عناصر الخطبة
1/سقوط الطاغوت بشار 2/تأملات في إمهال الله للظالمين 3/سنة استدراج الظالمين 4/حكمة الله في تمكين الظالمين لبعض الوقت 5/فضائل الشام 6/آيات في إهلاك الله للظالمين 7/أسباب تأخر سقوط طاغية الشام وأعوانه.اقتباس
كم سفك مِن الدماء! وكم قتل من الأبرياء! وكم مزَّق من الأشلاء! ارْتوى مِن دمائهم حتَّى ثَمِل، وشرَّد الملايين في شتَّى الدُّول. مَلأ السجون والمعتقلات، بالأطفال والشيوخِ والعفيفات، وعذَّبهمْ بأشدِّ العذاب، فهتك هو وزبانيتُه الأعراض، وكشَّروا عنْ أنيابِ الحقدِ وقلوبٍ غلاظ.
الخطبةُ الأولَى:
الحمد للَّه ربّ العالمين، مُستحقِّ الحمدِ بلا انقطاع، وموجبِ الشكرِ بأقصى ما يُستطاع، أعزَّ الحقَّ ونَصره، وأذلَّ الباطلَ وقَهَره، وجعلَ الخزيَ لمن حاربه، والعاقبةَ الحميدةَ لمن ناصره، عَلامُ الغيوب، ومَن بيده أزِمَّةُ القلوبِ، الخبيرُ بما تُجنُّ الضمائر، وتكنُّ السرائر، سميعٌ لراجيه، قريبٌ ممن يُناجيهِ، يقضي ويحكم ما يُريد، وَإن رَغم أنفُ الشيطان الْمَريد، مُنجزٌ لِما وعد، وحافظٌ لِمَنْ أطاع ورَشَد، ومُهلكٌ لِمَن طغى وعرْبَد.
وصلى الله على نبينا محمد، أتَمِّ البريَّةِ خيراً وفضلاً، وأطيبِهِم فرعاً وأصلاً، وخيرِ مولودٍ دعا إلى خيرِ معبود، وخيرِ نَبيٍّ ومبعوثٍ، وأفضلِ وارِثٍ وموروث، مَنِ اسْتَضَاء بسُنَّته أبْصَرَ ونَجَا، ومَنْ أعْرض عنها زَلَّ وهوى.
صلى الله عليه وعلى آلهِ الطيبين الأخيار، الطاهرين الأبرار، الذين أذهب اللهُ عنهم الأرجاسَ، وطهّرهم من الأدْناس، وعلى أصحابه الذين هم أعلامُ الإسلام، وأفضَلُ الأنام. وسلَّم تسليماً كثيراً مزيداً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حقَّ التقوى، فبها تُنْصَرون وتَزولُ البلوى.
أُمَّة الإسْلام: سقط الطاغوت بشار، ابنُ حافظِ الجزَّار، بِقُدْرَةِ الواحدِ القهار.
الذي أخذ على نفسه إحراق البلد، فأطلق لزبانيته المقولةَ الشهيرة: إمَّا أنْ يَفْنوا جميعاً أو يبقى الأسد.
فلا إله إلا الله، كم سفك مِن الدماء! وكم قتل من الأبرياء! وكم مزَّق من الأشلاء!
ارْتوى مِن دمائهم حتَّى ثَمِل، وشرَّد الملايين في شتَّى الدُّول.
مَلأ السجون والمعتقلات، بالأطفال والشيوخِ والعفيفات، وعذَّبهمْ بأشدِّ العذاب، فهتك هو وزبانيتُه الأعراض، وكشَّروا عنْ أنيابِ الحقدِ وقلوبٍ غلاظ.
ما أعظمَ حِلْمك يا الله! العزُّ لك، والجلالُ لكبريائك، والعظمةُ لثنائك، والدوامُ لبقائك، يا عظيمَ الذات، يا مُفيضَ الخيرات. أنت الأول لا شيء قبلك، وأنت الآخر لا شيء بعدك، وأنت الفرد لا شريك لك.
منك الابتداء وإليك الانتهاء، وبقدرتك تكونت الأشياء، وبإرادتك قامت الأرض والسماء.
ما أعْظم مكرك بالظالمين: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[الأنفال: 30].
وما أشدَّ بطشك بالفاجرين! (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ)[البروج: 12].
ما أعظم إمْلاءك واسْتدراجك بالجبَّارين! (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)[الأعراف: 182- 183].
ما أعظم كيدك بالْمُفسدين! (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا)[الطارق: 15- 17].
ما أعظم أخْذك وعقابك! (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هود: 102].
سبحانك! أمهلت هذا الطاغوتَ لأعوامٍ طِوال، ومكَّنْت له في الأرض وأمْددته بالقوَّةِ والأموال، حتى اغْتر المسكين بإمْهالك، وما علم السفَّاحُ ما سيكون بعد ذلك.
أنت القويُّ العزيز، أريتَ هذا الطاغوتَ أنَّ بطشك شديد، وأنَّك فعَّالٌ لِمَا تُريد، فكسرته كما كسرت الأكاسرة، وقصمْته كما قصمْت القياصرة.
(فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[العنكبوت: 40].
أنت الحكيم، فمِن حكمتك في إمهال طاغوت هذا الزمان، أنْ كشفت حقيقة الرافضة الخبثاء، الذين اغترّ بهم كثيرٌ من الْجُهلاء، واصْطفيت بحكمتك كثيراً من الشهداء، وأوضحت الحقَّ وأبَنْته، ودَمَغْت الباطل ومحقته.
فعاد أهل الشام إلى الدين عَوداً حميدًا، ولبسوا للدِّين ثوباً جديدًا.
وصدق الله: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)[آل عمران: 140 - 141].
نعم، (وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)؛ نُمكِّنُ لِلأعداء والكفار تارة، ونُمكِّنُ لكم عليهم تارةً أُخرى، ولماذا يا إلَهَنا تُمكِّنُ الكفار علينا، ونحن مسلمون مُوحِّدون، ذكر الله لذلك أربعَ حِكَم:
الحكمةُ الأولى: (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا)؛ أي ليرَى من يَصبرُ على قتال الأعداء، ومَن آمن حقًّا في الشدَّةِ والرخاء، فيتبيَّنُ عند ذلك المؤمنُ من المنافق، الذي دخل في الإسلام نفاقاً ومُصانعة.
الحكمةُ الثانية: (وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ)؛ فيُقْتَلُون في سبيله، ويَبْذُلون مُهَجهم في مرضاته، لينالوا شرف الشهادة، التي هي عند الله من أرفع المنازل، ولا سبيل لنيلها إلا بالجهاد.
لقد اصْطفى الله ما لا يُحْصَى من الشهداء في الشام، وأحْيا وأعْلَى ذِكْرَهُمْ بَيْن الأنام، فلولا تسلُّطُ هؤلاء الكافرين، لَمَا أقام الله سوقَ التَّضحيةِ والجهاد، وما رجع العبادُ إلى الله وتابوا وأنابوا، وصحَّحوا عقائدهم ودينَهم.
(وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)؛ فالظالمون والمنافقون والمتخاذلون، مُبْغَضون مكروهون عند الله، ولهذا ثبَّطهم عن القتال في سبيله. فثبَّط الله الظالمين والرافضةَ والمُفْسدين؛ لأنّ الشهادة والجنَّة والرفعة، لا تنبغي إلا للمُؤْمنين الصالحين.
الحكمةُ الثالثة: (وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا)؛ فيتميَّزُ ويتبيَّنُ المؤمنون من المنافقين، فيتخلَّصون منهم، ويُكشفون على حقيقتهم. كما حصل لحزب الشيطان، وأسيادِهم من الرافضةِ في إيران، الذين رفعوا شعار الْمُقاومةِ لإسْرائيل، فتبيَّن بعد ذلك عياناً بياناً جليَّاً: أنهم مُقاومون لأهل السُّنة، ومَنْ هُدي إلى سواء السبيل.
الحكمةُ الرابعة: (وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)؛ أي: لِيكون سببًا لمحقهم واسْتئصالهم بالعقوبة، فإنهم إذا انتصرُوا بَغَوا وتجبَّروا، فكان ذلك سَبَبَ دمارهم وهلاكهم، ومَحْقهم وفنائهم.
فكم مُحقت أرواحُ النُّصيريِّين الْمُجرمين، وكم مُحقت أرواحُ الروافضِ والْمُفسدين، الذين عبثوا في البلاد، وأكثروا فيها الفساد، فصبَّ الله عليهم سوط عذاب.
فما أحْكمك وأعْلمك يا ألله! أقَمْت على وحدانيَّتِك ومُلكِك آية، رآها وعايشها جلُّ مَنْ في هذا الزمان؛ حيث نصرت ومكَّنت لشعبٍ أعزل عن السلاح، فصبر في سبيلك وصابر في الكفاح، ونادى بأعلى صوته، حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح، فأرسل النظام النصيريُّ البعثي، جميع دباباته، وأرسل كلَّ طائراته، وأطْلق كلَّ صواريخه، فأكْثر الذبح والقتل، وأهْلك الحرث والنسْل.
وأمدَّته دولةُ الفرس وأعوانُها من حزب الشيطان، ودولةِ الإلحاد وأذنابُها، بالعتاد والرجال، والقوَّة والأموال، ومنعت دُوَلُ الغرب كلُّها، وحلفاؤُها وأتباعها، مِن نصرة هؤلاء المستضعفين، ولم يُمدُّوهم بالسلاح ولا الدَّواء، ولا الطعام ولا الكساء.
لَمْ يَعْرفوا للنوم طعماً ولذَّة، وكيف لهم أنْ يعرفوه ويذوقوه، والطائرات والصواريخُ تدكُّهم ليلاً ونهاراً، وإذا أرخى الليلُ سدوله، أقبلت الأمُّ على أطفالها وهم في رُعْبٍ واضطراب، فتُدْخلُ قُمَاشاً في آذانهم، لكي لا يسمعوا أصوات الطائرات والقاذفات، فإذا قامت تفقَّدت بدنها وأطفالها، وحَمِدَت ربَّها على نجاتهم، وهكذا في كلِّ ليلة، وهي والله ليست قصصاً من الخيال، ولكنْ هو ما رأيناه وشاهدناه بأمُّ أعيُننا.
وحالُهم كما قال -تعالى-: (إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً)[الأحزاب: 10- 11]؛ نعم والله، لقد زُلْزل أهل الشام أعظم زلزال، حيثُ واجهوا أقوى السلاح وأعتدى الرجال.
فهل يُعقل -يا أُمَّةَ الإسلام- أنْ ينتصر هؤلاء الْمُسْتضعفون الْمَغْلوبون، على قوى الشرق والغرب كلِّها، كلا والله، ولَمْ ينتصر أحدٌ كحالهم، منذ خلق الله آدم إلى يومنا هذا، إلا مَن رفع رايةً واحدة، منبعها في القلب وأصلُها في السماء، فَيَذِلُّ لها كلُّ طاغوتٍ وجبار، وتُسهَّلُ لها الفيافيْ والقفار، ويرَتَعِدُ سامِعُها ولو كان في آخر الأقطار.
إنّها رايةُ لا إله إلا الله، لمْ يرفعها مظلومٌ إلا غَلب، ولو أقبل الظالمُ بخيله وسلاحه وأجلب.
فتح بها الصحابةُ بلاد كسرى وقيصر، وخطبوا على منابر العراق وخرسان، ومصر والشام، كلُّ ذلك في أقلَّ مِن عشرين سنة.
وهاهم أحفادُهم وأتباعهم، أهلُ الشام، ها هم يُجدِّدون هذه الراية، فصدعوا لله بالتكبير، وتابوا إلى إليه من الخلل والتقصير.
ها هم أهلُ الشام، وعصابةُ الإسلام، يصدون لوحدهم الرافضة وإيران، وحزبَ اللاتِ والشيطان، ها هم يذودون عن أعراضهم وشرفهم ودينهم.
وحُقَّ لهم ذلك، وقد قال عنهمُ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وعن بلدهم: "عُقْرُ دَارِ الْإِسْلَامِ بِالشَّامِ، يَسُوقُ اللَّهُ إِلَيْهَا صَفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، وَلَا يَنْزِعُ إِلَيْهَا إِلَّا مَرْحُومٌ، وَلَا يَرَغَبُ عَنْهَا إِلَّا مَفْتُونٌ".
وقال أيضاً: "لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ، قيل مَنْ هُمْ يا رسول الله: قال هُمْ أَهْلُ الشَّامِ".
وقال أيضاً: "أَلَا إِنَّ الْإِيمَانَ إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ".
وقال أيضاً: "طُوبَى لِلشَّامِ، طُوبَى لِلشَّامِ" قيل: مَا بَالُ الشَّامِ؟ قَالَ: "الْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَجْنِحَتِهَا عَلَى الشَّامِ".
فبعد أنْ عَظُم عليهمُ الخطب، واشدَّ بهمُ الكرب، وقلَّ الناصر، وبلغت القلوبُ الحناجر، وكاد اليأسُ يَنْخِرُ قلوبهم، والخوفُ يَشُلُّ أرْكانهم.
وبلغوا المرحلةَ التي قال الله فيها: (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)[البقرة: 214].
عندها أوحى إلى ملائكته بِتَثْبيتهم، وإلى النصر أنْ يتنزَّل عليهم.
فملَّكهم الله سلاح أعدائهم، وهدى الله قلوبَ كثيرٍ منهم، فكثرت الانشقاقات، وارْتفعت المعنويَّات، فزاد الطاغوت بالإجرام، وأوحى الله إلى أوليائه بالثبات والإقدام، فتأتيه المدد والعتاد، ويستميت في الإجْرام والفساد، فيلجأُ المُؤْمنون إلى ربِّ العباد، واللهُ وَعَدَ ولَنْ يُخْلف الميعاد: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج: 40].
فاشتدَّ النزال، وعظم القتال، وهي معركةٌ فاصلةٌ حاسمة، بين الرافضة المشركين، وأهل السنَّة المؤمنين، وجاء الرافضةُ من كلِّ حَدبٍ وصوب، ونادى الْمُوحِّدون: يا خيل الله ارْكبي.
فصبروا في سبيل الله ورابطوا، وهم يستحضرون قوله تعالى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)[البقرة: 249].
فصبروا صَبْر الأبطال، وثبتوا ثباتَ الجبال، واسْتعانوا بالكبير المُتعال، فهل بعد هذا سيخذُلُهم ذو العزَّةِ والجلال؟
كلا والله، فبعد أنْ أثبت الله حكمته في فعله، واصْطفى ثُلَّةً من خلقه، وأقام الحُجَّة على عباده؛ أذن الله للنصر أن يتنزَّل، وللأرض تحت الطاغوتِ أنْ تَتَزَلْزَل، وصدق الله: (وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُم * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ)[محمد: 4- 6].
فاللهم لك الحمد على نصرك وتمكينك، ولك الحمد على حُكمك وتدبيرك، ونسألك اللهم تثبيت أوليائك، ودَحْر أعدائك، إنك سميعٌ مجيب.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِالْفَضْلِ وَالْعِرْفَانِ، وَوَفَّقَنَا لسلوك طريق أهلِ الإيمان، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْأَتَمَّانِ الْأَكْمَلَانِ، عَلَى مَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى لِلْإِنْسَانِ. أما بعد:
أمَّةَ الإسلام، إنَّ تأخُّرَ سقوطِ طاغيةِ الشامِ وحزبِه، كانت لأسبابٍ كثيرةٍ أهمها:
أنَّ هذه الثورةَ الْمُباركة لم تكن ضد هذه الطاغيةِ فقط، بل هي ثورةٌ ضدَّ طغاةِ العالم أجمع، الذين وقفوا إلى آخِرِ رمقٍ مع الطاغية، وأعلنوها حربًا سِرًّا وعلانيةً؛ لأنه أخلصَ وأفضلَ مَن حفظ مصالحهم، ولبَّى رغباتِهم، فلذلك طالت وامْتدَّت، وعظُمت واشْتدَّت.
فسقوطُه سقوطٌ لدولِ الإجرام، كدولةِ المجوس وأحزابِ الرفض والشرك.
وسقوطٌ لعدالةِ الغرب الكاذبة، وأُمَمِهِمُ الْمُنْحازةِ لهم، والحريَّةِ الوهميَّة، التي اتَّخذوها ذريعةً وحُجَّةً، لأهوائهم ورغباتهم، فبها يعزلون ويغزون ويقتلون، فأين حريتهم في إعطاء هذا الشعب المظلوم حقَّه، والوقوفِ معه.
ومن الأسباب أيضاً: ما أراده الله -تبارك وتعالى- لأهل الشام، من التمحيص والتصفيةِ، من رجس الرافضةِ والنُّصيريِّين والمجوس، الذي أدخلوا على أهلها العقائدَ الباطلة، والأفكارَ المنحرفة، والفتن والشهوات، والذُّلَّ والفقر.
اللهُ أكبرُ ملْءَ كلِّ مسامعٍ *** لَمَّا أُزيلَ الوقرُ مِنْ آذانِ
وتطلعتْ نحو المآذِنِ أعينٌ *** سئمتْ من الإذلالِ والإذعانِ
هي عزَّةُ الإسلامِ عَمَّتْ أرضَهم *** وسمتْ بمن فيها من الإنسانِ
حتى غدا الشَّاميُّ وهْو مُكبَّلٌ *** يطأُ العروشَ بعزَّةِ الإيمانِ
ويهدِّدُ الفرسَ الأكاسرةَ الأُلى *** ويُذلّ حزبَ الرَّفض والشَّيْطانِ
هي نُصرَةُ المولى العزيزِ لجندِه *** والنصرُ بالإِيمانِ لا السلطانِ
وتسلَّمَ المستضعفونَ قيادةً *** كانت بأيدي الظلْمِ والطغيانِ
نعم، تسلَّم المستضعفون السوريون قيادته وحكومته، فذهب الرافضيُّ وجاء الْمُوحدُ السُّنّيُّ، ذهب حزبُ البعث الخبثاء، وجاء الْمُجاهدون والعلماءُ.
ويا سعادة مَن وقف معهم في محنتهم، وساندهم بِما اسْتطاع من مالٍ أو متاع.
وشكر الله وقوفَ المملكةِ العربية السعودية -حرسها الله-، حكومةً وشعبًا، على البذل والْمُساندة لهم.
ونسأل الله أن يديم النصر للإسلام والمسلمين، إنه سميعٌ قريبٌ مجيب.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم