دروس وفوائد وعبر من الحج

الشيخ سعد بن عبد الله السبر

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: التربية الحج
عناصر الخطبة
1/ أبرز دروس الحج وفوائده وعبره

اقتباس

أول دروس الحج وفوائده: أن المسلمين لن يفلحوا ولن يجتمعوا إلا إذا اجتمعوا تحت لواء التوحيد والإخلاص والمتابعة لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ولن يجتمعوا على الشرك بل يتفرقون، ولن يجتمعوا على المعاصي والفجور وشرب الخمور والاختلاط والسفور بل...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله نعمه عديدة، وأفضاله مديدة، خصنا بالنعماء والسراء، ودفع عن النقماء والضراء، أحمده وأشكره على جزيل فضله، وسابغ عطائه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في أُلوهيته وفي ربوبيته وفي أسمائه وفي صفاته، جل عن الند وعن الشبيه وعن المثيل وعن النظير، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خير الورى وأتقاهم وأعلمهم وأخشاهم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فهي حصنكم الحصين، وملاذكم الأمين بعد رب العالمين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [ال عمران: 102].

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

 

أيها المسلمون: مرت أيام الحج كطيف خيال مر سريعا، ومرت بنا في أيامه دروس وعبر وفوائد جمة، يحتاجها المسلم لتكون طريقا يسير عليه، وركنا يأوي إليه, فأول دروس الحج وفوائده: أن المسلمين لن يفلحوا ولن يجتمعوا إلا إذا اجتمعوا تحت لواء التوحيد والإخلاص والمتابعة لمحمد -صلى الله عليه وسلم- ولن يجتمعوا على الشرك بل يتفرقون، ولن يجتمعوا على المعاصي والفجور وشرب الخمور والاختلاط والسفور بل سيتفرقون، ويطمع فيهم الأعداء ويسومونهم سوء العذاب، فعندما وحدوا الله في تلبيتهم ولباسهم وطوافهم وسعيهم وذكرهم، ووقوفهم بعرفات، ورميهم الجمرات، تألفت قلوبهم، وحسُنت نياتُهم، وتوحدت مقاصدهم وأعمالهم، وسُكبت عبراتهم، وتُقبلت صالحاتهم؛ باهى الله بهم ملائكته، وأشهدهم بأنه غفر للحجاج؛ فعن أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ فَيَقُولُ لَهُمُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جاؤوني شُعْثًا غُبْرًا".

 

وفي رواية: "أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ" [رواه الحاكم في المستدرك، وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ"].

 

جاء رجل لابن المبارك يوم عرفة وهو جاثٍ على ركبتيه يدعو ربه، فقال له: "من أسوء الحجيج حالا؟ قال ابن المبارك: أسوء الحجيج حالا من ظن أن الله لن يغفر لهم".

 

وعندما أخلص الحجيج لربهم، وتابعوا نبيهم، توحدوا واجتمعوا وقوت شوكتهم وهابهم عدوهم في كثرتهم وجمعهم واجتماعهم.

 

إخوة الدين: من فوائد الحج: أن الله يصطفي من يشاء ويختار: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [الحج: 75].

 

فكم اصطفى واختار للحج أناسا، ومنع آخرين، فسبحان الرحمن الرحيم الذي يسر الحج لبعض المسلمين، ولم يُيسره لبعضهم، تقطعت قلوبهم، وتصرمت أيامهم، ولم يُيسر لهم الحج!

 

ومن فوائد الحج: سعة رحمة الله، وعظيم فضله، فكم تاب على العصاة، وفتح لهم باب التوبة كبرت ذنوبهم أم صغرت، فهو يغفر الذنوب جميعا، قال بكر المزني‏: "قال رجل لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت أنهم قد غفر لهم، لولا أني كنت فيهم‏‏" [إحياء علوم الدين، للغزالي].

 

بل إن الشيطان في الحج يكون حقيرا ومدحورا لتوبة الله على عباده، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما رُئِيَ الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أغيظ ولا أحقر منه يوم عرفة، وما ذلكم إلا مما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام" [رواه مالك في الموطأ، وقال: "هذا مرسل"، وقد وصله الحاكم في المستدرك عن أبي الدرداء"].

 

قال عمر -رضي الله عنه-‏:‏ "الحاج مغفور له، ولمن يستغفر له في شهر ذي الحجة والمحرم وصفر وعشرين من ربيع الأول"‏.

 

أيها المؤمنون: من دروس الحج وفوائده: أن أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- مرحومة منصورة على أعدائها مهما طال ليل الباطل والظلام، فالذي جمعهم في الحج ناصرهم إذا أنابوا إليه واتقوه ووحدوه: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ كَمَا استَخلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُم دِينَهُمُ الَّذِي ارتَضَى لَهُم وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعدِ خَوْفِهِم أَمنًا يَعبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النور: 55].

 

وإن عصوه فلينظروا ماذا يحل بهم من العقاب إن هم بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِم وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَومٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ) [الرعد: 11].

 

أيها الموحدون: من دروس الحج وفوائده وعبره: أن موسم الحج موسم تجارة رابح يسارع لها الصالحون، ويُحرم فضلها المبطلون، فرافضة إيران حاولوا تعكير صفو الحج بكذبهم ودجلهم، ولكن الله يأبى إلا أن يحفظ ضيوفه وزواره ويوفق ولاتنا لخدمتهم والقيام على أمنهم.

 

أيها الإخوة: من عبر الحج: أنه في كل عام تُحيط بالحج مخاطر وحوادث، ومع ذلك يقدم الحجاج ويفدون، ولا يخشون إلا الله، ففي هذا العام انتشرت أنفلونزا الخنازير، فأقبل الحجاج بإيمان وتوحيد وتوكل ويقين ملبين موحدين متوكلين: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُؤمِنِينَ) [المائدة: 23].

 

ولم يلتفتوا للتخويف والتحذير؛ لأنهم واثقون بربهم وبحفظه، فحفظهم الله، وجعل موسمهم أفضل موسم، وأسهل موسم، ورد الله على المخذلين والمحذرين [إحياء علوم الدين، للغزالي].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عمّ فضله وكمُلَ بره وإحسانه، أحمد سبحانه وأشكره على تتابع نعمائه.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-.

 

أيها الحجاج: من دروس الحج: أن الله تفضل عليكم ورجعتم كيوم ولدتكم أمهاتكم، ولكن لا يغرنكم بالله الغرور، فالزموا عتبة التوبة والأوبة، وإياكم والزلة والعثرة، فما أقبح الرجعة بعد التوبة، بل إن ذنبا بعد التوبة أقبح من سبعين ذنب قبل التوبة، ويقال: إن من علامة قبول الحج أيضاً: ترك ما كان عليه من المعاصي، وأن يتبدل بإخوانه البطالين إخواناً صالحين، وبمجالس اللهو والغفلة مجالس الذكر واليقظة‏.

 

ادعوا الله أن يتقبل حجكم وسعيكم، كونوا على خوف ووجل فلا تعلمون متى الموت ونزول الأجل وكونوا كالذين: (وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلَى رَبِّهِم رَاجِعُونَ) [المؤمنون: 60].

 

فحذارِ حذارِ من عصيان علام الغيوب، واقتراف الذنوب، وأنتم لا تعلمون قُبل حجكم أم لم يُقبل، فكونوا على خوف ووجل وندم لأجل التفريط، وإياكم والتسويف فإن "سوف" من جند الشيطان! كم ضيعت من لاذ بها وتمسك بوعدها! وكم خاب من كانت قائده ودليله!

 

ألا وصلوا وسلموا على رسولكم محمد بن عبد الله...

 

 

المرفقات

وفوائد وعبر من الحج

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات