خطر المشاجرات

الشيخ عايد بن علي القزلان التميمي

2022-08-12 - 1444/01/14 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ظاهرة المشاجرات ظاهرة مجتمعية خطيرة 2/أسباب ظاهرة المشاجرات 3/تجريم الإسلام لظاهرة المشاجرات ودعوته للحلم وترك الغضب 4/علاج ظاهرة المشاجرات والخصومات.

اقتباس

ومن أسباب العنف والقتل أحياناً حكايات السلَف للخلف, يحكي الجَدُّ لأحفاده والأبُ لأبنائه، أن فُلانًا قَتَلَ فُلانًا، ويتمثَّله بأبيات من الشعر، فيها مدحٌ وثناء ترفعه إلى الجَوزاء، فيقتدي السامعُ بسيرته، ويتمثَّل شخصيته، فيقتل أحدَ قرابته.

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ فَأُوصِيكُمْ -عِبَادَ اللَّهِ- بِوَصِيَّةِ اللهِ لِلْأَوَّلِينَ والآخرينَ؛ إِذْ يَقُولُ: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ). 

 

عباد الله: إنه ما بين فترة وأخرى نسمع أنه حصلت مشاجرة بين أشخاص في الشوارع العامة أو في المحال التجارية؛ فتبدأ المشاجرة بكلمات خارجة وبذيئة فيتطاول أحدهم على الآخر بالأيدي ثم باستخدام أسلحة بيضاء أو أسلحة أخرى، والنتيجة حادثة قتل أو إصابة بالغة إذا لم يكن أكثر، وقد أصبحت هذه الحوادث تتكرر كثيرا لتتحول إلى ظاهرة مخيفة تودي بحياة الأطراف المتشاجرة أو تقضي على مستقبلهم العلمي أو المهني ليكملوا ريعان شبابهم بين قضبان السجون، والأدهى من ذلك أن معظم هذه المشاجرات تكون لأسباب تافهة جدا لا تحتاج حتى إلى المشاجرة ولكن للأسف الشديد هناك أشخاص كُثر لا يهتمون بالعواقب الوخيمة التي تترتب عليها تلك المشاجرات العنيفة التي تدمرهم وأهاليهم ، ولا ينتبهون إلى خطر ما يفعلون إلا بعد فوات الأوان.

 

ونشاهد في وسائل الإعلام ومواقع التواصل عن العديد من قصص المشاجرات أبطالها شباب متهور وضحاياها من جميع الفئات العمرية.

 

عباد الله: إن سبب قيام تلك المشاجرات مرض خطير ومرض انتشر في بعض النفوس وأدى إلى خروجها عن حالها الطبيعي وبدون فكر أو عقل، إنه مرض أدى إلى القتل، ويؤدي أحياناً إلى طلاق الزوجات وفراق الأولاد، ويؤدي إلى تنازع الأحبة وخلاف الإخوة والأقارب!

إنه داء ومرض الغضب.

 

عباد الله: عن أبي هريرة أن رجلًا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أوصني قال: "لا تغضب" فردد مرارًا، قال: "لا تغضب"(رواه البخاري).

 

فوصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- "لا تغضب .. لا تغضب .. " ورددها مرارًا فقال "لا تغضب"، كانت وصية جامعة فالغضب أمره خطير.

 

عباد الله: ومن أسباب العنف والقتل أحياناً حث الأطفال وتربيتهم على الأخذ بالثأر والانتقام ممن ضربهم أو أهانهم.

 

ومن أسباب العنف والقتل أحياناً حكايات السلَف للخلف, يحكي الجَدُّ لأحفاده والأبُ لأبنائه، أن فُلانًا قَتَلَ فُلانًا، ويتمثَّله بأبيات من الشعر، فيها مدحٌ وثناء ترفعه إلى الجَوزاء، فيقتدي السامعُ بسيرته، ويتمثَّل شخصيته، فيقتل أحدَ قرابته.

 

عباد الله: وقد قال صلى الله عليه وسلم خلافاً لما تعارف عليه الناس اليوم "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرْعَةِ ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ"(متفق عليه). وقال صلى الله عليه وسلم "وإن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله"(متفق عليه).

 

أيها المؤمنون: إن ديننا الإسلامي يرفض العدوان على الناس، وقد نهانا ربنا عن ظلم الآخرين والعدوان عليهم سواء كان ذلك بدنياً أو لفظياً، وأمرنا بمعاملة الناس بالحسنى وباللين والمعروف، قال الله -تعالى: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا),

 

 وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟ قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ"(أخرجه مسلم).

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"، وعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أبغَضُ الرِّجالِ إلى اللَّهِ الألدُّ الخصِمُ"، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أشارَ إلى أخيهِ بحديدَةٍ، فإِنَّ الملائِكَةَ تلْعَنُهُ، وإِنْ كانَ أخاهُ لأبيهِ وأُمِّهِ".

 

أيها المؤمنون: إن الاعتداء على دماء وأعراض المسلمين ليس من خلق المؤمن.

 

واعلموا أن الله -سبحانه وتعالى- يحب أن يكون الناس إخوة يحب كل منهم لأخيه ما يحب لنفسه وأن يتعاملوا بالتسامح والعدل والتعاطف والود لا بالظلم والتناحر وأن لا يسفك بعضهم دماء بعض قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ...).

 

عباد الله: فعلاقة المسلم بأخيه المسلم علاقة أخوية ولهذا أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالألفة ونهى عن الفرقة فقال: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله، التقوى ها هنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه، المسلم كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه".

 

بارك الله لي ولكم ......

 

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله وليِّ الصّالحين، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له إله الأوّلين والآخرين، وأشهد أنّ نبيّنا محمّدًا عبده ورسوله سيّد الخلق أجمعين، اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِه والتّابعين.

 

أما بعد فيا أيها المؤمنون أيها المسلمون: كثير منا يتعرض لحالة من حالات الغضب فكيف يصنع؟

هناك خطوات تساعد الغاضب للتخلص من ثورة الغضب:

منها الوضوء، ومعرفة أن الغضب من الشيطان والاستعاذة بالله منه، والإكثار من ذكر الله.

 

ومن علاج الغضب: تغيير الحال لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ".

 

عباد الله: ومن علاج الغضب, استحضار الأجر العظيم لكظم الغيظ, قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

 

ولقد كان من روائع دعائه -صلى الله عليه وسلم- "اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغَضَب والرِّضا"(رواه أحمد).

 

ويجب علينا الابتعاد عن الجدال الذي لا فائدة منه فهو سبب يؤدي للغضب.

 

ومن علاج الغضب تدريب النفس على الحُلُم وحُسْن الخلق، إنما الحُلم بالتَّحَلُّم والعِلم بالتَّعَلُّم، ولا ننسى الوصية النبوية: "لا تغضب .. لا تغضب .. لا تغضب".

 

عباد الله وعلينا الاقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث أنه لا يغضب إلا أن تُنْتَهك محارم الله -تعالى-؛ فعن عَائِشَةَ -رضي اللهُ عنها- قَالَتْ "مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ فَيَنْتَقِمَ لِلهِ عَزَّ وَجَلَّ".

 

أعاذنا الله وإياكم من الغضب، ومن سوئه وآثاره، ورزقنا الحلم والتحلُّم، إنه سميع قريب.

هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ.

 

المرفقات

خطر المشاجرات.pdf

خطر المشاجرات.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات