سورة السجدة

مسفر بن سعيد بن محمد الزهراني

2022-10-08 - 1444/03/12
عناصر الخطبة
1/ تعريف بسورة السجدة 2/ بيان أن محورها هو البعث 3/ تسميتها 4/ فضلها 5/ لمحة عن معانيها

اقتباس

سورة حثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قراءتها في صلاة فجر يوم الجمعة، هي سورة السجدة، ستكون موضوع خطبتنا اليوم بإذن الله. وهي الثانية والثلاثون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها ثلاثون آية، وهي مكية، تعالج أصول العقيدة: الإيمان بالله، واليوم الآخر، والكتب، والرسل، والبعث والجزاء. والمحور الذي تدور حوله السورة الكريمة هو موضوع البعث بعد الفناء الذي طالما جادل المشركون حوله ..

 

 

 

الحمد لله الذي أنزل الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه واتبع هداه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا أيها المسلمون: سورة حثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قراءتها في صلاة فجر يوم الجمعة، هي سورة السجدة، ستكون موضوع خطبتنا اليوم بإذن الله.

وهي الثانية والثلاثون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها ثلاثون آية، وهي مكية، تعالج أصول العقيدة: الإيمان بالله، واليوم الآخر، والكتب، والرسل، والبعث والجزاء.

والمحور الذي تدور حوله السورة الكريمة هو موضوع البعث بعد الفناء الذي طالما جادل المشركون حوله، واتخذوه ذريعة لتكذيب الرسول -عليه الصلاة والسلام-.

وسميت سورة السجدة بهذا الاسم لما ذكر الله تعالى فيها من أوصاف المؤمنين الأبرار الذي إذا سمعوا آيات القرآن العظيم: (خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) [السجدة:15].

وقد ثبت في فضلها ما روى مسلم وأهل السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في صلاة الفجر بـ (ألم. تنزيل. السجدة) و(هل أتى على الإنسان)، وأخرجه البخاري ومسلم من حديثه أيضاً.

وابتدأت السورة بدفع الشك والارتياب عن القرآن العظيم، المعجزة الكبرى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي لا تحوم حوله الشبهات والأباطيل، ومع وضوحه وإعجازه، وسطوع آياته، وإشراقه بيانه، وسمو أحكامه، اتهم المشركون الرسول بأنه اخترع القرآن واختلقه من تلقاء نفسه، فجاءت السورة ترد هذا البهتان، بروائع الحجة والبرهان: (الم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ) [السجدة:1-3]، أي: أنزله إليك لتنذر به قوماً ما جاءهم قبلك يا محمد من نذير.

قال المفسرون: هم أهل الفترة بين عيسى ومحمد -عليهما السلام-، وقد جاء الرسل قبل ذلك كإبراهيم وهود وصالح، ولكن طالت الفترة على هؤلاء الرسل.

والله جل وعلا هو الذي خلق السماوات في ارتفاعها وإحكامها، والأرض في عجائبها وإبداعها، وما يبينهما من المخلوقات في مقدار ستة أيام من أيام الدنيا، ولو شاء الله لخلقهما في لمح البصر، ولكن أراد أن يعلِّم عباده التأني في الأمور، ثم استوى على العرش استواء يليق بجلاله وعظمته من غير تشبيه ولا تمثيل، ونفى الله سبحانه أن يكون للناس من ناصر يمنعهم من عذابه، ولا شفيع يشفع لهم عنده إلا بإذنه، بل هو الذي يتولى مصالحكم أيها الناس ويدبر أموركم، أفلا تتدبرون هذا فتؤمنوا؟!.

فالله الذي يدبر أمر الخلائق جميعاً في العالم العلوي والسفلي لا يهمل شأن أحد، ينزل القضاء والقدر من السماء إلى الأرض، وينزل ما دبره وقضاه، ثم يصعد الأمر كله إلى الله يوم القيامة فيفصل فيه في يوم عظيم هو يوم القيامة، طوله ألف سنة من أيام الدنيا؛ لشدة هوله، ذلك المدبر لأمور الخلق هو العالم بكل شيء، يعلم ما هو غائب عن المخلوقين، وما هو مشاهد لهم.

وهو الذي أتقن وأحكم كل شيء أوجده وخلَقه، وبدأ خلق أبي البشر آدم من طين، ثم جعل ذريته يتناسلون من خلاصة ماء حقير ضعيف هو المني، ثم قوَّم أعضاءه وعدَّل خلقته في رحم أمه، وينفخ بعد ذلك فيه الروح فإذا هو في أكمل صورة وأحسن تقويم، وخلَق لكم الحواس، السمع لتسمعوا به الأصوات، والبصر لتبصروا به كل شيء، والعقل لتدركوا به الحق والهدى، ومع ذلك فقليلٌ شكركم لله عز وجل!.

وقال كفار مكة المنكرون للبعث والنشور: أئذا هلكنا وصارت عظامنا ولحومنا تراباً مختلطاً بتراب الأرض حتى غابت فيه، ولم تتميز عنه، أئنا نُخْلَق بعد ذلك خلقاً جديداً، ونعود إلى الحياة مرة ثانية؟ وهو استبعاد للبعث، مع الاستهزاء؛ بل هناك ما هو أشنع من الاستهزاء، وهو كفركم وجحودكم بلقاء الله في دار الجزاء.

وأمَر الله سبحانه رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول لهم رداً على مزاعمهم الباطلة: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [11]، أي: يقبض أرواحكم ملك الموت، ثم مرجعكم إلى الله يوم القيامة للجزاء والحساب.

ثم أخبر الله تعالى بحال المجرمين يوم القيامة، وما ينالهم من الذل والهوان، وهم مطرقو رؤوسهم أمام ربهم من الخجل والحياء، لو ترى حالهم لرأيت العجب العجاب، يقولون: ربنا أبصرنا حقيقةً، وسمعنا ما كُنا نُنكر من أمر الرسل، وكنا عُمياً وصماً، فردّنا إلى دار الدنيا لنعمل صالحاً، فنحن الآن مصدقون تصديقاً جازماً، وموقنون أن وعدك حق، ولقاءك حق.

فيرد عليهم الله تعالى بأنه سبحانه لو أراد هداية جميع الخلق لفعل، ولكن ذلك ينافي حكمته؛ لأنه يريد منهم الإيمان بالاختيار لا بطرق الإكراه والإجبار؛ ولكن ثبت ووجب قوله سبحانه بعذاب المجرمين، وتقرر وعيده لهم: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ) [13]، أي: العصاة من الجن والإنس.

ويقال لأهل النار على سبيل التقريع والتوبيخ: ذوقوا بسبب نسيانكم الدار الآخرة، وانهماككم في الشهوات هذا العذاب المخزي الأليم، إنا سنترككم اليوم في العذاب وننساكم كما تركتم العمل بآياتنا، وذوقوا العذاب الدائم الخالد في جهنم بسبب كفرهم وتكذيبكم.

ولما ذكر الله سبحانه حال الأشقياء وعاقبتهم الوخيمة أتبعه بذكر حال السعداء الأتقياء، وما أعده لهم من النعيم المقيم في دار الجزاء؛ ليظل العبد بين الرغبة والرهبة، فبين سبحانه أنما يصدِّق بآياته المتقون، الذين إذا وعظوا بها سقطوا على وجوههم ساجدين لله تعظيماً لها، وسبحوا ربهم على نعمائه، وهم لا يستكبرون عن طاعته.

تنتحي وتتباعد أطرافهم عن الفرش ومواضع النوم، والغرض أن نومهم بالليل قليل، لانقطاعهم للعبادة، يدعون ربهم خوفاً من عذابه، وطمعاً في رحمته وثوابه، ومما أعطاهم من الرزق ينفقون في وجوه البر والحسنات، فلا يعلم أحد من الخلق مقدار ما يعطيهم الله من النعيم مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ ثواباً على ما قدموه في الدنيا من صالح الأعمال.

ثم ذكر الله سبحانه فريق الأبرار وفريق الفجار؛ لأن عدالته سبحانه تقتضي التمييز بين المؤمن الصالح والفاسق الفاجر، فلا يساوي المؤمن المتَّقِي في الحياة الدنيا ولا في الآخرة بالفاسق الخارج عن طاعة الله، لا بالثواب ولا بالكرامة، أما المتقون الذي جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح فلهم الجنات التي فيها المساكن والدُّور والغرف الغالية التي يأوون إليها، ويستمتعون بها؛ ضيافة وعدة لإكرامهم، كما تُهيأ التحف للضيف؛ وذلك بسبب ما قدموا من صالح الأعمال.

وأما الذين خرجوا عن طاعة الله فملجؤهم ومنزلهم نار جهنم، إذا دفهم لهب النار إلى أعلاها رُدوا إلى موضعهم فيها، وتقول لهم خزنة جهنم تقريعاً وتوبيخاً: ذوقوا عذاب النار المخزي الذي كنتم تكذبون به في الدنيا، وتهزؤون منه، ثم توعدهم الله بعذاب عاجل في الدنيا وهو عذاب الدنيا من القتل والأسر والمحن قبل العذاب الأكبر الذي ينتظرهم وهو عذاب الآخرة، لعلهم يتوبون عن الكفر والمعاصي.

وبعد أن توعدهم الله وهددهم وبيَّن استحقاقهم للعذاب، بين أنه لا أحد أظلم لنفسه ممن وُعظ وذُكر بآيات الرحمن ثم ترك الإيمان وتناساها، وأنه سبحانه سينتقم ممن كذب بآياته من المجرمين أشد الانتقام.

وبين سبحانه أنه أعطى موسى كليمه عليه السلام التوراة، فلا تكن يا محمد في شك من تلقي القرآن كما تلقى موسى التوراة، والمقصود تقرير رسالته -صلى الله عليه وسلم-، وتحقيق أن ما معه من الكتاب وحي سماوي، وكتاب إلهي، وأنه سبحانه جعل التوراة هداية لبني إسرائيل من الضلالة.

وجعل منهم سبحانه قادة وقدوة يقتدى بهم في الخير، ويدعون الخلق إلى طاعة الله، ويرشدونهم إلى الدين بأمر الله؛ بسبب صبرهم على تحمــُّل المشاق في سبيل الله، وكانوا يصدقون بآيات الله أشدَّ التصديق، إن ربك يا محمد يقضي ويحكم بين المؤمنين والكفار، فيميز بين المحق والمبطل يوم القيامة، ويجازي كلا بما يستحق فيما اختلفوا فيه من أمور الدين.

عباد الله: هذه لمحة عن معاني أغلب آيات سورة السجدة، أسأل الله أن ينفعنا بها وبهدي كتابه الكريم، وبسنة خاتم المرسلين، إنه جواد كريم.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه واستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وسلم وصحبه ومن والاه واتَّبَعَ هداه إلى يوم الدين.

عباد الله: استكمالا لمعاني سورة السجدة فإن الله سبحانه نبه على آثار قدرته في مخلوقاته، وأقام الحجة على الكفار بالأمم السالفة الذين كفروا فأُهلِكوا، فقال: (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ)، أي: أغفل هؤلاء المشركون ولم يتبين لهم كثرة من أهلكنا من الأمم الذين كذبوا رسل الله، (يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ)، أي: حال كون أهل مكة يسيرون في دورهم ويشاهدون في أسفارهم منازل هؤلاء المهلَكين، أفلا يعتبرون؟ (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ) [26]، أي: إن في إهلاكهم لدلالات عظيمة على قدرتنا، أفلا يسمعون سماع تدبُّرٍ واتعاظ؟!.

ثم ذكر الله تعالى دلائل الوحدانية فقال: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ)، أي: أولم يشاهدوا كمال قدرتنا في سوقنا الماء إلى الأرض اليابسة التي لا نبات فيها من شدة العطش لنحييها؟ (فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ) [27]، أي: فنخرج بذلك الماء أنواع الزروع والثمار تأكل منه دوابهم من الكلأ والحشيش، وأنفسهم من الحب والخضار والفواكه والبقول، أفلا يبصرون ذلك فيستدلون به على كمال قدرة الله تعالى وفضله، ويعلمون أن الذي أحيا الأرض الميتة قادر على إعادتها بعد وفاتهم؟!.

(وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [28]، أي: ويقول كفار مكة للمسلمين على سبيل السخرية والتهكم: متى ستنتصرون علينا ويكون لكم الغلبة والفتح؟ إن كنتم صادقين في دعواكم؟ (قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ)، أي: قل لهم يا محمد تبكيتا وتوبيخاً إن يوم القيامة هو يوم الفتح الحقيقي الذي يفصل الله تعالى فيه بيننا وبينكم، ولا ينفع فيه الإيمان ولا الاعتذار، فماذا تستعجلون؟ (وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ) [29]، أي: ولا هم يؤخَّرون ويمهلون للتوبة.

(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) [30]، أي: فأعرض يا محمد عن هؤلاء الكفار، ولا تبالِ بهم، وانتظر ما يحل بهم من عذاب الله، إنهم منتظرون كذلك ما يحل بكم، أي ينتظرون ما يحل بكم من حوادث الزمان.

عباد الله: هذه لمحة عن معاني سورة السجدة، أسأل الله أن ينفعنا بها، وأن يجعلنا من المتعظين المعتبرين، ومن يعود إلى كتب التفسير ففيها إيضاح كبير، ومعانٍ أخرى، ولكننا ذكرنا ما رجح لدينا، غفر الله لنا ولكم، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

وصَلُّوا وسلِّموا عباد الله على خاتم رسل الله نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

 

 

 

 

 

المرفقات

السجدة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات