمذهب أهل السنة والجماعة: الإيمان، تمام الإيمان، بكرامات الأولياء.

 

نعود إلى ما توقفنا عنده: "دُلي على أم أيمن دلو من السماء فشربت منه حتى رويت"، فكانت بعد ذلك بمدة تتحدث وتقول على لسانها: "كنت أصوم في اليوم شديد الحرارة وأتعرض للشمس كيما أعطش فما أعطش".

 

وإنما مثلها كمثل علي بن أبي طالب كما جاء في سنن ابن ماجة بسند حسنه الهيثمي في [المجمع] وحسنه الألباني أيضا، أن أبا ليلى حدث فقال: كنت أسمر مع علي بن أبي طالب وكنت أراه يلبس ثياب الصيف في فصل الشتاء وثياب الشتاء في فصل الصيف، فقلت: "ما الذي يدعوك إلى هذا؟"، فقال: النبي -عليه الصلاة والسلام- عام خيبر دعاني وكنت أرمد العين، فبصق في عيني وقال: "اللهم أذهب عنه الحر والقرّ"، يعني الحر والبرد، قال: "فما أحسست ببرد ولا بحرّ بعدها".

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد: فيا عباد الله، بركة بنت ثعلبة أم أيمن اليُمْن والبركة، تزوجها رجل يُدعى بعبيد الحبشي، فولدت له أيمن، فعرفت بهذا الابن، وهذا الابن أسلم، وشهد غزوة خيبر، وقيل شهد غزوة حنين.

 

فلما مات زَوْجُها، زَوَّجَها النبي -صلى الله عليه وسلم- بزيد بن حارثة، فولدت له أسامة بن زيد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- جعل هذا الولد، وهو أسامة بن زيد لما جهز جيشا لردع الروم على مشارف الشام، جعله قائدا على هذا الجيش، فاختار -عليه الصلاة والسلام- أسامة بن زيد وهو لم يناهز العشرين من عمره، حتى قال الذهبي في السير إن عمره تلك السنة ثماني عشرة سنة.

 

لكنه -عليه الصلاة والسلام- توفي قبل أن ينفذ جيش أسامة، لكن خليفته الراشد أبا بكر -رضي الله عنه- ما كان ليعدل عن أمر قضاه نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فنفذ هذا الجيش، بل إنه ودع أسامة وأسامة راكب وأبو بكر الخليفة أمير المؤمنين، أمير المسلمين، يقود زمام فرسه، فيستعظم أسامة هذا الأمر، فيقول أبو بكر: "يا أسامة، دعني أغبر قدمي ساعة في سبيل الله".

 

الدنيا - عباد الله- تشهد وتعجب، كيف بشاب لم يتم العشرين من عمره أبواه كانا في يوم من الأيام رقيقين بيعا واشتُريا في السوق، كيف يقود جيشا فيه كبار الصحابة؟ وكيف يمسك أبو بكر خليفة المسلمين بزمام فرسه يودعه؟ إنه الإسلام الذي صحح المفاهيم دون سخط، دون تعب، إنه الإسلام الذي أظهر وأبرز الحقائق، الإسلام الذي أعطى للحياة قِيمها، فجدير بنا، بل واجب علينا، أن نعود إلى هذا الدين العظيم حتى نرفع عن أنفسنا الذلة والمهانة، ولا سيما في هذا الزمن.

 

عباد الله: أم أيمن كما ذكر ابن حجر في [الإصابة] "خرجت في غزوة أحد فجعلت تسقي الماء وتداوي الجرحى"، وهذا هو دور المرأة الصالحة في المجتمع إن قدرت فعلت، وإن احتيج إليها نفعت، وإذا طلبت لبت في حشمة وفي وقار.

 

ولما توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال أبو بكر لعمر، كما في صحيح مسلم: "انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزورها"، فلما انتهيا إليها بكت، فقالا لها: ما يبكيك؟ أما تعلمين أن ما عند الله خير لرسوله -عليه الصلاة والسلام-؟ فقالت: "لا أبكي أني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسوله -عليه الصلاة والسلام-، ولكني أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء"، فهيجتهما على البكاء، فجعلا يبكيان معها.

 

ونأخذ من هنا -عباد الله- درساً من أبي بكر وعمر ثم من أم أيمن، أبو بكر وعمر يتتبعان ما كان يؤثره النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته بمزيد من المودة والاحترام، أبو بكر وعمر يتتبعان ما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يسعى إليه في حياته لزيارة أو مجالسة، وهذا هو والله عين الوفاء، وفاء للحبيب -عليه الصلاة والسلام- الذي رحل ولم ترحل ذكراه، وفاء للصحبة وحقها، وفاء للقيم التي جمعت وربطت وأوثقت، وفاء لبعض الشكر لهذا النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام-، فلئن رحل عن هذه الدنيا فذكره الطيب، هديه القيم، سنته المطهرة، شرعه العظيم، كل ذلك باقٍ في دنيا الناس لا يزول ولا يخبو، فواجب علينا أن نقتفي أثر هذا الرسول -عليه الصلاة والسلام- حتى ننال السعادة والرفعة في الدنيا وفي الآخرة.

 

أم أيمن تعرف جميل الصبر، فلماذا تبكي؟ تبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء، ولا ريب أن جيل محمد -عليه الصلاة والسلام- هو أسعد الأجيال لأن الوحي تابع أحداثه ووقائعه، هو الجيل الذي نافحت ودافعت عنه ملائكة الرحمن، فهو جيل تلقى القرآن آية آية، هو الجيل العظيم، تبكي أم أيمن، وحقيق بمثلها أن يبكي، وأن يبكي معها أبو بكر وعمر.

 

لكنها -رضي الله عنها- بعد ذلك بكت دون أن يبكيا معها، لأن أبا بكر توفي، ولأن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قتل، حتى لما سمعت بخبر قتله قالت: "اليوم وَهَى الإسلام"، وقد صدقت! بقتله وبموته -رضي الله عنه- وهى إسلام كثير من الناس.

 

لكنها لم تعمر بعده، إذ بقيت بعده عشرين يوما، يقول ابن حجر -رحمه الله- في الإصابة: إن ابن شهاب الزهري، كما عند مسلم، قال إن أم أيمن توفيت بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بخمسة أشهر، ويعارضه حديث طارق بن شهاب عند ابن سعد بسند صحيح وهو موصول وأقوى منه، فدل هذا على أن وفاتها بعد مقتل عمر. انتهى كلامه -رحمه الله-.

 

 

المرفقات

أم أيمن

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات