عناصر الخطبة
1/بعض فضائل معرفة الله تعالى 2/صفة الرحمة لله تعالى: معناها وبعض آثارها 3/من أسباب نَيْل رحمة الله تعالىاقتباس
معرفةُ اللهِ -تعالى- أصلُ الدين، وسُلَّمُ اليقينِ، واللهُ -سبحانه- له مِنَ الأسماءِ أكرمُها، ومن الصفاتِ أعظمُها، ومِنْ أسمائه -سبحانه- الرحمنُ والرحيمُ، ومِن صفاتِه الرحمةُ، وهي صفةُ كمالٍ لائقةٌ به -سبحانه-، لا نقصَ فيها بوجه من الوجوه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، غمَر الخلقَ بفضله، وأمطَرَهم بوابلِ السحائبِ، وعمَّهم بنَيْلِه ولَطَفَ بهم عندَ النوائبِ، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ولا نِدَّ ولا صاحبَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، كريمُ الأصلِ، عزيمُ المناقبِ، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه بإحسانٍ ما طلَع طالعٌ أو غرَب غاربٌ.
أما بعدُ: فأوصيكم -أيها الناسُ- ونفسي بتقوى الله؛ فاتقوا الله -رحمكم الله-، فالتقوى أفضلُ المكاسب، وأجزلُ المواهب.
أيها المؤمنون: معرفةُ اللهِ -تعالى- أصلُ الدين، وسُلَّمُ اليقينِ، واللهُ -سبحانه- له مِنَ الأسماءِ أكرمُها، ومن الصفاتِ أعظمُها، ومِنْ أسمائه -سبحانه- الرحمنُ والرحيمُ، ومِن صفاتِه الرحمةُ، وهي صفةُ كمالٍ لائقةٌ به -سبحانه-، لا نقصَ فيها بوجه من الوجوه، قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)[الْحَشْرِ: 22]، وقال تعالى: (قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)[الْأَنْعَامِ: 12].
عبادَ اللهِ: إنَّ رحمةَ ربِّنا -سبحانه- عامةٌ شاملةٌ، عَمَّت الكونَ ومَنْ فيه، قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)[الْأَعْرَافِ: 156]، وقال سبحانه عن دعاء الملائكة للمؤمنين: (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا)[غَافِرٍ: 7].
وآثارُ رحمته -سبحانه- ظاهرةٌ للعيان، واضحةٌ للأنام، فبرحمتِه خلَق الإنسانَ في أحسن تقويم، وسوَّى جِسمَه وأَحيَا روحَه، وأمدَّه بالعقل، وغَذَّاه بالنِّعَم: (الرَّحمنُ * عَلَّمَ القُرآنَ * خَلَقَ الإِنسانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ)[الرَّحْمَنِ: 1-4].
وبرحمته خَلَقَ الشمسَ والقمرَ، وجَعَل الليلَ والنهارَ، وبَسَطَ الأرضَ، وجعَلَها مِهادًا وفِراشًا وقرارًا، وكِفاتًا للأحياء والأموات، قال تعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا)[الْفُرْقَانِ: 61-62].
وبرحمته -سبحانه- أرسلَ الرُّسُلَ، وأنزلَ الكتبَ؛ هُدًى للخَلْق بعدَ ضلالةٍ، وتعليمًا بعدَ جَهالةٍ، وتبصيرًا مِن عَمًى، ورُشدًا مِن غَيٍّ، قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[آلِ عِمْرَانَ: 164]، وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 107]، وقال تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النَّحْلِ: 89].
ومِنْ دلائلِ رحمةِ اللهِ -سبحانه-: إنشاءُ السحابِ، وإنزالُ الغيثِ، وإحياءُ الأرضِ بعدَ موتِها، فمنها يأكلُ الخلقُ ويقتاتون ويدَّخرون، قال تعالى: (فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الرُّومِ: 50].
ووضعَ -سبحانه- الرحمةَ بين عباده وبين الحيوان ليتراحموا، فما رحمةُ الأمِّ بأولادِها، وما رحمةُ القلوبِ البشريةِ بالضعفاء، وما رحمةُ الطيرِ والوحشِ بعضِها ببعضٍ، إلَّا فيضُ رحمةٍ مِنْ رَحَماتِ الرحيمِ -سبحانه-، عن أبي هريرة -رضي اللهُ عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ لله مائةَ رحمةٍ، أنزَل منها رحمةً واحدةً بين الجنِّ والإنسِ والبهائمِ والهوامِّ، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تَعطِفُ الوحشُ على ولدها، وأخَّرَ اللهُ تسعًا وتسعينَ رحمةً، يَرحَمُ بها عبادَه يومَ القيامة"(أخرجه مسلم)، قال ابنُ القيم -رحمه الله-: "وأنتَ لو تأملتَ العالَمَ بعَينِ البصيرةِ لرأيتَه مُمتلئًا بهذه الرحمةِ الواحدةِ، كامتلاء البحرِ بمائه، والجوِّ بهوائه".
معاشرَ الأخيارِ: ومن رحمته -سبحانه- بعباده فَتْحُ بابِ التوبةِ لهم، ومغفرةُ ذنوبِهم، وسَترُ عيوبِهم؛ إذْ حِلمُه سبَق غضبَه، وعفوُه سَبَقَ مؤاخذتَه، ثم يُدخِلُهُم جنتَه برحمته، لا بأعمالهم فحسْبُ؛ (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزُّمَرِ: 53]، عن أبي هريرة -رضي اللهُ عنه-، أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قال: "لَمَّا قضى اللهُ الخلقَ كتَب عندَه فوقَ عرشه: إنَّ رَحْمَتِي سَبَقتْ غضبي"، وفي رواية: "غَلبتْ غضبي"(أخرجه البخاري ومسلم).
نفعني الله وإياكم بكتابه العظيم، وبسنة نبيه الكريم، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الولي الحميد، المبدئ المعيد، الفعال لما يريد، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الوعد والوعيد.
أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن أسعدَ الناسِ برحمة اللهِ مَن جانبَ المعاصي والمحرَّمات، وأقبَل على الطاعات والقُرُبات، قال الله -تعالى-: (إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[الْأَعْرَافِ: 56]، وقال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)[الْأَعْرَافِ: 156]، والاستغفارُ جالبٌ للرحمة، دافعٌ للنِّقمة، قال تعالى: (لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[النَّمْلِ: 46]، ومَنْ رَحِمَ عبادَ اللهِ -رحمهُ اللهُ-، وفي الحديث: "إنما يَرحمُ اللهُ مِن عباده الرحماءَ"(أخرجه البخاري ومسلم، من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنه-).
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمد بن عبد الله، النبي القرشي الهاشمي، فاللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى الآل والأصحاب، التابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب، وعنا معهم بمنك وكرمك يا كريم يا وهاب.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونَفِّسْ كربَ المكروبين، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيق والتسديد إمامنا وولي أمرنا، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد يا رب العالمين، اللهم سَدِّدْ جندَنا المرابطينَ على الحدود والثغور، كن لهم معينًا وظهيرًا، ومؤيِّدًا ونصيرًا.
اللهم إنا نسألك علمًا نافعًا، ورزقًا واسعًا، وعملًا صالحًا متقبَّلًا، اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 53]، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[النَّحْلِ: 90-91].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم