سورة المنافقون

مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ تحذير من النفاق 2/ تعريف بسورة المنافقون 3/ تفسير السورة 4/ أسباب نزول بعض آياتها 5/ عرض ملخص لها

اقتباس

فسورة المنافقون عالجت التشريعات والأحكام، وبشكل خاص عن النفاق والمنافقين، حيث سميت هذه السورة بهذا الاسم الفاضح الكاشف لأستار النفاق "سورة المنافقون"، فتحدثت في البدء عن أخلاق المنافقين وصفاتهم الذميمة التي من أظهرها الكذب، مخالفة الظاهر للباطن؛ فإنهم يقولون بألسنتهم ما لا يقوله الكافر المعلن لكفره، لذلك كان خطرهم أعظم، وضررهم أكبر وأجسم ..

 

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين، نهانا عن النفاق وحذَّرنا منه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك القدوس العزيز الحكيم، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، عانى من المنافقين بعد الهجرة أشد المعاناة، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.

فيا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والحذر من النفاق، فإن صفة النفاق صفة خبيثة نهانا الله -عز وجل- عنها أشد النهي، ووردت فيها آيات كثيرة في كتاب الله، وأفرد الله -عز وجل- لها سورة في كتابه الكريم هي سورة المنافقون.

وسورة المنافقون هي السورة الثالثة والستون في ترتيب المصحف الشريف، وهي إحدى عشرة آية، وهي سورة مدنية، وكان كثيراً ما يقرؤها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الجمعة مع سورة الجمعة، سورة الجمعة يقرأ بها في الركعة الأولى، وسورة المنافقون في الركعة الثانية.

وبدأت بقوله تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ)، أي: إذا وصلوا إليك وحضروا مجلسك يا رسول الله (قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ)، أي: أكدوا شهادتهم بأنك لَرسول الله، واللام للإشعار بأنها صادرة من صميم قلوبهم، مع خلوص اعتقادهم، والمراد بالمنافقين عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه، ومعنى نشهد: نحلف، فهو يجري مجرى القسم.

(وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ)، جملة اعتراضية مقرِّرة لمضمون ما قبلها وهو ما أظهروه من الشهادة، وإن كانت بواطنهم على خلاف ذلك، (اللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) [1]، أي: في شهادتهم التي زعموا أنها من صميم القلب وخلوص الاعتقاد، لا إلى منطق كلامهم وهو الشهادة بالرسالة فإنها حق. والنفاق هو أن يظهر الإنسان خلاف ما يبطن، أو إظهار الإسلام وإبطان الكفر.

(اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً)، أي: جعلوا حلفهم الذي حلفوا لكم به إنهم لمنكم وأن محمداً رسول الله وقاية تقيهم منكم، وسترة يستترون بها من القتل والأسر، (فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ)، أي: منعوا الناس من الإيمان والجهاد في سبيل الله، وأعمال الطاعة، بسبب ما يصدر منه من التشكيك والقدح في النبوة، هذا معنى الصد الذي يعني الصرف، ويجوز أن يكون من الصدود، أي: أعرضوا عن الدخول في سبيل الله وإقامة أحكامه.

(إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [2]، أي: من النفاق والصد (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا)، أي: اظهروا الإيمان للمؤمنين وأبطنوا الكفر للكافرين (فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ)، أي: ختم عليها بسبب الكفر (فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ) [3]، أي: ما فيه من صلاحهم ورشادهم وهو حقيقة الإيمان وحكمة الرسالة والدين (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ)، أي: أن لهم أجساماً تعجب من يراها لما فيها من النضارة والرونق (وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) فتحسب أن قولهم حق وصدق لفصاحتهم ولين كلامهم بما يدهنون فيه.

وقد كان عبد الله بن أُبي رأس المنافقين فصيحاً جسيماً جميلاً، وكان يحضر مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا قال سمع النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- مقالته، (كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ)، شُبهوا في جلوسهم في مجالس النبي -صلى الله عليه وسلم- مستندين بها كالخشب المستندة بالحائط التي لا تفهم ولا تعلم، وهم كذلك، لخلوهم من الفهم النافع، والعلم الذي ينتفع به صاحبه.

ثم عابهم الله سبحانه بالجبن فقال: (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ)، أي: يحسبون كل صيحة يسمعونها واقعة عليهم، نازلة بهم، لفرط جنبهم ورعب قلوبهم، (هُمُ الْعَدُوُّ)، أي: إنهم الكاملون في العداوة؛ لكونهم يُظهرون غير ما يبطنون، وقيل: كان المنافقون على وجل في أن ينزل فيهم ما يهتك أستارهم، ويبيح دماءهم.

ثم أمر سبحانه رسوله -صلى الله عليه وسلم- بأن يأخذ حذره منهم فقال: (فَاحْذَرْهُمْ)، أي: فاحذر أن يتمكنوا من فرصة منك، أو يطَّلعوا على شيء من أسرارك؛ لأنهم عيون لأعدائك من الكفار؛ ثم دعاء عليهم بقوله: (قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [4]، أي: لعنهم الله كيف يصرفون عن الحق ويميلون عنه إلى الكفر.

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ)، أي: إذا قال لهم القائل من المؤمنين قد نزل فيكم ما نزل من القرآن فتوبوا إلى الله وتعالوا يستغفر لكم رسول الله، (لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ)، أي: حركوها استهزاء بذلك، (وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ)، أي: يعرضون عن ذلك القول (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) [5]، أي: متكبرون عن استغفار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم.

(سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ)، أي: الاستغفار وعدمه سواء لا ينفعهم؛ وذلك لإصرارهم على النفاق، واستمرارهم على الكفر، (لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ)، أي: ما داموا على النفاق، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [6]، أي: الكاملين في الخروج عن الطاعة، والانهماك في معاصي الله.

ثم ذكر الله سبحانه بعض قبائحهم فقال: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا)، أي: لا تنفقوا على فقراء المهاجرين حتى يتفرقوا عن محمد -صلى الله عليه وسلم-.

ثم أخبر سبحانه عن سعة ملكه فقال: (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، أي: إنه هو الرزاق لهؤلاء المهاجرين؛ لأن خزائن الرزق له، فيعطي من يشاء ما شاء، ويمنع من شاء ما شاء، (وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ) [7]، أي: لا يعلمون أن خزائن الارزاق بيد الله -عز وجل-، وأنه الباسط القابض، والمعطي المانع.

ثم ذكر سبحانه مقالة شنعاء قالوها: (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ)! القائل لهذه المقالة عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين، وعنى بالأعز نفسه ومَن معه، والأذل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه [حاشاه وحاشاهم!]، ومراده القوة والغلبة بعد رجعوهم من تلك الغزوة غزوة بني المصطلق، فرد الله عليه فقال: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)، أي: القوة والغلبة لله وحده، أضافها إليه ولرسوله ولصالحي عباده لا لغيرهم.

اللهم كما جعلت العزة للمؤمنين على المنافقين فاجعل العزة للعادلين من عبادك، وأنزل الذلة على الجائرين الظالمين، وقولُه: (الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [8]، أي: لا يعلمون بما فيها من النفع فيفعلونه، وبما فيه الضر فيجتنبونه، بل هم كالأنعام لفرط جهلهم، وفريد حيرتهم، والطبع على قلوبهم.

قال المفسرون: لما قال ابن سلول ما قال وقف له ولده عبدُ الله على باب المدينة واستل سيفه، فجعل الناس يمرون به، فلما جاء أبوه قال له ابنه: وراءكَ! والله لا تدخل حتى تقول إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الأعز وأنا الأذل، فقالها.

ثم جاء له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! بلغني انك تريد أن تقتل أبي، فإن كنت فاعلاً فمرني أنا أحمل إليك رأسه. فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بل نترفق به، ونحسن صحبته، ما بقي معنا".

عباد الله: نكمل إن شاء الله الحديث عن هذه السورة في الخطبة الثانية، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، انه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.

عباد الله: لما ذكر الله سبحانه قبائح المنافقين رجع إلى خطاب المؤمنين مرغِّباً في ذكره فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ)، فحذرهم عن أخلاق المنافقين الذين ألهتهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله، ومعنى لا تلهكم: لا تشغلكم، والمراد بالذكر فرائض الإسلام من الصلاة والصيام والحج، وكل شيء فيه ذكر الله، (وَمَنْ يَفْعَلْ)، أي: يلتهي بالدنيا عن الدين (فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [9]، أي: الكاملون في الخسران.

(وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، المراد الإنفاق في الخير على عمومه، وقيل المراد الزكاة المفروضة، (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) بأن تنزل به أسباب الموت شاهدة على حضور علامته (فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ)، أي: يقول عند نزول ما نزل به منادياً لربه هلا أمهلتني وأخرت موتي إلى أمد قصير (فَأَصَّدَّقَ)، أي: بمالي أو من مالي (وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [10]؟ وأصبح تقياً صالحا؟.

فيرد الله -عز وجل- عليه بقوله: (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا)، أي: إذا حضر أجل النفس وانقضى عمرها فإن الله لا يرجعها إلى الحياة، (وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [11]، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، فهو مجازيكم بها.

فسورة المنافقون عالجت التشريعات والأحكام، وبشكل خاص عن النفاق والمنافقين، حيث سميت هذه السورة بهذا الاسم الفاضح الكاشف لأستار النفاق "سورة المنافقون"، فتحدثت في البدء عن أخلاق المنافقين وصفاتهم الذميمة التي من أظهرها الكذب، مخالفة الظاهر للباطن؛ فإنهم يقولون بألسنتهم ما لا يقوله الكافر المعلن لكفره، لذلك كان خطرهم أعظم، وضررهم أكبر وأجسم، (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [النساء:145].

وتحدثت السورة الكريمة عن مقالاتهم الشنيعة في حق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم ختمت بتحذير المؤمنين من أن يُشغَلوا بزينة الحياة الدنيا ولهوها ومتاعها عن طاعة الله وعبادته، كشأن المنافقين، وبينت أن ذلك طريق الخسران، وأمرت بالإنفاق في سبيل الله ابتغاء مرضاته، قبل أن يفوت وينتهي العمر بانتهائه إلى الأجل؛ فيتحسر الإنسان ويندم، حيث لا تنفع الحسرة ولا الندم.

عباد الله: هذه نبذة مختصرة عن المعاني العامة لسورة المنافقون، أسأل الله أن يعيذنا من النفاق وأهله، وأن يجعلنا من المؤمنين الصالحين العالمين بكتاب الله الكريم، وسنة رسوله المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

وصلُّوا وسلِّموا -عباد الله- على خاتم رسل الله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

المنافقون

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات