راقب نفسك

عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي

2022-10-08 - 1444/03/12
عناصر الخطبة
1/ رقابة البشر على البشر ضعيفة وقاصرة 2/ تغول الشهوات والشبهات على الأمة 3/ حيرة الآباء والأسر في سبل وقاية الأبناء من المنكرات 4/ وجوب تعظيم مراقبة الله تعالى 5/ كثرة الشهود على العبد يوم القيامة 6/ كثرة صور التناقض في المجتمع 7/ الحث على ترك فضول النظر.

اقتباس

رقابةُ البشرِ على البشرِ مهما كانت دقيقة وقويّة.. فهي قاصرة، تفرضُها أنظمة وتصنعها أجهزة ومع ذلك تظلُّ عاجزةً لا تستطيع أن تُحيطَ بكل عملٍ ولفظ.. وبعض الناس اليوم حين يرى فشوّ المنكرات والمجاهرة بها وتنوعِ وسائلها وانتشارِ قنواتها يستغرب أولاً وقوعها.. ثم يتساءلُ عن الحماية منها ليحفظَ نفسَه فيها، ويحميَ بيته وأولاده من الوقوع بها؟! لاسيما مع تطوّرِ الوسائل وتنوّعها التي لن نحيط بها أو نستطيع مراقبتها بل أصبحت همَّاً للوالدين والرقيب بما يأتي من خلالها! فما الحلُّ الأكمل للنجاة والحفظ من شرّها؟! هل نلغي ونُقفل؟ هل نمنع ونَحرِم؟! هل نعطيهم بلا مساءلة؟! أو نقف على رؤوسهم وهل الغفلة عنها خطيرة؟! ..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله تعالى وتقدَّس في علاه.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا إله غيره ولا ربّ سواه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ..

 

 أما بعد.. عباد الله.. أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ -جل وعلا- الذي يقول: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَا بَعِيدًا) [آل عمران: 30] يوم يبعثر ما في القبور.. ويُحصَّل ما في الصدور (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً) [النساء: 42].

 

عباد اللهِ.. رقابةُ البشرِ على البشرِ مهما كانت دقيقة وقويّة.. فهي قاصرة، تفرضُها أنظمة وتصنعها أجهزة ومع ذلك تظلُّ عاجزةً لا تستطيع أن تُحيطَ بكل عملٍ ولفظ.. وبعض الناس اليوم حين يرى فشوّ المنكرات والمجاهرة بها وتنوِّعِ وسائلها وانتشارِ قنواتها يستغرب أولاً وقوعها.. ثم يتساءلُ عن الحماية منها ليحفظَ نفسَه فيها، ويحميَ بيته وأولاده من الوقوع بها؟! لاسيما مع تطوّرِ الوسائل وتنوّعها التي لن نحيط بها أو نستطيع مراقبتها بل أصبحت همَّاً للوالدين والرقيب بما يأتي من خلالها! فما الحلُّ الأكمل للنجاة والحفظ من شرّها؟! هل نلغي ونُقفل؟ هل نمنع ونَحرِم؟! هل نعطيهم بلا مساءلة؟! أو نقف على رؤوسهم وهل الغفلة عنها خطيرة؟! أسئلةٌ الجميع يسألها لمصلحة أولادهم!! ومهما بلغتَ من الضبط والمراقبة فلن تستطيع الإحاطة خاصةً مع تقدم الوسائل والعصر!!

 

إذاً الحلُّ أيها الإخوة في الإصلاح والحماية من هذه الآفات والوقوع في المحرمات هو في زرع شعورِ الرقابة الذاتية على الإنسان من لدن نفسه وربِّه وخُلقِه وعقيدته.. وهذه قاعدةٌ إيمانيّة؛ أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك..

 

فالبشرُ يغفل ويسهو وينام، ويمرض، ويسافر ويغيب، ويموت.. لأنّ رقابةَ الكائناتِ جميعِها ناقصة، وتبقى الرقابةُ الكاملة المطلقة باستشعارِ رقابةِ اللهِ -عز وجل- التي تمنع الإنسان حقاً من الوقوع في الخطأ وتؤِّدي إلى نتيجةٍ أفضل من نظام أو عقوبة وهي تريح الوالدين والمسئول لإقامة الشرع والنظام بزرع الرقابة الذاتية للإنسان! فكيف نقعُ في الغيبةِ والحسد ونحن لا نرضاه لأنفسنا؟ كيف نظلمُ الغير ونقطعُ الرحم ونعقُّ الوالدين؟ حينما نغشُّ في السلعة على المشتري، وحين نخالفُ النظام، وحين نضع الأذى للغير أين ديننا وضميرنا عن ذلك؟!

 

الذين يسافرون فيقعون في الإثم هل غفلوا عن رقابة الله الذي لا إله إلا هو في السر والعلن والسفر والحضر.. هل غفل هؤلاء جميعاً عن ربِّ يعلم الظاهر والسرّ وما أخفى نتساهل بما نعمله وراءَ هذه الجدران؟ نجهلُ منه الكثيرُ لا نعلمه، لكن الله يعلم ذلك وما هو أعلى منه.. (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام: 59]، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) [آل عمران: 5].

 

الله يعلمُ ما تُسرُّه في سريرتك ومن بجوارك لا يعلمُ.. يعلم ما بقلبك وأنت لا تعلم ما سيحدث بعد دقائق..فعلمُ الله كاملٌ مطلق فهو السميع العليم الخبير (يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ) (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، يعلم ويسمع ويرى دبيبَ النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [المجادلة: 7].

 

كم تآمرَ أعداءٌ في الليل! كم خطَّطوا بأنظمتهم لضرب الإسلام سِرّاً، يظنُّون أنهم يتصرَّفُون كما يشاءون، لكنهم تناسوا ربّاً لا يخفى عليه شيءُ يسمعُ ما يقولون فيُبطلُ كيدَهم فيصبحوا على ما أسرُّوا في أنفسهم نادمين..كم من ظالمٍ يُشوّه سمعةً ويُؤلِّبُ سلطةً ويصنّف غيره ويتَّهمهم ليجامل ويتقرَّب بفعله ظاناً أن الله غافلٌ عما يعمل (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) [إبراهيم: 42- 43].

 

فيا أيُّها المؤمن..إذا لقيتَ عنتاً ومشقةً وسخريةً واستهزاءً وإصراراً واستكباراً فلا تحزن ولا تيأسَ إن الله يعلم ما يُقال لك قبل أن يُقالُ، وإليهُ يُردُّ الأمرُ كلّه، لا إله إلا هو..

 

ويا أيُّها الشاب الذي وضع قدمَه على أول طريق الهداية، وترك ما كان يفعله من محرمات ثم يسمعُ سخريةً واستهزاءً أو من يُقاطعه لأجل توبته ويدعوه مجدداً للمعصية! اثبت ولا تأسَ واعلم علمَ يقين أنك بين يدي ربٍ يسمع ما تقول، ويسمع ما يقال لك، وسيجزي كلَّ امرئ بما فعل.. (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [سبأ: 3].

 

يا مرتكبَ المعاصي والمخالفة مختفياً عن أعينَ الخلق ما أنت واللهِ إلا أحدُ رجلين.. إن كنتَ ظننتَ أن اللهَ لا يراك فقد كفرت وإن كنت تعلمُ أنه يراك فلمَ تجترئُ عليه، وتجعلَه أهونَ الناظرينَ إليك؟ عجيب تناقضنا إخوتي بين ما نُؤمن به وما نفعله في الخلوات من قلة الخوف من الله نسأل الله أن يعفو عنا.. (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) [النساء: 108].

 

فيا منتهكاً حرماتِ الله في الظلمات، في الخلوات، بعيداً عن أعين المخلوقات، أين الله؟ هل سألت نفسكَ؟! قال -صلى الله عليه وسلم-.. "لأعلمنَ أقواماً من أمتي يومَ القيامةِ يأتون بحسناتٍ كأمثالِ الجبال بيضاً، يجعلُها اللهُ هباءً منثوراً"، قال ثوبان: صفهم لنا، أن لا نكون منهم يا رسول الله قال: "أما إنهم إخوانُكم ومن جلدتِكم ويصلّون من الليلِ كما تصلّون، لكنهم إذا خلوا بمحارمِ اللهِ انتهكوها" متفق عليه..

 

نسأل الله السلامة والعافية وأن لا يؤاخذنا بذنوبنا ويستر علينا في الدين والدنيا والآخرة.. فإلى من يملأ ليله وعينَه وأذنه ويُضيّعُ وقتَه ويملأه بمعاصي الله، أين الله؟

وإذا خلوت بريبةٍ في ظلمة *** والنفسُ داعيةٌ إلى العصيان

فاستحِ من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني

 

إن اللهَ لا يخفى عليه شيء فهلا اتقيتَه يا عبد الله.. عمرُ بن الخطاب -رضي الله عنه- يمشي ليلاً بالمدينة فيسمعُ امرأةً تقولُ لابنتها: اخلطي اللبنَ بالماءِ ليكثرَ. فقالت البنت: إن عمرَ منع ذلك. فتقول الأم: إن عمر لا يرانا. فقالتِ البنتُ المستشعرةُ لرقابةَ الله: أي أماه فأين الله؟ إن كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا..

 

أما والله لو راقبنا الله حقَّ المراقبة في أمورنا لاستقامت وصلح الحال، لو أننا طبقنا مبادئ ديننا وأخلاقنا على أنفسنا أولاً وتعاونّا لنكون قدواتٍ صالحة بالدِّين والخلق لاستقام الجميع خوفاً من الله.

 

فيا أيها الإنسان! إن عينَ اللهِ تلاحقُك أينما ذهبت وحللت، فهل علمت ذلك ثم عملتَ، هل استشعرتَه فاتقيتَ اللهَ ظاهراً وباطناً، فكانَ باطنُك خيرُ من ظاهرِك.

 

إذا ما خلوْتَ الدّهرَ يوْماً *** فلا تَقُل خَلَوْتُ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ

ولاَ تحْسَبَنَّ اللهَ يغفُلُ ساعة *** وَلا أنَ مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيب

لهَوْنَا لَعَمرُ اللّهِ حتى تَتابَعَتْ *** ذُنوبٌ على آثارهِنّ ذُنُوبُ

فَيا لَيتَ أنّ اللّهَ يَغفِرُ ما مضَى *** ويأْذَنُ فِي تَوْباتِنَا فنتُوبُ

إن اللهَ رقيب حسيب، لا ملجأ منه إلا إليه، هو الشهيدُ وكفى به شهيداً، ومن حكمتِه أن جعل علينا شهوداً آخرين حتى لا يكون للناس حجة، وكفى باللهِ شهيداً، من هؤلاءِ الشهودِ.. رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-..( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143]، والملائكةُ أيضاً يشهدون وكفى باللهِ شهيداً (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار: 10- 12].

 

والكتابُ سيشهد بين يدي الله لا يترك شاردة ولا واردة (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) [الكهف: 49].

 

والأرضُ ستشهدُ وتُحَدّثُ أَخْبَارَهَا بما عُمِل على ظهرها من خيرٍ أو شر ولو مثقالُ ذَرَّة! وإذا مات المؤمن بكاه موضع سجوده وبكاه ممشاه إلى الصلاة، وبكاه مصعدُ عمله إلى السماء كما بالحديث وأما الذين أجرموا وكفروا ونافقوا (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ) [الدخان: 29] والخلقُ أيضًا سيشهدون وكفى باللهِ شهيداً..

 

لطالما جاهر الإنسانُ عند الخلقِ بذكرِ ما سترَه اللهُ عليه من معصية وما علم أن الخلق هؤلاء سيشهدونَ عليه! في الصحيح أن جنازةً مرت على الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو بنفرٍ من أصحابه فأثنى عليها الناس خيراً فقال -صلى الله عليه وسلم-: "وجبت" وتمرُّ أخرى فيُثني عليها الناس سوءاً فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "وجبت" فيتساءل الصحابة؟ فيقول.. "أثنيتم على الأولى بخير فوجبت لها الجنة، وعلى الثانية بسوء فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه، أنتم شهداء الله في أرضه" (رواه مسلم).

 

وسيشهدُ عليك يا ابن آدم ما هو أقربُ من هذا.. وهي جوارحُك كيَدٍ فعلت بها محرماً ورجْلٍ مشيت بها وعينٍ رأيت بها وألسن تكلمت بها وجلودٌ وما عملت نسأل الله ألا يؤاخذنا بذنوبنا (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [يس: 65]، (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) [فصلت: 19- 24].

 

اللهم اجعلنا ممن حسَّنت عملهم ورضيتَ عنهم في الغيب والشهادة، اللهم استر عوارتنا وآمن روعاتنا واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا فأنت أرحم الراحمين أقول ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:

 

إننا -أيها الأحبة- مما نلمسه من ضعف الرقابة على النفس، وقلة الخوف من الله.. نعيش تناقضاً في مجتمعات المسلمين بين مبادئِ دينٍ يعرفونها وتصرفاتٍ يمارسونها؛ فإنك إذا طالعت مجتمعاتنا ترى الغشَّ والكذبَ وقلةَ النظافة إلا من رحم الله، بعضُنا يطرح النظريات المثاليّة والقوانين النظاميّة لكننا نخالفها بتعاملنا ونبتعد عن مبادئ دينٍ صريح وخلقٍ صحيح.

 

وأقربُ مثال لذلك انتشارُ الفساد والرشوة وسوء الخلق والفوضى في الأنظمة التي ابتلينا بها في مجتمعنا ومدارسنا وشوارعنا بل ومساجدنا، كل ذلك يدلُّ على خطأ كبيرٍ في التصوّر والمفهوم إذا لم تكن هناك رقابة ساهر قطعنا الإشارة وأسرعنا وغفلنا عن الرقابة الذاتية..

 

ما أسرعنا لمخالفة النظام وسلب الحقوق والاعتداء على الأراضي إذا لم يعلم بنا أحد وكأن البلد فوضى والحق العام ضائع، نسأل الله أن يعفو عنا..

 

هذا خللٌ كبير وهو سبب تأخر المسلمين وتخلفهم عن الركب فترانا نتعلّم من قرآننا وسنة رسولنا -صلى الله عليه وسلم- وآثار علمائنا وآبائنا مبادئَ عظيمة في الدين والأخلاق لكننا نخالف بتصرفاتنا وسلوكنا بين ما نؤمن به وما نفعله.. ولا يعني هذا أن البشر خلقوا كاملين من الخطأ فكلُّنا خطّاء وخير الخطائين التوابون، ولكن التناقض كَبُر وظهر فأصبح نفاقاً اجتماعياً عاماً في كثير من المجتمعات، وأورث ضرراً عظيماً على الأجيال الذين ينشأون من خلال مشاهداتهم لذلك التناقض بين القول والفعل فيفتقدون القدوةَ الصالحة من آبائهم وممن حولهم ولو أننا زرعنا في أنفسنا ومن حولنا الخوف العظيم من الله..

 

وتربَّيْنا على أهمية الرقابة على النفس وتقوية وازع الدين لأغنانا هذا عن كثير من المحاضرات والتعاليم التي ُتذكّر وتُخوّف وهي تذكرة وعظة لكل مخالف بأنّ شعور الرقابةِ على النفس والإيمان بالمبادئ العظيمة للدين الحنيف والخلق القويم أعظم ولا شك وسيثمر ذلك صلاحاً للأمة والمجتمع بإيجاد أناسٍ باطنها خير من ظاهرها وأكثر أثراً من نظام يعاقب..

 

ولا يوجد عصر ابتلي الناس فيه بكثرة النظر للحرام واستماعه وانتشاره حتى!! كهذا العصر ومع عظم الابتلاء يعظم الأجر بالصبر عليها والتعفف عنها، فعليكم أيها الإخوة بالتزام العفاف وأظهروا القدوة في ذلك في جميع أموركم فهذه التقوى هي المكسب للعبد دنيا وآخرة.

 

نسأل الله جلَّ و علا أن يرزقنا الإيمان به في الظاهر والخلوات والخوف منه في السر والعلن والتوبة من الخطأ في كل ما نأتيه ونذر، وأن يختم لنا بخاتمة الإيمان ويجنبنا الكفر والفسوق والعصيان..

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداءك أعداء الدين واجعل هذا البلد آمنًا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

 

 اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بيده للبر والتقوى..

 

 

المرفقات

نفسك

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات