رسالة لكل صاحب نعمة: انتبه

عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ إنعام الله تعالى على بلادنا بالرخاء والغنى 2/ مشاهد مخزية من الإسراف والترف 3/ ضرورة شكر نعمة الله تعالى 4/ أحوال إخواننا المضطهدين في بلاد الشام 5/ التحذير من تحول نعم الله -عز وجل- 6/ دفع البلاء رهن بالإيمان والشكر

اقتباس

لست -إخوتي- أصف لكم حال فقراء آسيا وإفريقيا، بل أكلمكم عن هذه الجزيرة التي تجمعنا وعن بلاد نجد التي نعيش فيها، وكبارنا هنا يعرفون هذا الجوع والخوف والمسغبة، ويذكرونه قبل عقود من الزمن، فأذن الله لهذه الأرض أن يتبدل حالها، وأن تخرج كنوزها، وأن تعرف تاريخًا من فيض المال لم يعرفه تاريخها أبدًا عبر الزمن، فتغيّر الحال، وأصبحت الجزيرة العربية مهوى الأفئدة للعمل والتجارة، وصارت غنية على مستوى العالم.

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله جعل المال عماد الحياة، وحذّرنا من التبذير والإسراف في غير ما يحبه الله ويرضاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، الرحمة المهداة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الهداة وسلم تسليمًا.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى وتوبوا إليه.

 

كانت أرضًا للخوف والجوع والفقر، خوف يحيط بالسفر خارج القرى والمدن، جوع يؤرخ بالسنوات ويهلك الحرث والنسل، وفقر جعل الرجال يسافرون شرقًا وغربًا عراقًا وهندًا، والنساء يعملن خادمات أو شبه خادمات.

 

كانت هذه الأرض -نعم هذه الأرض- كانت هذه الأرض مسغبة يغير فيها القوي على الضعيف، يسلب ماله ويريق دمه، كانت الأسر الثلاث والأربع يعيشون في بيت واحد مساحته ستون أو سبعون مترًا، الملابس رثة، الشوارع ضيقة وموحلة، والمراكب راجلة، أو على حيوانات شبه نافقة، إذا نزل المطر خرّت البيوت من فوقهم، وإذا أصابهم القحط ولوا هربًا من أرضهم، يكاد الطعام لا يكفيهم فيتناوبون عليه، ويقضي المرض على كثير من مواليدهم ولا يعمر كبيرهم.

 

لست -إخوتي- أصف لكم حال فقراء آسيا وإفريقيا، بل أكلمكم عن هذه الجزيرة التي تجمعنا وعن بلاد نجد التي نعيش فيها، وكبارنا هنا يعرفون هذا الجوع والخوف والمسغبة، ويذكرونه قبل عقود من الزمن، فأذن الله لهذه الأرض أن يتبدل حالها، وأن تخرج كنوزها، وأن تعرف تاريخًا من فيض المال لم يعرفه تاريخها أبدًا عبر الزمن، فتغيّر الحال، وأصبحت الجزيرة العربية مهوى الأفئدة للعمل والتجارة، وصارت غنية على مستوى العالم.

 

وأصبح الحفاة رعاة الشاء يتطاولون في البنيان، ينامون ويستيقظون أغنياء مقارنة بغيرهم، يؤثّرون على اقتصاد العالم، يستهلكون طاقته وبضاعته، يجبى إليه ثمرات كل شيء صيفًا وشتاءً، أصبحت راية للتوحيد واحدة بعد أن كانت رايات متعددة وقبائل متناحرة، واجتمعت الكلمة وتوحدت القيادة في وطن واحد، في نعمة من الله عظيمة، حتى فاض الخير وعمّ القريب والبعيد، فهل أدى هؤلاء الذين مرّ بهم ذلك الفقر والخوف شكر هذه النعمة.

 

سؤال نطرحه -إخوتي- ونحن نرى مشاهد مؤثرة من الإسراف والتبذير وكفر النعمة بين ظهرانينا خلال المناسبات، من خلال المهرجانات، حتى إن من يرى هذا الإسراف وكفر النعمة لا يصدّق أن هؤلاء وآباءهم قبل عقود من الزمن كانوا يستجدون اللقمة، كانوا يقتتلون على الفتات، يهاجرون على طلب الرزق!!

 

من كان يتخيل مثلاً في سنة الجوع قبل مائة سنة عام 1327هـ، جمعت التبرعات، أين؟! جمعت التبرعات في أرض الصومال، والسودان الجائعة الآن، لإنقاذ إخوانهم من المجاعة في هذه الأرض، وكلها نذر تدعونا للتأمل والاعتبار وحوادث التاريخ منذ بدء الخليقة إلى زماننا هذا، تصب في سمع الدنيا من أنباء القرى التي فتحت عليها النعم، فما رعوها حق رعايتها، فقطفت في أوج زهوها واستكمال بهجتها، أتاها أمر الله لتذهب عنها النعم، وهذه الأمم أشد ما تكون وثوقًا بها وافتتانًا بزهرتها، وكل شيء لهم على بال إلا زوال هذه النعمة أو تحولها.

 

حسّنت ظنك بالأيام إذ حسنت *** وغاب عنك الذي يأتي به القدر

وسـالمتك الليالي فاغتررت بها *** وعنـد صفو الليالي يحدث الكدر

 

إنها حكمة الله: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) [النحل:112].

 

آيات القرآن واعظة للذين ركنوا إلى نعم الحياة وقوة سلطانها وجبروت ملكهم: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ) [سبأ:17].

 

إننا بهذه النعم من الله أحوج ما نكون إلى المحافظة عليها بشكر رازقها، وألا نتعامى عن النذر والآيات أصابها الله لقوم كفروا نعمته وجحدوا فضله، فأزالها الله عنهم، أو لمن نراهم حولنا وقد تبدل أمنهم خوفًا، وتسلط عليهم الظالم الباغي والغلاة، أو الجوعى في المخيمات.

 

إنها صورة عظيمة جمعت بين صورتين متناقضتين، صورة لصحن يوازي مساحة عشرة أمتار في عشرة أمتار، وقد ملأه صاحبه بالنعم من إبل وغنم قد ذبحها، وأرز ملأ به هذا الصحن، ولم يجلس عليه إلا القليل.

 

ثم إلى صورة أخرى تحتها لجوعى في مخيم اليرموك قد بانت عظامهم وأكلوا حتى الفئران!! إنهما صورتان تبينان لنا هذا الخطر الذي نعيشه، ذلك الصحن يتباهي به أغنياؤنا هنا في أرض الخليج، يتباهون به لكي يصوروه ويقولون: هذه مناسبة فلان ومأدبة فلان، قد أكلوا حتى الحيوانات، ولا حول ولا وقوة إلا بالله، والأمة عنهم غافلة، وما ربك بظلام للعبيد:

 

إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم

وحطها بطاعة رب العباد *** فرب العباد سريع النقم

 

إن ما نراه من مناسبات ومهرجانات لمزاين الإبل وغيرها من المهرجانات التي تحوي كثيرًا من المخالفات تحيي العصبيات، يتفاخر أصحابها بإهدار الملايين في المخيمات على ما لا يعقل من الحيوانات، وفي الناس حولهم من يعيش على الفتات، وفي بلدان مجاورة من فقدوا الأمن وتسلط عليهم الطغاة ونحن نلهو بمزاين الإبل والغنم والشعر وحفلات الغناء والأفراح والتفاهات، وغير ذلك مما لا يساهم برقي الأوطان ولا نهضة البلاد وبناء الحضارات.

 

نرى في بلدنا المطر يرتفع إلا قليلاً، قلّت البركة ووجد الفقر، وكثير ممن حباهم الله غلمان يتفاخرون بالتافه من الهوايات، ويبذل أحدهم الملايين ليفوق غيره في المشتريات، يشتري لوحة سيارة بثلاثة ملايين، ويسرفون في الولائم والحفلات، ليس للإكرام وإنما للمباهاة. نعوذ بالله من هذا الفساد.

 

كي لا تكون النعمة كالسراب، رأينا من يذبح عشرات الجمال والأغنام ليفاخر بقبيلته، وأولئك الذين يذبحون من أجل صقر ويصورون أنفسهم يتفاخرون، أو من يضع النعم على الموائد ليصورها ويباهي بها.

 

أين نحن من أبناء سوريا ومخيم اليرموك الذين بانت عظام أجسادهم وامتلأت بهم الملاجئ وأكلوا الفئران؟! أين نحن من إفريقيا وجوعها؟! هل نحن في مأمن من أن يبدل الله لدينا الحال فتفقد النعمة؟! هل بيننا وبين الله نسب لنكون منجاة من العذاب وزوال النعم؟!

 

ما بين غمضة عين وانتباهتها *** يغيّر الله من حال إلى حال

 

يقول أحد كبار السن لأولاده: "لقد حدثناكم بجوع مر بنا، وأخشى أن يأتي زمان تحدثون أولادكم بنعمة مرت بكم ثم فقدت".

 

يحدثنا التاريخ أن الأندلس كانت في نعمة وهناء، فأصبحت في بؤس وشقاء، كانوا يظنون الحال دائمًا، فإذا هو بالفناء.

 

لكـل شيء إذا ما تم نقصان *** فلا يغر بطيـب العيش إنسان

هي الأمور كما شاهدتها دولٌ *** من سرّهُ زمـنٌ ساءته أزمانُ

وهذه الدار لا تبقي على أحد *** ولا يـدوم على حال لها شان

أتى على الكل أمر لا مردّ له *** حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا

 

أين أغنياؤنا من المعتمد بن عباد، المعتمد أمير أشبيلية في الأندلس كان يعيش حياة مترفة غاية في التنعم واللذة، طيبات الدنيا تجلب له، ذات يوم جلس هو وزوجته وبناته على شرفة القصر، فاشتهت زوجته كعادة المترفين -وقد رأت أناسًا يمشون في الطين- اشتهت أن تخوض في الطين، فنثر الطين في ساحة القصر، ثم عجنه بماء الورد والمسك لتخوض به هي وبناته، فدارت الدائرة عليه، فإذا هو مسجون مصفّد بالأغلال بسجن أغمات في المغرب، واستذلت بناته وعاد مرحومًا بعد أن كان محسودًا، بينما هو مسجون دخلت عليه بناته يوم العيد في ملابس رثة معهن المغازل يغزلن الثياب للناس فقال متحسرًا:

 

فيما مضى كنتَ بالأعياد مسرورًا *** فساءك العيدُ في أغمات مأسورًا

تـرى بناتك في الأطمارِ جائعة *** يغـزلْن للناس لا يملكْنَ قِطميرًا

برزْن نحـوَك للتسلـيمِ خاشعةً *** أبصـارُهنَّ حسيراتٍ مكاسيرًا

يطأْنَ في الطين والأقـدام حافية *** كأنهـا لم تطأْ مسكًا وكافورًا

من بات بعدك في ملك يسرّ به *** فإنما بـات بالأحـلال مغرورًا

 

كم من أمة، وكم من شعب، ودولة، كان مساؤها نعيمًا، وترفًا، ولذة، وغنى مطغيًا، ثم كان صبحها عذابًا، وتشريدًا، وفتكًا: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود:102].

 

هذه النعم -عباد الله- ابتلاء من الله ليرى منا أداء حقها بالزكاة وشكرها وعدم الإسراف بها، الإسراف عندنا ليس بمزاين الإبل فقط أو حفلات الزواج وفاره السيارات والثياب، بل أصبح الإسراف والترف سمة للحياة عندنا رجالاً ونساءً، وحتى تصرفات أولادنا وتوصيل المطاعم، عشائنا وغدائنا، إسراف بالمدح، إسراف بالكذب، ومبالغة بالتهم، فضلاً عن الإسراف بالنعم.

 

عباد الله: أعداد الجياع في العالم حوالي مليار جائع، ألف مليون جائع في العالم، ويهدر يوميًا في العالم أيضًا مليار ونصف طن من المواد الغذائية في حاويات القمامة والطرق على مستوى العالم.

 

وتبعًا للإحصاء فإن دول الخليج في مقدمة الدول الأكثر استهلاكًا للأغذية، ففي بلادنا هنا 35%، أي ثلث الغذاء، 35% من الغذاء في النفايات المنزلية، أي حوالي ثلاثة عشر مليون طن من المواد الغذائية وبقايا الأطعمة في مكبات النفايات، بل إن شركة أجنبية استلمت نفايات مدينة كبرى لكي تدور هذه النفايات وتستغلها، فاكتشفت أن 65% من تلك النفايات هي أطعمة.

 

بلغ فائض الأرز بعام واحد الذي رمي بالنفايات 90 طنًا، قيمتها 300 مليون ريال، بلغ عدد الوجبات الغذائية المهدرة يوميًا في المنطقة الشرقية وحدها أربعة ملايين وجبة حسبما ذكره مسؤول الوجبات في جمعية إطعام وغيرها من المدن.

 

لقد أصبح إسرافنا ظاهرة ومفاخرة، حتى اضطررنا إلى إنشاء جمعيات لحفظ النعمة وإعادة الاستفادة منها، وبعض الناس لا يتعامل مع هذه الجمعيات ولا يبالون بها إلا من رحم الله، في إسراف يخيف وينذر.

 

عباد الله: كم ذكّر الناصحون السادرين فما تذكروا!! كم توالت على أهلها النذر فلم ينتبهوا ثم أفاقوا على أمر جاء بلا نذر سابقة ولا دلائل منذرة!! (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً) [الأنعام:44]، انظر إلى كلمة الله: (بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ)؛ أفاقوا على أموالهم فإذا هي سليبة، وعلى نعمهم فإذا هي ذكرى يتذكرونها، وعلى أمانيهم وعلى بهجتهم فإذا هي أماني.

 

سلوا بغداد كيف كان أهلها في رغد من العيش!! ماذا فعل بهم التتار ثم أمريكا والرافضة!! سلوا دمشق والشام عما فعل بها الصليبيون من قبل والنصيريون الآن، سلوا الأندلس ونعيمها، سلوا الكويت قبل سنوات قريبة، سلوا مصر الآن وليبيا واليمن، وستنطق لكم الأيام بأفصح لسان، وحوادثها بأبلغ بيان، لتخبركم أن الحوادث جاءت مع الإسراف والتبذير عندما نسي شكر الرب المنان، عندما اغتروا بالدنيا وجاهروا بالعصيان: (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون).

 

فلنعتبر قبل أن نكون عبرة، لنتذكر قبل أن نكون ذكرى، فالحوادث من حولنا تترى، فمن نسي فضل الله سلط عليه من لا يعرفه وسلبه النعمة: (وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ) [يونس: 97].

 

إن ما نراه من أحداث حولنا ونحن آمنون في أرضنا ينبئنا عن الغفلة واللهو، ومن لم توقظه هذه القوارع فمتى يستيقظ؟! من لم توجعه هذه الحوادث فمتى يرجع؟! أما نخشى الله؟! أما نخشى الله ونحن نقرأ: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:25].

 

إن دفع البلاء مرهون بالإيمان بالله وشكر نعماه: (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) [يونس:98]، وبتحقيق الإيمان باللجوء إلى الله بالدعاء: (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأنعام:43].

 

إن شكر الله على نعمه ليس بالأقوال فقط، وإنما بالأعمال التي تصدقّها، وبترك الإسراف وشكر النعمة، لابد أن ندق جرس الخطر لما نمارسه من إسراف في بيوتنا وفي شوارعنا، في حفلاتنا ومناسباتنا.

 

وإن اعتمادنا على الله يكفي بلادنا شر فتن المغرضين والحاقدين، والشقاق الذي يحدثه المرجفون، وسيبارك الله لنا بالأموال ويكفينا شر الأزمات، ولنتذكر الفقير هنا وهناك، ولنكن أعظم وعيًا وأشد إيمانًا وأفضل شكرًا لهذه النعم التي نتبوأها.

 

بذلك وحده نحافظ على هذه النعم في خدمة ديننا وأمتنا، ولا يغرنَّ المسرفين إمهال الله لهم وهذه المفاخرة عندهم: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ)، انظر فيما حولك في الأرض: في اليمن في مصر في الشام في العراق: (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) [العنكبوت:67].

 

اللهم ارزقنا شكر نعمتك، وآمنا من تحول عافيتك ومن جميع سخطك، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.

 

أما بعد:

 

أيها الأحبة: مع ما نعيشه من نعم فنحن منشغلون فيما بيننا بالخلافات على أتفه الأسباب، هذا ينال من عالم ويتهمه بما ليس فيه يريد إسقاطه، أو بالذهاب إلى مواطن الفتن والمشاركة فيها من بعض شبابنا، هذا يريد تحرير المرأة واختلاطها، ذاك يدعو إلى ضلال، قبيلة تسب تلك القبيلة فتنشأ بينهما المعارك من أجل بئر من الماء، هناك من يتعدى على المال العام، وآخر في قنواته ينشر الفساد، تبذير وإسراف واقتتال وتعصب، تعصب على مباريات الكرة، ويذبحون الذبائح للانتصارات بالعشرات.

 

إلى متى الحال؟! أين نحن من حال المسلمين في سوريا والروهنجا وغيرهم وهم يموتون يوميًا والفتن تستعر بينهم ولا منقذ ولا معين، أين نساؤنا وهن بهوس الشراء والإسراف والتبذير والتبرج والسفور من حال أخواتنا المسلمات في أرض سوريا فإن الحال ليبكي ويدمي!!

 

تبكي الحنيفية البيضاء من أسفٍ *** كما بكى لفراق الإلفِ هيمانُ

حتى المحاريب تبكي وهى جامدة *** حتى المنابر ترثي وهى عيدان

أيـن حمص ومـا تحويه من نزه *** ونهرها العذب فياض وملآن

كم يستغيث بنا المستضعفون وهم *** قتلى وأسرى فما يهتز إنسان

يا رب أم وطفـل حيـل بينهما *** كمـا تفـرق أرواح وأبدان

لمثل هذا يبكي القلب مـن كمد *** إن كان في القلب إسلام وإيمان

 

إن حال إخواننا وأخواتنا يدمي القلوب، يتضورون جوعًا وتنتهك أعراضهم ويتمنون الأمن، أما نحن نعيش لاهين بالنعماء، جيوشنا جبنت عن نصرة هؤلاء الضعفاء.

 

هممنا تقاعست حتى عن القنوت والدعاء، أموالنا بخلنا بها لإخواننا الفقراء، لكننا نبذلها للولائم أو لبعير له رغاء، وللتافه من الشعراء، وللكبر والخيلاء، وهم يعانون الضراء، ونحن لاهون بغفلتنا والنعماء.

 

اللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا، وقلة حيلتنا، وهواننا على الناس يا رب العالمين.

 

 

 

المرفقات

لكل صاحب نعمة انتبه

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات