سورة الناس

تركي بن عبدالله الميمان

2022-01-07 - 1443/06/04 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/فضل سورة الناس 2/تفسير سورة الناس 3/ضرورة حراسة القلب من شياطين الإنس والجن

اقتباس

والطَّرِيْقُ لِلْتَّخَلُّصِ مِنْ جَمِيْعِ الشُّرُوْر: أَنْ يُعَلِّقَ الإِنْسَانُ قَلْبَهُ بِرَبِّ البَرِيَّة، وَيَسْتَعْمِلَ الأَسْبَابَ الشَّرْعِيَّة، وَيَبْتَعِدَ عَنِ الأُمُوْرِ المُحَرَّمَةِ وَالشِّرْكِيَّة...

الْخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، واسْتَمْسِكُوا مِنَ الإِسْلامِ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة:197].

 

عِبَادَ الله: إِنَّهَا الْحِصْنُ الحَصِيْنُ، مِنَ العَدُوِّ المُبِيْن، وَهِيَ الاِعْتِصَامُ بِاللِه الرَّحِيْم، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم، إِنَّهَا سُوْرَةُ النَّاس! قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَلَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتِ اللَّيْلَةَ، لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ"(رواه مسلم).

 

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس* مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ)[الناس:1-3]: أَمَرَ اللهُ بالتَّعَوّذِ بِصِفَاتِهِ الثَّلَاث: "الرُّبُوبِيَّةُ، وَالْمُلْكُ، وَالْإِلَهِيَّةُ"، مِنْ شَرٍّ وَاحِدٍ: إِنَّهُ شَرُّ (الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ)[الناس:4]، قال العُلَماء: "وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ خُطُوْرَتِهِ؛ فَإِنَّ أَصْلَ كُلِّ مَعْصِيَةٍ وَبَلَاء؛ إِنَّمَا هِيَ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَان!".

 

فَهَذِهِ السُّوْرَةُ؛ تَوَسُّلٌ بِصِفَاتِ الرَّحْمَن؛ لِطَلَبِ الأَمَان، مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَان! قالَ السِّعْدِي: "يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَعْتَصِمَ بِرُبُوْبِيَّةِ اللهِ وَأُلُوْهِيَّتِه الَّتِي خَلَقَهُمْ لِأَجْلِهَا؛ فَلَا تَتِمُّ لَهُمْ إِلَّا بِدَفْعِ شَرِّ عَدُوِّهِمْ، الَّذِي يُرِيْدُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ مِنْ حِزْبِهِ (لِيَكُوْنُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِير)[فاطر:6]".

 

وَالْحَرْبُ سِجَالٌ مَعَ الشَّيْطَان؛ فَلَا يَزَالُ المُؤْمِنُ في جِهَادٍ حَتَّى يَلْقَى الله.

 

وَمِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ"(رواه أبو داود، وصحّحه الألباني).

 

وَمَا مِنْ أَحَدٍ إِلا وَلَهُ قَرِيْنٌ مِنَ الشَّيْطَان يُزَيِّنُ لَهُ الْفَوَاحِشَ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ"(رواه مسلم).

       

وَوَصَفَ اللهُ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ رَبّ النَّاسِ؛ لِأَنَّ اللهَ تعالى هُوَ الَّذِي يَحْمِيْهِمْ مِنْ شَرِّ وَسْاوسِ الشَّيْطَان؛ فَلَا مَفْزَعَ لَهُمْ سِوَاه.

 

فَالتَّعَوّذُ بِهَذِهِ السُّوْرَة: لَهُ تَأْثِيْرٌ عَجِيْبٌ في دَفْعِ الشَّيْطَان، والتَّحَصُّنِ مِنْ كَيْدِه! قال -صلى الله عليه وسلم- -في وَصِيّتِهِ بِالمُعَوِّذَتَيْن-: "تَعَوَّذْ بِهِمَا؛ فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا"(رواه أبو داود، وصحّحه الألباني).

 

وَمِنْ صِفَاتِ الشَّيْطَان: أَنَّهُ(الْخَنَّاس): أَيْ: يَتَأَخَّرُ ويَنْقَبِضُ إِذَا ذَكَرَ العَبْدُ رَبَّه! قال ابنُ عَبَّاس: "الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ؛ فَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ، فَإِذَا ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ!". وقالَ ابْنُ القَيِّم: "فَذِكْرُ اللهِ يَقْمَعُ الشَّيْطَانَ وَيُؤْلِمُه؛ وَلِهَذَا يَكُونُ شَيْطَانُ المُؤْمِنِ هَزِيْلاً ضَئِيْلاً! لأَنَّهُ كُلَّما اعْتَرَضَهُ: صَبَّ عَلَيْهِ سِيَاطَ الذِّكْرِ والاِسْتِغْفَارِ والطَّاعَة، فَشَيْطَانُهُ مَعَهُ في عَذَابٍ شَدِيْد، لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ شَيْطَانِ الفَاجِرِ الَّذِي هُوَ مَعَهُ في رَاحَةٍ وَدَعَة! فَمَنْ لَمْ يُعَذِّبْ شَيْطَانَهُ في هَذِهِ الدَّار؛ عَذَّبَهُ شَيْطَانُهُ في الآخِرَةِ بِعَذَابِ النَّار".

 

وَمِنْ عَدَاوَةِ الشَّيْطَانِ لِبَنِي الإِنْسَان: أَنَّهُ (يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ)[الناس:5].

قَالَ بَعْضُ المُفَسِّرِيْن: "وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ في صَدْرِ الإِنْسَان: بِإِفْسَادِ الإِيمان، والتَّشْكِيْكِ في العَقَائِد؛ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ: أَمَرَهُ بِالمَعَاصِي؛ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ: ثَبَّطَهُ عَنْ الطَّاعَات".

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.

 

عِبَادَ الله: الوَسْوَاسُ يَكُونُ مِنَ الإِنْسَان؛ كَمَا يَكُوْنُ مِنَ الجَانّ! قال تعالى: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)[الناس:6]؛ فَشَيَاطِيْنُ الإِنْسِ والجِنِّ، يَشْتَرِكَانِ في الوَحيِ الشَّيْطَانِي، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا)[الأنعام:112].

 

وَمِنْ شَيَاطِيْنِ الإِنْسِ: صَدِيقُ السُّوْءِ: الَّذِي يُعْدِيْكَ بِأَخْلَاقِهِ الرَّدِيْئَة! وَصاحِبُ الشُّبُهَاتِ: الَّذِي يُشَكِّكُ في الإِسْلَامِ والعَقِيْدَة. وَبَائِعُ الشَّهَوَاتِ: الَّذِي يُفْسِدُ الأَخْلَاقَ الحَمِيدَة. وَغَيْرُهُمْ مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْ مَنَافِذِ القُلُوبِ الخَفِيَّة، وأَبْوَابِهِ الخَلْفِيَّة.

 

فَلا تَغْفُلُوا عَنْ حِرَاسَةِ القُلُوْب، وَتَعَوَّذُوا بِعَلَّامِ الغُيوب؛ فَالْقُلُوبُ ضَعِيْفَة، وَالْوَسَاوِسُ خَطَّافَة، (وَاللهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلًا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا)[النساء:27- 28].

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوْذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِين، وَنَعُوذُ بِكَ أَنْ يَحْضُرُوْن.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

المرفقات

الناس.doc

الناس.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات