داء وأين الدواء؟

أحمد بن عبد العزيز الشاوي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ المخدرات كسلاح للأعداء 2/ الآثار المدمرة للمخدرات 3/ أسباب تعاطي المخدرات 4/ كيفية علاج المدمنين 5/ التكاتف لمكافحة المخدرات 6/ رسائل للشباب والآباء 7/ تحيةٌ لمحاربي المخدرات

اقتباس

لست بصدد الحديث عن المخدرات وحكمها وأضرارها، فذاك مما لا يخفى على أولي الأبصار، لكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ ولأن درهم وقاية خير من قنطار علاج: ما الذي يجعل فئة من شباب المسلمين تنجرف وراء هذا الداء، ضاربة بأحكام الدين عرض الحائط، مفرطة في الرجولة والكرامة والشهامة، مؤثرة الذلة والمهانة والدياثة على حياة الشرف والعزة؟ ..

 

 

 

 

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الملك القدوس السلام، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله النبي المصطفى الإمام، عليه وأصحابه من ربه أزكى الصلوات والسلام.

أما بعد: يا أيها الناس اتقوا ربكم (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29].

جلس الفتى يبثُّ مشاعره، يطلق الزفرات، ويردِّد، الآهات ويصور المعاناة؛ وفي لحظة تأمل وشرود بدأ يردد:

دمعي أمام جدار الليل ينسكبُ *** وجمرةٌ في حنايا القلب تلتهبُ
وليلةٌ نجمُها يشكو تطاولَها *** وبدْرُها ذابلُ العينينِ مكتئبُ
وصورةٌ لضياعِ العمْرِ قاتمةٌ *** تسعى إليَّ ومن عينيَّ تقتربُ
ووحشةٌ في فؤادي أستريح لها *** كأنَّنِي بينَ أهلِ الدارِ مغْتَرِبُ
أُمِّي تخاطبُ في قلبي أُمُومَتَهَا *** فما ترى غير جَفْوٍ ما لَهُ سَبَبُ
يدورُ في القلب طاحونُ الشقاءِ فما *** للنومِ حينئذٍ في مُقلَتي أرَبُ
وتشتكي كلُّ أعضائي وأورِدَتي *** فالروحُ مخنوقةٌ والعقلُ مضطربُ
يا رحلةَ البؤسِ لا سيَّارتي وصَلَتْ *** ولا تورَّعَ عن إرهاقيَ التعَبُ
أرى لباسيَ عِبْئَاً حين ألبسُهُ *** وأبذلُ العهدَ مختاراً وأنقلبُ
أبيعُ نفْسِي لِأَشْرِي حَبَّةً سُكِنَتْ *** بالموتِ, فالقلبُ منها منزلٌ خرِبُ
أرى الحياةَ ظلاماً لا يخالطُه *** نورٌ فلا فَرَحٌ عندي ولا طربُ
ويأكلُ الخدَرُ المشؤومُ أوردَتي *** وفي خيالي رُؤَىً تنأى وتقتربُ
أحبو على الأرضِ إعياءً وأحسَبُنِي *** أجري, وأكْبُو وظنِّي أَنَّنِي أَثِبُ
طَوْرَاً أثرثرُ حتى تشتكي شَفَتِي *** وتارةً في مجال القول اقتضبُ
أبي يراقبُني والطرفُ منكسرٌ *** أمِّي تراقبُني والدمعُ ينسكبُ
ماعدتُّ كالأمسِ إشراقاً ولا أملاً *** وكيف يُشْرِقُ مَن في قلبه لهبُ؟
مَن يحمِل العبءَ؟ وحدي؟ لا.. فإنَّ أبي *** له نصيبٌ وإخواني لهُمْ سَبَبُ
لو لامَسَ البيتُ أحلامي وصاحَبَنِي *** أخٌ، وشاركَني فيما أُرِيدُ أبُ
لما هربتُ، ولا امتدَّتْ إليَّ يدٌ *** مِن رفقةِ السُّوءِ خَلْفَ البَذْلِ تَحْتَجِبُ

إنَّهُ حديثٌ لا كالأحاديثِ، عن داءٍ لا كالأدواء، إنه حديثٌ عن معركةٍ مع العدوِّ ليس سلاحُها الدبابةَ والْمِدْفَعَ، وليس مَيْدَانُها الساحاتِ المكشوفةَ، والأجواءَ المفتوحةَ، إنَّها معركةٌ سلاحُها السُّمُوم، وَمَيْدَانُها السراديبُ المظلمةُ، والاستراحاتُ المشبوهةُ.

إنها رحلةٌ مريرةٌ ضحاياها أزواجٌ يقتلون زوجاتهم وأولادهم، وآباء يزنون بمحارمهم، وشباب تدمر عقولهم وطاقاتهم، وصغار تنتهك أعراضهم.

إنها رحلة نهايتها الموت في دورات المياه، وحاويات القمامة والأماكن القذرة؛ إنه داء يعني انتشار الأمراض وفساد العقول، وبتبدد الجهود، وإهمال الطاقات، وانعدام الغيرة، وفقدان كل معاني الإنسانية، وزوال كل ملامح الرجولة والمروءة.

في سبيلِ مَن -يا عباد الله- تُهدَرُ طاقات الأمة، وتضيع عقول شبابها؟ وفي سبيل مَن يُيَتَّمُ أطفال، وتُرَمَّلُ نساء، وتضيع بيوتٌ، وتُقْتَلُ أنفُسٌ بريئة؟.

كم حبةٍ صغُرَتْ في حجمها قتلَتْ *** حُرَّاً وأُرْخِصَ في تهريبها الذهَبُ؟
هذا سلاحٌ من الأعداء غايتُهُ *** ألَّا تعودَ إلى أمجادِها العَرَبُ
يا مَن سَأَلْتُمْ عَنِ الإِدْمَانِ قِصَّتُهُ *** تُدْمِي القُلُوبَ وفيها الخوفُ والرَّهَبُ

يا عباد الله: إن السموم البيضاء تفتك بالعقول فتعطلها وتخملها، تفتك بالصحة فتفنيها، وتذهب بحيوية مدمنها، تفتك بالأجساد فتهدها، تفتك بالأنفس فتبلدها، تفتك بالأموال فتبددها، تفتك بالأسر فتشتتها، تفتك بالهناء والنعيم والسعادة فلا تبقي شيئاً منها.

المخدرات -يا عباد الله تيار- جارف، وبلاء ماحق، وموت بطيء، وذل وانكسار، صاحبها أسير، قيوده من نفسه ثقيلة، وحسرته ملازمة، كم من شاب صيرته سائلاً متسكعاً، وبدّل نشاطه خمولاً وكسلاً بعد أن كان قوي الجسم، ناضج العقل، عالي الهمة، طموحاً إلي معالي الأمور.

كم خربت المخدرات من بيوت كانت بأهلها عامرة، وشردت عائلات كانت ملتئمة آمنة وجعلت منهم عبرة ومثلاً وعظة فصاروا يستحقون الصدقة وقد كانوا أغنياء مستورين في سعة من العيش، وكم أضاع بعض الناس الكرامة من أجل الحصول على هذا الداء الوبيل.

كم من زوجة تعتصر ألما وهي تصارع زوجا مدمنا! وكم من أم وأب يبكيان دما وهما يشاهدان فلذة كبدهما يهوي في متاهات الإدمان يبيع عقله ودينه وعرضه! والثمن هو الموت والذل.

أيها المسلمون: لست بصدد الحديث عن المخدرات وحكمها وأضرارها، فذاك مما لا يخفى على أولي الأبصار، لكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ ولأن درهم وقاية خير من قنطار علاج: ما الذي يجعل فئة من شباب المسلمين تنجرف وراء هذا الداء، ضاربة بأحكام الدين عرض الحائط، مفرطة في الرجولة والكرامة والشهامة، مؤثرة الذلة والمهانة والدياثة على حياة الشرف والعزة؟.

ما الذي جعل فئة من شبابنا تقبل على إدمان المخدرات حتى أصبحت رهينة مستشفيات الأمل، أو السجون، فضاعت بذلك طاقات للأمة كان يمكن أن تُسَخَّرَ في خدمة الدين وبناء الوطن؟.

إنه سؤال نملك نحن الإجابة عليه، ونحن المسؤولون عن ضياع أبنائنا وانجرافهم في تيار المخدرات الجارف.

إن من أكبر أسباب تعاطي الشباب للمخدرات ضعف الوازع الديني، والله تعالى يقول: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا...) [طه:124]

فعندما ينشأ الأولاد على غير التقوى والإيمان تنمو نفوسهم مشوهة على غير أصلها، ضعيفة لا تصمد أمام تقلبات الحياة العادية، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن... ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".

فلو تربى هذا الشاب على طاعة الله ورسوله؛ فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وإن رفقاء المسجد يبعدونه عن هذه المعاصي؛ لذا فإن ضعف الوازع الديني هو السبب الأول والأهم في تعاطي الشباب للمخدرات، ومن أكبر الأدلة عليه الفارق الكبير بين تعاطي المخدرات في الغرب العلماني والمجتمعات المسلمة الملتزمة بدينها.

وقد يعجب كثير من الآباء من وجود ضعف الوازع عند أبنائهم، ويتساءلون: كيف تسلل إلى عقول أولادهم وقلوبهم؟.

وجواب ذلك: أن التربية الحديثة، والانفتاح عن طريق وسائل الإعلام المختلفة، وكثرة الاختلاط بالكفار، والإعجاب بهم، تعتبر من أهم أسباب تسرب ضعف الوازع الديني إلى أبنائنا، ولكي ننمي الشعور الديني عند أولادنا فنحصنهم من الانحراف بكل أشكاله -وخاصة تعاطي المخدرات- ينبغي علينا:

أولا: ربط الولد بالقرآن منذ نعومة أظفاره، وغرس محبة الله -عز وجل- في قلبه بالطرق التربوية الإسلامية، وتنشئته على محبة الله والشوق إلى جنته، وغرس القيم الإسلامية فيه منذ الصغر بالقصص النبوية، والسيرة، وحياة الصحابة، رضي الله عنهم.

وثانياً: ربط الولد بالمسجد، وربطه بالصحبة الصالحة من خلال المسجد، وربطه بدروس العلماء ومجالس الصالحين.

وثالثاً: تعريف الولد بحكم الإسلام في التدخين وغيره من المفترات والمخدرات، وبيان مدى ضررها على الفرد والمجتمع، وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة.

ومن الأسباب الرئيسية لإدمان الشباب للمخدرات: رفاق السوء، فقد دلت دراسات كثيرة على أن مخالطة أصدقاء السوء هي العامل الأول في تعاطي المخدرات فبدافع المسايرة يقلد الأولاد رفاقهم ويتوحدون مع أقرانهم في أفعالهم وسلوكهم بدون تفكير ومناقشة، ومن طبيعة رفاق السوء أن يشجعوا رفاقهم على مماثلتهم في سلوكهم كي لا يتميزوا عنهم ويكونوا سواء.

إنَّ الشباب يلجأ دائمًا إلى الحماية، ويبحث عن الصدر الحنون الذي يتلقَّاه، ويعيش آلامه وأحزانه ومَشاكله، وإلى من يستمع إليه، ويُشاركه في الهروب من واقعه، إذا كان بالفعل يعيش بعضَ المشاكل في محيط أسرته، أو مدرسته، أو في الجامعة، أو في العمل.

وقد يكون الصدر الحنون هو صدرًا زائفًا مُخادعًا، يدفع على الفساد، ويسعى إلى تحطيم الشباب، ويتمتع بأن يرى كُلَّ يوم فريسة أو أكثر للشَّباب الخداع، الذي ينصبها كل يوم لهذا الغرض.

وهذا الصَّدر الحنون هم رفاق السوء، وأفراد الشرِّ والضَّلال من التائهين والضَّائعين، أو من اللصوص المتاجرين بالسموم؛ كي يُحققوا الثَّراء على حساب جثث ضحايا هم من الشباب.

فالشباب يبحث عن الحب والتفاهُم، ويسعى لكي يجدَ ذلك من أي مصدر، خصوصًا إذا افتقدوه في محيط أسرتهم، ومن ثم ينبغي على الوالدين أنْ يعاملا أبناءهما بكل ودٍّ وحب، فالحب خير وقاية للشباب من الدخول في دائرة الانحراف والإدمان.

الإدمان نتاج لتدخين الأب، فالأطفال يتأثرون بوالديهم لا شعورياً، ومن هذه الآثار تقليدهم لآبائهم في التدخين.

والتدخين -عباد الله- هو البوابة الأولى لعالم المخدرات، والأب المدمن هو الذي يشجع أولاده على التدخين، كما يضعهم عند العتبة الأولى لنفق المخدرات المظلم.

تعاطي المخدرات يأتي بسبب التدليل الزائد للأبناء وإغراقهم بالمال، فقد يكون الأب مدفوعاً بعاطفته وحبه لولده، أو للمباهاة والمفاخرة، وعندما يجد الولد مالاً كثيراً بين يديه يندفع إلى الشهوات، ومنها التدخين، ويكثر الرفاق حوله، ومنهم من يدور في فلكه من أجل ماله، وقد يندفع الولد عندئذ إلى التدخين؛ للمباهاة، أو لإشباع حب الاطِّلاع عنده؛ ولأن المعصية لا تتوقف عند حَدٍّ؛ فقد يؤدي به الأمر إلى تناول المخدرات ليدلل لزملائه أنه أكثر مالاً منهم.

والأب الحصيف يدفع لولده ما يلزمه، ويسأل ولده أين صرف أمواله، ليعوّد ابنه على أنه سيسأل يوم الحساب عن مالهم من أين اكتسبوه وفيمَ أنفقوه.

إدمان الشباب للمخدرات نتاج لإهمال الآباء لأبنائهم، فالأب مشغول بتجاراته وصفقاته وأسفاره واستراحاته، معللاً نفسه بأنه يشقى في جمع الأموال ليسعد أولاده، وما درى هذا الأب أن انشغاله عن ولده قد يؤدي إلى انحراف الولد، وربما التف رفاق السوء حول ابنه وجروه إلى تعاطي المخدرات، فأي مال ينفعه حينئذ؟.

لقد أثبتت التجارب والبحوث الميدانية أن متابعة الأب لولده لا تعدلها متابعة، وأن الولد يندفع نحو الصلاح والخير عندما يعرف أن والده مهتم به، ويندفع إلى رفاق السوء إذا عرف أن والده منشغل عنه.

ومن الأسباب: لجوء بعض الآباء إلى القسوة والعُنف والشدة في تربية الأبناء، فذَوَبانُ الوُدِّ والْحُبِّ والحرمان من الوالدين يدفع الشباب إلي البحث عنه، والاحتماء بأيِّ صدر حنون، حتى ولو كان هذا الصدر الحنون خدَّاعًا.

إن عدم تشجيع الوالدين لأبنائهما قد يكون سببًا في الانحراف، ومن ثم لا بد من المشاركة المعنوية، والاهتمام بالأبناء، وعدم اللجوء إلى العنف؛ حتَّى لا ينزلق الشباب في دائرة الانحراف.

ويشكل الابتعاد الذي فتح بلا حدود ولا قيود عاملا من عوامل الوقوع في هذا الداء الوبيل حينما يعيش أبناؤنا في مجتمعات تائهة لا تقيم للأخلاق ولا للقيم ولا للمثل وزنا ولا اعتباراً، وحيث ينتشر دعاة الفساد والمروجون للانحراف وتبقى أسباب أخرى فالفراغ والمشاكل الأسرية كالطلاق والمشاجرات بين الوالدين ووجود أحد من الأقارب متورطاً في الإدمان والبطالة وسوء الأحوال المادية... فهي أسباب لا تقل أهمية عما سبق.

ويبقى أن دورنا كآباء ومربين هو الدور الأكبر في تحصين الشباب وحمايتهم من الانجراف وراء المخدرات، من قبل أن يأتي يوم نعض فيه أصابع الندم، ونتحسر فيه على طاقات أهدرت، وأكباد ضيعت وأصبحت فريسة للفساد والمفسدين، والله يتولى الصالحين.

أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خَلْقِهِ أجمعين، نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه ومَن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها المسلمون، إذا كانت مسؤولية حماية أبنائنا من المخدرات ملقاةً على عواتقنا بالدرجة الأولى؛ فإن المجتمع مسؤول بأكمله عن هذه المهمة، ومطالَبٌ بأن يقف صفاً واحداً في خندقٍ واحدٍ لمواجهة هذا الداء الخطير الذي يحطِّم كيان الأمة، ويزعزع بناءها.

إن مجرد إقامة معارض توعية، والاكتفاء بعبارات إرشادية أصبحت مَعَ مُرُورِ الزمن باليةً لا تأثير لها، فهذا -بحَدِّ ذاته- لا يُغَيِّرُ مِن الواقع شيئاً ما لم يصاحبه حملة جادة لزرع الشعور بالخوف من الله في نفوس الشباب، وتقوية الوازع الديني لديهم.

إن عبارة: "لا للمخدرات" لم تؤثر يوماً، ولن تؤثر بالمقدار الذي يؤثره العمل الجاد لتربية الشباب وصياغتهم صياغة إسلامية تحملهم على معالي الأمور، وتدفعهم إلى عُلُوِّ الهِمَّةِ.

وإنَّ مِن أنجح الوسائل في محاربة هذا الداء الوقوف بِحَزْمٍ أمام المخدِّرات الفكرية من أفلامٍ هابطة، ومسلسلات ماجنة، وقنوات فاسدة ومفسدة، وزوايا صحفية مشبوهة تهدف إلى زعزعة الإيمان وبث الشكوك، وزرع الانحلال، وإضعاف صلة المسلمين بدينهم.

المخدرات -يا عباد الله- نار تَلَظَّى، والتدخين شرارتها، ورفاق السوء حطبها، والمقاهي والاستراحات المشبوهة تُنَوِّرُها، وخازن هذه النار هم أعداء الله من اليهود والنصارى وأعوانهم، ومحاربتها تكون بحرب جذورها، وعدم المحاباة في التعامل مع مروجيها ومهربيها.
لا تَقْطَعَنْ ذَنَبَ الأفْعَى وَتَتْرُكَهَا *** إنْ كُنْتَ شَهْمَاً فَأَتْبِعْ رَأْسَهَا الذَّنَبَا

الإدمانُ له علاجٌ -أيها المسلمون-، وكُلُّ مُدْمِنٍ يُمكن علاجه وشفاؤه، ومن المعلوم أن إنقاذَ مدمنٍ يحتاج إلى صبر واستمرار بدون توقف، فالعلاج ليس التوقف عن التعاطي، وإنما هو الاستمرار في التوقف.

والمعالج الحقيقي للمدمن ليس هو الطبيب؛ وإنما هو إنسان قريبٌ منه يُحبه، وإذا خلت حياة المدمن من إنسان يحبه فلن يشفى؛ بل سيتمادى حتى الموت، وبداية العلاج يكون في شكل رسالة إلى وجدان المدمن، محتواها أننا نحبه، ولابد لنا أن نعبر له عن حبنا بطريقة ما، عندئذ يكون الحوار الصريح معه، وهدم جدار الصمت ليقول ما عنده.

ولابد لنا أن ندرك أن المدمن إنسان مريض، وإذا شَفِيَ فلا بُدَّ أن يعترف به المجتمع، ويفتح له صدره؛ ليعود إنساناً قوياً سوياً، وإذا وجد من المجتمع جفاء وتنكراً ونظرة دونية فإن ذلك مما يشجعه على العودة للإدمان مرة أخرى تحت ضغط الأصدقاء وإغراءاتهم.

وتؤدي مستشفيات الأمل في هذه البلاد دوراً ظاهراً ومشكوراً في علاج المدمنين، وتمنح هذه المراكز المدمن خلال فترة العلاج الضمانات التي تحميهم من خدش كرامتهم، وتكتُم أسرارهم؛ محافظة على مراكزهم الاجتماعية.

ويبقى لنا أيها الإخوة دور في مشاركة الجهات الرسمية صمودها ووقوفها في وجه هذا المرض الخبيث من خلال التعاون معهم، والتبليغ عن المروجين دعاة الفساد، ومحبي إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.

وختاما؛ يا معشر الشباب: إنَّ الحياة مراحل ومحطَّات، ولكلِّ مرحلة آمالها وأحلامها، ووقود الحياة الطموح، ونورها الأمل، والأتقياء الأسوياء الأصحَّاء هم القادرون وحدَهم على المُضيِّ في دروب الحياة بثبات وعزيمة، وهم الصابرون على مِحَنِها بشدَّة وقوَّة، المواجهون لأمواجها بإصرار وصَلابة، وهم المخطِّطون للمستقبل الزاهر، والبُناةُ للحضارة الشامخة؛ بما يملكون من عقولٍ سليمة، وأفكار صحيحة.

وأمَّا المدمِنون فهُم معتلُّو الأبدان، مختلُّو العقول، ضِعاف النفوس، ساقطو الهمم، لا يرسمون أهدافًا، ولا يخطِّطون لنجاح، ولا يستمتعون بحاضر، ولا يرقبون نيلَ مراد.

ألاَ فاتقوا الله -يا شبابَنا- وكونوا أقوياءَ بدِينكم، متوكِّلين على ربكم، قوّوا عزائمَكم وإراداتكم، ولا تجعلوا أنفسكم عبيدًا للمخدِّرات، تسوقكم نشوةُ، دقائق وتقودكم متعةُ لحظات، ثم تكونون رهائنَ في أيدي المروِّجين والمفسدين.

أيُّها الشباب: إنَّ أعداءكم وضِعاف النفوس ممَّن حولكم يستغلُّون أيَّام الامتحانات لترويج المخدِّرات، ويزعمون أنَّها تساعد على التركيز، في حين أنَّ العكس من ذلك هو الحاصل، خاصَّة وقد انتشرت أنواع من الحبوب المنبِّهة المغشوشة، والمخلوطة بمخدِّر يُتلِف خلايا المخ من أوَّل مرَّة يُستخدم فيها؛ ممَّا يتسبب في فقدان العقل مدى الحياة، ألاَ فانتبهوا لأنفسكم -رعاكم الله-، واحفظوا أغلى ما تملكون -حفظكم الله-.

ويا كل أب، ويا كل أم، كم هو صعب أن ترى فلذة كبدك يتلوى على الأرض لا تملك له شيئا وقد أصبح شبحا أو بقايا إنسان! نسأل الله تعالى أن يعيذكم من هذا الأمر، وألا يروعكم فيمن تحبون.

إن الملاحظة الدقيقة لابنك، أو ابنتك، وبشكل مستمر هي جرس الإنذار الأول لأي انحراف، أو بداية للسقوط في مصيدة المخدرات، إذ إن أي تغيير على عادات وسلوكيات الشاب لا تكون غالباً إلا بتأثير مؤثر خارجي، وخصوصاً بعض الأمور غير الطبيعية، كتغيير أوقات النوم، والتعب الجسمي العام، واحمرار العينين، والشكوى الدائمة من الصداع، والتدخين، وهو أول مراحل الإدمان، وطلب زيادة المصروف، والإلحاح في طلب المزيد من المال، واختفاء بعض الأشياء التي تصلح للبيع من ممتلكاته الشخصية، أو من الأغراض المنزلية، والتعرف على أصدقاء جدد غير معروفين لكم، وربما يكبرونهم سناً، إلى غير ذلك من التغيرات التي هي بمثابة الإنذار الذي إذا تجاهلته فلربما تخسر ابنك، أو ابنتك.

فكن عيناً مُلاحِظَةً، وقلبا حنوناً، ولسانا يلهج بالدعاء، مردداً: "وأصلح لي ذريتي".

ونحن -أيها المسلمون- نتحدث عن هذا المرض الوافد وأسبابه وعلاجه، وواجبنا تجاهه، فإن العدل يقتضي شكر مَن يستحقون الشكر والثناء على أهل الجهود والتضحية، فتحية إكبار وإعزاز للصامدين في وجه الفواحش والمنكرات، تحية مقرونة بالدعاء لرجال الهيئات ورجال مكافحة المخدرات وسلاح الحدود، الساهرين لننام، الناصبين لنرتاح، فلهم منا خالص الدعاء، وبارك الله في جهودهم، ورحم الله شهداءهم من ضحايا عصابات التهريب، والله لا يضيع أجر من أحسن عملا. ..

اللهم صَلِّ وسَلِّمْ على مَن أدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده...

 

 

 

 

 

 

المرفقات

وأين الدواء؟

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات