دعاء الصائمين

الشيخ خالد القرعاوي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ الدعاء سلام المؤمن 2/ الدعاء في حياة الأنبياء والرسل 3/ فضل الدعاء ومنزلته 4/ الصلة بين الدعاء والصيام 5/ شروط إجابة الدعاء 6/ كفى تَكفيراً وتفجيراً وتقتيلاً 7/ وجوب اتباع أهل العلم الثقات والبعد عن مذاهب أهل الباطل.

اقتباس

هَذَا الشَّهر الكَرِيم هُوَ شَهرُ الدُّعَاءِ، وَفُرصَةُ الابتِهَالِ وَالنِّدَاءِ، فارفَعُوا إِلى اللهِ جَمِيعَ الحَاجَاتِ، وَأَلِحُّوا عليهِ بِالمَسأَلَةِ في شَهرِ النَّفَحَاتِ؛ وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِقُربِ الفَرَجِ، وكلَّما اشتدَّ الإخلاصُ وقَويَ الرَّجاءُ، كلَّمَا كانت الإجابةُ أقربَ وأحرى.. فأطب مَطعَمَكَ وَمَشرَبَك، واحذَرِ الظُّلمَ فإنَّهُ ظُلُماتٌ يومَ القيامَةِ، وتعفَّف عن الشُّبهاتِ والشَّهواتِ، وقدِّم بين يدي دعائِكَ عَمَلاً صَالِحاً، ونادِ ربَّكَ بِقلبٍ حاضِرٍ، وتخيَّرْ من الدعاءِ أحسنَهُ وَأَجمعَهُ، وَتحرَّ من الأوقاتِ أفضلَها، ومن الأحوال أرجاها.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ لله مجيبِ الدَّعوات، جزيلِ العطايا والهِبات، إليه وحدَه تُرفعُ الأيدي بالحاجات، نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُّ الأرضِ والسمواتِ، ونشهد أنَّ نبينا محمداً عبدُ الله ورسوله المُرسلُ بالآياتِ البَيِّناتِ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آله الهداةِ، وأصحابِه الثِّقاتِ، والتابعين لهم بإحسان ٍوإيمانٍ إلى يومِ الممات.

 

أمَّا بعدُ: فاتقوا الله عبادَ الله، فتقوى الله أمانٌ من الرَّزايا وسلامةٌ من البلايا، تقوى الله عصمةٌ من الفتن ونجاةٌ في المِحن.

               

أيُّها الصَّائِمونَ: نَملِكُ بِحمدِ عبادةً عظيمةً: هي صلةٌ لنا بربِّنا، وهي أنسُ قلوبِنا، وراحةُ نُفُوسِنا،  هو سلاحُ الأنبياءِ والأتقياءِ، سلاحٌ يجلبُ الخيراتِ ويدفعُ  الكُرُباتِ: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186].

 

سلاح نجَّى اللهُ به نوحًا -عليه السَّلامُ- فأخذَ اللهُ  قومَه بالطُّوفانِ، ونجَّى به موسى -عليه السَّلامُ- فأغرقَ فرعونَ وقومَه، وكلٌّ كانوا ظالمين، سلاحٌ  أعزَّ اللهُ فيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- وصحابتَهُ الكرامُ!

 

الدُّعاءُ يا مؤمنينَ: دَأَبُ الأنبياءِ كما وَصَفهمُ اللهُ فقالَ: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) [الأنبياء: 90].

 

ولن يخسَرَ مع الدُّعاءِ أحد، فكم من بليَّةٍ رَفَعَهَا الله بالدُّعاء! وكم من معصيةٍ غفرَها الله بالدُّعاء! وكم من نعمةٍ ظاهرة وباطِنَةٍ كانت بسبَبِ الدُّعاء؟! قال رسولُ الله-صلى الله عليه وسلم-: "لا يُغني حذَر من قدَر، والدُّعاءُ ينفَعُ مِمَّا نزلَ ومِمَّا لم ينزِل، وإنَّ البلاءَ لَيَنزِلُ فَيلقَاهُ الدُّعاءُ، فَيَعْتَلِجَانِ إلى يومِ القيامةِ"، يعني: يتصارعانِ !                            

 

عباد الله: ولَمَّا كان شهرُ رمضانَ حريًّا أن تُعمَر أوقاتُه بالعبادةِ؛ فإن الدُّعاءَ أولى العباداتِ بذلِكَ فقد قال رسولُ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-: "الدُّعاءُ هو العبادة:، ثمَّ تلا: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60].

 

وتنبَّهوا يا رَعَاكُمُ الله إلى قولِ اللهِ تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَستَجِيبُوا لي وَلْيُؤمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرشُدُونَ) [البقرة: 186] أينَ جاءت هذه الآيةُ؟

            

إنَّها بعد آياتِ الصيامِ مباشرةً! لذا قال الشَّيخُ ابنُ العثيمينِ -رحمه اللهُ-: "إنَّ الصِّيامَ مَظِنَّةُ إجابةِ الدُّعاء؛ لأنَّ اللهَ -سبحانه وتعالى- ذكرَ هذه الآيةَ في أثناءِ آياتِ الصيامِ، ولاسيما أنَّه ذكرها في آخر الكلام على آياتِ الصيام، حتى قال بعضُ أهلِ العلم: إنِّه يستفادُ منها فائدةً أخرى: أنه ينبغي الدُّعاءُ في آخرِ يومِ الصَّائِم، أي: عند الإفطار".

 

ولا تنسوا يا صائمينَ أنَّ للصائمِ دعوةً لا تُردُّ؛ (فادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [غافر: 65].

                  

الدعاءُ يا صائِمينَ: أكرمُ شيء على الله تعالى كما -صلى الله عليه وسلم- : "ليس شيءٌ أكرمَ على الله من الدِّعاءِ" فهو محبوبٌ لله، وسببٌ لانشِراحِ الصدر وتفريجِ الهمِّ وزوال الغمِّ وتيسير الأمور، صحَّ عن رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "مَنْ لم يسألِ اللهَ يغضبْ عليه".

 

الدعاءُ دليلٌ على صدقِ التوكُّلِ وعُلوِّ الهمَّةِ، فالمؤمنُ يعلمُ أنَّ اللهَ وحدَهُ بِيده مقاليدُ الأمور فَيقطعُ الطَّمعَ مما في أيدي الناس، فلا مَلَك مُقَرَّب، ولا نبيّ مُرسلٌ، ولا وليٌّ مَزعومٌ "وأعجزُ الناس من عَجَز عن الدُّعاء".

 

يا صائمين: لِمَ لا نكثرُ من دعاء الله؟ وربحُه ظاهرٌ ومضمون؛ فقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "ما مِنْ مُسلمٍ يدعو ليس بإثمٍ ولا بقطيعةِ رَحمٍ إلا أعطاه الله إحدى ثلاثٍ: إمَّا أن يُعجِّلَ له دعوتَه، وإمَّا أن يَدَّخِرها له في الآخرة، وإما أن يَدْفَعَ عنه من السُّوءِ مثلها" قالوا: إذًا نُكثرُ يا رسولَ الله؟ قال: "اللهُ أكثر".

 

(أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإلَِهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل: 62].

 

الدُّعَاءُ يا صائمينَ: لا يَغفَلُ عَنهَ إِلاَّ مَحرُومٌ، صَحَّ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: "يَقُولُ اللهُ تبارك وتعالى: أَنَا عِندَ ظَنِّ عَبدِي بي، وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَاني".       

                      

فَهَلُمَّ يا عِبَادَ اللهِ: في هَذَا الشَّهرِ الكَرِيمِ، فهُوَ شَهرُ الدُّعَاءِ وَفُرصَةُ الابتِهَالِ وَالنِّدَاءِ، فارفَعُوا إِلى اللهِ جَمِيعَ الحَاجَاتِ، وَأَلِحُّوا عليهِ بِالمَسأَلَةِ في شَهرِ النَّفَحَاتِ؛ وَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ بِقُربِ الفَرَجِ، فَقَد قالَ-صلى الله عليه وسلم-: "يُستَجَابُ لأَحَدِكُم مَا لم يَعجَلْ، يَقُولُ: دَعَوتُ فَلَم يُستَجَبْ لي".

 

 وكلَّما اشتدَّ الإخلاصُ وقَويَ الرَّجاءُ، كلَّمَا كانت الإجابةُ أقربَ وأحرى، يَقُولُ-صلى الله عليه وسلم-: "ادعُوا اللهَ وَأَنتُم مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ لا يَستَجِيبُ دُعَاءً مِن قَلبٍ غَافِلٍ لاهٍ".

 

       

فأطب مَطعَمَكَ وَمَشرَبَك، واحذَرِ الظُّلمَ فإنَّهُ ظُلُماتٌ يومَ القيامَةِ، وتعفَّف عن الشُّبهاتِ والشَّهواتِ، وقدِّم بين يدي دعائِكَ عَمَلاً صَالِحاً، ونادِ ربَّكَ بِقلبٍ حاضِرٍ، وتخيَّرْ من الدعاءِ أحسنَهُ وَأَجمعَهُ، وَتحرَّ من الأوقاتِ أفضلَها، ومن الأحوال أرجاها.

 

(لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّا كُنَّا مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87]، (رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201]، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله مُجِيبِ دَعوةِ المضطرِّين، وكاشِف البلوى عن المؤمنينَ، وقاصمِ ظُهور  الظَّالمينَ،  نشهَد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، الملكُ الحقُّ المبينُ، ونشهَدُ أنَّ محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُه، بعثهُ اللهُ بشيراً ونذيراً، ورحمةً وسراجاً منيراً، من أطاعَه دخلَ الجنَّة، ومن عصاه فَلن تَجِدَ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيَّاً وَلاَ نَصِيراً.

 

 

أمَّا بعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تعالى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَعصُوهُ: واعلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعلَمُ مَا في أَنفُسِكُم فَاحذَرُوهُ.

 

أيُّها المؤمنون: اسألوا الله العافيةَ مِن عملٍ غيرِ صالح أو فكرٍ شاذٍ غير ِسويٍّ، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "وما سُئلَ اللهُ شيئاً يُعطى أحبَّ إليه من أن يُسألَ العافية"؛ فاللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدِّين والعقلِ،  والدُّنيا والآخرةِ.

 

عباد اللهِ: إنَّ انحرافَ الفكرِ وعدمَ العلم واتباعَ سبيل الشيطانِ سببٌ في التَطَرُّفِ والفسادِ،  والضلال والهلاكِ، إذْ كيف يجرؤ من يقْدُرُ اللهَ حقَّ قَدرِه، على خيانةِ العهد والميثاق؟! كيف يجرؤ من يعرفُ شرعَ اللهِ على إزهاق ِنفسهِ وغيرِهِ؟! أين هؤلاءِ الأغرارِ من نصوصِ الكتاب والسنة؟! ألم يقرءوا قولَ الله: (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً) [النساء: 107].

 

رسولُنا -صلى الله عليه وسلم-في أكبر اجتماع قالَ: "ألا إنَّ الله حرَّمَ عليكم دماءَكم وأموالكم كحرمَةِ يومِكم هذا في بلدِكم هذا في شهرِكم هذا، ألا هل بلغت؟" قالوا: نعم، قال: "اللهم اشهد  ثلاثًا، ويلكم انظروا لا تَرجعوا بعدي كفَّارًا يضربُ بعضُكم رقابَ بعض" البخاري.

 

رحمَ اللهُ أرواحَ الذين قُتِلوا في حادثِ شَرُورَةَ، بأيدٍ خائنَةٍ خائِبَةٍ، ونسألُ اللهَ أن يتقبَّلَ حُراسَ حُدُودِنا شُهداءَ عندهُ يومَ القيامةِ، فهم مُسلِمونَ صائِمونَ مُتَعَبِّدونَ للهِ تعالى.                      

 

عبادَ الله: الدِّفاعُ عن شَرِيعَتِنَا الغرَّاءِ، وتَعْرِيَةُ طُرُقِ الْمُفسدِينَ والعَابِثينَ، والأخذُ على أيدِيهم،  فَرْضٌ على المسلمينَ، ويتأكَّدُ ذلك على العلماءِ والدَّعاةِ، فالأمنُ كَنْزٌ ثَمينٌ، فِي ظِلِّه تُحْفَظُ النُّفُوسُ وتُصَانُ الأعْرَاضُ والأمْوَالُ، وتَأْمَنُ السُّبُلُ، وتُقَامُ الحُدُودُ، في ظِلِّ الأمْنِ تَقُومُ الدَّعْوَةُ إلى الله وتُعمَرُ المسَاجِدُ، ويَسُودُ الشَّرْعُ ويَفْشُو المَعْروفُ، ويَقِلُّ المُنْكَرُ، ويحْصُلُ الاستِقْرارُ.

 

ولا يَسْتَقيمُ أمرُ الدِّينِ إلاَّ مَعَ وُجُودِ الأمنِ، والأمْنُ يَحْتَاجُ إلى جُهْدٍ ومُصَابَرَةٍ، فلا يَقُومُ إلاَّ بِرِجَالٍ مُخلِصينَ، يَحرُسُونَ البِلادَ، ويحمُونَ الثُّغورَ، فَكانَ مِن حقِّهم أنْ يَكونَ لهم الإجلالُ والاحترامُ،  والأمنُ والأمانُ والدُّعاءُ، وألاَّ نرضى لأيِّ أحَدٍ أنْ يَمَسَّهم بسوءٍ.

 

 

أيُّها المؤمنونَ: الغدرُ والخيانَةُ بحُرَّاسِ الحدُودِ يُنافي الأمنَ والأمانَ ويُذهبُهُ! فكيفَ إذا كانَتِ الخيانَةُ والغدرُ باسمِ الدِّينِ والجهادِ في سبيلِهِ؟ إنَّ هذا لشيءٌ عُجابٌ! فدينُ اللهِ تعالى جاءَ رحمةً وعدلاً بالخلقِ كما قالَ اللهُ تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107].

 

وقد جاءت شَريعَتُنا لِتَحفَظ الأنفُسَ الْمَعصُومَةَ مِن تَلَفِها أو التَّعدِّيَ عَليها بغَيرِ حقٍّ،  بل جعلت الوعيدَ الشَّديدَ لِمن قَتَلَ نَفسَهُ: ففي صحيح مُسلمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ». فما بالُكم بعقوبَةِ مَن قتلَ غيرَهُ قالَ اللهُ تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93].

 

أيُّها المسلمونَ: واللهِ ما خرَج من خرَج عن جادَّةِ الحقِّ والوسَطِ والصَّوابِ، إلاَّ سلَكَ أَحَدَ طَرِيقَينِ، إمَّا الْجَفَاءَ والإعرَاضَ، وإمَّا الغُلوَّ والإفرَاطَ، وهذه إحدى مَصَائِدِ الشَّيطَانِ ومَكَائِدِهِ.

           

فيا مؤمنونَ: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ .

 

وأيُّ غُلوٍّ وتَطَرُّفٍ أكبرُ ممَّا يَحمِلُهُ كثيرٌ ممَّن ينتسبٌ لما يُسمُّونَ أنفُسهم بدولةِ العراقِ والشَّامِ، فقد صاروا وبالاً على إخوانِهمُ المُسلِمينَ المُجاهِدينَ، والعُزَّلَ والأبرياءَ لأدنى خلافٍ! حتى إنَّ المُتابعَ بإنصافٍ يُدركُ أنَّ كثراً من هؤلاءِ الدَّواعشَ صاروا أدواتٍ لأيدٍ خارجِيَّةٍ ورافِضيَّةٍ وعسكَريَّةٍ، وأنَّهم مُختَرَقونَ حتى النَّخاعَ!!

 

 

وإنَّ المَدخَلَ الخطِيرَ الذي قادَهم إلى استِبَاحَةِ الدِّماءِ والاستخفَافِ بها، هو التكفيرُ، وقد قالَ رَسُولُنا وقُدوتُنا -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ" (متفق عليه).

 

عبادَ اللهِ أيُّها المؤمنونَ باللهِ ورسُولِهِ واستمعوا إلى كلام الصَّحابيِّ الجليلِ وهبِ بنِ مُنبِّهٍ وهو من أهل الحِكمَةِ واليمنِ يصِفُ الخوارجَ في زَمَنِهِ، وقارنوا بينهم وبينَ ما عليه غُلاةُ الدَّواعِشِ في زَمَنِنا؟ ستَجِدونَ تَشابُها مُتطابِقاً! يقولُ: "إني قد أدركتُ صدرَ الإسلامِ  فو الله ما كانت الخوارجُ جماعةً قطُّ إلا فرَّقها الله على شَرِّ حالاتِها، وما أظهر أحدٌ منهم قولَهُ إلا ضَرَبَ اللهُ عُنُقَهُ، ولو مَكَّن اللهُ لهم مِن رأيهم لَفَسدت الأرضُ، وقُطِّعت السُّبُلُ والحَجُّ، وَلَعَادَ أَمْرُ الإسلامِ جَاهِليَّةً، وإذاً لَقَامَ جَمَاعَةٌ كلٌّ منهم يَدعوا إلى نَفسِهِ بِالخِلافَةِ، ومع كلِّ واحدٍ منهم أكثرَ من عَشَرَةِ آلافٍ، يُقاتِل بعضُهم بعضَاً ويَشهدُ بعضُهم على بعضٍ بالكفرِ، حتى يُصبحَ المؤمنُ خَائِفاً على نفسِهِ، ودِينِهِ، ودَمِهِ، وأهلِهِ، ومالِهِ!

 

ثُمَّ هو -رضيَ اللهُ عنهُ- يُحَذِرُ الشَّبَابَ مِنْ هُؤلاءِ فَيقولُ: احذروا أيُّها الأحداثُ الأَغمَارُ، لا يُدخِلُونَكم في رَأيهم المُخالِفُ فإنَّهم عُرَّةُ هذهٍ الأُمَّةِ "أي: شَرُّهُم".انتهى.

 

 

فيا شبابَ الإسلامِ: كَيفَ يجرؤُ مُسلِمٌ على قَتلِ مُسلِمٍ ورسولُنا -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "لَزَوالُ الدُّنْيَا أهونُ عِندَ الله مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ".

 

وقالَ عَبدُ اللهِ بنُ عُمرَ -رضي اللهُ عنهما-: "إنَّ مِنْ وَرَطاتِ الأمُورِ التي لا مَخْرجَ لمَنْ أوقَعَ نَفْسَهُ فيهَا، سَفْكَ الدَّمِ الحَرَامِ بغَيرِ حِلِّهِ".

 

وأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ النبيِّ وابنُ حِبِّهِ -رضي اللهُ عنهما- حينَ اجتَهَدَ وأقدَمَ على قتلِ رجُلٍ أعمَلَ سيفَهُ بالمُسلِمينَ. فحينَ تَمكَّنَ أُسامَةُ من الرَّجُلِ ورَفَعَ عليه سيفهُ قال الرجُلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. فَقَتَلَهُ، فَلمَّا عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قالَ: "أَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟!" قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ: "وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟!" قَالَ فَجَعَلَ لَا يَزِيدُهُ عَلَى أَنْ يَقُولَ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِذَا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟".

 

 فلا يزَالُ هذا السؤالُ النَّبويُّ العظيمُ يَرِنُّ في الآذَانِ بِلا جَوابٍ! فقط حينَ قالَ: لا إله إلا اللهُ، فكيفَ بأهل الصِّيامِ والصَّلاةِ والحَجِّ وأعمالٍ ستَكُونُ هي خَصمُكَ أمامَ اللهِ تعالى؟ وصدَقَ رَسُولنا -صلى الله عليه وسلم-: "لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا" (رواه البخاري).

 

فيا شبابَ الإسلامِ: الزموا غرزَ عُلمَائِكم واصدروا  عنهم فهم من أولي الأمرِ الذينَ أُمرنا بِطاعَتِهم واتِّباعِهم، ولا تَغُرَّنَّكُم الشِّعاراتُ البَرَّاقَةُ، ولا الخُطَبُ الرَّنَّانَةُ، فواللهِ إنَّا لكم مُحبُّونَ وعليكم خائِفونَ فاتَّبعوا سبيلَ المؤمنينَ: (وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 151].

 

فاللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدِّين والعقل، والدنيا والآخرة، اللهم أرزقنا إيماناً صادقاً، ولسانا ذاكراً، وعلماً نافعاً، وعملا صالحا متقبلا اللهم إنا نعوذ بك من مُضلاتِ الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم من أرادنا وأراد ديننا وأمننا وبلادنا بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره، وشتت  شمله واجعله عبرة للمعتبرين يا رب العالمين.

 

 اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى وأعنهم على البر والتقوى وارزقهم بطانة ًصالحة ًناصحة يا رب العالمين.

 

 اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين وخذ بنواصيهم للبر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم جنبهم الفواحش والفتن، اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا يا ربّ العالمينَ.         

     

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

 

 

 

 

المرفقات

الصائمين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات