عناصر الخطبة
1/الحث على شد الرحال للمسجد الأقصى 2/الدعوة لنصرة أبناء الشعب الفلسطيني كله 3/نداء للأمة الإسلامية حكاما ومحكومين 4/الوصية بالتقوى وقول الصدق ونصرة المظلوميناقتباس
عليكم يا أبناء هذه الديار المبارَكة، أن تتقوا الله -تعالى-، وتقولوا القول السديد، بكل ثقة وبكل إيمان؛ لجمع صفكم، وتوحيد كلمتكم، فلا بقاء لكم، ولا عزة لكم إلا بالوحدة، التي تقودكم إلى مرضاة الله -تعالى-، ويكون من ثمارها الحفاظ على أرضكم، ومقدساتكم، وحقوقكم كافَّة...
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمدَ لله، نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهدِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ سيدنا وحبيبنا وشفيعنا وقدوتنا، محمد عبدُه ورسولُه، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبع سنتهم إلى يوم الدين.
والصلاة والسلام على الشهداء والمكلومين، والأسرى والمعتقَلين، والقائمين الساجدين، في المسجد الأقصى المبارَك، وفي كل ديار المسلمين.
وبعدُ، أيها المسلمون، يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ: يقول الله -سبحانه وتعالى- في محكم كتابه العزيز وهو أصدق القائلين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71] صدق الله العظيم.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، أيها العرب والمسلمون في بقاع الدنيا، أيها القادة لشعوب العرب والمسلمين، وأنتم تعقدون مؤتمرًا لكم بعد أيام معدودة، أيها المرابطون في هذه الديار المبارَكة، أيها المكلومون، أيها المحاصرون، هناك في غزَّة هاشم، وفي كل مدننا الفلسطينية، في الضفة الغربيَّة، وفي القدس الشريف: القدس التي يُرَدُّ أبناؤها عن بوابات المسجد الأقصى، ولا يُمَكَّنُونَ من الدخول إلى المسجد، لأداء صلاة الجمعة، وغيرها من الصلوات، الأرض المبارَكة التي يُحال بين أبنائها وبين الصلاة في المسجد الأقصى، في يوم الجمعة، وغيره من أيام الأسبوع، أنتم في رباط، وقلنا ذلك، ونقول اليوم: عليكم أن تشدُّوا رحالكم إلى القدس وإلى مسجدها الأقصى، لأداء صلاة الجمعة، وغيرها من الصلوات، وبذلك تحققون خبر نبيكم -صلى الله عليه وسلم- بأنكم الذَّريَّة التي تغدو وتروح إلى المسجد الأقصى المبارَك، رغم أنف الحاقدين، ورغم عدوان المعتدين، ورغم كل ما يحل بكم في هذه الأرض المبارَكة.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: لا زال أبناء شعبنا الفلسطيني الصابر المرابط، المتمسك بهذه الديار، كل هذه الديار، لا زال يعاني الكثير الكثير، من هذه الحرب المجنونة، التي تُشَنُّ على أبنائه، وعلى أرضه، وعلى ممتلكاته، وعلى كل مقومات الحياة في هذه الديار، وبخاصة هناك في غزَّة الصمود، غزَّة الرباط، غزَّة التضحيات، التي تُودِّع الشهداء من أبنائها في كل يوم، وتتمسَّك بإيمانها القوي، بإيمانها الذي يثبتها أمامَ كلِّ المحاولات، وكل المؤامرات التي تحاول تهجيرَهم، وقتلَهم، وإبادتَهم، ولكننا على يقين بأن هذا الشعب الصابر المرابط سيبقى متمسكًا بأرضه، متشبثًا بحقوقه، لا يرضى عن هذه الحقوق بديلًا، فهو صاحب هذه الأرض، وهو صاحب الشرعيَّة في هذه الديار المبارَكة، مهما حاول العدوان أن يغير من واقع الأرض، أو من أحوال شعبها الصابر المرابط.
أيها المسلمون، أيها المؤتمرون بعد أيام في العربيَّة السعوديَّة، على مستوى قادة العرب والمسلمين بدول مؤسَّسة التعاون الإسلامي؛ لمتابعة ما يجري هنا في فلسطين، وفي ديار المسلمين: ماذا عساكم فاعلون لأبناء هذا الشعب الصابر المرابط؟ ماذا عساكم بعد عام وأكثر من هذا العدوان، الذي يستهدف البشر والحجر والشجر، وكل مقومات الحياة في هذه الديار؟ ماذا عساكم تتخذون من المواقف ونقول: من المواقف في حدها الأدنى على الأقل، وبأقل القليل المواقف التي تغيث الجوعى، وتروي العطشى، وتضمد جراح المجروحين، وتخفف من آلام المرضى، ومن آلام المصابين، نعم، من المواقف الإنسانيَّة في حدها الأدنى يوم تخليتُم عن المواقف القياديَّة، في حدها الأعلى، أليس من الواجب الدينيّ والأخلاقيّ والاجتماعيّ والسياسيّ وكل ما فيه من معاني حياة الإنسان أن يحافظ الإنسان على ابن دينه في الدين، وعلى ابن دينه في الإنسانيَّة، وعلى أخيه في العقيدة والإيمان والإسلام؟! كفاكم أيها المؤتمرون إعراضا عن واجبكم، وعن واجب أهلكم وإخوانكم، في هذه الديار المبارَكة، في ديار فلسطين، ديار الإسراء والمعراج، ألا ترون أيها الحكام أن أبناء هذا الشعب الصابر المرابط يتولون سدنة وحراسة المسجد الأقصى؟! المسجد الأقصى الذي جعله الله قبلة المسلمين الأولى، وجعله ثاني بيت في الأرض لتوحيد الله وعبادته وطاعته، وجعله ثالث المساجد التي تشد إليها الرحال، وجعله والأرض المباركة أرض المسلمين، وأرض الإسلام إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
نعم، أيها المسلمون، نعم أيها القادة المجتمعون: هذه هي حقيقة هذا الشعب، وهذه هي وظيفته في الحفاظ على المقدسات، وعلى أرض الإسلام والمسلمين، إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: من معاني هذه الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[الْأَحْزَابِ: 70]، ذكركم الله -تعالى- بالتقوى، وهي الجامع لكل أمور الخير، ولكل أمور الْهُدَى والفلاح والصلاح، ثم قال لكم: (قُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[الْأَحْزَابِ: 70]، والقول السديد له المعاني الكثيرة، والاعتبارات العظيمة، في اللُّغة والشرع والمعنى؛ فمن ذلك أنَّه القول الحق، وأنَّه الصدق، وأنَّه القول الذي يوافق ظاهره باطنه، وأنَّه القول الذي يحتوي كلمة التوحيد الكبرى "لا إلهَ إلَّا اللهُ، محمدٌ رسولُ اللهِ"، نعم، إنه القول السديد، بحق الحاكم والمحكوم، بحق السائل والمسؤول، إنه الحق والهدى بحق أمة الإسلام والمسلمين؛ حكَّامًا ومحكومين، دولًا وحكومات وشعوبًا وقبائل، هكذا نفهم قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[الْأَحْزَابِ: 70]، سدد الله قول مؤمن، كل حاكم، كل محكوم، كل صاحب مسؤوليَّة، لا بل كل مسؤول، لأن يكون هذا دستوره، وهذا منهاجه، لنصل إلى رضوان الله -تعالى-، لتصلح الأعمال وتصلح الأقوال، وتغفر الذنوب، ونكون من المطيعين لله ورسوله، من المؤيدين بنصر الله -تعالى-؛ (يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ)[الرُّومِ: 5]، وصدق الله العظيم: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا في الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غَافِرٍ: 51].
جاء في الحديث الشريف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك"، وفي رواية: "يقاتلون على الحق حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك"، أو كما قال، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبيَّ بعدَه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدينهم ودنياهم، حتى يفوزوا بنعم الله وينالوا رضوانه، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للأمة، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
وبعد، أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: عليكم يا أبناء هذه الديار المبارَكة، أن تتقوا الله -تعالى-، وتقولوا القول السديد، بكل ثقة وبكل إيمان؛ لجمع صفكم، وتوحيد كلمتكم، فلا بقاء لكم، ولا عزة لكم إلا بالوحدة، التي تقودكم إلى مرضاة الله -تعالى-، ويكون من ثمارها الحفاظ على أرضكم، ومقدساتكم، وحقوقكم كافَّة، وأنتم يا أبناء أمة العرب، ويا أبناء الأمة الإسلاميَّة: وقادتكم يأتمرون هناك في السعوديَّة، أن تكونوا على قدر المسؤوليَّة، وأن تكونوا على قدر الأوضاع التي تحيط بأمتكم، وفي مقدمتها وعلى رأسها هذه الديار المبارَكة، هذا الشعب الذي يزف إلى المعالي والعلا في كل يوم عشرات الشهداء، من أبنائه رجاله ونسائه وشيوخه وأطفاله، نعم هذا الشعب الذي يزداد قوة وصلابة؛ لأن الحق معه، وأنَّه على الحق -بإذن الله-تعالى-، في رعاية هذه الديار، والحفاظ عليها، مهما كانت التضحيات.
أيها المسلمون، أيها القادة، أيتها الشعوب: لا عذر لمقصر في هذه الأيام بحق نصرة أهله، ونصرة دياره، ونصرة مقدساته في هذه الديار المبارَكة، وإلا غدًا سيكون الجميع بين يدي الله -تعالى-، ويسألهم جميعًا: ماذا فعلوا بهذه الأرض؟ وماذا فعلوا بحق شعبها؟ وكيف وقَفُوا؟ هل وقفوا بجانب الحق؟ أم وقفوا متجاهلينَ هذا الحق؟! غدًا عند الله -تعالى-، يجتمع الخصوم، لا، بل تجتمع كل الخلائق جمعيها لقضاء الله العادل، لقضاء الله الذي ينتقم من الظالمين، والذي يقسم ظهور الجبارين، والذي لا يغني عنده مال ولا بنون، نعم غدًا سيقف الجميع بين يدي الله -تعالى-، والله -سبحانه- سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا رعى، وكلَّ مسؤول عمَّا سُئل عنه، وعن كل فرد عمَّا عمل في هذه الحياة الدنيا، فاتقوا الله يا عبادَ اللهِ، وكونوا مع الله -تعالى-، بالتقوى وبالقول السديد، حتى تصلح الأعمال، وتصلح الأقوال، ويرضى الله ورسوله، والله -سبحانه وتعالى- يرضى عن المؤمنين، ويتجاوز عن التائبين، والراجعين إليه -تعالى-.
أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: ركِّزُوا كما قلنا ونقول، على شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارَك، نعم، شُدُّوا رحالكم، وحيثما مُنعتُم، أو لم تتمكَّنوا من الوصول، فأقيموا الصلاة، نعم أقيموا الصلاة عند بوابات القدس، وفي شوارع القدس، وفي كل أرض تمنعون فيها، التجاوز إلى القدس وأقصاها، ولكم -بإذن الله-تعالى- ثواب هذه الصلاة؛ لأنكم نويتم أن تشدوا الرحال، وأن تصلوا في المسجد الأقصى، وحيل بينكم وبين ذلك، فنسأل الله -تعالى- أن يكتب لكم ثواب ذلك، فلا تترددوا، ولا تتهاونوا في شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارَك، هذا المسجد الذي جعلكم الله سدنته الأوفياء، وحراسه الأوفياء، فقوموا بهذه الأمانة، واحملوها بحقها؛ لتجدوا الله -تعالى- يوم القيامة، وتجدوا رسولكم وحبيبكم الذي صلى بالأنبياء جميعًا في هذه الديار المبارَكة، في هذا المسجد الأقصى المبارَك، لتجدوه عند الحوض الشريف، وتشربوا من يده الشريفة شربة لا تظمؤون بعدها أبدًا، جعلكم الله وإيَّاكم من الواردين لحوضه الشريف، ومن المحشورين تحت لوائه الكريم، ومن صاحبته وصحبته في جنان النعيم، إنه على ذلك قدير، وبالإجابة جدير.
اللهمَّ ارحم شهداءنا، واشف مرضانا وجرحانا، وتجاوز عن سيئاتنا، وأطلق سراح أسرانا، اللهمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات.
اللهمَّ رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيئ للمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، وينتصر لنا، إنك يا مولانا على كل شيء قدير، وبالإجابة جديد، وَصَلَّى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سنقيم صلاة الغائب على أرواح الشهداء بعد صلاة الجمعة إن شاء الله، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم