رمضان بين فرص التعبد وسبل التزهيد

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

2022-04-15 - 1443/09/14 2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: رمضان
عناصر الخطبة
1/رمضان فرصة للطاعات 2/الاهتمام النظري برمضان لا يظهر في الجانب العملي 3/أخطر المصائب التفريط في الواجبات 4/أثر قوة الإيمان على الجوارح 5/طول الطاعة والتلذذ بها 6/خطر التزهيد والتقليل بالطاعات

اقتباس

مَن أَرَادَ الخَيرَ وَجَدَهُ وَعَرَفَ طَرِيقَهُ؛ فصَحِّحْ نِيَّتَكَ، نَعَم، صَحِّحْ نِيَّتَكَ وَاصدُقْ مَعَ رَبِّكَ، وَاسأَلْهُ التَّوفِيقَ وَالسَّدَادَ وَالرَّشَادَ، وَابدَأْ بِدَايَةً جَادَّةً وَأَقبِلْ عَلَى مَا يَنفَعُكَ...

الخُطْبَةُ الأُولى:

 

أَمَّا بَعدُ: فَـ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ)[البقرة:21].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: رَمَضَانُ شَهرُ عَمَلٍ وَمَوسِمُ عِبَادَةٍ، وَسُوقُ تَزَوُّدٍ مِن بَضَائِعِ الآخِرَةِ، لَيسَ بِالصَّومِ فَحَسبُ، وَإِن كَانَ هُوَ أَشهَرَ وَاجِبٍ فِيهِ، بَل بِتَنوِيعِ الأَعمَالِ الصَّالِحَةِ وَالعِبَادَاتِ، وَالضَّربِ في كُلِّ عَمَلٍ مَبرُورٍ بِسَهمٍ، وَالمُشَارَكَةِ في كُلِّ بَابٍ مِن أَبوَابِ الخَيرِ، غَيرَ أَنَّ مِمَّا يُلحَظُ وَهُوَ مِمَّا يُنَبَّهُ إِلَيهِ، ضَعفَ التَّعَبُّدِ لَدَى كَثِيرٍ مِنَ المُسلِمِينَ، وَقَضَاءَ أَوقَاتِ الشَّهرِ المُبَارَكِ إِمَّا في النَّومِ وَالبَطَالَةِ، وَإِمَّا في مُتَابَعَةِ القَنَوَاتِ الإِعلامِيَّةِ وَأَجهِزَةِ التَّوَاصُلِ، وَاللهُ تَعَالى قَد أَثنى عَلَى صَفوَةِ عِبَادِهِ وَخَيرِ خَلقِهِ، وَزَكَّاهُم بِقَولِهِ: (وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ: العِلمُ في عَصرِنَا مُنتَشِرٌ، وَمَكَانَةُ رَمَضَانَ في النُّفُوسِ مَعرُوفَةٌ؛ فمَا يَدخُلُ إِلاَّ وَتَتَوَالى رَسَائِلُ التَّهنِئَةِ بِإِدرَاكِهِ، وَتَكثُرُ بَعدَهَا المَوَاعِظُ عَن وُجُوبِ استِثمَارِ أَيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ، وَمَا يُوشِكُ عَلَى الرَّحِيلِ إِلاَّ وَنَجِدُ رَسَائِلَ الحُزنِ عَلَى رَحِيلِهِ وَسُرعَةِ مُضِيِّهِ، غَيرَ أَنَّ كُلَّ هَذَا الاهتِمَامِ النَّظَرِيِّ، قَد لا يَظهَرُ وَاضِحًا في جَانِبِ التَّعَبُّدِ العَمَلِيِّ لَدَى النَّاسِ إِلاَّ مَن رَحِمَ اللهُ؛ فكَم تَرَى مِن نَائِمٍ عَنِ الصَّلَوَاتِ المَكتُوبَةِ، وَمُتَأَخِّرٍ في الحُضُورِ إِلى المَسَاجِدِ بَعدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ، وَمُتَسَاهِلٍ في إِدرَاكِ تَكبِيرَةِ الإِحرَامِ مَعَ الإِمَامِ، وَمُعتَادٍ عَلَى تَفوِيتِ رَكعَةٍ أَو أَكثَرَ مِنَ الصَّلاةِ، مَعَ الزُّهدِ في السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ القَبلِيَّةِ وَالبَعدِيَّةِ، وَكَم مِن مُغلِقٍ مُصحَفَهُ لا يَكَادُ يَتَصَفَّحُهُ، وَلَو عَدَدتَ المُحَافِظِينَ عَلَى صَلاةِ الضُّحَى لَوَجَدتَهُم قَلِيلاً، وَكَم تَرَى مِمَّن لا يَشهَدُ التَّرَاوِيحَ في المَسَاجِدِ، أَو يُصَلِّيهَا لَيلَةً وَيَترُكُهَا لَيلَةً أُخرَى، أَو يَكتَفِي بِقِيَامِ عِدَّةِ رَكَعَاتٍ ثم يَنصَرِفُ قَبلَ إِتمَامِ الصَّلاةِ مَعَ إِمَامِهِ، وَكَم مِن زَاهِدٍ في تَفطِيرِ الصَّائِمِينَ وَإِطعَامِ الجَائِعِينَ، وَمُمسِكٍ عَن قَضَاءِ حَاجَاتِ المُحتَاجِينَ وَتَفرِيجِ كُرُبَاتِ المَكرُوبِينَ، كُلُّ ذَلِكَ مِن مَظَاهِرِ ضَعفِ التَّعَبُّدِ في رَمَضَانَ، وَمَشَاهِدِ الزُّهدِ في صَالِحِ الأَعمَالِ، وَظَوَاهِرِ الغَفلَةِ عَن مُوجِبَاتِ الرَّحمَةِ وَأَسبَابِ المَغفِرَةِ.

 

وَمُصِيبَةُ المُصَائِبِ في هَذَا، أَن يَصِلَ ضَعفُ المُسلِمِ في رَمَضَانَ أَو في غَيرِهِ إِلى تَركِ الوَاجِبَاتِ وَالتَّفرِيطِ فِيهَا، إِذْ لا يُتَصَوَّرُ أَن يَكُونَ مُسلِمٌ يَشهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ثم يَترُكَ الصَّلاةَ، أَو يَتَخَلَّفَ عَنِ الجَمَاعَةِ، أَو يُفطِرَ في نَهَارِ رَمَضَانَ، أَو لا يَدفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ وَقَد وَجَبَت عَلَيهِ، وَأَمَّا حَيُّ القَلبِ عَظِيمُ الحَظِّ؛ فإِنَّهُ وَإِن كَانَ لا يَترُكُ وَاجِبًا وَلا يُفَرِّطُ في فَرضٍ؛ فإِنَّ التَّقصِيرَ لا يَصِلُ بِهِ إِلى تَركِ السُّنَنِ وَالتَّسَاهُلِ بِالنَّوَافِلِ وَالزُّهدِ في المُستَحَبَّاتِ، أَوِ الغَفلَةِ عَن أَعمَالِ الخَيرِ وَالبِرِّ المُوجِبَةِ لِنَيلِ الأَجرِ وَتَحصِيلِ الحَسَنَاتِ؛ فأَينَ المُلازِمُونَ لِلمَسَاجِدِ التَّالُونَ لِكِتَابِ اللهِ فِيهَا؟! أَينَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالدَّاعُونَ؟! أَينَ المُتَصَدِّقُونَ المُنفِقُونَ المُحسِنُونَ؟! أَينَ القَانِتُونَ الصَّابِرُونَ البَاحِثُونَ عَنِ الصَّلاةِ الخَاشِعَةِ؟! لِمَاذَا كُلُّ هَذَا الزُّهدِ في التَّعَبُّدِ وَالتَّبَتُّلِ، وَتَركُ التَّخَشُّعِ وَالتَّذَلُّلِ؟! كَيفَ تَصلُحُ القُلُوبُ مَعَ هَذَا الإِهمَالِ وَالتَّقصِيرِ؟!

 

إِنَّ الإِيمَانَ إِذَا قَوِيَ في القُلُوبِ ظَهَرَ أَثَرُهُ في أَعمَالِ الجَوَارِحِ، وَإِذَا ظَهَرَ التَّقصِيرُ عَلَى أَعمَالِ الجَوَارِحِ، كَانَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى ضَعفِ الإِيمَانِ في القُلُوبِ وَحَاجَتِهَا إِلى العِلاجِ، وَإِذَا أَرَادَ المَرءُ أَن يَستَثمِرَ رَمَضَانَ بِمَا عَاقِبَتُهُ الفَوزُ وَالنَّجَاةُ وَالفَلاحُ بِتَوفِيقِ اللهِ؛ فلْيَكُنْ مُسَارِعًا إِلى الخَيرَاتِ، سَائِرًا إِلى الأَمَامَ في كُلِّ وَقتِهِ، آخِذًا نَفسَهُ بِالعَزِيمَةِ، حَذِرًا مِنَ التَّلَفُّتِ إِلى الوَرَاءِ، أَوِ التَّبَاطُؤِ وَالتَّكَاسُلِ وَالخُمُولِ، وَلْيُعطِ كُلَّ وَقتٍ مَا شُرِعَ فِيهِ؛ فإِذَا أُذِّنَ لِلصَّلاةِ المَكتُوبَةِ فَلْيُبَادِرْ إِلى مَسجِدِهِ فَورًا، وَإِذَا دَخَلَ المَسجِدَ فَلْيَأخُذْ حَظَّهُ مِنَ الرَّوَاتِبِ القَبلِيَّةِ، وَلْيَكُنْ لَهُ أَوفَرُ نَصِيبٍ مِن قِرَاءَةِ القُرآنِ أَوِ الذِّكرِ وَالدُّعَاءِ بَينَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ، وَإِذَا سَلَّمَ مِن صَلاتِهِ فَلا يَعجَلَنَّ بِالخُرُوجِ مِن مَسجِدِهِ، وَلْيَتَلَبَّثْ فِيهِ لِيَقرَأَ أَذكَارَهُ وَيَقضِيَ تَسبِيحَاتِهِ، وَلْيَجلِسْ في مُصَلاَّهُ مُحتَسِبًا دُعَاءَ المَلائِكَةِ لَهُ، ثم ليَأْخُذْ حَقَّهُ مِنَ النَّوَافِلِ البَعدِيَّةِ، وَلْيُحَافِظْ عَلَى صَلاةِ التَّرَاوِيحِ وَلْيُبَادِرْ، وَلْيَصبِرْ فِيهَا وَلْيُصَابِرْ، وَلْيَحرِصْ عَلَى إِدرَاكِهَا مِن أَوَّلِهَا حَتى يَنصَرِفَ إِمَامُهُ؛ لِيُكتَبَ لَهُ بِذَلِكَ قِيَامُ لَيلَةٍ كَامِلَةٍ.

 

وَهَكَذَا فَلْيَكُنْ حَالُهُ في جَمِيعِ مَا يَعرِضُ لَهُ مِن أَعمَالِ الخَيرِ أَو يُفتَحُ أَمَامَهُ مِن أَبوَابِ البِرِّ؛ فإِذَا رَأَى تَفطِيرًا لِلصَّائِمِينَ فَلْيُسَاهِمْ فِيهِ بما يَقدِرُ عَلَيهِ وَلَو كَانَ قَلِيلاً، وَإِذَا دُعِيَ إِلى مَشرُوعِ خَيرٍ فَلْيَأخُذْ بِحَظِّهِ مِنهُ بِقَدرِ مَا يَحضُرُهُ وَيَتَمَكَّنُ مِنهُ، وَإِذَا ذُكِرَ لَهُ مُحتَاجٌ أَو مَكرُوبٌ؛ فلْيُسَاهِمْ في قَضَاءِ حَاجَتِهِ وَتَنفِيسِ كُربَتِهِ مَا استَطَاعَ.

 

وَلْنَعلَمْ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- أَنَّ لِلعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ أَثَرًا عَظِيمًا وَفَوَائِدَ جَلِيلَةً عَلَى الأُمَّةِ وَالمُجتَمَعِ وَعَلَى صَاحِبِهَا، وَالنَّاسُ تَشكُو اليَومَ أَمرَاضًا وَآفَاتٍ عُضوِيَّةً وَقَلبِيَّةً وَاجتِمَاعِيَّةً، وَتَتَقَلَّبُ في هُمُومٍ وَابتِلاءَاتٍ وَفِتَنٍ وَمُشكِلاتٍ سِيَاسِيَّةٍ وَاقتِصَادِيَّةٍ، وَإِذَا لم تَعُدْ إِلى اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- وَتَتَقَرَّبْ إِلَيهِ بِالعِبَادَةِ وَالتَّبَتُّلِ وَالانكِسَارِ بَينَ يَدَيهِ؛ فسَتَظَلُّ تَشكُو وَتَتَوَجَّعُ، وَلَن تَجِدَ لأَمرَاضِهَا عِلاجًا وَلا لأَدوَائِهَا دَوَاءً، قَالَ سُبحَانَهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وَقَالَ تَعَالى: (اُتلُ مَا أُوحِيَ إِلَيكَ مِنَ الكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ)، وَقَالَ -جَلَّ وَعَلا-: (وَلَقَد نَعلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأتِيَكَ اليَقِينُ)، وَقَالَ تَعَالى: (هَل جَزَاءُ الإِحسَانِ إِلاَّ الإِحسَانُ).

 

وَفي الحَدِيثِ القُدسِيِّ الَّذِي رَوَاهُ البُخَارِيُّ قَالَ اللهُ تَعَالى: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبدِي بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افتَرَضتُ عَلَيهِ، وَمَا يَزَالُ عَبدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ؛ فإِذَا أَحبَبتُهُ كُنتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبطِشُ بِهَا، وَرِجلَهُ الَّتي يَمشِي بِهَا، وَإِن سَأَلَني لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ استَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ".

 

إِنَّ طُولَ التَّعَبُّدِ وَالإِكثَارَ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَجَعلَ ذَلِكَ هُوَ الشُّغلَ الشَّاغِلَ لِلمَرءِ لَهُوَ أَكبَرُ دَلِيلٍ عَلَى عِلمِهِ بِرَبِّهِ، وَإِذَا كَانَ أَحَدُنَا يَتَفَلَّتُ مِنَ العِبَادَةِ وَيَتَقَلَّلُ مِنَ الطَّاعَاتِ، وَيَبحَثُ عَنِ المَعَاذِيرِ وَيَفرَحُ بِالانطِلاقِ في دُنيَاهُ، وَيُسَارِعُ في الهُرُوبِ مِن مَوَاقِعِ التَّعَبُّدِ وَمَوَاطِنِ التَّقَرُّبِ، وَيَمَلُّ مِن طُولِ الصَّلاةِ وَيَبحَثُ عَنِ المَسَاجِدِ الَّتي تَنقُرُ الصَّلاةَ نَقرًا؛ فإِنَّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى شَيءٍ مِنَ الجَهلِ وَضِيقِ الأُفُقِ وَضَعفِ العَقلِ، وَعَدَمِ انتِفَاعِهِ بِمَا تَعَلَّمَ أَو سَمِعَ أَو وُعِظَ بِهِ، قَالَ سُبحَانَهُ: (أَمَّن هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحذَرُ الآخِرَةَ وَيَرجُو رَحمَةَ رَبِّهِ قُل هَل يَستَوِي الَّذِينَ يَعلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلبَابِ)؛ فَالقَانِتُونَ القَائِمُونَ السَّاجِدُونَ، الَّذِينَ يَحذَرُونَ الآخِرَةَ وَيَرجُونَ رَحمَةَ رَبِّهِم، أُولَئِكَ هُم أَهلُ العِلمِ حَقًّا، وَأُولَئِكَ هُم أَصحَابُ العُقُولِ الزَّاكِيَةِ، وَلا يَزَالُ العَمَلُ الصَّالِحُ يَحفَظُ صَاحِبَهُ، حَتى يَكُونَ هُوَ أَنِيسَهُ في قَبرِهِ، ثم دَلِيلَهُ وَقَائِدَهُ إِلى الجَنَّةِ؛ ففِي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الإِمَامُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ، أَنَّ المُؤمِنَ "يُفسَحُ لَهُ في قَبرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، قَالَ: وَيَأتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الوَجهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ: أَبشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَومُكَ الَّذِي كُنتَ تُوعَدُ؛ فيَقُولُ مَن أَنتَ؟ فَوَجهُكَ الوَجهُ الحَسَنُ يَأتي بِالخَيرِ؛ فيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ".

 

وَقَالَ تَعَالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهدِيهِم رَبُّهُم بِإِيمَانِهِم تَجرِي مِن تَحتِهِمُ الأَنهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)، وَقَالَ سُبحَانَهُ: (وَنُودُوا أَنْ تِلكُمُ الجَنَّةُ أُورِثتُمُوهَا بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ).

 

أَلا َفَلْنَتَّقِ اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- وَلْنُكثِرْ مِنَ العَمَلِ الصَّالِحِ وَالعِبَادَةِ، وَلْنَتَحَرَّ الإِخلاصَ في ذَلِكَ للهِ، مُتَّبِعِينَ سُنَّةَ نَبِيِّهِ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ، وَلْنَحذَرِ البِدَعَ وَالمُحدَثَاتِ، وَالإِعجَابَ بِالعَمَلِ أَو تَزكِيَةَ النُّفُوسِ " فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُم هُوَ أَعلَمُ بِمَنِ اتَّقَى " وَلْنَجتَهِدْ في المُدَاوَمَةِ عَلَى العَمَلِ وَإِن قَلَّ؛ فإِنَّ أَحَبَّ الأَعمَالِ إِلى اللهِ مَا دَامَ وَإِن قَلَّ ...

 

اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادَتِكَ ...

 

وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وأَستَغفِرُ اللهَ ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

أَمَّا بَعدُ: فاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ، وَتَزَوَّدُوا مِن صَالِحِ الأَعمَالِ قَبلَ أَن تَلقَوهُ، وَاحذَرُوا قُطَّاعَ الطُّرُقِ مِمَّن حَولَكُم أَو مِمَّن تَسمَعُونَ لَهُم في الإِعلامِ أَو تَقرَؤُونَ؛ فإِنَّكُم قَد تَسمَعُونَ مَن يُزَهِّدُ في تَعدَادِ خَتَمَاتِ القُرآنِ وَيَقُولُ إِنَّ الأَهَمَّ هُوَ تَدَبُّرُ كِتَابِ اللهِ وَالتَّفَكُّرُ في آيَاتِهِ، وَسَتَجِدُونَ مَن يُزَهِّدُ في الصَّدَقَاتِ وَيَقُولُ إِنَّ أَهلَكَ وَأَبنَاءَكَ أَولى بِعَطَائِكَ مِن غَيرِهِم، وَسَتَجِدُونَ مَن يُقَلِّلُ مِن شَأنِ صَلاةِ التَّرَاوِيحِ وَيَقُولُ إِنَّمَا هِيَ سُنَّةٌ وَنَافِلَةٌ وَلَيسَت فَرضًا وَلا وَاجِبَةً، وَسَتَسمَعُونَ مَن يُقَلِّلُ مِن شَأنِ مَشرُوعَاتِ تَفطِيرِ الصَّائِمِينَ وَيَزعُمُ أَنَّ فِيهَا تَبذِيرًا، أَو أَنَّهُ قَد يَأكُلُ فِيهَا غَيرُ المُسلِمِينَ، وَهَكَذَا في كُلِّ سَبِيلٍ مِن سُبُلِ الخَيرِ وَعَلَى قَارِعَةِ كُلِّ طَرِيقٍ مِن طُرُقِ البِرِّ، سَتَجِدُونَ شَيطَانًا وَاقِفًا يَصُدُّ عَن السَّبِيلِ وَيقطَعُ الطَّرِيقَ في صُورَةِ نَاصِحٍ وَثَوبِ مُشفِقٍ؛ فاحذَرُوهُم وَلا تَسمَعُوا لَهُم، وَاضرِبُوا في كُلِّ خَيرٍ بِسَهمٍ، وَتَزَوَّدُوا بِكُلِّ مَا تَقدِرُونَ عَلَيهِ وَتَستَطِيعُونَهُ؛ فمَن لم يَتَزَوَّدْ في رَمَضَانَ مِنَ الخَيرِ فَمَتى عَسَاهُ أَن يَتَزَوَّدَ، وَمَن فَاتَتهُ فُرَصُ التَّعَبُّدِ في شَهرِ التَّعَبُّدِ فَمَتى عَسَاهُ أَن يُدرِكَهَا، وَتَذَكَّرُوا قُولَ نَبِيِّكُم عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "حُجِبَتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ "(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ)، وَقَولَهُ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: "رَغِمَ أَنفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيهِ رَمَضَانُ ثم انسَلَخَ قَبلَ أَن يُغفَرَ لَهُ"(رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ). وَمَعنى رَغِمَ أَنفُهُ، أَي خَابَ وَخَسِرَ وَلَصِقَ أَنفُهُ بِالتُّرَابِ ...

 

المرفقات

رمضان بين فرص التعبد وسبل التزهيد.pdf

رمضان بين فرص التعبد وسبل التزهيد.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات