عناصر الخطبة
1/علامات الأخيار والأشرار2/خطر النمام 3/حكم النميمة 4/النميمة عبر التقنيات الحديثة 5/ التعامل الشرعي مع النمام 6/حكم نقل الكلام بقصد الإصلاحاقتباس
ما أعظم جرائم النميمة التي تقع من خلال هذه الأجهزة، إما بالرسائل المكتوبة أو بالمكالمات والمحادثات، ونحو ذلك مما يترتب عليه إضرار عظيم، سواءً بإيقاع العداوة بين أفرادٍ وأفراد، أو إيقاع العداوة بين مجتمعاتٍ ومجتمعات. ألا ما ألئم النمام وما أشنعه وما أضره على الناس بما يلقيه من نميمة، لكنه...
الحمد لله الملِك الحق المبين، إله الأوَّلين والآخِرين، وقيُّوم السماوات والأرضين، وخالق الخلق أجمعين، عليه وحده نتوكل وبه نستعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد:
أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-؛ فإنَّ تقوى الله -جل وعلا- خير زادٍ يبلِّغ إلى رضوان الله، قال الله -تعالى-: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197].
أيها المؤمنون: في الناس خيار وفيهم شرار، وللخيار علامات يُعرفون بها، وللشرار كذلك علامات يعرفون بها، وهذه وقفة فيها تنبيهٌ على شيء من هذا الجانب العظيم والأمر المهم؛ لأن العبد الناصح لنفسه ولغيره جديرٌ به أن يعرف علامات الخير ليتحلى بها وليألف أهلها، وأن يعلم علامات الشر ليجتنبها وليحذر من أهلها.
روى الإمام أحمد في مسنده عن أسماء بنت يزيد الأنصارية -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ؟" قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:" الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ" -تعالى-، ثُمَّ قَالَ:" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِشِرَارِكُمْ؟ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ".
ذكر عليه الصلاة والسلام علامةً للشرار يجب أن تُتقى وتُحذر، وهي آفةٌ خطيرة ومضرتها على الناس والأمة والمجتمعات كبيرة؛ قال عليه الصلاة والسلام: "الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ، الْمُفْسِدُونَ بَيْنَ الْأَحِبَّةِ، الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْعَنَتَ".
أي الذين يعملون على إيجاد العنت والفجوة والتناحر والتطاعن بين المتآلفين المتحابين أهل البراءة والسلامة.
ولهذا فالنمَّام -عباد الله- يُعَدُّ آفة من الآفات، وضرره على المجتمع جدُّ خطير؛ ولهذا نهى الله -سبحانه وتعالى- عباده عن طاعة النمامين وقبول أقوالهم، قال الله -تعالى-: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم: 10-11].
فالنمام لا يُطاع ولا يُقبل قوله، وإن أعطى على قوله الأيْمان المغلَّظة.
والنمام -أيها المؤمنون عباد الله- فيه شبَهٌ كبيرٌ بالساحر؛ وذلك لأن عمله يعطي من النتائج المضرة بالمجتمعات ما لا يعطيه عمل الساحر، ولهذا روى الإمام مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ".
والعضه: السحر، والعاضه: الساحر.
وإنما سميت النميمة سحرًا وإن لم يقم في عمل النمَّام حقيقة ما يقوم به الساحر؛ لأن ما يؤدي إليه عمل النمام من إفسادٍ وإيقاعٍ للفرقة، ونشرٍ للعداوات مشابهٌ لعمل الساحر، بل أشد.
قال يحي بن أبي كثير اليمامي - رحمه الله تعالى -: "يفسد النمام في ساعة ما لا يفسد الساحر في شهر".
إنه خطر عظيم وآفة كبيرة، ولهذا اتفق العلماء - رحمهم الله - على أن النميمة كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وعظيمةٌ من عظائم الآثام، وصاحبها متوعَّدٌ بالعذاب في القبر على نميمته بين الناس، ففي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما – أنه عليه الصلاة والسلام مر بقبرين، فقال: "أَمَا إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، بَلَى" أي بلى إنه لكبير "أما أحدهما فلا يستتر من البول، وأما الآخر فيسعى بالنميمة".
وقوله: "يَسْعَى بِالنَّمِيمَةِ"، وقد تقدم في الحديث السابق: "الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ" وتقدم في الآية الكريمة: (مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ).
إذ إنَّ النميمة في وقتٍ مضى تحتاج من النمام إلى مشي وسعي، أما في زماننا الحاضر فإن النميمة تحصل من النمام دون أن يمشي أو يسعى، وذلك من خلال الأجهزة الحديثة ووسائل الاتصال المتوفرة في هذا الزمان كالجوال مثلًا أو عبر الشبكة العنكبوتية ونحو ذلك.
ولهذا ما أعظم الجرائم -جرائم النميمة- التي تقع من خلال هذه الأجهزة، إما بالرسائل المكتوبة أو بالمكالمات والمحادثات، ونحو ذلك مما يترتب عليه إضرار عظيم، سواءً بإيقاع العداوة بين أفرادٍ وأفراد، أو إيقاع العداوة بين مجتمعاتٍ ومجتمعات.
ألا ما ألئم النمام وما أشنعه وما أضره على الناس بما يلقيه من نميمة، لكنه سيقِف بين يدي الله -تبارك وتعالى- ويلقى جزاء نميمته، ويلقى على ذلك عقوبة تكون عليه حسرةً وندامة يوم يقف بين يدي الله -تبارك وتعالى-.
وقد قيل: "إنَّ عمل النمام أضرُّ من عمل الشيطان"؛ لأن عمل الشيطان يكون بالوسوسة، وعمل النمام يكون بالمواجهة، يواجه الآخرين على أنه ناصحٌ أمين، وأنه لا يريد إلا خيرا ويحلِف ويُقسِم ويعطي على كلامه أيمانًا مغلظة، والله -تبارك وتعالى- يعلم من حاله وهو العليم بذات الصدور أنه إنما أراد بذلك الإفساد بين الناس.
أيها المؤمنون -عباد الله-: لنتقي الله -سبحانه وتعالى- ولنراقبه سبحانه في أعمالنا كلها وأقوالنا جميعها، ولنذكر وقوفنا بين يديه، ومن الوعيد للنمَّام يوم القيامة ما جاء في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ".
وفي رواية: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ".
والقتات: هو النمام.
أيها المؤمنون: ومن الحكمة العظيمة في التعامل مع من يَنُم في ردِّ نميمته وعدم قبولها ذلكم الموقف العظيم الذي يروى عن عمر بن عبد العزيز الخليفة -رحمه الله تعالى-: أن رجلًا دخل عليه فذكر آخر بشيء من الكلام، فقال عمر: إن شئت نظرنا في أمرك؛ فإن كنت كاذبًا فأنت من أهل هذه الآية: (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) [الحجرات: 6].
وإن كنت صادقًا فأنت من أهل هذه الآية: (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ)[القلم: 11-12].
وإن شئت عفونا عنك، قال: العفو يا أمير المؤمنين، ولا أعود إلى ذلك أبدا.
اللهم أصلح أحوالنا أجمعين، واهدنا إليك صراطًا مستقيما، وأعذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وشر الشيطان وشركه، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله -تعالى-، فإنَّ في تقوى الله -جل وعلا- خلَفاً من كل شيء، وليس من تقوى الله خلَف.
أيها المؤمنون -عباد الله-: وأما من يسعى بين الناس ناقلًا الكلام من شخص إلى آخر على وجه الإصلاح، وإطفاء العداوات، وإيجاد المحبة والألفة والإخاء، فهذا من المصلحين؛ جاء في الصحيحين عن أم كلثوم بنت عقبة - رضي الله عنها - أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لَيْسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا" أي: من كان ينقل الكلام بين الناس ولاسيما بين مَن بينهم شيءٌ من العداوة ينقل كلامًا من أحد المتعاديين إلى الآخر إصلاحًا لذات البين، كأن يقول مثلًا: سمعت فلانًا يذكرك بالخير، أو سمعته يُثني عليك، أو سمعته يدعو لك، أو نحو ذلك من الكلمات التي يراد بها الإصلاح، فإنَّ من كان كذلك فهو من المصلحين، والله -تبارك وتعالى- يعلم المصلح من المفسد، وكل منهما سيقف بين يدي الله -تبارك وتعالى- ليلقى جزاء عمله: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم: 31].
واعلموا -رعاكم الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد ابن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصُر من نصَر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومعِينا وحافظاً ومؤيِّدا، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، وسدِّده في أقواله وأعماله، وألبسه ثوب الصحة والعافية، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك واجعلهم يا ربنا رأفةً ورحمةً على رعاياهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم أعنا ولا تُعِن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسِّر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا.
اللهم اجعلنا لك ذاكرين، لك شاكرين، إليك أواهين منيبين، لك مخبتين لك مطيعين، اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبِّت حجتنا، واهد قلوبنا، وسدِّد ألسنتنا، واسلل سخيمة صدورنا.
اللهم إنا نسألك حبك وحبَّ من يحبك وحبَّ العمل الذي يقرِّبنا إلى حبك يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننَّ من الخاسرين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم