ذكر الله -عز وجل-

محمد أسعد

2022-10-08 - 1444/03/12
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ فضل ذِكْر الله سبحانه 2/ اللسان الغافل عن الذكر كالعين العمياء 3/ ذكر الله هو المقصود الأعظم من سائر العبادات 4/ أفضل الذكر وأنفعه 5/ ثمرات الذكر ومنازل الذاكرين عند رب العالمين

اقتباس

إن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، وتعتريها العلل والأمراض كما تعتري الأبدان، والمرء محاط بنفسه الأمارة بالسوء وهواه والشيطان، فلا غنى له عما يحفظه ويدفع عنه المخاوف ويطمئنه. ألا وإن من أكثر ما يدفع تلكم الأدواء، ويحرز من الأعداء: كثرةَ ذكر الله -عز وجل-؛ فهو جِلاء القلوب وصقالها، ودواؤها إذا غشيها اعتلالها، زيَّن الله بذِكْره ألسنة الذاكرين؛ كما زين بالنور أبصار الناظرين.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله ....

 

وبعد: فإن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، وتعتريها العلل والأمراض كما تعتري الأبدان، والمرء محاط بنفسه الأمارة بالسوء وهواه والشيطان، فلا غنى له عما يحفظه ويدفع عنه المخاوف ويطمئنه.

 

 ألا وإن من أكثر ما يدفع تلكم الأدواء، ويحرز من الأعداء: كثرةَ ذكر الله -عز وجل-؛ فهو جِلاء القلوب وصقالها، ودواؤها إذا غشيها اعتلالها، زيَّن الله بذِكْره ألسنة الذاكرين؛ كما زين بالنور أبصار الناظرين.

 

واللسان الغافل؛ كالعين العمياء، والأذن الصماء، واليد الشلاء؛ ففي الحديث: «مثَل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه، مثل الحي والميت» (صحيح البخاري رقم 6407).

 

ذكر الله -عز وجل-: هو العبادة السهلة اليسيرة لجميع الأوقات، ومختلف الأحوال والمناسبات. سأل  رجل  النبي – صلى الله عليه وسلم-  عن شيء في الإسلام يتشبث به فقال: «لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله» (سنن الترمذي رقم 3375 وصححه الألباني).

 

وفي الحديث أيضًا: «كلمتان حبيبتان إلى الرحمن، خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم» (صحيح البخاري رقم 7563).

 

ذكر الله -عز وجل-، خير أعمال العبد وأزكاها عند ربه، ففي الحديث: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم» ؟ قالوا: بلى. قال: «ذكر الله تعالى» (سنن الترمذي رقم 3377 وصححه الألباني) .

 

وأهل السبق إلى الله وهم جلوس، هم الذاكرون الله كثيرًا والذاكرات؛ ففي الحديث: «سبق المفردون» قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: «الذاكرون الله كثيرا، والذاكرات» (صحيح مسلم رقم 2676).

 

وما عصى عبد ربه إلا في لحظة غفلة عنه، يقول تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف: 36]، يقول ابن عباس – رضي الله عنهما – "الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس".

 

أمر الله تعالى بذكره ذكرًا كثيرًا فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الأحزاب: 41 – 42]. وقال سبحانه: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال: 45].

 

أثنى على ملائكته بدوام ذكره، فقال تعالى: (وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء: 19- 20].

 

نوَّه بمقام الذاكرين له حيث الملهيات وأعظم أجورهم، فقال: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [النور: 37- 38].

 

وما من شيء خلقه الله –تعالى- إلا ويسبّح بحمده، يقول تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) [الإسراء: 44].

وذِكر الله -عز وجل-: عبادة أهل الجنة التي بها يتنعمون، «يُلْهَمُون التسبيح والتحميد، كما تلهمون النفس» (صحيح مسلم رقم 2835).

 

والعبادات إنما شرعت لإقامة ذكر الله –تعالى-؛ فالذكر فاتحتها، وقوامها وختامها، يقول تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه: 14]. ويقول سبحانه: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة: 10].

 

قرن -سبحانه- ذِكْره بالزكاة فقال: (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات: 18- 19].

 

أرشد المؤمنين إلى ذِكره عند تمام شهر الصيام وكمال عدته فقال: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].

 

والحج إنما شرع لإقامة ذكر الله -عز وجل-؛ ففي الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله» (سنن أبي داود رقم 1888 ضعيف مرفوعا، والصحيح وقفه)، وقال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) [البقرة: 200].

 

ذِكر الله -عز وجل-: فاتحة الدعوة إليه، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) [المدثر: 1- 3] ،  وهو عدتها وقوامها، يقول تعالى: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا) [المزمل: 5- 8].

 

وهو تاجها وختامها، يقول سبحانه:  (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) [سورة النصر].

 

خاطب سبحانه نبييه موسى وهارون -عليهما السلام- في الدعوة إليه بملازمة ذكره فقال: (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي) [طه: 42].

 

وأفضل الذكر وأنفعه: ما واطأ فيه القلب اللسان، وبعث على خشية الله وطاعته، يقول تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) [آل عمران: 135].

 

أفضل الذكر وأنفعه: تلاوة القرآن الكريم، ثم ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأذكار الجامعة النافعة.

 

فاذكروا الله تعالى يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، واستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله...

 

أما بعد: فذكر الله -عز وجل-، قوت القلوب الذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورًا، وعمارة الديار التي إذا تعطلت عنه صارت خرابًا، هو السلاح الذي يقاتَل به قُطاع الطريق، والماء الذي يُطفأ به لهب الحريق، به تُستدفع الآفات، وتُستكشف الكربات، وتهون المصائب والشدائد والملمات.

 

ذكر الله -عز وجل- أقوى عدة يقاتل بها الأعداء، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال: 45].

 

ذكر الله كثيرًا، علامة براءة قلب العبد من النفاق، يقول تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) [النساء: 142].

 

ذكر الله، سبب لانشراح الصدر وطمأنينة القلب، يقول تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28].

 

مَن ذكر الله –تعالى- في ملأ، ذكره الله في ملأ خير منهم، قال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152]. وفي الحديث القدسي: «من ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملأ من الناس، ذكرته في ملأ أكثر منهم وأطيب» (مسند أحمد رقم 8650). 

 

ذكر الله، قوة للقلب والبدن، مجلبة للرزق، مشغلة للسان عن الغيبة والنميمة والزور والبهتان.

ذكر الله، سبب لإظلال الله عبده يوم القيامة؛ ففي حديث السبعة الذين يظلهم الله –تعالى- «.. ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه» (صحيح البخاري رقم 660).

 

يحط الله به الخطايا ويذهبها، ووعد الله عليه مغفرة وأجرًا عظيمًا، يقول تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 35].

 

جعلنا الله والمسلمين من الذاكرين له كثيرًا، ورزقنا منه مغفرةً وأجرًا عظيمًا.

 

 

 

المرفقات

الله -عز وجل-

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات