خواطر حول تدبر القرآن وفهمه

محمد بن سليمان المهنا

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ وجوب تدبر القرآن الكريم وفهم معانيه 2/ وصايا لمن أراد فهم كتاب الله تعالى 3/ مقطع لتفسير سورة الزلزلة للشيخ بن سعدي

اقتباس

ولعلنا لو أردنا عقد مقارنة بين أولئك القوم الكرام وبين الناس في هذا الزمان لوجدنا عظيم الفَرق، وشاسع البون، فالناس في هذا الزمان لا يكادون يفقهون ما يقرؤون، بل إن منهم من يحفظ القرآن كاملاً، أو يحفظ شيئاً منه ولا يعرف معنى ما حفظه. ولعل المثال أن يكون أبلغ في فهم المراد ..

 

 

 

 

 

أما بعد: أيها المسلمون: فقد أخبرَنا ربُّنا -جل ذكره- عن حكمة من الحِكم العظام التي من أجلها أنزل الله كتابه الكريم، استمع إلى تلك الحكمة في قولـه تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) [ص:29].

وقال -سبحانه-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف:2]، وعقْلُ الكلام متضمن لفهمه.

قال التابعي الجليل عبد الرحمن السلمي -رحمه الله-: حدَّثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً.

ولعلنا لو أردنا عقد مقارنة بين أولئك القوم الكرام وبين الناس في هذا الزمان لوجدنا عظيم الفَرق، وشاسع البون، فالناس في هذا الزمان لا يكادون يفقهون ما يقرؤون، بل إن منهم من يحفظ القرآن كاملاً، أو يحفظ شيئاً منه ولا يعرف معنى ما حفظه. ولعل المثال أن يكون أبلغ في فهم المراد.

مَنْ مِنَّا لا يحفظ [كثيرا من كلام الله تعالى ثم هو لا يفهم معنى ما يحفظ؟ يحفظ أطفالنا بعض سور القرآن الكريم] فكم هم الذين يعرفون تفسيرها؟.

إنه لا يليق بالمسلم أن يظل السنين الطويلة، فمنَّا من يبلغ الأربعين، ومنا من يبلغ الستين، ومنا مَن يبلغ أكثر من ذلك، وفي كل تلك السنين نحفظ سوراً من كتاب الله، بل ونسمعها ونرددها في اليوم كثيراً، ثم لا نعرف معانيها...

وليس هناك من حَلٍّ لمشكلة الجهل بتفسير كتاب الله إلا التعلم والسؤال، فبذلك تنفتح أبواب العلوم.

إن من أنفع الوصايا لمن أراد فهم كتاب الله الفهم الصحيح السالم من الشبهات والبدع والضلالات؛ إن من أنفع الوصايا لمن أراد ذلك الفهم أن يقرأ في كتب التفسير التي ألفها السلف الصالح وأتباعهم، كتفسير الإمام ابن جرير الطبري، وتفسير الحافظ ابن كثير الدمشقي، ففيها من العلم والخير شيء كثير.

ومن أنفع كتب التفسير للمبتدئين وغير المبتدئين تفسير الإمام الجليل الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-، فنعم الشيخ كان! ونعم الكتاب كتابه!.

فلقد فسَّرَ كتاب الله بعبارة سهلة وأسلوب واضح مُيَسَّر لم يطوله طولاً يُمِل ولم يقصره تقصيراً يخل، بل أوضح المراد من الآيات ومزجه بشيء من الفوائد والعظات؛ حتى إن القارئ إذا قرأ فيه ليجد حلاوة القرآن، ويخالط قلبه التلذذ به، والراحة والاطمئنان، ولذا فإني أوصيكم -أيها المسلمون- باقتناء هذا الكتاب، والاعتناء به، وقراءته؛ ليحصل بذلك فهم كتاب الله وتدبر معانيه.

ولا ينبغي للمسلم أن يكسل عن اقتنائه وخصوصاً مع توفره في المكتبات لأن ذلك قد يدل على قلة الاهتمام بكتاب الله والرغبة في فهمه وتدبره.

ولعلنا في ختام هذه الخطبة أن نستمع ونستمتع بمقطع من ذلك التفسير العظيم، تفسير الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-، فإليكم هذا المقطع المبارك.

قال (رحمه الله) تفسير سورة الزلزلة: بسم الله الرحمن الرحيم: (إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا) [الزلزلة:1]: يُخبر تعالى عمَّا يكون يوم القيامة، وأن الأرض تتزلزل وترجف وترتج، حتى يسقط ما عليها من بناء ومعالم، فتُدَكُّ جبالها، وتُسَوَّى تلالها، وتكون قاعاً صفصفاً، لا عوج فيها ولا أمتاً.

(وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا) [الزلزلة:2]: أي ما في بطنها من الأموات والكنوز، (وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا) [الزلزلة:3]: وقال الإنسان إذا رأى ما عراها من الأمر العظيم، مالها؟ أي: أيُّ شيءٍ عَرض لها؟.

(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) [الزلزلة:4]: أي تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير وشر؛ فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم.

(بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) [الزلزلة:5]، أي: أمَرها أن تُخبر بما عمل عليها فلا تعصي أمره. (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) [الزلزلة:6]، (يَصْدُرُ النَّاسُ): أي: من موقف القيامة (أَشْتَاتَاً) أي: فِرقاً متفاوتين، (لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ) أي: ليريهم الله ما عملوا من الحسنات والسيئات ويريهم جزاءه موفراً.

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة:7-8]، وهذا شامل عام للخير والشر كله؛ لأنه إذا رأى مثقال الذرة التي هي أصغر الأشياء وجوزي عليها فما فوق ذلك أولى وأحرى، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء:40]. وهذا فيه الترغيب في فعل الخير ولو قليلاً، والترهيب من فعل الشر ولو حقيراً.

تم تفسير سورة الزلزلة والحمد لله. اللهم ارزقنا فهم كتابك، والعمل بما فيه، واجعلنا ممـَّن يأتي القرآن شفيعاً له يوم القيامة.
 

" لا توجد خطبة ثانية "

 

 

 

 

 

المرفقات

حول تدبر القرآن وفهمه

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات