عناصر الخطبة
1/ حقائقُ وعيٍ لا بد منها 2/ الدروس والعبراقتباس
أيامٌ مرت كأنها أعوام وشهرٌ مر مثقلًا بالآلام.. حربٌ قضَّت المضاجع وأثخنت في المستضعفين المواجع وألهبت فينا الآلام.. الحرب على غزة لم تكن كسائر الحروب، بل كانت خرقاً صارخاً لكل معاني الإنسانية ومصادرةً للقيم والأخلاق.. وليس المقام مقام توصيف، وقد رأى العالم أبشع معاني الفتك والتدمير والقتل والإبادة من ترسانةٍ حربيةٍ هائلة وأسلحةٍ محرمة وتدميرٍ جماعيٍّ ..
الحمد لله.. الحمد لله الذي عز وقهر وجعل العاقبة الحسنى لأوليائه والظفر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله وخيرته من كل البشر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الميامين الغرر.
أما بعد: فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى: ( يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) [الأنفال:29].
أيها المسلمون: أيامٌ مرت كأنها أعوام وشهرٌ مر مثقلًا بالآلام.. حربٌ قضَّت المضاجع وأثخنت في المستضعفين المواجع وألهبت فينا الآلام.. الحرب على غزة لم تكن كسائر الحروب، بل كانت خرقاً صارخاً لكل معاني الإنسانية ومصادرةً للقيم والأخلاق.. وليس المقام مقام توصيف، وقد رأى العالم أبشع معاني الفتك والتدمير والقتل والإبادة من ترسانةٍ حربيةٍ هائلة وأسلحةٍ محرمة وتدميرٍ جماعيٍّ يدُكُّ المدن ويهلك الحرث والنسل.. لا يفرق بين الأم والطفل والمدرسة والمسجد والبيوت والمستشفيات.. حرب مجنونة تبرأت من كل معاني الرحمة والعقل..ولقد رأى الجميع ما تقشعر له الأبدان من آثار القتل والعدوان كله على شعبٍ أعزل محبوسٍ محاصر، والنتيجة دمارٌ هائل وآلاف القتلى والجرحى.. كل ذلك تحت سمع العالم وبصره في حادثةٍ أحرجت منظمات العالم الدولية وأسقطت الأقنعة وكشفت زيف الشعارات.
أيها المسلمون: الدماء والأشلاء والنفوس والأرواح لها ثمنٌ يجب ألا يضيع.. التضحيات الجسيمة التي قدمتها وتقدمها غزة لم تكن بدون ثمن ويجب ألا تذهب هدراً.. والموقف اليوم موقف قطافٍ واستثمارٍ ومحاسبةٍ ومراجعة لا موقف بكاء وتلاوم.. إن في أعطاف المحن منحاً: ( وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) [البقرة:216]. ( وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ) [البقرة:253].
أيها المسلمون: بالرغم من كل هذه الجراحات فإن فيما أجراه الله وقدره حكماً بالغةً وآياتٍ باهرة ودروسًا وعظاتٍ وإخفاقاتٍ ونجاحات، وإيقاظاً للمسلمين ووعيًّا بحقائق يجب أن يكون لوعي المسلمين بها أبلغ الأثر في حياتهم الحاضرة والمستقبلة.
ومن هذه الحقائق -أيها المسلمون-: أن الإيمان أقوى من كل قوى البشر، وأن الميزان ليس بكثرة العدد وقوة العُدد: ( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ ) [البقرة:249].. الميزان: ( إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ ) [آل عمران:160].
شعب غزة المحاصر ظل مدة طويلة يتعرض لأقصى العقوبات الاقتصادية والحصار الخانق حتى في رغيف الخبز، استطاع أن يصمد أمام جيشٍ مدججٍ بأحدث ما وصلت إليه آلة الحرب من تكنولوجيا القتل والتدمير.. مع تجاوز أخلاقيات الحروب، ومع ذلك ينتصر الإيمان ويعجز البادي عن تحقيق الأهداف ويتقهقر الغاصبون: ( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ) [الأحزاب:25].
إن آلة الحرب لا تصمد أمام قوة الإيمان، ولا يمكن هزيمة الشعوب، وإذا تذكر المسلم: ( إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى.. ) [التوبة:111].. استطاع أن يقاوم كل قوى العدوان، إنه الإيمان.. وبالإيمان وحده تنتصر الأمة.
عباد الله: لقد تجلت في أحداث غزة مظاهر النصر والعزة والصبر والثبات.. صفات الأنبياء وأتباع الرسل الأصفياء لا يقوى عليها الأدعياء.. منذ احتلال فلسطين ومذابح دير ياسين والمرابطون في أكناف بيت المقدس صابرون صامدون ما هانوا ولا ماتوا: ( وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) [آل عمران:146-148].
وفي هذه الأحداث أيها المسلمون إعلان هوية الأمة.. حين يستنصر بالله ويقاتل باسم الله ويلفظ الشهيد أنفاسه بتوحيد الله ويصرخ الجميع (حسبنا الله).. الصبر والصمود والإيمان والثبات هو حقيقة النصر، وحين انكسر المسلمون في أُحُد قال الله -عز وجل- لهم: " ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين "، فما هذا العلو؟ إنه الاستعلاء بالثبات على المبادئ وإن كثرت الجراحات.
عباد الله: لقد أظهرت أحداث غزة ما كان مكنوناً في الصدور من تلاحم المسلمين وترابطهم وتداعيهم لنصرة إخوانهم في الدين.. لقد استجاشت ولاءات المسلمين لبعضهم وأجمعوا على كلمة واحدة، وبقدر ما قرحت العيون من بكاء آلامنا بقدر ما قرت من تلاحم صفنا.. لقد وصلت الشعوب المسلمة إلى مرحلة من الوعي والإدراك يجب أن نتعاطى معه بقدر من المسئولية، بل إن من المبشرات أن تعي الأمة وتدرك حقيقة ما يجري وما يدبر لها من مؤامرات، وأن قضية فلسطين هي قضية كل المسلمين.. ليس قضية شعبٍ ولا عرقٍ ولا حزبٍ ولا منظمة.
لقد مرت على أمة الإسلام خلال القرنين الماضيين خطوب وكروب وصراعات وجراحات ومصادرة وتغييب.. لكنها أمة تمرض ولا تموت.. لا تستسلم ولا تذوب.
أيها المسلمون: إن عمق المأساة وضخامة الحدث يدعونا لاستثماره والإفادة منه؛ أن نزداد تلاحماً واتحاداً وتوافقاً وإخاءً رصاً للصفوف وتوحيداً للجموع وتوثيقاً للإخاء.. إن الحدث أضخم من كل الخلافات.. كيف يسوغ الخلاف والدم يقطر من أنياب العدو الذي لا نختلف على عداوته، وقضيتنا واحدة: ( وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [الأنفال:46].. وإن نداء خادم الحرمين الشريفين للوحدة والائتلاف ونبذ الفرقة والاختلاف نداء الشرع والعقل، وهو الواجب والأمل.
لقد تحققت -بحمد الله- انتصارات ونجاحات يجب ألا تغيب في مشهد الألم والجراحات، هزيمة عدوٍّ وانتصار مظلوم.. وتلاحم وتناصر.. ومقاومة وصمود، وإشارات وبشارات تثبت أن الأمة قادرة -بإذن الله- قادرة، وأن لديها من ضمانات العز والمنعة وأسباب النصر والغلبة ما يحقق آمالها ويكشف آلامها.. لقد أثمر التمسك بغرس الدين والاستنصار بالله رب العالمين.
أيها المسلمون: ومن الحقائق التي ينبغي الوقوف عندها: توعية المسلمين، بل كل البشر بالفارق العظيم بين منهج الإسلام في العلاقات الدولية ومنهج الحضارة المعاصرة.. فحين تقوم العلاقات في الإسلام على أساس العدل فإن الحضارة المعاصرة تقوم علاقاتها على المصلحة وتفرض رغبتها بالقوة.. وهذا المنهج الأخير هو سبب ما عانته الإنسانية في القرنين الأخيرين من مآسي الحروب والسياسات، وهو ما تجره الآن وتهدد به من مصيرٍ مظلمٍ للبشرية إن لم يتداركها الله برحمته.
إن توالي الأحداث يزيد بصيرة المتأمل بطبيعة الحضارة المعاصرة حين تتخلى عن عبادة الله والسير على منهاجه إلى عبادة التقدم المادي والركون إلى نظم البشر، والذين لم يتخلوا عن طبيعتهم في الاستيلاء والاستحواذ والظلم والتجاوز.. ولك أن تتأمل في سياسة بعض الحكومات والنظم المؤثرة في العالم، ثم تأمل العدل في مقابر العراق وتحت ركام الدور في غزة، وفتش عن الحريات في أقبية السجون، واسأل المشردين من أبناء فلسطين، ابحث عن البسمة على شفاه طفلٍ مزقت وجهه الصواريخ.. وابحث عن الرصاص في صدور النساء والشيوخ، راقب المواقف والقرارات التي لا تدفع إلا إلى الإحباط وفقدان الثقة -المفقودة أصلاً- في المجتمع الدولي بنظمه ومنظماته.. فأي عاقلٍ متجرد يرى المناظر الدامية ثم يرى أصحاب القرار يدافعون عن المعتدي ويتلمسون له الأعذار.. ويحرمون صاحب الحق من المقاومة ودفع العدوان، وفي أعدل الأحوال يسوون بين الضحية والجلاد!!
إن الذي يحدث -اليوم- في فلسطين بأيدي الصهاينة المحتلين ومن يظاهرهم من الظالمين ليس حرباً ولا مجرد صراع.. إنه إبادة شعب واستئصال عرق وطمس هوية.. إنه إرهاب الدولة الذي يمارس تحت سمع العالم وبصره، بل وبدعم من جهاتٍ تملك اتخاذ قرارات.. إن مثل هذا التصرف لا يزيد الوضع إلا تأزماً، ولا يملأ النفوس إلا حقداً وكراهية، ويقضي على كل أملٍ للسلام.. أي سلام هذا الذي يدعون إليه وقد ولغوا في الدماء ومزقوا الأشلاء؟! أي سلام هذا الذي ينسجم بالتفوق العسكري لطرفٍ على حساب آخر؟! أهو سلام الغلبة والتسلط ونهب الأراضي وإذلال الشعوب؟ أهو سلام القهر والعدوان وهدم البيوت وتدمير القرى.. ويسمى ذلك حقاً مشروعاً، ويسمى رده إرهاباً؟ أم هو الاستسلام غير المشروط لعدو لا يعرف الرحمة؟ إنه سلام قطاع الطريق ولصوص العالم وقراصنة الأمم.. هذه أعمالهم شاهدةٌ عليهم.. من الذي يصنع الحروب والدمار؟ من يبدؤها ومن يوقفها؟ من يحركها ويزكيها؟
أيها المسلمون: لقد قدمت الحضارة الغربية إسرائيل على أنها نموذجٌ ومثالٌ للحرية والديمقراطية.. والتي يجب نشرها في الشرق الأوسط، وها هو العالم اليوم يرى سقوط مثال الحضارة الغربية سقوطاً ذريعاً بكل ما تحمله المعاني.. لا عدل ولا رحمة ولا حقوق ولا إنسانية ولا احترام لقرارات أو قوانين ولا وفاء لعهود أو مواثيق، بل قدمت أبشع صورة لما يمكن أن يكون الإنسان حين يتجرد من العدل والرحمة، وصدق الله: ( وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ ) [البقرة:217].
أيها الناس: وبالرغم مما تبذله بلاد الحرمين الشريفين من جهود لإرساء السلام وما ينادي به خادم الحرمين الشريفين من نداءات تطالب بالعدل والسلام لكل شعوب الأرض.. إلا أن الحروب لا زالت تُفتعل والجحيم يصب على بلاد المسلمين صباً تغذيه أحقاد الماضي وأطماع المستقبل.. ألا فليعلم أننا لا نستكثر من عدونا الذي استوطن بلادنا المسلمة كل غدرٍ وأذية؛ إذ هو يكرر تاريخه منذ أن نشأ ويمارس جبلته التي عرف بها منذ أن وُجِد، ولكن الذي يجب أن يعلم أننا لم ننس من أوجده ومن رعاه ومن برر له وحماه، وها هو اليوم يذبح غزة من الوريد إلى الوريد.. يقتل الشيخ والمرأة والطفل الوليد.
ألا فليعلم الغرب أن في رجالنا جند وفي قرآننا وعد، ولم تمت أمة الإسلام ولم تعقم، وأن المستقبل مفتوحٌ لكل مفاجئة.. لا يملك أحد فطامه ولا قوة الجامه، وطوفان الشعوب تتقاصر دونه السدود وتمحى على وقع خطواتها الحدود: ( وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ) [يوسف:21].
أيها الناس: لقد زادت حرب غزة المسلمين قناعةً بأن المنظمات الدولية لم تنشأ لنصرتهم ولم توجد لحل قضاياهم.. وبرغم تمسك العرب والمسلمين بتلك الهيئات والمنظمات وانخراطهم في عضويتها والتزامهم بقوانينها ومقرراتها في الوقت الذي تضرب فيه إسرائيل عرض الحائط ما يصدر من تلك الهيئات.. برغم ذلك كله فإن حصاد تلك المنظمات ونتائجها تحاك لصالح إسرائيل على حساب المسلمين والعرب.. ألم يأن لنا بعد ذلك كله أن نجرد فاتورة نصف قرن أو يزيد من عمر تلك المؤسسات لنعيد النظر ونصحح المسار؛ خصوصاً وأنه قد ضرب صمود غزة لنا المثال.. فبرغم ضعف الحال وتمالئ العالم وقلة الناصر فقد صمدت غزة، ألا يمكن للعرب والمسلمين وهم أقوى حالاً من غزة أن يتجاوزوا مجرد الصمود إلى الانتصار.. أي انتصار ولو كان انتصاراً سياسياً أو اقتصادياً؟
إلى متى والعرب والمسلمون في الساحة الدولية في محل المفعول به لا الفاعل؟ هذا إذا كان لهم محلٌّ من الإعراب أصلاً مع ما يملكون من ثروات العالم وكنوزه وكون ديارهم على ممرات العالم الرئيسة ومضايقه المائية.. فضلاً عن عددهم وتاريخهم وشجاعتهم وإرثهم الحضاري؟ فكيف إذا انضاف إلى ذلك الإيمان الذي جربته الأمة في تاريخها الطويل فكان أمضى سلاحاً وأقواه ولم يخذل أهله يوماً؟
ألا وإن من حسن البشائر وومضات الفأل ما خلص إليه قادة العرب في (قمة الكويت) الأخيرة مما ابتدأه خادم الحرمين الشريفين ودعا إليه من تناسي الخلاف العربي وتجاوزه والإعداد لمرحلة جديدة في التعامل مع القضايا والشجاعة في المصارحة والكرم في العطاء.
إن شعور الأمة حكاماً ومحكومين بواجب التغير والتغيير وطي صفحة طويلة من التاريخ مدادها الأسى ومضمونها الضعف والتقصير هو واجبٌ دينيٌّ وفريضةٌ شرعية لا يجوز للأمة أن تبقى على وضعها الراهن.. كيف وهي الأمة الكريمة التي أرادها الله أن تكون متبوعةً لا تابعة وعزيزةً لا ذليلة وهاديةً لا بسواها مهتدية؟
لقد آن للأمة أن تنهض بالفأل وتبدأ بالعمل؛ فلئن تحاول وتخطىء خيرٌ من أن لا تعمل أصلاً: ( وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) [التوبة:105].
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة.. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله.. بارك الأرض المقدسة ونص على فضلها نصاً، وأسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله.. أَمَّ الأنبياء وصلى بهم في المسجد الأٌقصى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الناس: لم يسجل التاريخ قضيةً تجمعت فيها الأحقاد العالمية وبرزت فيها المتناقضات الدولية وتجلى فيها التلاعب والعبث كما سجل في قضية فلسطين وقدسها المقدسة، وجاءت قضايا المسلمين بعدها على شاكلتها.. ولم يسجل التاريخ خطيئةً أسوأ من الانخداع بخطة الأعداء في دحرجة قضية القدس وفلسطين من دائرتها الإسلامية الواسعة المتينة إلى متاهاتٍ وحفرٍ من الوطنية والقومية والمذهبية والحزبية والإقليمية والشرق أوسطية في نعرات جاهلية وشعارات مستوردة ومبادئ دخيلة.
إن فصل القضية وبترها عن قوتها المؤثرة وطاقتها الدافعة هو الذي أضاعها.. فتاهت في غبار النكسات والمساومات.
لابد من رد القضية إلى خطها الأصيل لتصبح قضيةً سامقةً تتأبى على الوأد والاحتواء، لابد أن تعود إلى امتدادها الإسلامي بكل أفاقه وأعماقه، ولقد كانت أحداث غزة إيقاظًا لهذا الشعور لدى كافة المسلمين.. إنه صراع عقائد ومعركة مع أشد الناس عداوةً للذين آمنوا، إنه نزاع هوية ومصير، وإن حقوق الأمة لن تُنال بالخور
ومن مكر الأعداء تخاذلهم بعد عدوانهم خشية غضبةٍ حقيقيةٍ لا يردعها شيء، وهم يعلمون أن المسلمين على ضعفهم وتشتتهم لا يزال جمرهم يتلظى تحت الرماد، وفيهم رجال يتأبون على الهزائم والخنوع.. لقد أثبت الإباء والصمود أن القوة والاستعلاء حتى مع الدماء والأشلاء هو السد الرادع للمعتدين، وإذا ارتفعت راية الدين تصاغرت أمامها كل راية، والأيام حبلى والتاريخ له ألف عودة، والصبر من أبواب الظفر، وإزالة أسباب الخذلان طريق لإزالة العدوان، وأمام الأمة طريقٌ طويلٌ مبناه على الإيمان وقوامه: ( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ ) [آل عمران:103].
وأخيراً.. فإنه لا يمكن لمتابعٍ لحال العالم في مجال السياسة والاجتماع أن يغفل تحولات كبرى طرأت على العالم لها ما بعدها.. منها إدراك كثير من الغربيين حقيقة مواقف حكوماتهم المنحازة للظالم والمتحيزة ضد العرب والمسلمين؛ مما أورث تأجيجاً للصراعات ومزيداً من الفتن والانتهاكات ورغبة بعض الشعوب في التغيير، ولا أدل على ذلك من اختيار شعب دولة من الدول الكبرى لزعيم كان شعاره التغيير.
نسأل الله -تعالى- أن يقدر للأمة المسلمة في ذلك خيرا، وأن يؤيد من في تأييده صلاح للإسلام والمسلمين.
إنا لنتطلع أن يكون في ذلك تغيير حقيقي للمواقف وإعادة للنظر في القضايا والسياسات بمنظار العدل الصادق؛ فإن المسلمين اليوم أكثر وعياً وأقوى حالاً وأكثر تصميماً، وهم أقرب الشعوب نشاداً للحق والسلام والحق والتسامح.. وإلا فإن الأمة قادرةٌ على إدارة ظهرها لمن لا يحترمها: ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) [المنافقون:8].
هذا، وصلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبد الله، اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم انصر عبادك الموحدين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في فلسطين وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم احقن دماءهم وأظهر أمنهم وأرغد عيشهم، واملأ قلوبهم بالإيمان والسنة.. اللهم انصر دينك وكتبك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.
لا إله إلا الله العظيم الحليم. لا إله إلا الله رب العرش العظيم. لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم، يا حي يا قيوم عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك.. يا من لا يهزم جندك ولا يخلف وعدك سبحانك وبحمدك يا ناصر المستضعفين ويا مجير الخائفين.. اللهم انصر إخواننا المستضعفين في فلسطين، اللهم أنج المستضعفين في غزة، اللهم فك حصارهم وآمنهم في ديارهم وارحم موتاهم واشف مرضاهم واجبر كسرهم وسد خلتهم واجبر مصابهم وانتصر لهم ممن ظلمهم.. يا راحم المساكين ويناصر المستضعفين اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزم الصهاينة المحتلين، اهزم الصهاينة المحتلين وانصرنا عليهم يا قوي يا عزيز، اللهم إنهم قد طغوا وبغوا وأسرفوا في الطغيان. اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم هيأ لهم يدًا من الحق حاصدة، وألق الرعب في قلوبهم، اللهم ألق الرعب في قلوبهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين، اللهم لا تقم لهم في الأرض راية، واجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآية، اللهم اشف صدور قومٍ مؤمنين، اللهم اشف صدور قومٍ مؤمنين، وأذهب غيظ قلوبهم.
اللهم اجبر كسر المصابين في غزة، ولم شعث المنكوبين وكن لهم يا أرحم الراحمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد. يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى عن المنكر يا سميع الدعاء.. اللهم من أرادنا وأراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل دائرة السوء عليه يا رب العالمين.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحب وترضى واجمعهم على البر ولتقوى، اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم وفقه في هداك واجعل عمله في رضاك، وأصلح بطانته واصرف عنه بطانة السوء يا رب العالمين، اللهم وفقه ونائبه وإخوانهم وأعوانهم، اللهم انصر بهم دينك وأعل بهم كلمتك وجازهم على ما يبذلونه لخدمة قضايا المسلمين، اللهم وفقهم لما فيه صالح العباد والعباد يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولوالديهم وذرياتهم وأزواجنا ولجميع المسلمين، ربنا ظلمن أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء. أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا. اللهم أغثنا غيثاً هنيئاً مريئاً سحاً طبقاً مجللاً عاماً نافعاً غير ضار تحيى به البلاد وتسقي به العباد، واجعله بلاغاً للحاضر والباد، اللهم أسقنا الغيث وآمنا من الخوف، وانصرنا على الأعداء يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم