سقوط الدول الغربية

ناصر بن محمد الأحمد

2014-06-11 - 1435/08/13
عناصر الخطبة
1/قيام السماوات والأرض بالحق والعدل 2/طبيعة دين الإسلام 3/التحذير من الاغترار بانتفاش الباطل 4/أسباب تدمير الله للأفراد والدول 5/استحقاق الدول للعقاب الألهي ولكن متى وكيف ينزل؟

اقتباس

المشكلة أن الكثيريين ممن يحاربون الإسلام لا يعرفون طبيعته. الإسلام له طبيعة؛ يحاصرونه في المسجد، فيدخل إلى الملعب. يخنقونه في الكتاب، فيكتسح الشبكات العنكبوتية، وأجهزة التواصل. يحاربونه في الشيخ والداعية وطالب العلم، فيظهر في الطبيب والمهندس والمدرس والموظف. يطفئونه في الطرقات والأماكن العامة فيضيء في السجون. هذه هي...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله..

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: إن هذه الأرض التي نعيش عليها ما خلقت إلا للإسلام، قامت هذه الأرض بالحق والعدل الذي هو أساس هذا الكون، وأصل في بناء السماوات والأرض، والدنيا بدأت بالحق، وستنتهي بالحق.

 

ويوم القيامة يتجلى الحق في أعلى وأجل صورة.

 

ومن هذا الحق: أن تعود لأمة الإسلام قيادتها للبشرية.

 

ومن الحق: أن يعود حكم الإسلام في الأرض كله.

 

ومن الحق والعدل: أن تزول هذه الغشاوة، وتنقشع هذه الغمة، وتعود هذه الأمة إلى عزها ومجدها.

 

ربما يقتل أناس من هذه الأمة، هذا صحيح، وربما تباد جماعات ومجتمعات، وهذا أيضاً صحيح، وربما تسقط دول وتذهب أسماء وشعارات أيضاً، هذا صحيح، لكن الإسلام باق، والله متم نوره ولو كره الكافرون.

 

إن هذا الدين، هو سر هذه الأمة، وروح هذه الأمة، وسر بقاءها ووجودها.

 

إن هذه الأمة خلقت للإسلام، هذه الأمة وجدت للإسلام مهما غضب الغاضبون، وخطط المخططون، وزمجر المزمجرون، وأزبد الزابدون، فالذى يريد أن يقضي على الإسلام فليقض على هذه الأمة، وهل يستطيع أحد أن يقضي على هذه الأمة؟

 

هيهات ثم هيهات.

 

نقول بأن هذا محال، لماذا؟

 

لأن هذه الأمة موعودة بالبقاء، ليس بالبقاء فقط، بل بالنصر والتمكين.

 

ولا يزال الله يغرس لهذا الدين غرساً يستعملهم فى طاعته.

 

ولا يزال المولى -جل وعز- يخرج لهذه الأمة في كل مرحلة من تاريخها، وفي كل فترة من فتراتها علماء ودعاة وقادة يستعملهم لخدمة هذا الدين.

 

ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله الإسلام بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل الله به الكفر وأهله.

 

كم دفن الناس من طاغية؟ كم دفن الناس من محارب لله ولرسوله؟ كم دفن الناس من زنديق؟ كم دفن الناس من كافر؟ كم دفن الناس من ملحد؟ كم دفن الناس من علماني منافق؟

 

فرعون مضى، هولاكو مضى، جنكير خان مضى، وقروناً بين ذلك كثيرا، حتى رموز الكفر والضلال في هذا الزمان سوف يأتى يوم ويدفُنهم أصحابهم.

 

فقط، صبر جميل، واستعانة بالله، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

المشكلة أن الكثيريين ممن يحاربون الإسلام لا يعرفون طبيعته.

 

الإسلام له طبيعة؛ يحاصرونه في المسجد، فيدخل إلى الملعب.

 

يخنقونه في الكتاب، فيكتسح الشبكات العنكبوتية، وأجهزة التواصل.

 

يحاربونه في الشيخ والداعية وطالب العلم، فيظهر في الطبيب والمهندس والمدرس والموظف.

 

يطفئونه في الطرقات والأماكن العامة فيضيء في السجون.

 

هذه هي طبيعة هذا الدين.

 

أيها المسلمون: لا يغركم انتفاش الكفر وتسلطه على الدنيا في هذه الفترة، فإن الله -جل جلاله- يقول: (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلاَدِ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)[آل عمران: 196- 197].

 

فإن الكفر والباطل وإن تسلط، فإن تسلطه محدود بقدر من الله، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يستمر هذا التسلط، وهذه الغلبة إلى نهاية الدنيا، فإن لكل شئ نهاية.

 

ولهذا نقولها تحقيقاً لا تعليقاً أن الكفر زائل من هذه الأرض.

 

والمتأمل في حال جميع الدول الغربية يكاد لا يشك أنها قد تتعرض إلى عقاب إلهي مدمر، شديد الوطأة، عظيم التأثير، واسع الانتشار، يتناول الناس والحيوان والجمادات، ربما تنهار بسببه الأبنية والمنشآت، أو تتشرذم وحدتها إلى كيانات، والله -تعالى- أعلم بما هو آت.

 

إن ما ذكرته لا يدخل في باب الكهانة ولا التنبؤات، بل هو ما تقتضيه السنن الربانية، وما نزل في ذلك من الآيات في إيقاع العقوبة الإلهية بمن تحققت فيه الصفات من تكبر وتجبر وافتئات.

 

ولعلنا نبين حال هذه الدول الآن قبل أن ينزل عليها وابل العذاب من الرب الشديد العقاب.

 

أيها المسلمون: إن للتدمير الإلهي أسباب، من تحققت فيه فلا شك عندنا أنه هالك لا محالة:

 

أولاً: الكفر والصد عن سبيل الله بعد إقامة الحجة:

 

إن الدول الغربية هي دول أهل كتاب، وهم مأمورون كغيرهم من عموم أهل الكتاب بتوحيد الله -تعالى-، وتنزيهه عن الولد، وبالإيمان بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وكفارُهم ركبوا رؤوسهم ولم يستجيبوا لدعوة ربهم، قال تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 64].

 

وقد تولوا وليس لهم في توليهم حجة، بل قد قامت عليهم البينة، كما قال تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ البَيِّنَةُ * رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ)[البينة:1-3].

 

وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده ما يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ومات ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار"[رواه مسلم].

 

وقد تبين لكل أحد، وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أن دعوة الإسلام قد دخلت بيت كل غربي ابتداءً من رؤسائهم وإدارتهم إلى الأفراد العاديين من الشعب، فالحجة عليهم قائمة.

 

ولم تكتف هذه الدول بالكفر بالإسلام، بل وضعت كل إمكاناتها للصد عن سبيل الله بكل وجه استطاعته.

 

فلهذا اندرجت في سنة الله في إهلاك الكافرين، والذين هم عن سبيل الله من الصادين، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ)[آل عمران:4].

 

وقال تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)[محمد:1].

 

فكل من يكفر ويصد عن سبيل الله مستحق للعقاب الشديد من الله -تعالى-، ولن تغني عنه قوته وسطوته شيئاً إذا جاء أمر الله -تعالى-.

 

ثانياً: التأله:

 

السبب الثاني من أسباب التدمير الإلهي لهذه الدول: التأله: لقد ادعت الدول الغربية لنفسها من القدرات ما لا يليق إطلاقه إلا على الله -تعالى-، فهم يمارسون علاقاتهم مع كافة دول العالم على طريقة فرعون عندما قال: (يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي)[القصص:38].

 

وعندما قال: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)[غافر:29].

 

فلما وقع لهذه الدول مثل هذا الادعاء، ليس بلسان المقال، بل بلسان الحال، كان لا بد أن تتعرض لعقاب الملك الديان، ذلك أن خطابهم مع كافة حكومات وشعوب المعمورة كان منطلقاً من جوف هذا الشعور المملوء بالغطرسة والتجبر، وكأنهم يقولون إنهم يعزون من يشاؤون ويذلون من يشاؤون، كما وقع ذلك حينما خاطبوا رئيس دولة باكستان: "أمامك خياران: إما أن تدخل في حلفنا في حربها ضد الإرهاب، وإما أن نعيد باكستان إلى العصر الحجري!".

 

وحالهم أيضاً كحال النمرود عندما قال لإبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)[البقرة:258].

 

كيف؟

 

قال: آتي بإنسان حي فأقتله، وآتي بإنسان محكوم عليه بالقتل فأعفو عنه.

 

وهكذا تفعل هذه الدول، فمن تريد قتله سلطت عليه آلتها الحربية الجبارة من أمثال الطائرات أو الصواريخ فأبادته وأحالت أرضه يباباً، ومن أرادوا إبقاءه حياً عفو عنه.

 

هكذا هو منطوقهم ومفهومهم. أي كما يفعل الإله -فتعالى الله عما يدعيه المتألهون-.

 

فبسبب ممارستهم ما لا يحق لأحد أن يقوم به إلا الإله الحق استحقوا أن يحيق بهم العذاب الإلهي، كما حاق بفرعون عندما ادعى الألوهية، قال الله -تعالى-: (وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ)[الأعراف:137].

 

ثالثاً: الذنوب:

 

صحيح أن الذنوب قد تقع من أي إنسان أو أمة، إلا أن هذه الدول هي أبرز من يقود العالم نحو الموبقات، ومن أهمها: الاقتصاد العالمي القائم على البنوك الربوية، والبورصات المالية، ثم ما تنفذه من مخططات لتغيير السلوك السوي لدى بني الإنسان من خلال إنتاجهم للأفلام الإباحية، وأفلام الجريمة، المفعمة جميعها بكل ألوان الانحرافات التي تخطر على بال الإنسان أو لا تخطر.

 

وقد تولت هوليود كبر هذه الطامات العامة الشاملة.

 

هذا، إضافة لفرض آرائهم الضالة، وأفكارهم الشاذة، في السياسة والاقتصاد والثقافة، وغيرها على معظم دول العالم مع تدخلهم في الشؤون الداخلية لتلك الدول، ومحاولة تغيير هويتها وخصوصياتها تحت مسمى "العولمة".

 

هذا، فضلاً عن تهديداتهم باستعمال القوة ضد أي دولة تتمرد على السير وفق المخطط الذي يضعونه لها ملوِّحين للجميع بتواجد قواتهم في كافة القارات، وجميع المحيطات، وفي الفضاء وآفاق السموات، وأنهم لن يتورعوا عن استخدامها ضد كل من يقف حائلاً دون تحقيق مصالحهم الأنانية الخاصة بهم دون غيرهم.

 

ولم يكتفوا بذلك، بل أخضعوا جميع الأنظمة الحاكمة في العالم لتتبنى الديمقراطية كأسلوب لممارسة الحكم، وأن الدول التي لا تفعل ذلك تعتبر دولاً مارقة.

 

فلهذه الذنوب العظيمة وغيرها كثير جداً، مما لا يتسع المقام لذكره وتعداده فإن هذه الدول المتجبرة المتكبرة قد وضعت نفسها في موضع من يستحق أن ينزل عليه الغضب الإلهي والعقاب الرباني، حيث إن سنة الله -تعالى- قد جرت على هذا النحو في كل من يقترف أمثال هذه الموبقات في الأمم السالفات، قال الله -تعالى-: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[العنكبوت:40].

 

وقال تعالى: (أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ)[الأنعام:6].

 

فهذه الآيات تبين سنة الله في أخذه الأمم والدول بذنوبهم التي يقترفونها، محادين في ذلك لما جاءهم من الله -تعالى- على ألسنة أنبيائه ورسله.

 

وليس هناك دولة لها عهد عند الله -تعالى- خاص بها لتُستثنى من هذه السنن المضطردة، فلذلك يصيبها ما يصيبها بما اقترفت أيديها من الذنوب المهلكات.

 

رابعاً: الظلم:

 

لا يختلف اثنان على الحجم الهائل للظلم الذي أوقعته الدول الغربية على الشعوب والأفراد، فهم إضافة للظلم الذي يمارسونه من خلال تدخلاتهم وضغوطهم السياسية، فإنهم إضافة إلى ذلك يستعملون قواهم العسكرية.

 

إن ذكر مسلسل ظلمهم للبشرية يمتد عبر عشرات السنين.

 

خذ على سبيل المثال ما فعله الأمريكيون من جميع ألوان التنكيل والقتل والتشريد بالسكان الأصليين لتلك البلاد ممن أطلق عليهم الهنود الحمر.

 

وأما في العصر الحديث، فإن هذه الدولة هي الوحيدة في العالم التي استخدمت السلاح الذري الرهيب مرتين ضد دولة واحدة، هي اليابان في كل من هيروشيما ونغزاكي، حيث أبادت الملايين من البشر. ثم بعد الحرب العالمية الثانية استمرت في ممارسة هذا المسلسل الإجرامي الدامي؛ إما بشكل مباشر كما فعلت في فيتنام والعراق ولبنان وكوسوفا والصومال، وكما لا تزال تفعله الآن في أفغانستان، وفي دعمها لإسرائيل عسكرياً واقتصادياً وسياسياً.

 

أو بشكل غير مباشر كما تفعله في دعمها للعدوان الروسي الغاشم على بلاد الشيشان، وكما تفعله في استخدامها للأمم المتحدة لتمرير مخططاتها الإجرامية بحق الدول والشعوب، كالذي حصل لتيمور الشرقية.

 

ولأنهم استمرأوا الظلم فأصبح جزءاً لا يتجزأ من ممارساتهم المتعجرفة، فإنهم شرعوا باستخدام قوتهم ونفوذهم للتأثير في أسعار البترول، وفي تجميد، أو مصادرة أموال دول وشركات ومؤسسات وأفراد، وفي اصطناع حروب بين الدول لإنعاش حركة الصناعة الحربية في معاملهم.

 

ولم يكتفوا بذلك، بل مدوا ظلمهم إلى الأفراد الإسلاميين والجماعات الإسلامية، متذرعين بحجج لا أدلة لهم فيها.

 

لقد أصبح ظلم الدول الغربية ظاهرة عالمية مدعومة بما سموه بالشرعية الدولية، يمارسونه مع حلفاؤهم من أعضاء الاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان ودول أخرى ضد الشعوب الإسلامية المستضعفة، بغية القضاء على دينها، وامتصاص ثرواتها، والهيمنة على ممتلكاتها واستثماراتها، والسيطرة على أراضيها.

 

إنه ظلم عالمي لم يشهد له العالم مثيلاً على مر قرونه، وتعاقب دهوره، فاستحقت لأجل ذلك كله أن ينزل عليها غضب الملك الحق الواحد القهار.

 

وما كان لهم أن ينجو من هذه العقوبة، وذلك بسبب ظلمهم الفادح وجورهم الصارخ، ولأن عقوبة الله -تعالى- للظالمين سواء كانوا أفراداً أو شعوباً أو دولاً أو أمماً، هي سنة جارية مضطردة مستمرة، لا تزول ولا تحول.

 

ولأن هذه التصرفات الظالمة لم تقتصر على حكوماتهم فحسب، بل تجاوز ذلك إلى شعوبهم، حيث دلت الاستفتاءات التي أجريت في شهر رمضان 1422هـ أن 85% من الشعب الأمريكي يؤيدون حكومتهم في حربها الظالمة الغاشمة المدمرة على شعب أفغانستان المستضعف.

 

فلذلك فإن عقاب الله -تعالى- لا يقتصر على حكوماتهم فحسب، بل يمتد في قوته وعنفه ليشمل أيضاً شعوبهم الظالمة المتكبرة، قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ)[القصص:59].

 

وقال تعالى: (إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ)[العنكبوت:31].

 

وقال تعالى: (وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) [الكهف:59].

 

فأحد أسباب هلاك هذه الدول أن أهلها ظالمون.

 

وإذا وقع عذاب الله عليهم، فإنه لا يتناول الشعب فقط، أي بني الإنسان في تلك المدن أو الدول، بل هو شامل لكل ما فيها من حضارة وعمارة، فالإهلاك يقع عليهم جميعاً؛ كما قال تعالى: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ) [الحـج:45].

 

قال الضحاك: "أي قد خربت منازلها وتعطلت حواضرها".

 

بارك الله..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: وأيضاً من أسباب التدمير الإلهي لهذه الدول الكافرة:

 

خامساً: الإجرام:

 

الدول الغربية أم الإجرام في العالم، وذلك على المستويين الداخلي والخارجي.

 

فنسبة وقوع الجرائم في داخلهم هي أعلى نسبة بين جميع شعوب الأرض.

 

وكذلك نسبة ممارستهم الجريمة بحق كافة البلدان وسكانهم هي أيضاً أعلى نسبة في المعمورة. ويستجمعون الحظ الأوفى من تنوع الجرائم سواء على مستوى الأفراد أو الدول.

 

غير أن أبرز ما فيهم هو سعة مساحة ممارسة الإجرام الوحشي على مستوى شعوب الدول الأخرى. فهم لا يتورعون لحظة في سبيل تحقيق مصالحهم الذاتية عن استعمال جميع أنواع أسلحة الفتك والقتل الجماعي، بما في ذلك السلاح الذري، أو القنابل الحارقة، أو القذائف والصواريخ الماحقة، أو الغازات السامة، أو غير ذلك مما هو متخم في ترساناتهم من مختلف الأنواع التي تؤدي إلى المجازر العامة. كما أنهم أيضاً لا يتوانون في استعمال الحصار الاقتصادي ضد أي دولة لا تستجيب لرغباتهم، أو يترددون في تنفيذ طلباتهم، بقصد تجويع شعب تلك الدولة، وإنهاكه اقتصادياً، مما يقودهم إلى إضعافه وإلى تقليص إمكاناته الخدماتية، وانتشار الأمراض والأوبئة بين أفراده.

 

ويدخل في مفهوم الحصار الاقتصادي لديهم مصادرة أموال تلك الدولة، أو تجميدها.

 

وقد أصبح هذا اللون من الإجرام خُلقاً راسخاً لدى قيادة معظم الدول الغربية، وهي في كل ذلك تنطلق من حقد دفين على الإسلام وأهله.

 

ولسنا بصدد تعداد أنواع الجرائم الكارثية التي اقترفتها تلك الدولة الآثمة، فضلاً عن الجرائم التي لا تزال تبوء بها أو تلك التي في غياهب جعبتها، ولكن: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر:43].

 

قال الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [الأنعام:123].

 

ورغم أن المجرم ينبغي له أن يتوقع نزول العقاب به في أية لحظة، إلا أن هذه الدول الآثمة غطت عينيها وأشاحت بوجهها عن كل ذلك، متجاهلة قول الله -تعالى-: (سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ) [الأنعام:124].

 

وقوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ)[يونس:50].

 

إن الله يقول: (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ)[السجدة:22].

 

أن هذه الدول لم تلتفت إلى التاريخ لتستقي منه العبر وتأخذ منه المواعظ فكم من الدول العظيمة قد دمرها الله -تعالى- بسبب إجرامها الفاحش، قال الله -تعالى-: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)[النمل:69].

 

ولما كانت هذه الدول قد وقعت فيما وقعت فيه الأمم التي قبلها من الجريمة والإجرام كان لا بد أن تدفع ضريبة ذلك إذ لا استثناء قد حازته من رب العالمين لتكون خارج مسار السنن الإلهية في إهلاكه للمجرمين.

 

سادساً: المكر:

 

إن معظم الدول الغربية لها في كل دولة عيون وجواسيس يتحسسون الأخبار، ويراقبون التحركات، ويتلصصون على الخصوصيات، ويسجلون الأصوات، ويلتقطون الصور الواضحات، ويدفعون الرشاوي لكبار وصغار الشخصيات، ويوقعون بين مختلف الأحزاب والجماعات والفئات، ويدبرون المؤامرات، ويخططون للحروب والانقلابات، ويقيلون ويعينون الرؤساء والزعامات، ويقدمون الهدايا وملايين الدولارات لكل من تعاون معهم في الملمات، ومن نكص كالوا له ألوان التهديدات، يمارسون ذلك في كافة البلاد والأقطار والدول، كل ذلك وغيره أكثر، هو ما تقوم به الدول الغربية عن طريق مكر وتنفيذ المخابرات.

 

لقد انصبّ معظم المكر في السنوات الأخيرة وخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي على الكيد للعمل الإسلامي من خلال إعلان الحرب العلنية والخفية على رموزه ومؤسساته، وقاموا من خلال الدس والعس بنشر جواسيسهم في كل مكان، واستخدموا الزعماء والأحزاب في تنفيذ مؤامراتهم وإنزال كيدهم على كل ما يمت للإسلام بصلة.

 

لقد نسجت هذه الدول المتجبرة على نفس منوال الذين حاربوا الله ورسوله من قبلها، قال الله -تعالى-: (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا)[الرعد:42].

 

غير أن المسار الماكر الذي اختطته الدول الغربية لنفسها في حربها على الإسلام ما هو إلا مكر بأنفسهم من حيث الحقيقة: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)[الأنعام:123].

 

وقد غاب عن هؤلاء المخططين المستكبرين أن من سنة الله -تعالى-: أن جعل عاقبة مكر السوء ترجع على صاحبها، قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا * اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلاَ يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا)[فاطر: 42-43].

 

أيها المسلمون: لقد اجتمعت في الدول الغربية جميع الأسباب التي تجعلها في موقع استحقاق التدمير الإلهي والعقوبة الربانية: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)[الأعراف :34].

 

بقي السؤال: متى ينزل العذاب وكيف ينزل؟.

 

الجواب: أمره إلى الله وحده وهو مُحددٌ في سابق علمه -عز وجل-.

 

فإنزال العقوبة الإلهية على هذه الدول هو بحسب مشيئة الله: إن شاء أنزله، وإن شاء أخره، وإن شاء أن يهديهم هداهم وتاب عليهم.

 

فليس لأحد أن يتألى على الله -تعالى- بشيء أو أن يتقدم بين يديه بغيب، فلله الأمر من قبل ومن بعد. ولو كان في علم الله -تعالى- أنه سينزل بهم عقابه، فلا بشر يعلم كيف سيكون: هل بكارثة سماوية أو أرضية تدهمهم، أو بتفكيك فدرالياتهم فيجعل بأسهم بينهم، أو بتدمير اقتصادهم فيضنك عيشهم، أو بأي شيء آخر فيلقون مصيرهم، فالله -تعالى- أعلم بخلقه وهو ربهم.

 

نسأل الله -تعالى- أن يهدي أمم الأرض كلها إلى اتباع سبيل الرشاد الذي جاء به خير العباد، ليتحقق لهم السداد، والفوز بالكرامة في الدنيا والنجاة يوم المعاد.

 

اللهم...

 

 

 

المرفقات

الدول الغربية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات