خطورة ترك الزكاة

يحيى بن موسى الزهراني

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ منهج الإسلام في التكافل الاجتماعي والعطف الإنساني 2/ تحريم البخل بالزكاة 3/ وجوب الزكاة وذم التحايل عليها 4/ حكم من أنكر الزكاة وجحد وجوبها 5/ عقوبات مانع الزكاة في قبره وآخرته.

اقتباس

إخراج الزكاة، وإعطاء الصدقة، تحل كثيراً من مشاكل الفقر المعاصر، الذي تعانيه الأمة في الوقت الحاضر، ملايين من البشر يموتون بسبب الجوع والفقر، يأكلون الأشجار والدواب، ويلتهمون الميتة من الحيوان، يتسابق إليهم المنصِّرُون، ويتهافت عليهم المبشِّرُون، ومن أغنياء المسلمين من لا يفكر ولا يقدر، فهل من متعظ ومفكر؟! من الموسرين من ماتت أحاسيسهم، وفقدت شعورهم، في منع الزكاة ضرر يتعدى الأفراد، ليصل لكافة البلاد والعباد، هلاك يلحق ببني الإنسان، ودمار يقضي على النبات والحيوان، تَمنع السماء قَطْرها، وتُمسك الأرض نباتها، تضعف الأمطار، ويقل الخير المدرار، وتجف الآبار، وتموت الأشجار..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله المتوحد بالعظمة والجلال، المتفرد بالبقاء والكمال، أحمده سبحانه على جزيل الإنعام، وأشكره على عظيم الإفضال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال.

 

وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، المنقذ -بإذن ربه- من الضلال، والداعي إلى كريم السجايا والخلال، وشريف الأخلاق والخصال، صلى الله وسلم وبارك عليه، دل على حسن الأقوال، وطيب الأفعال، وحثَّ على أفضل الأعمال، وحذَّر من التسويف والإهمال، والصغار والإذلال، وعلى آله خير أهل وآل، وعلى أصحابه أهل الإكبار والإجلال، وتابعيهم بإحسان بلغوا بتقواهم أعالي الجبال، ومن سار على نهجهم إلى يوم المآل.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فبتقوى الله تنال الدرجات، وتكثر الحسنات، وأكثروا من ذِكْره وشكره، فبذكره تطمئن القلوب، وبشكره تحفظ النعم وتدوم، وتسير الحياة وتقوم، وتزودوا من الصالحات فخير الزاد التقوى للخصوص والعموم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 254].

 

أمة الإسلام: كان الناس قبل البعثة المحمدية أمة مبعثرة، ومجتمعات متفرقة، وشعوب متناثرة، غابة موحشة، يأكل القوي الضعيف، ولا يُعرف الفقير العفيف، ثم جاء الإسلام وضاءً، نيِّراً ساطعاً معطاءً، فشقشق للإنسانية فجر جديد، وبزغ للحياة عيش رغيد، ورام الناس عزًّا تليدًا، وعصراً مجيدًا.

 

آخى الإسلام بين المسلمين، وجمع شعث المؤمنين، دعا الإسلام أهله إلى التكافل الاجتماعي، والعطف الإنساني، إسلام وتراحم، إيمان وتلاحم، مراعاة للأخوة الإسلامية، والوحدة الإيمانية، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم"

 

إخوة الإيمان: موضوع مؤرِّق وخطير، حفي بالطرح والتحرير، سبب للأمة كوارث وفواجع، وألحق بها نكبات ومواجع، حقيق بالعرض والإسهاب، والأخذ بالأسباب، موضوع غفل عنه أكثر الناس اليوم، وربما عدَّه البعض من ثنايا الأحكام، وهو من أُسسها الجسام، وثوابتها العظام، إنه موضوع البخل والزكاة، فكم من الأغنياء من لا يؤدِّي زكاة ماله.

 

 وكم مِن الموسرين مَن يبخل على أهله وعياله، نعم أيها الناس، يوجد اليوم بين أظهر المسلمين من يمنع الزكاة عن المستحقين، ويبخل بماله، ويجحد حسن أحواله، فتذكروا أيها الناس، قول الحق شديد البأس: (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ) [محمد: 38].

 

لقد غفل أكثر أصحاب الأموال عن قول ذي العزة والجلال: (وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ) [النور: 33]، قال -صلى الله عليه وسلم-: "يقول العبد: مالي مالي، وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأبقى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس" (أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-).

 

لقد نسي الأغنياء والمترفين، قول الحق المبين: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [آل عمران: 180]، فأدوا الزكاة أيها التجار، يا أهل المال والعقار، فكُّوا رقابكم من النار، يقول العزيز الجبار: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) [التوبة: 34- 35].

 

أمة الإسلام: لو أخرج كل موسر زكاة ماله، لما بقي على الأرض فقير من المسلمين، ولن ينقطع الاحتياج بالناس، حتى تؤدى الزكاة على وجهها المشروع، ألا فاعلموا أيها الناس أن في الزكاة تنمية للمال، وحفظاً له من الزوال، قال الله تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [البقرة: 245]، وقال تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما نقصت صدقة من مال" (أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-).

 

فسبحان الله العظيم! رب العرش الكريم، الله يستقرض عباده ليضاعف لهم الثواب والأجور، ويُذهب عنهم العقاب والشرور، وهم معرضون عن الأوامر، مقترفون للزواجر، ألا وإن أعظم العقوبات، وأشد الحسرات، ما يلقاه العبد عندما يفارق أهله وذويه، وماله وبنيه، ويُودَع في قبره لا أنيس ولا جليس فيه، إلا ما عمل من عمل وقدَّم، في ذلك الحين لا ينفعه الندم، ولا يدفع عنه العذاب حشم ولا خدم: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88- 89].

 

عند ذلك إن كان من مانعي الزكاة، فأعظم موحش له ماله، ودرهمه وديناره، يُمَثَّل له ثعباناً يتقاطر سُمُّه، فيعظم همُّه وغمُّه، فيا له من هول ما أفظعه! ومنظر ما أشنعه! أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من آتاه الله مالاً فلم يؤدِّ زكاته، مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرع -ثعباناً ضخماً- له زبيبتان، يطوِّقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه –شدقيه-، ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك"، فيعضه عضّاً، ويقضمه قضماً .

 

أيها الإخوة المؤمنون: الزكاة واجبة من واجبات الدين العظيم، وركن من أركان الإسلام القويم، قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5]، ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "وأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً، تُؤخَذ من أغنيائهم، وتُرَدُّ على فقرائهم".

 

فمن أنكر الزكاة وجحد وجوبها فقد كفر بالكبير المتعال، ومن تهاون بها أثم وغرم، وتعرض للعذاب والنكال، قال تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) [التوبة: 11]، الله يأمر عباده بدفع الزكوات، وإخراج الصدقات، ليزيد لهم في الحسنات، ويمحو عنهم الذنوب والخطيئات، وهم يمنعون الأعطيات، ويبخلون بالإحسان والهبات، ويصرُّون على معصية فاطر الأرض والسموات، في الحديث الحسن الصحيح، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مانع الزكاة يوم القيامة في النار" (أخرجه الطبراني في الصغير، وقال الألباني حديث حسن صحيح).

 

أمة الإسلام: في منع الزكاة ضرر يتعدى الأفراد، ليصل لكافة البلاد والعباد، هلاك يلحق ببني الإنسان، ودمار يقضي على النبات والحيوان، تَمنع السماء قَطْرها، وتُمسك الأرض نباتها، تضعف الأمطار، ويقل الخير المدرار، وتجف الآبار، وتموت الأشجار، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما منع قوم الزكاة إلا حبَس الله عنهم القطر"، وفي رواية: "إلا ابتلاهم الله بالسنين" أي: الجدب والقحط (أخرجه الطبراني وحسنه الألباني).

 

فاتقوا الله عباد الله وأدوا زكاة أموالكم، طيبةً بها نفوسكم، تدخلوا جنة ربكم، تلمَّسُوا أحوال إخوانكم الفقراء، واليتامى والضعفاء، الذين أعياهم التعفف عن السؤال، قال تعالى: (لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ) [الحشر: 9].

 

إخوة العقيدة والدين: ليس المسلم الذي يشبع، وجاره جائع، ليس المسلم الذي يجمع ويمنع، ألا فاعلموا أيها الناس أن إخراج الزكاة، وإعطاء الصدقة، تحل كثيراً من مشاكل الفقر المعاصر، الذي تعانيه الأمة في الوقت الحاضر، ملايين من البشر يموتون بسبب الجوع والفقر، يأكلون الأشجار والدواب، ويلتهمون الميتة من الحيوان، يتسابق إليهم المنصِّرُون، ويتهافت عليهم المبشِّرُون، ومن أغنياء المسلمين من لا يفكر ولا يقدر، فهل من متعظ ومفكر؟!

 

من الموسرين من ماتت أحاسيسهم، وفقدت شعورهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة، فليفعل" (أخرجه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شرَّه" (أخرجه مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه-).

 

فاتقوا الله أيها الأغنياء، أخرجوا زكاة أموالكم، أنفقوا مما جعلكم الله مستخلفين فيه، تعرضوا لنفحات المولى -جل وعلا-، ولدعاء الفقراء واليتامى، والأرامل والثكالى، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد إذا تصدق من طيِّب تقبلها الله منه، وأخذها بيمينه فرباها، كما يربي أحدكم مهره أو فصيله، وإن الرجل ليتصدق باللقمة، فتربوا في يد الله حتى تكون مثل الجبل، فتصدقوا" (حديث صحيح أخرجه ابن خزيمة في صحيحه).

 

 ارأفوا بكبير سنٍّ عجَز عن مؤونة أهله، واعطفوا على أمّ تعكف على صغارها، تحسسوا حاجات إخوانكم المسلمين، ساعدوا المساكين والمعوزين، لتنالوا رضا رب العالمين، قال الله تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان: 8- 9]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وذكر منهم: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" (متفق عليه).

 

فأدوا زكاة أموالكم، وقدموا صدقاتكم، تكن لكم حصناً من النار، وحرزاً من الأشرار والفجار، اللهم بارك لنا في الكتاب المبين، واجعلنا لأوامره مذعنين، ولنواهيه منتهين، وانفعنا بهدي نبي الثقلين، واجعلنا لسنته متبعين، وبهديه متمسكين، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروا ربكم، إنه رحيم رءوف بكم .

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله دائم الفضل والإحسان، ذي العطاء الواسع والامتنان، ربَط بين المؤمنين برابطة الإيمان، فكانوا إخوة متحابين كالمرصوص من البنيان، أحمده سبحانه وأشكره وهو الواحد المنان، وأتوب إليه وأستغفره وهو كريم الإحسان.

 

 وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، كل يوم هو في شأن، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، سيد ولد عدنان، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان..

 

أما بعد: فاتقوا الله وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119]، واسمعوا عباد الله لهذا الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ؛ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ" قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَالْإِبِلُ؟ قَالَ: "وَلَا صَاحِبُ إِبِلٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، وَمِنْ حَقِّهَا حَلَبُهَا يَوْمَ وِرْدِهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، أَوْفَرَ مَا كَانَتْ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا فَصِيلًا وَاحِدًا، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَعَضُّهُ بِأَفْوَاهِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: فَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ ؟ قَالَ: وَلَا صَاحِبُ بَقَرٍ وَلَا غَنَمٍ، لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا، إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ بُطِحَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، لَا يَفْقِدُ مِنْهَا شَيْئًا، لَيْسَ فِيهَا عَقْصَاءُ - معكوفة القرن - وَلَا جَلْحَاءُ - ليس لها قرن - وَلَا عَضْبَاءُ، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ أُولَاهَا رُدَّ عَلَيْهِ أُخْرَاهَا، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ، فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ".

 

يا لها من عقوبةٍ مغلَّظة، ترجُف منها القلوبُ المؤمِنة!! ألا فتذكروا أيها الناس، أن الله أوجب في أموال الأغنياء نصيباً للفقراء، هي هذه الزكاة التي فرضها الله فرضاً، وهي مدخرة لصاحبها عند الله قرضاً، فيها أجر وفير، وخير كثير، قال الله تعالى: (إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) [التغابن: 17].

 

هذا وصلوا وسلموا على النبي رفيع القدر، والرسول عظيم الذكر، فقد أمركم بذلك العزيز الجبار، فقال في القرآن ذي الذكر: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ على خير الورى، النبي المجتبى، والخليل المصطفى، وعلى آله وأصحابه ومن بسنته اقتدى، وبهديه اهتدى، وسلم تسليماً كثيراً.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، وأيده بتأييدك، واجعل عمله في رضاك، وهيئ له البطانة الصالحة الناصحة، التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم أيد به العلماء والناصحين، وأيده بهم يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام.

 

اللهم يا باسط اليدين بالعطايا، اغفر لنا الذنوب والخطايا، اللهم أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار يا عزيز يا غفار.

 

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال والأهواء، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم أصلح لنا الأبناء والبنات، وجميع الزوجات، يا مجيب الدعوات، ربنا آتتا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار برحمتك يا رب العالمين.

 

عباد الله: يقول الله -جل شأنه-: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد: 28]، فاذكروا الله ذكراً كثيراً، وسبِّحوه بكرة وأصيلاً، واشكروه على نعمه نهاراً وليلاً، سبحان ربك، رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين .

 

 

المرفقات

ترك الزكاة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات