سراق شهر رمضان

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-02-16 - 1445/08/06 2024-03-14 - 1445/09/04
التصنيفات: رمضان الصوم
عناصر الخطبة
1/اختلاف أحوال الناس في شهر رمضان 2/لصوص شهر رمضان 3/الحث على اغتنام شهر رمضان 4/محاسبة النفس في شهر الصيام.

اقتباس

قف مع نفسك! فسَلْها وحاسِبْها وراجعها لعلك أن تكون فيها من السعداء، ماذا أدَّيت؟ كم ضاعت عليك من الفرائِض؟ كم قرأت من القرآن قراءة تدبُّر؟ هل قُمت رمضانَ مع الإمام حتى ينصرف الإمام من قراءته؟ وقيام الإمام وقتٌ يسير لا يتجاوز في الغالب الأعمِّ نصف ساعة.

الخطبةُ الأولَى:

 

إنَّ الحَمْدُ لِله؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يُضْلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ.

 

وَأَشْهَدُ أَنَّ نبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المُصطفى ونبيهُ المُجتبى، فالعبد لا يُعبد كما الرسول لا يُكذَّب، فاللهم صلِّ وسلِّم وعلى آله وأصحابه ومن سلف من إخوانه من المُرسلين وسار على نهجه واقتفى أثرهم إلى يوم الدين وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ‌مِنْ ‌نَفْسٍ ‌وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

 

أيها المؤمنون: مضى من رمضان ثلثه، وشمَّر فيه المُشمّرون، ووفِّق فيهِ الموفقون، فاستغلوا نهاره بالصيام، وبقراءةِ القرآن وبالمحافظةِ على فرائِض الله، وشغلوا لياليه بالقيام والدعاءِ والابتهالِ إلى الله -سبحانه وَتَعَالى-.

 

وفي مقابل هؤلاء أقوام سُرقَ منهم رمضان، سرقه منهم قُطَّاع الطريق فأفنوا نهاره بأنواعِ المُلهيات من نومٍ إلى قُبيل المغرب مع تضييعٍ للصلواتِ المفروضة سواءً من صلاة الفجر أو الظهر أو العصر.

 

 ومنهم -يا عباد الله- من جعلوا رمضان ميدانًا للمهرجاناتِ والتعليقات، حتى صارت شعارًا على محلاتهم وعلى بيوتاتهم ومنازلهم تقليدًا للعوائِد الوافدةِ علينا، وليس هذا من شعارِ رمضان، لا بفوانيس ولا بخِرق ولا بغيرها، حتى أضحها هذا كالشِّعار لرمضان في بُلدانهم وأرادوا أن ينقلوه إلينا.

 

ومنهم -يا عباد الله- من جعلوا رمضان ميدانًا للهو واللعب بأنواع من ذلك؛ إما بالمُسلسلاتِ والأفلام، وإما بمُسابقات القِمار حتى جعلوا ليالي رمضان ونهاره استعدادًا لذلك، وما هؤلاءِ إلا من قُطَّاع الطريق عليكم وسُرَّاقِ رمضان من عباد الله.

 

وقد وقع في شباكِ هؤلاء من وقع، فمضى عليهم اليوم والليلة والأيام والليالي وقد ضيعوا فرائض الله ولم يستغلوا رمضان فيما استغله به عباده وأولياؤه، ألا فانتبهوا يا رعاكم الله، واحذروا أن تكونوا في شباكِ هؤلاء، وأن تقعوا منهم في هذا الموقع، وأن تبتدعوا في دينكم، فإن كلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ ‌شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ)[الشورى: 21].

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إعظامًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الدَّاعي إلى رضوانه، صلوات الله وتسليمه عليه وعلى آله وأصحابهِ ومن سلف من إخوانه وسار على نهجهم واقتفى أُثرهم وأحبهم وذبَّ عنهم إلى يوم رضوانه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد عباد الله: مضى من رمضان ما مضى، وبالأمس القريب كانت قلوب المؤمنين متشوقةً ومتشوِّفةً إلى هذا الشهر وتنوي أن تعمل فيهِ عملاً صالحًا، مضى ثلثه فقف مع نفسك يا رعاك الله؛ فسَلْها وحاسِبْها وراجعها لعلك أن تكون فيها من السعداء، ماذا أدَّيت في هذا الثلث، كم ضاعت عليك من الفرائِض؟ كم قرأت من القرآن قراءة تدبُّر؟ هل قُمت رمضانَ مع الإمام حتى ينصرف الإمام من قراءته؟ وقيام الإمام وقتٌ يسير لا يتجاوز في الغالب الأعمِّ نصف ساعة.

 

 وفي حديث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كُتبَ له قيامُ ليلة ولو لم يقم من الليل إلا شيئًا قليلاً"، هل جاهدت نفسك مع ذلك أو شغلك سُرَّاقُ رمضان بما جلبوا عليك من أنواعِ المُسلسلاتِ والمشاهد والمُضحكاتِ والمُخزيات حتى قطَّعوا عنك ليالي رمضان وقطَّعوا عنك نهاره.

 

فاتقوا الله عباد الله، واستغلوا موسمكم فإنَّا والله لا ندري أندركُ رمضان الآخر أو أن هذا آخر رمضانَ في حياتنا وفي عمرنا، فاستودعوا فيهِ عملاً صالحًا تُسَّرون بهِ يوم أن تلقوا ربكم -سبحانه وَتَعَالى-.

 

ثم اعلموا -عباد الله- أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وشر الأمورِ محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم عباد الله بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، ولا يأكل الذئب إلا من الغنم القاصية.

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم وارضَ عن الأربعةِ الخلفاء، وعن العشرةِ وأصحابِ الشجرة، وعن المُهاجرين والأنصار، وعن التابعِ لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 اللهم عزًا تُعز به أولياءك، وذلاً تذل به أعداءك، اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرًا رشدًا يُعز به أهل طاعتك، وبُهدى بهِ أهل معصيتك، ويؤمر فيهِ بالمعروف، ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم آمنا والمُسلمين في أوطاننا، اللهم أصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا والمُسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم من ضرنا وضر المؤمنين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، ومن كاد علينا فكِد عليهِ يا خير الماكرين، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم من أراد بلادنا أو أراد أمننا أو أراد ولاتنا وعلماءنا وأراد شعبنا بسوء اللهم فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيرهُ تدميرًا عليه، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائِلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال وأنت ولينا، اللهم تقبَّل صيامنا وصلاتنا وركوعنا وسجودنا.

 

اللهم تقبَّل منا الصيام يا رب العالمين، اللهم كن للمُستضعفين من المُسلمين في كل مكان، كن لنا ولهم وليًا ونصيرًا وظهيرًا يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم ارحم المُسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

 

اللهم اجعل خير أعمالنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم لقاك يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم إنا نسألك الهدى والتُقى، والعفاف والغنى، ونسألك عزًا للإسلام وأهله وذلاً للكفر وأهلهِ يا ذا الجلال والإكرام.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المُرسلين، والحمد لله رب العالمين.

 

المرفقات

سراق شهر رمضان.doc

سراق شهر رمضان.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات