رب إني مغلوب فانتصر

عبدالله بن محمد العسكر

2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/المصائب الخاصة والعامة سببا الكرب والحزن 2/أهمية الاقتداء والتأسي بالأنبياء في أوقات الأزمات 3/من فوائد قصص الأنبياء 4/العقيدة أولى الألويات في الدعوة 5/دور العقيدة في الثبات على المبادئ 6/سرد مختصر لقصة نوح عليه السلام 7/الوسائل الدعوية التي استخدمها نوح في دعوة قومه 8/عدد المستجيبين لنوح عليه السلام من قومه 9/دعوة الظلوم مستجابة 10/ثبات الصحابة على الدين 11/الحكمة في صنع نوح للسفينة 12/سخرية قوم نوح من صنعه للسفينة 13/دعاء نوح عليه السلام 14/عاقبة المكذبين لنوح والمستجيبين له 15/عطف نوح على ابنه ودعوته له 16/أهمية الولاء والبراء 17/استغفار نوح ربه 18/العاقبة للمتقين

اقتباس

إن هناك خلقا من خلق الله لا تنفع فيهم الموعظة، ولا تجدي فيهم النصيحة، لم يتغيروا ولم يتبدلوا، أمثال هؤلاء لا تنفع معهم النصائح ولا تجدي فيهم المواعظ؛ لأن قلوبهم مطموسة -والعياذ بالله-؛ لأن بصائرهم عمياء فلا ينفع الواحد منهم أن تذكره وتخوفه بالله؛ لأنه لم يرجو لله وقارا، ولم يعرف قدر ربه -جل وعلا-، فلذا هو مصر ومستكبر على حاله الباطل، وعلى طريقه الغوي، يغوي فيه...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد:

 

فأوصيكم ونفسي -عباد الله- بتقوى الله -عز وجل-، فاتقوا ربكم في سركم وعلانيتكم، وسرائكم وضرائكم؛ تفلحوا في الدنيا وتفوزوا في الآخرة.

 

عباد الله: قد يمر بالإنسان منا أوقات يحس فيها بالكرب والضيق، تحل به مصيبة، وتنزل به بلية، فتضيق عليه الأرض بما رحبت، يحس بالآلام والأحزان قد أحاطت به من كل جانب، وقد يكون سبب هذا الحزن هو: مصيبة خاصة على المستوى الشخصي للإنسان نفسه، وقد تكون مصيبة على مستوى الأمة جميعا، حين يرى كثرة جراحها، وتكالب أعداء الله عليها من اليهود والنصارى والمنافقين الذين يسومنها سوء العذاب، عندها يضعف الكثيرون، ويصابون بالخور، ولربما أصيبوا بما هو أشد من ذلك، وهو اليأس والقنوط من نصر الله -عز وجل-.

 

وهنا يحتاج المسلم إلى مثبت لهذا القلب، يثبته في خضم هذه الأحداث، وهذه الفتن التي تموج موج البحر.

 

إن المؤمن بأمس الحاجة في أوقات الأزمات والشدائد إلى شيء ينزل على قلبه، فيسكن رعبه، ويهدأ من روعه.

 

ومن أعظم ما يجد المؤمن له أثرا في قلبه، ويزيد من رسوخ الإيمان في هذا القلب: الاقتداء بهدي المرسلين -عليهم صلوات الله وسلامه-، والقراءة في صفتهم وأخبارهم، كيف واجهوا الحياة، وكيف استطاعوا أن يقفوا أمام أعداء الله -عز وجل- بصبر وثبات عجيب، فكانت العاقبة لهم، وكانت النهاية في صفهم، فأصبحوا هم المنتصرين في آخر الوقت.

 

إن في قصصهم عليهم الصلاة والسلام لعبرة لكل معتبر، وموعظة لكل مدكر، يقول الله -جل وعلا-: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى)[يوسف: 111].

 

قصصهم وأحوالهم كانت أخبارا لا يمكن أن يعتريها شيء من الخيال الذي يكتبه القصاص، وأهل الروايات: (مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)[يوسف: 111].

 

ولقد كان من يسلى به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويثبت به قلبه أمام تكذيب قومه له أن يذكر الله له أخبار الأنبياء، وأن يبدي له فيهم ويعيد، فمرة يطيل في القصة، ومرة يذكرها مختصرة، ومرة يتحدث عن جزئية من جزئياته، وكل ذلك الهدف منه هو تثبيت قلب محمد -صلى الله عليه وسلم-، يقول جل شأنه: (وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)[هود: 120].

 

ومن جملة أنبياء الله الذين حكى الله خبرهم في القرآن الكريم، وكان لهم صبر عظيم في مواجهة أعداء الله -جل وعلا-، بل هو أول الصابرين في مواجهة أقوامهم، وهو أبو الأنبياء، وأول أولي العزم من الرسل؛ نبي الله نوح -عليه الصلاة والسلام-.

 

لقد جاهد هذا النبي حق الجهاد، وصبر وصابر وثبت، فكانت العاقبة له.

 

دعا قومه واستنفذ كل الوسائل، وفعل كل ما يستطيع؛ راغبا في هدايتهم، وطالبا إنقاذهم من براثن الشرك، فكان أول ما دعا إليه التوحيد، وهكذا لا تكون الدعوات موفقة مسددة إلا إذا بنيت على عقيدة التوحيد، وكان باب الاعتقاد هو أهم الأبواب فيها.

 

وكل دعوة لا تعني لها أمور الاعتقاد شيئا كبيرا، وتجعلها في هامش الأمور والأولويات، فاعلم أن هذه الدعوة سيكون مصيرها الانحلال والاضمحلال، أو الزيغ والانحراف والضلال، فلابد للعقيدة أن تكون هي الحاكمة، والمهيمنة على الدعوات جميعا.

 

أما الدعوات المبنية على غير عقيدة راسخة، وتوحيد عميق في النفوس، فإن أفرادها سرعان ما يتساقطون، لا يثبتون على الطريق في أدنى فتنة وبلاء يتساقطون؛ لأن العقيدة في قلوبهم هشة وضعيفة، فلم يثبتوا هذا الثبات الذي يريده الله -جل وعلا-.

 

أما إذا كانت العقيدة في القلب راسخة فإن أصحابها لا تغيرهم الأحداث والفتن والبلايا المحيطة بهم، ولذلك سأل هرقل عظيم الروم أبا سفيان، فسأله جملة من الأسئلة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكان من ضمن ما سأله أن سأله عن أصحابه، فقال هرقل: "هل ارتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟" فقال أبو سفيان: "لا" فقال هرقل: "كذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب".

 

لا يمكن للمجاهد في سبيل الله والداعية إلى الله بحق وصدق وإخلاص أن يتزحزح عن مواقفه، وأن تغيره الأحداث والفتن المحيطة به، كلا، بل هو ثابت على منهج الحق لا يتغير ولا يتبدل، ولو تغير كل من حوله؛ لأنه يعلم أنه على دين صحيح وعلى طريق مستقيم، فلا يمكن للمغريات أو المرهبات والمخوفات أن تغيره عن دينه، أو تزحزحه عن طريقه.

 

لقد دعا نوح -عليه السلام- قومه وصبر عليهم، ورغبهم وخوفهم أيضا، كل ما تتوقع من أساليب الدعوة وطرقها قد استعملها هذا النبي الكريم -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام-.

 

بل إنه جلس في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، تخيل معي أن يبقى نبي 950 عاما، يدعو إلى الله -جل وعلا-، كم مر به من جيل؟ وكم واجه من الناس يدعوهم في سرائهم وضرائهم وفي حال جهرهم وعلانيتهم؟

 

يتلطف معهم، يرغبهم في أمر دينهم، ويبين لهم كل ما يجنيه كل من دخل في هذا الدين من خيري الدنيا والآخرة.

 

قال الله -جل وعلا- عنه: (قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ * أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ * يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ)[نوح: 2-4].

 

وقد استنفذ كما قلت معهم كل الوسائل: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ)[نوح: 5-7

 

أنا لا أريد ملكا ولا سلطانا ولا مالا، إنما أدعوهم لتغفر لهم يا رب أجمعهم وأدعو لهم: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ) إلى التوحيد: (جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا)[نوح: 7-9].

 

النصيحة الفردية استعملتها معهم أيضا أعلنت وخطبت في الجموع الغفيرة، فلم ينفع، فأسررت لهم النصيحة، وكلمت كل واحد منهم لوحده، وأبديت لهم الشفقة والمحبة والنصح: (قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا)[نوح: 5-10].

 

وجزائكم في الدنيا سيأتيكم قبل الآخرة: (يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا)[نوح: 11-12].

 

إذا لم يجدِ ذلك كله: (مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)[نوح: 13] ما لكم لا تعظمون ربكم؟!

 

ألا تخشون الله صاحب الانتقام والقوة والجبروت: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا) [نوح: 14] كيف كنتم؟ من أين أتيتم؟ كيف نشأكم وأنتم صغار وأغدق عليكم نعمه ظاهرة وباطنة: (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا)[نوح: 14].

 

(أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنبَتَكُم مِّنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا * وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا)[نوح: 15-20].

 

أي أسلوب هذا وأي بلاغة هذه؟ وأي استكمال لجوانب النصح قدمه هذا النبي الكريم -عليه السلام-، ومع هذا كله لم يزدهم ذلك كله إلا إصرارا على باطلهم، وتكبرا وعنادا.

 

إن هناك خلقا من خلق الله لا تنفع فيهم الموعظة، ولا تجدي فيهم النصيحة، لم يتغيروا ولم يتبدلوا، أمثال هؤلاء لا تنفع معهم النصائح ولا تجدي فيهم المواعظ؛ لأن قلوبهم مطموسة -والعياذ بالله-؛ لأن بصائرهم عمياء فلا ينفع الواحد منهم أن تذكره وتخوفه بالله؛ لأنه لم يرجو لله وقارا، ولم يعرف قدر ربه -جل وعلا-، فلذا هو مصر ومستكبر على حاله الباطل، وعلى طريقه الغوي، يغوي فيه عباد الله، وربما حارب الدعوة، وناصبها العداء.

 

وهؤلاء لم يتغيروا ولن يتبدلوا طال الزمان أو قصر، كثرت المواعظ أو قلت، بل إن الله -جل وعلا- حكى عنهم أنهم حتى لو بعثوا يوم القيامة، ورأوا الناس أمام أعينهم، لرجعوا إلى ما كانوا عليه في الدنيا، والله -جل وعلا- يحكي عن خلقه، وهو أعلم بما كان ويكون، وما سوف يكون.

 

قال جل وعلا: (وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[الأنعام: 27].

 

أرجعنا يا رب، نتمنى أن نعود مرة أخرى إلى الدنيا، الآن عرفنا الحق، رأينا الحق، تبين لنا الحق: (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قال الله: (بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)[الأنعام: 28].

 

إذا فهؤلاء لا تجدي معهم النصيحة ولا تنفع، وليس معنى هذا أن لا نناصحهم، كلا، وأن لا نبين لهم دين الله -عز وجل-، ليس الأمر كذلك، ولكي ينبغي للداعية إلى الله أن يستمر في طريقه مع هؤلاء المعاندين، فيضيع كثيرا من وقته على حساب أوقات أخرى، هي أهم وأولى، يبلغهم دين الله، ينصح لهم، يتلطف معهم، ثم يعرض بعد ذلك عنهم إذا رأى منهم الاستكبار والعناد، بعد أن تبين لهم الحق.

 

هذا هو حال قوم نوح -عليه السلام- لبث فيهم 950 عاما، دعاهم إلى الله -عز وجل-.

 

أتعرفون كم أسلم معه طوال هذه الفترة الزمنية العظيمة؟

 

قال الله -عز وجل-: (وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ)[هود: 40].

 

كم هو هذا القليل؟

 

أقرب الأقوال التي ذكرها المفسرون في أكثر الأعداد من جملة من آمن من قوم نوح، هي: ثمانون فردا فقط، وبعضهم يقول: اثنا عشر فردا فقط.

 

تخيل نبي من أنبياء الله، من أولي العزم من الرسل، جلس في قومه هذه المدة الزمنية الطويلة، فلم يدخل معه في الإسلام إلا ثمانون فقط!.

 

إنها رسالة للدعاة إلى الله -عز وجل-: أن يصبروا ويصابروا، وأن لا يستعجلوا النتائج، وأن لا يظنوا أن نجاح الدعوة مرهون بكثرة الأعداد، كلا، ليس كثرة الأعداد والأتباع دليل على نجاح الدعوة.

 

فهذا نوح هل نقول أنه فشل في الدعوة، كلا، بل نجح وقام بما أوجب الله عليه، وهذا هو منتهى ما يراد من الداعية إلى الله: (لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء)[البقرة: 272].

 

المهم أن تقوم بالدعوة، أن تقوم بالواجب، أما النتائج فأمرها إلى الله: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء)[القصص: 56].

 

لم يسلم مع نوح إلا هذا العدد القليل، بل وانظر إلى شدة البلاء الذي تعرض له هذا النبي الكريم، كان من جملة من كذبه، وأعرض عنه، وكفر بالله: زوجته وابنه.

 

تخيل زوجته وابنه أقرب الناس إليه كفروا بالله العظيم، ولم يؤمنوا به، فأي بلاء واجهه هذا النبي -صلوات الله وسلامه عليه-؟.

 

فلما رأى أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، وأحس بأنه لا مجال للاستمرار في هذا الطريق؛ لأنه قد وصلت إليهم جميع الرسالة، وبلغوا الحجة، وكانوا يتواصون فيما بينهم على تكذيب نوح، حتى عند الموت، حينما يموت أحدهم يوصي أولاده على تكذيب نوح ومحاربته.

 

لما رأى نوح ذلك كله، شكا أمره إلى ربه -جل وعلا-، وهكذا كل من أصيب بالبلاء، وكل داعية واجه الإعراض عن دعوته، ليس له إلا الله -جل وعلا-، فشكا إلى ربه، وقال: (رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا * وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا)[نوح: 21-22].

 

تواطئوا وفعلوا الأفاعيل، وحاكوا المؤامرات، وبثوا في وسائل الإعلام كل ما يريدون من تشويه صورة المسلمين والدعاة إلى الله -عز وجل-، قلبوا الحق إلى باطل، وقلبوا الموازين، وغيروا الحقائق: (وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا) [نوح: 22] (وَقَالُوا) انظر إلى وصية أهل الباطل: (لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا)[نوح: 23-24].

 

ثم دعا الله أن يهلكهم جميعا، وأن يستأصلهم فلا يبقي منهم أحدا: (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا)[نوح: 26].

 

لم يا نوح؟ ما السبب؟

 

(إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ) يفسدوا حتى على الصالحين: (وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا)[نوح: 27].

 

هنا استجاب الله لوليه وعبده الصالح نوح، والله -جل وعلا- لا يخيب من دعاه.

 

لا تظن -يا عبد الله-: أن دعوات المظلومين التي أطلقوها في ظلمات الليل حينما يصيبهم الهم والغم جراء ظلم الآخرين لهم، لا تظن أن أولئك المنكوبين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ممن تسلط عليهم الطغاة والظلمة، حينما يدعون ربهم أن دعواتهم ستذهب سدى، كلا، والذي لا إله غيره.

 

إن دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، فيقول: "وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين".

 

فلا تغتر بانتفاش الباطل وتضخمه، وكثرة أعداده، وتواطأ أهل الشرق والغرب على المسلمين، وعلى أهل الدعوة والخير.

 

لا تظن أن هذا الأمر سيستمر أتعلم لماذا؟

 

لأن هؤلاء أولياء الله، ولهم دعوات في ظلمات الليل يدعون الله، والله مطلع وعالم بكل شيء، وهو الذي وعد أن ينصر عباده المؤمنين: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات: 171-173].

 

ولكننا نستعجل دائما.

 

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسا مرة متوسد بردة له في ظل الكعبة، أيام الابتلاء الشديد في مكة، يوم أن ابتلي أصحابه وعذبوا، فجاءه خباب -رضي الله عنه-، وهو من المستضعفين الذين أوذوا في سبيل الله، فقال يا رسول الله: "ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟".

 

إنها دعوة منك وأنت خير الناس، وأحب الخلق إلى الله، ادعوا يا رسول الله لنا أن يفرج الله كربتنا، البلاء نزل بنا، الأمة مبتلاة، الأوضاع مؤسفة، المصائب متتابعة، ادعوا يا رسول الله لنا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- محمر وجهه، لماذا؟ أليس خباب يطلب أمرا شرعيا يطلب دعوة! نعم، لكن خباب -رضي الله عنه- استعجل الأمر، ولابد لله من سنن تمضي شاء من شاء وأبى من أبى.

 

فغضب عليه الصلاة والسلام، وقال: "لقد كان فيما كان قبلكم" أي من المؤمنين الأوائل في الأمم السابقة: "يؤتى بالرجل فيحفر له في الأرض فينشر بالمنشار نصفين" من رأسه إلى قدميه من أجل أن يرده ذلك عن دينه، قال: "ما يرده ذلك عن دينه".

 

يثبت هذا الثبات العجيب وجسمه يتقطع قطعة قطعة: "و الله ليتمن الله هذا الأمر " أي الإسلام وسوف ينتصر: "حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضر موت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون".

 

فلا تقنط -يا عبد الله- حين ترى البلاء على أمة الإسلام، والله سيأتي النصر كما أتى نوحا -عليه السلام- حين دعا ربه، فقال: (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) [نوح: 26].

 

أمره الله بعد ذلك أن يصنع سفينة، وأخبره أن قومه سيغرقون، وأن الله سينجيه ومن معه من المؤمنين.

 

أليس الله قادر أن يغرق قومه بلحظة واحدة، وأن ينجي نوحا ومن معه بدون صنع السفينة التي جلس نوح يصنعها وقتا طويلا؟!

 

اختلف المفسرون فيه؛ لأنها كانت ضخمة وكبيرة، ونوح -عليه السلام- لم يكن له مهارة ومعرفة كبيرة في صناعة السفن، لكنه تعلم ذلك هو ومن معه، استجابة لأمر الله -جل وعلا-، فلم يأمره الله بهذا؟

 

حتى تمضي سنة الله، وحتى نفعل السبب، فإن الله قادر على كل شيء، لكن لابد من فعل السبب: (لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)[الأنفال: 37].

 

صنع السفينة في هذا المكان الذي يعيش فيه نوح، وهي صحراء جرداء، فجلس قومه ينظرون إليه، ويتضاحكون، ويقولون: يا نوح هل جننت؟ هل في عقلك شيء؟ تصنع سفينة في صحراء؟ أي عقل هذا؟ لما تصنع السفينة في أرض صحراء؟! السفينة لا تكون إلا عند البحار والشواطئ والأنهار؟

 

فيتضاحكون، ويغمز بعضهم إلى بعض، انظر إلى هذا الرجل كيف أصيب في عقله: (وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ)[هود: 38].

 

لكن الجواب من المؤمن المعتز بقيمه الواثق بربه: (إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ)[هود: 38-39].

 

ستعلمون من يأتيه العذاب غدا، أنتم لا ترون شيئا ولا تعلمون؟!

 

لكن أنا: (مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62] الله ناصري، وكان الأمر كذلك، وقد كان الله -تعالى- قد أخبر نوحا عن بداية العذاب الذي سينزل من السماء، التنور الذي يخرج منه النور إذا بدأ يفور فيه الماء، فتلك بداية العذاب.

 

(حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ) وهي العلامة التي جعلها الله بداية للعذاب بعد أن اكتملت السفينة، وصنعها؛ أمره الله أن يحمل في السفينة كل من كان معه من المؤمنين، ومن كل الحيوانات والدواب والطيور زوجين اثنين، فلما دخلوا السفينة، واكتمل العدد، وركب عباد الله مع نوح -عليه السلام-، وكل الدواب والطيور في هذا المكان، في هذه السفينة، عند ذلك قال نوح: (بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)[هود: 41] ثم رفع يده إلى الله، وقال: (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ) [القمر: 10].

 

يا رب أنا مغلوب فانتصر لي، كذبني قومي وعادوني: "اللهم انتصر لي"، فجاء الجواب من الله -عز وجل- في بيان قدرته المذهلة، العظيمة العجيبة، قال ربنا -جل وعلا- الذي يملك كل شيء: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ)[القمر: 11-12].

 

ماء السماء، وماء الأرض، كل عيون الأرض، وأبارها وبحارها تفجرت، ونزلت السماء بماء عظيم، فأصبح ماء السماء مطابق لسماء الأرض، ونوح في هذه السفينة نجاه الله -عز وجل-، وأغرق قومه.

 

وهكذا نجا الله عبده وأوليائه معه؛ لأنه سبحانه وتعالى بيده كل شيء، فلنعلق قلوبنا بربنا -عز وجل -، ولا نعلق قلوبنا بالبشر، فرب البشر -جل وعلا- قادر أن يغير كل شيء بلحظة: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)[النحل: 40].

 

كلمة واحدة يتغير بها كل شيء، فاهرعوا إلى ربكم -جل وعلا- في سرائكم وضرائكم، وسركم وعلانيتكم؛ فإنه سبحانه تعالى سميع قريب مجيب.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وأصحابه وعلى من سار على نهجه، واقتفى أثره وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد:

 

عباد الله: صور جل وعلا حال سفينة نوح بهذا الخضم الهائل من الأمواج المتلاطمة، والمياه التي غمرت الأرض جميعا، وليس البقعة التي فيها نوح فقط، كلا، بل جميع الأرض امتلأت بالماء، يقول الله -عز وجل-: (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ)[هود: 42].

 

تخيل الموج أن يكون مثل الجبل، وهذه السفينة تصعد وتنزل، ومع هذا نوح -عليه السلام- واثق في ربه أكمل الثقة؛ لأنه يعلم أن الله لن يخذله، ولن يغرقه، وهو يرى عليه السلام تساقط قومه الذين فروا من بيوتهم، وصعدوا أول الأمر إلى السطوح، فصعدوا إلى الجبال، وإلى كل مكان، فأتاهم الماء ولم يبقي منهم أحدا.

 

وكان من بين من غرق ابن نوح.

 

الله -عز وجل- أمر نوحا أن يحمل في السفينة أهله، فظن نوح أن من بينهم ابنه هذا، وقد كان كافرا، فلعل الله أن يكون قد هداه في تلك الساعة، أو يكون نوح لم يطلع على إسلامه، كان يخفي إسلامه، أو غير ذلك.

 

المهم أن نوحا وهو يرى الأمواج تضطرب، وكان ابنه في معزل يظن أن ابنه بعيد عن الماء: (يَا بُنَيَّ) بعطف الأُبوة وحنانها: (ارْكَب مَّعَنَا) تعال هنا في السفينة: (وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ) [هود: 42] فقال ابنه الكافر: (سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء) [هود: 43].

 

قال نوح وهو يعلم أن هذا أمر الله، وأنه عذابه: (لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ)[هود: 43] ليس لا ينجو اليوم إلا من رحم الله.

 

يا بني: تعال إلينا، اركب معنا في السفينة، كن مع عباد الله المؤمنين، ما دام هناك فرصة للتوبة والرجوع، لكن الله -عز وجل- لا يرد له الهداية وهو العزيز الحكيم، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

 

قال الله -عز وجل- رحمة بنوح: (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ)[هود: 43].

 

جاء الموج بينه وبين ابنه، فصرف ابنه عنه، حتى لا يرى نوح ابنه الذي هو من صلبه وهو يغرق أمام عينيه، رحم الله نوحا أن يراه بهذا الحال!، ومع هذا فقد جرت سنة الله على ابن نوح كما تجري على البعيد والغريب.

 

بعد هذا المشهد العظيم، قال الله -عز وجل-: (وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاء وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[هود: 44].

 

فلما هدأت الأمور، واستقر الحال، دعا نوح ربه، وسأله سؤالا عن ابنه الذي هلك، ونوح كما قلنا أب، والأب له العاطفة، فهو حزين على ما أصاب ولده ما أصابه: (فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي) أنت قلت لي: احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك، فهذا من أهلي يا رب: إن ابني من أهلي: (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) [هود: 45].

 

ولم يقل أرحم الراحمين؛ لأنه قد يكون هناك التعذيب لحكمة يعلمها الله -عز وجل-؛ لأنه لم يطلب أن يرحم ولده، قد لا يكون أهلا للرحمة، ولكن وصف الله بهذا الوصف: (وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ).

 

فجاء الجواب من الله جوابا صريحا لا لبس فيه، جوابا يرسخ مبدأ الولاء والبراء، وأنه يجب أن يكون لله رب العالمين، لا محابة من قريب ولا من بعيد: (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ).

 

سبحان الله أليس هو ابني؟! نعم هو ليس من أهلك وإن كان من صلبك: (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) كافر بالله العظيم، فليس من أوليائك، هم المتقون وإن كانوا أبعد الناس نسبا عنك: (فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [هود: 46].

 

نهى الله نوحا وعاتبه أن يسأل هذا السؤال، لا تسألني عن شيء ليس لك به علم، فأنا الحكيم الخبير.

 

أنا العالم بكل شيء: (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23].

 

نحن عباده وهو ربنا يتصرف فينا كيفما شاء: (فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)[هود: 46].

 

هنا انكسر نوح بين يدي ربه، واستغفر ربه مما قال: (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ)[هود: 47].

 

فعفا الله عنه وسامحه: (قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ)[هود: 48].

 

وانتهت قصة نوح عليه السلام.

 

وفي آخر حياته عليه السلام بعد هذا العمر الطويل الذي قضاه في الدعوة، والجهاد والصبر والمصابرة؛ يختم حياته بطلب المغفرة من الله -جل وعلا-.

 

لم يكن نوح مضيعا لوقته ولحياته، كلا، بل كان على ما يريد الله، ومع هذا كان كثير الاستغفار، فاستغفر ربه لنفسه ولوالديه، بل وللمؤمنين والمؤمنات، قال الله -عز وجل- حكاية عن نوح في دعائه: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا) [نوح: 28].

 

ثم يختم الله خبر نوح بقوله: (تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)[هود: 49].

 

هذا هو الدرس: اصبر، العاقبة للمتقين، ولا تغتر بقوة الباطل، وكثرة أتباعه، العاقبة للمتقين، وسينشر الله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يعز به الإسلام وأهله، وذلا يذل الله به الشرك وأهله.

 

نسأل الله بمنه وكرمه وجوده وإحسانه أن يعجل بالفرج لأمة الإسلام.

 

هذا، وصلوا وسلموا عليه كما أمركم ربكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].

 

 

 

المرفقات

إني مغلوب فانتصر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات