رجال لا يموتون ‘عبد الرحمن السميط‘

عاصم محمد الخضيري

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/شتان بين موت وموت 2/السميط رجل لا كالرجال 3/السميط وصناعة التاريخ 4/أوسمة تقلدها 5/أرقام وإحصائيات عن أعماله وإنجازاته 6/أسلوبه الدعوي الجذاب 7/لماذا الحديث عن هذا الإمام؟ 8/السميط .. رسالة للأجيال

اقتباس

يحدثونك عن دماء تجري، يحدثونك عن أرواح رُفعت لبارئها، لها ربها، سيسألها: بأي ذنب سفكت، ولأي شيء قتلت، يحدثونك عن أرواح فُصلت عن أجسادها، سأحدثهم حديثا آخر:
حديثَ الروح للأرواح يسري *** وتدركه القلوب بلا عناء
سأحدثهم عن أرواح قالت لأجسادها: ليس بعد، إنني لم أمت ولم يمت الطهر، وما مات فيَّ عمري الطويل. سأحدثهم عن رجل لا....

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

 الحمد لله رب العالمين على، إحسانه فهو ذو الإحسان والكرم، حمدا كثيرا عميما أبيضا وثناء نفضي به شكرنا لله ذي النعم.

حمدا لك اللهم حمدا حمدا *** ما قصَّرت في شكر جودك ألسن

ما اشتاق في اللقيا لو جهك أعين *** ما هام في طلب الشهادة مؤمن

وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، شهادة عبده وابن عبده وابن أمته، ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته، وأشهد أن محمد بن عبد الله عبد الله ورسوله.

نبي الله أتانا بعد يأس وفترة *** من الرسل والأوثان في الأرض تعبد

أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا *** به موقنات أن ما قال خالد

وأنذرنا نارا وبشر جنة *** وعلمنا الإسلام فالله نحمد

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران: 200].

 

 أما بعد:

 

ما بين حدث وبين حدث، ما بين معزى ومغزى، ما بين دروب موت، وما بين أختها، ما بين مصيبة جلى إلى مصيبة جلى.

 

هي الحياة حياة الدون والنكد *** تجيش من هول أحداث لها كبدي

في أيما حدث تزور أوردتي *** إلا وقد قرَّعت أجراسُها جسدي

 

لنا إله السماء سلوى ومرتجع *** إنا به رغم كل الضيق في سعد

 

ما بين موت وموت، تُكشِّف لنا سنن الله أنه على قَدَر الحياة، يكون قَدَر الموت، وأنه على قَدْر العطاء يكون البقاء، وأن طول العمر ليس بطول أيامه، بل بطول آثاره، وأنه:

 

على قدر أهل العزم تأتي العزائم *** وتأتي على قدر الكرام المكارم

 

ما بين يوم ويوم، تثبت لنا الأيام، أن الناس كأسنان المشط في حقوقهم، ولكنهم ككواكب المجرات في معاليهم نزولا وارتفاعا.

 

متى طاولت الأرضُ السماءَ سفاهة *** متى فاخرت الشهبَ الحصى والجنادلُ؟

 

تمور الخلائق مورا، وتسير خطاهم سيرا، يلهث الناس، فبائع نفسَه فمعتقها أو موبقها، سعيهم شتى، وأهوائهم شيع، ومذاهبهم أخاديد وديان.

 

يتنفس الإنسانُ في كل دقيقة عشرين نفسا، ويتنفس في اليوم كلِّه تسعاً وعشرين ألف نفس.

 

لا سواء..

 

هم يتنفسون ويتنفسون، وأحد أعلام هذه الأمة، يتنفس في كل دقيقة عشرين نَفَسا، ليستنقذ الله بدعوته عشرين نفْسا.

 

لا سواء..

 

تنبض قلوبنا نبضاتها الواهنة في كل دقيقة سبعين نبضة، وأحد أعلام هذه الأمة ينبض فيسلم في كل نبضة من نبضاته رجلا.

 

لا سواء..

 

ليس على الله بمستَنكر *** أن يجمع العالم في واحد

 

 لا سواء..

 

في جلده أمة من أعظم الذهب ** في همه هم شعبٍ صيغ من شهب

في جلده أمة قد عاشها فأبى ** إذ كان في الرأس أن يبقى مع الذنب

 

لا سواء..

 

نحيا ونموت ونأكل ونشرب ونبيت، ثم يحثى التراب فوق رؤوسنا على شفير قبر، ثم ماذا؟ ثم نُنسى كأن لم نكن في الأرض يوما.

 

قومٌ عز عليهم أن تكون حياتهم هي سبعون حولاً جرداءَ، صفراءَ لا تسر الناظرين.

 

لا سواء..

 

با لله كيف يستوون؟ قوم يصنعون حياتهم بموتهم، وآخرون يصنعون موتهم بحياتهم.

 

لا سواء..

 

تتوقف أعمال قوم عند موتهم، وتجري عند آخرين إلى قيام الساعة.

 

لا سواء..

 

مت كما قد شئت يا ابن أكارم *** ومت كالذي تبغي ومثل الذي تبغي

 

لا سواء..

 

عليك سلام الله يا ابن سميطٍ *** ورحمتُه ما شاء أن يترحما

فما كان شيخي هلكُه هلكَ واحدٍ *** ولكنه بنيانُ قوم تهـــدما

 

إن ربك لا يظلم مثقال ذرة، أفيُظلم قدر إنسان مات بحياته، ليحيى بعد موته، كلا، إن رب العزة: (لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [يونس: 44].

 

يا رائد البرِّ من تيجانِهِ اتشحوا *** إذا انتشى كلُّ مغرورٍ بما اتشحا

قومٌ همُ الجودُ إنْ شحَّ الزمانُ ضنى *** كأن عثمانَ مولاهم اذا منَحَا

كأنّهم معشرُ الأنصارِ إذ بذلوا *** وكلُّ باب لهم بالفضل قد فُـتحا

سلْ الفقيرةَ من جلّى غوائلها؟ *** فرفرفتْ في زوايا دارِها فرحا

سلْ اليتيمةَ في أدغالِ مَظلَمة *** من رقَّ من دمعِها الرقراقِ؟ من مسَحَا؟

سلْ المجاهدَ في أعلى منازله *** من جادَ بالدمِّ والدينارِ؟ من نصَحا؟

واسألْ عن السترِ من قُدّت خمائلُهُ *** أو من شكى من سياط الظلم أو نزحا؟

من أرغمَ القسَّ والصلبانَ أزمنةً *** في عمقِ إفريقيا فانذلَّ وافتضحا

من هدّ أبنيةَ الأوثانِ فانشرحتْ *** ممالكٌ بعرى التوحيدِ.. وانشرحا؟

يا سيدَ العملِ الخيري معذرةً *** فالثغر في موقف العرفانِ ما نجحا

حسب القوافي وحسبي حين نشحذُها *** دمعي ودمع الرجال الغرِّ إذ سفحا

الحبُّ والشوقُ في آفاقِ بذلكم *** تعانقا في الفؤاد الصبِّ فاقتدحا

ما مات من أنقذ الدنيا بمهجته *** يا للخلودِ وللخيرِ الذي فُتحا

 

يحدثونك عن دماء تجري، يحدثونك عن أرواح رُفعت لبارئها، لها ربها، سيسألها: بأي ذنب سفكت، ولأي شيء قتلت، يحدثونك عن أرواح فُصلت عن أجسادها، سأحدثهم حديثا آخر:

 

حديثَ الروح للأرواح يسري *** وتدركه القلوب بلا عناء

 

سأحدثهم عن أرواح قالت لأجسادها: ليس بعد، إنني لم أمت ولم يمت الطهر، وما مات فيَّ عمري الطويل.

 

سأحدثهم عن رجل لا كالرجال، رجل، كتب الله ليُخلدنَّ بالذي صَنَعَا، رجل رضي لنفسه أن يعمر إلى قيام الساعة.

 

من عهد قديم، ونحن نتغنى بحياة أقوام مضوا وسلفوا.

 

من عهد قديم، ونحن كلما أردنا الحديث عن ثغر خيري أو دعوي نضرب مثلا بقوم جعلهم الله سلفا ومثلا للآخِرين، أوَ رجالنا لا فخار لهم؟

 

إن في رجالنا من لو أقسم على الخلود أن لا ينساه لأوفاه قسمه.

 

إن في رجالنا رجالاً يختصرون المسافات، والبقايا الصالحات، بستين سنة.

 

إن في رجالنا أمما لا يرضيهم أن يعيشوا ستين سنة أو سبعين، بل لا يرضون بغير الدهر كله، بل لا يرضون بغير الدنيا كلِّها والآخرة.

 

عبد الرحمن السميط هو الرجل الذي عناه ابن دريد في مقصورته الشهيرة قائلاً عنه:

 

والناس ألف منهم كواحد *** وواحد كالألف إن أمر عنا

 

الرجل الأمة، الرجل الألف، الرجل المليار، الرجل الكوكب، سفير الإسلام في العصر، سفير البسمة الإفريقية، رجل لا يموت.

 

هذه الكلمات اقتتلت لتكون عنواناً لهذه الخطبة، إنه من فئة رجالٍ لا يموتون، من فئة من مات من قوم وما ماتت مآثرهم، وليس من القوم الذين تبلدوا، ماتوا ولكنهم في الناس أحياء.

 

هذا الرجل كان يستطيع أن يعيش عيشة السلام، تحفه حمائم النعمى وترجيع اليمام.

 

كان يستطيع أن تكون حياته أهنأ حياة بردا وسلاما، حسنت مستقرا ومقاما.

 

كان يستطيع أن لا يتمنى، إذ كل شيء حوله مثنى، في عيشة هنية، وحياة راضية مرضية.

 

يقول مرة للناس في إحدى محاضراته: "والله إنه لتأخذني الشفقة على أصحاب العمارات، من تلاميذي، كانوا يظنون أن السعادة في الجيب، إن السعادة في قلبي لا تضل عنه أبدا".

 

أيها الإمام: قد قلت حقا، ولكن لسن نسمعه، يحدث زوجتَه ذات ليلة، وهما في الأدغال الإفريقية، الظلام ساكن، والخوف قد جاور المكان، والعمل شاق، ولا اكتفاء من زاد ولا مؤونة ولا نفقة، يقول: "قد جرى حديث بيني وبينها، هل الجنة في الآخرة تسكنها السعادة كما نتمتع بها الآن؟ لم هذا السؤال؟"

 

أبا صهيب سلامَ الطهر ما سكنت *** سعادةُ الجود في أعطافك الجُدُد

فيك الهناءة مأوى فيك قد بقيت *** سعادة الخير في مخشوشن البُرد

 

رجل من تاريخ آخر، لا سواء، من يكتب التاريخ ليس كمن يصنعه.

 

هذا الرجل نال أوسمة كثيرة، نال أوسمة الدول، وأوسمة الملوك، وأوسمة المنظمات، كانوا يستنطقون فخره بها لكنه كان يرد عليهم: "أيها الأحبة نحن لا ننتظر شهاداتٍ من أحد، نحن عملنا في الميدان وننتظر من الواهب المنان أن يتقبل منا".

 

شهاداتك النعمى وأوسمة الندى *** وكل صنيع فيك للخير شاهد

 

نال هذا الرجل أرقاما كثيرة، يزور منها كل رقم.

 

استلهم رحمه الله: "لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم" فأسلم على يديه أحد عشر مليونَ نفس، كلهم يسألون الله أن يكونوا في موازين أعماله.

 

شهدوا به الدينَ الحنيفَ فطابت الأشهاد والمشهود.

شهدوا به قد قادهم نحو الهدى *** نحو الصراط فطاب ذا التحميد.

 

هذا الرجل استلهم ما حسنه الألباني أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "أفضل الصدقة سقي الماء" فحفر أكثرَ من عشرة آلاف بئر، وحاله:

 

أسقِّيهم بماء كوثري *** لعلي في ظما العرصات أُسقى

 

هذا الرجل رعى أكثر من خمسة عشر ألف يتيم، وأيتامه ساعون في الأرض دعوةً، وهم شهداء الجود يوم التغابن، هنيئا جوار المصطفى واقترابه، وأفراحه يوم الرضا والمحاسن.

 

ما كان يبتغي إلا تحقيق قول الله: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا ) [الإنسان: 8-9].

 

هذا الرجل استلهم قوله عليه الصلاة والسلام: "من بنى لله مسجدا، بنى الله له بيتا في الجنة" فساهم في بناء أكثرَ من ستة آلاف مسجد، قرة عينيه يوم تأتي شاهدة له يوم العرض الأكبر.

 

سلام على جامعات بنت جامعات *** سلام عليك سليل الندى وأبا المكرمات

 

سلام على رجل من ضياء *** يعيش ولو مات منه الجسد

له في الزوايا خطى من خفاء *** رقدنا وشيخ العطا ما رقد

 

(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) [فصلت: 46].

 

 

 الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، ولا عدوان إلا على الظالمين المجترئين الوالغين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد:

 

وداعا لنا لا وداعاً له *** هو الحي إن شاء رب البرية

لقد كان في بيته آمنًا *** له مع أهله عيش هنية

صنوف المآكل لو شاءها *** أتته بملعقةٍ ذهبية

ولكنه ما رأى في الحياة الحياة *** فأطلق نحو الحياة المطية

 

يقولون لهذا الشيخ الجليل: ما أنت في كل بلدة، وما تبتغي؟ ما يبتغي جل أن يسمى؟!

 

يقضِّي من عمره عشرة أشهر في أفريقيا من كل سنة، وشهران في بلده؛ لأنه كان يعلم أن ما له من عمره إلا ما قدم.

 

ما كان ضره يمشي وحده، ويدعو إلى الله وحده، ولكنه يجرجر الملايين من خلفه لتشهد له أمام الله.

 

ما كان ضر هذا الإمام أن لا يعيش كما عاش أترابُه، ليسكن في غابات تحفها الحيات، والموت والخوف يعوي بها من كل جانب، والفقر والمسغبة يجرفانها مع الأموات.

 

ما تبتغي أيها الإمام؟ ما الذي أحوجك لكل ما تفعله؟ ما الذي أحوجك لعيشة الأتعاب والأوصاب، والأنصاب، تأوي في غابات الظلام، وتمشي في وحول ومستنقعات، لتبلَّغ دعوة الله بكل فم، وتَسمع كلمة التوحيد تضج في تلك الأكواخ الصغيرة، يقول رحمه الله: "ذقت كل طعم للسعادة، ولكن ما ذقت يوما مثل سعادتي يوم أن يرفعَ مسلم سبابته لألقنه كلمة التوحيد".

 

أنفسك هذه نفسٌ ترى *** أم أنها الفولاذ والحجر

وروحك هذه روح ترى *** أم أنها الأنواء والقمر

 

ما الذي أحوجك أيها الطبيب لتطبب الأرواح بدعوتك، وأنت الذي تخصصت في علم الأجساد؟! لقد عرفت من أين يؤكل الطب إذن.

 

هنيئا لطب العارفين فإنه *** أجل وأسنى من تطبب أجساد

 

في زمن الرصاص، فتح هذا الرجل قارة أفريقيا بلا رصاصة واحدة، في زمن الدماء، واللعب بالأشلاء، يفتح هذا الرجل -بإذن الله وفضله- نفوساً عمياً، وقلوباً غلفا، وآذانا صما، بالموعظة الحسنة، في زمن صناعة الموت، يصنع هذا الرجل الحياة بكل الشبابيك التي غلفتها العناكب في زمن السوء، وفي أنفس السوء.

 

يصنع هذا الحياةَ في كل نفس *** غشت عليها غاشيات الموات

 

هذا الرجل يصنع الحياة، وليس من صناع الموت في الشوارع، وهواة ضرب الناس وقتلهم، وظلمهم بغير حق.

 

هذا الرجل أرسل الهدى في نفوس الأبرياء برفق ولين، وما كان يوما من هواة القسوة والظلم.

 

لماذا هذا الرجل؟

 

في زمن الظلم، وقهر الناس، ومصادرة حقوقهم وأعراضهم، ودمائهم وأموالهم، يأتي هذا الرجل، ليعلمَنَا كيف يكون السعي إلى الله بالعدل والإنصاف والإحسان.

 

لماذا هذا الرجل؟

 

نعزي أنفسنا بأعماله وآثاره، بعدما عزينا أنفسنا بآلاف أحرقت أرواحهم من غير ذنب أو خطيئة، نعزي أنفسنا به وبجهاده، وآثاره، بعدما أنهكت نفوسنا مناظرُ المستضعفين، وهي تقاد نحو الذل والمسكنة والاستضعاف في الأرض.

 

لا يستوون، رجال أحيوا أمما بدعوتهم، وآخرون أماتوها بأسلحتهم.

 

أحسن الله عزاءنا به، وبكل هؤلاء الذين لا يموتون، تأبى أعمالهم وبقاياهم أن تموت.

 

لماذا هذا الرجل؟

 

لأنه من رجال لا يموتون.

 

الناس صنفان موتى في حياتهم *** وآخرون ببطن الأرض أحياء

 

 لماذا هذا الرجل الإمام؟

 

لنفاخر بها أجيالنا، يوم أن فقدت القدوةَ إلا قليلا ممن أنجى الله.

 

لماذا هذا الرجل؟

 

لأنه من فئة رجال لا يموتون.

 

مات السميط ولم تمت آثاره *** لله كيف تُخلد الأموات

شيخ حباه الله حب عباده *** فقلوبهم من فقده حسرات

 

لماذا هذا الرجل؟

 

لأنه يعلمنا أن العمل لله ولدينه هو سبيل المخلَصين الفالحين، وأن حياة بلا عيش مع الله هي موت مع الشيطان.

 

 لماذا هذا الرجل؟

 

لأنه يعلمنا كيف العملُ بصمت، وكيف تصنع من نفسك آثارا تَفيض عليك بعد مماتك.

 

لماذا هذا الرجل؟

 

لأنه صانع السلام بين عالم يصنع الحِمام

 

لماذا هذا الرجل؟

 

لأنه يعلمنا أن أكثر ما يتمنى المرء يدركه، إذا صحبته عزيمة صادقة، ودعاء صادق.

 

لماذا هذا الرجل؟

 

ليقول لنا: إنه لا يستحيل شيء مع الله، جاء ليقول: إن مُعَدَّلَ من أسلم على يدي في كل يوم خمسمائُة رجل.

 

جاء ليقنعنا أنه لو كان في الأمة عشرُ رجال من أمثاله لكانت النتيجة الأولية: إسلامَ سبعين مليونا خلال 30 عاما.

 

فيا لله أعمالا عظاما *** ويحملها رجال من عِظِام

 

لقد نعاه الورى حباً وقد بلغت *** أوجاع هذا الورى حد السكاكينِ

نعته أعماله من قبلنا ومشت *** أرواحه خطراتٍ من رياحين

 

لماذا هذا الرجل؟

 

لأنه يعلمنا أن العمل الموجه سيفلح في النهاية، وأن التخصص في أي عمل خيري أو دعوي، وتركَ تشتيت الجهود له العاقبة الحسنى.

 

لماذا هذا الرجل؟

 

لم يذهب هذا الرجل إلى أفريقيا بكبير علم ولا فلسفة، بل ذهب مُحمَّلا بقاعدةِ: الدين المعاملة، ليجد هذه الملايين في انتظاره.

 

سُميطيون، ننشر الدين بلا اختفاء

نبذل المعروف من غير رجاء

نصدق الله في كل لقاء

نمنح الخير لكل البؤساء

 

ما كان كلامنا في هذا الرجل العظيم تأبينا، ولا غلواً، ولا إحلالاً له فوق قدره، ولكنه كلام عن قدوة شح الزمان بمثله، إن الزمان بمثله لبخيل.

 

أردناه أن يكون رسالة للأجيال: أنه لايزال رجال من أمتنا همهم أن يحيى الناس بهدى الله، ولو كلف ذلك أعمارهم، وأموالَهم، ودماءَهم.

 

هو رسالة للأجيال: أنه

 

لا يمتطي المجد من لم يركب الخطرا *** ولا ينال العلا من قدم الحذرا

 

إنه رسالة للأجيال: أنه يحكى أن هناك رجلا أعزلاً من كل تأييد بشري يفتح الله به أمما أفريقية، بدعوة رفيقة، وبر منيف.

 

إنه رسالة للأجيال: أن قدم كل ما لديك لخدمة هذا الدين، لتجد أن الله بارك لك في عمرك وعلمك وعملك.

 

إنه رسالة للأجيال: أنه من يفعل الخير لا يعدم جوازيه، لا يذهب العرف بين الله والناس.

 

إنه رسالة للأجيال: أن الله لن يضيع: (أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) [الكهف: 30].

 

إنه رسالة للأجيال: عن قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ) [يــس: 12].

 

 إنه رسالة للأجيال: أن الأعمار لا تقاس بالأيام، بل تقاس بالأعمال، وأن فلسفة الحياة والموت، ليست بالبقاء والفناء، بل بالآثار أو انقطاعها.

 

يا رب حي رخام القبر مسكنه *** ورب ميت على أقدامه انتصبا

 

إنه رسالة للأجيال:

 

فكن رجلا إن أتوا بعده *** يقولون مر وهذا الأثر

 

اللهم اغفر لعبدك عبد الرحمن السميط مغفرة من عندك، وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم.

 

اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه.

 

اللهم إنه ترك لأجلك الدنيا وملذاتها، فأوف له جزاءه، وأوف له جزاءه بواجب حمله عنا.

 

اللهم تقبل منه ما سعى وتقبل منا، واجزه بالحسنات إحسانا وبالسيئات عفوا منك وغفرانا، ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله.

 

اللهم أبلغنا الأجر فوق ما عمل وإن لم نعمل عمله، اللهم أنت الكريم الجواد البر الرحيم.

 

اللهم صل وسلم...

 

اللهم أعز الإسلام...

 

اللهم نصرك للمستضعفين في كل مكان، اللهم نصرك لهم في مصر وفي الشام وفي كل مكان، اللهم انصر أولياءك في كل مكان.

 

اللهم أرنا في الطغاة والمفسدين عجائب قدرتك، اللهم أرنا بالمفسدين مواطن سطوتك.

 

اللهم عليك بالذين يحادونك ويحادون أولياءك، اللهم انتقم ممن ظلم إخواننا، اللهم انتقم منه، وأرنا فيه يوما أسودا، اللهم ارفع عنه عافيتك، وسلط عليهم جندا من جندك، واجعل العاقبة للمتقين.

 

اللهم احقن دماء المسلمين في كل مكان.

 

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح واهد ولاتنا وولاة أمور المسلمين.

 

اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا.

 

 

 

المرفقات

لا يموتون -عبد الرحمن السميط

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات