عناصر الخطبة
1/ تحريم تعاطي المخدرات والمسكرات 2/ قصص واقعية مؤلمة لمتعاطي المخدرات 3/ كثرة المخدرات وانتشارها بين الشباب والطلاب 4/ الحذر من أصدقاء السوء 5/ أسباب الوقوع في إدمان المخدراتاقتباس
جاءت الشريعة الغراء بتحريم أن يتعاطى الإنسان شيئًا من المحرمات، وجاءت الشريعة الغراء أيضًا بأن يحفظ الإنسان الضرورات الخمس التي أقيمت لأجلها وشرعت الحدود الشرعية، بأن يحفظ الإنسان نفسه وأن يحفظ دينه، وأن يحفظ ماله، وأن يحفظ عقله، وأن يحفظ عرضه، وجعل الله تعالى الحدود الشرعية التي فيها تأديب لمن وقع في شيء من هتك الضرورات الخمس جعلها الله تعالى رادعة لمن ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل والنظير، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله به من الضلالة، وبصّر به من الجهالة، وكَثّر به بعد القلة، وأغنى به بعد العَيلة، وتركنا على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين وأصحابه الغر الميامين، ما اتصلت عين بنظر، ووعت أذن بخبر، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
أيها الإخوة المؤمنون: يقول الله -جل في علاه- لما وصف نبينا وسيدنا محمدًا -عليه أفضل الصلاة والتسليم- قال -سبحانه وتعالى-: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف: 157]، ثم ذكر الله تعالى عددًا من صفات نبينا -عليه الصلاة والسلام-، ومن ذلك قال الله عنه: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، فأحلّ الله تعالى لنا الطيبات من المآكل والمشارب والملابس ومن المكاسب وغيرها، وحرم الله تعالى علينا الخبائث، وأمر الله تعالى المؤمنين، وأمر الرسل بأن لا يأكلوا إلا من الطيبات: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) [المؤمنون: 51].
وبيّن النبي -صلوات ربي وسلامه عليه- في أحاديث كثيرة التحريم العظيم في أن يتعاطى الإنسان شيئًا من المحرمات فقال -عليه الصلاة والسلام-: "كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به"، وقال -صلوات ربي وسلامه عليه-: "إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا)".
ثم ذكر النبي -صلوات ربي وسلامه عليه-: "الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يده إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك!!".
فجاءت الشريعة الغراء بتحريم أن يتعاطى الإنسان شيئًا من المحرمات، وجاءت الشريعة الغراء أيضًا بأن يحفظ الإنسان الضرورات الخمس التي أقيمت لأجلها وشرعت الحدود الشرعية، بأن يحفظ الإنسان نفسه وأن يحفظ دينه، وأن يحفظ ماله، وأن يحفظ عقله، وأن يحفظ عرضه، وجعل الله تعالى الحدود الشرعية التي فيها تأديب لمن وقع في شيء من هتك الضرورات الخمس جعلها الله تعالى رادعة لمن أراد أن يتعرض لشيء من ذلك، فجعل الله تعالى من الحدود حد شرب الخمر لأجل أن يحفظ العقل، وجعل حد القتل لمن قتل لأجل أن يحفظ النفس، وجعل حد القذف لمن فجر لأجل أن يحفظ العرض، وجعل بقية الحدود على نحو ذلك.
لذا -أيها الإخوة الكرام- من أعظم مقاصد الدين أن يحفظ الإنسان عقله وأن لا يتعاطى شيئًا يفسد عليه عقله، ولقد كان في عهد النبي -صلوات ربي وسلمه عليه-، كان في عهده بل كان عند العرب من قبل الإسلام أنهم يتعاطون أشياء تذهب عقولهم، وكان العقلاء منهم -وهم على شركهم- يبتعدون عن تعاطي شيء مما يذهب العقل، وكان أبو بكر -رضي الله تعالى عنه- وعدد من قريش من قبل الإسلام يمتنعون عن شرب الخمر؛ لما فيها من إذهاب العقل، مع أنهم لم يكونوا على دين ولا إسلام ولا على شريعة، ومع ذلك كانوا يبتعدون عنها، حتى سأل بعضهم: لم تجتمع مع قومك في ناديهم وهم يشربون الخمر وأنت تتجنبها؟! فقال -وهو كافر قبل الإسلام- قال: "إني رأيت الرجل إذا شرب الخمر واقع أخته واتهم أمه"، يعني اتهم أمه بالزنا، وأقبل إلى أخته فاغتصبها أو فعل بها نحو ذلك.
لذا -أيها المسلمون-: والله لقد ساءنا ولقد أفجعنا ما نُشر قبل أيام من وزارة الداخلية من القبض على كمية كبيرة من المخدرات خلال ثلاثة أشهر فقط في أول هذه السنة، فقط خلال ثلاثة أشهر على مخدرات بقيمة مليار وأربعمائة مليون ريال، فيها أطنان من حبوب الكبتاجون ثلاثة عشر طنًا، وقل قريبًا مثل ذلك في الحشيش المخدرة، وكيلوات من الهيروين ومن غيرها من أنواع المخدرات، كل هذا يقصد به هذا البلد المبارك الذي هو قبلة المسلمين في كل مكان، والذي انطلقت منه الدعوة أول ميلاد رسول الله -صلوات ربي وسلامه عليه-، يحاولون أن يفسدوا شبابه وأن يفسدوا فتياته وأن ينشروا بينهم مثل هذا الفساد بقدر استطاعتهم.
ولقد حذرت الشريعة الغراء في كتاب الله تعالى وفي سنة نبينا -صلوات ربي وسلامه عليه- من أن يتعاطى الإنسان شيئًا من ذلك، فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن كل مسكر ومفتر، يعني عن كل ما يذهب العقل، سواء سميته خمرًا أم سميته غير ذلك.
وقال -عليه الصلاة والسلام- في الخمر وهي أخف ضررًا مع جرمها وعظم شأنها، إلا أنها أخف من الهيروين وما شابه ذلك، مع أنها كلها من الكبائر، ومع ذلك انظر إلى النصوص الواردة في الخمر يقول -عليه الصلاة والسلام- كما في مسند الإمام أحمد: "من مات مدمن خمر لقي الله كعابد وثن"، وقال -عليه الصلاة والسلام- فيما رواه الإمام مسلم قال -صلوات ربي وسلامه عليه-: "من شرب الخمر في الدنيا كان حقًّا على الله أن يسقيه من طينة الخبال يوم القيامة"، قيل: يا رسول الله: وما طينة الخبال؟! فقال -عليه الصلاة والسلام-: "هي عصارة أهل النار". رواه الإمام مسلم.
ما يخرج من أجساد أهل النار عند عذابهم من صديد وقيح ودماء، وما يسيل من فروجهم مما يسيل بها من القاذورات، فتجتمع بها نار جهنم ثم يطعمها أولئك الذين كانوا يشربون الخمر في الدنيا، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "من شرب الخمر في الدنيا لن يشربها في الآخرة". رواه الإمام مسلم.
هذه النصوص وهذا الوعيد العظيم لأجل أن ينفّر الناس من شربها، ماذا يُفعَل به؟! في النار مِنْ شرب وتعاطي طينة الخبال، هذا كله من أجل أن ينفّر الناس عنها، وأن يحذرهم من تعاطيها، فما بالكم -بالله عليكم- لو كان الحديث عن الهيروين والحشيش وعما شابه ذلك من المخدرات اليوم التي تفسد عليه عقله وتسبب له إفرازات متعددة في دماغه وفي جسده، وقد رأينا صورًا لبعض هؤلاء الذين تعاطوا المخدرات -والعياذ بالله- منهم من وُجد في حمامات قد دخل إليها ليأخذ جرعة من المخدر، فإذا به تتفجر شرايينه ويجدونه بعد يوم أو يوم ونصف وقد انتفخ جسده، وإذا وجهه قد دخل في المكان الذي يدخل فيها القاذورات من البول والغائط، ورأينا صورًا لغيرهم ممن حاول أن يتعاطاها في بعض الشقق منفردًا عن الناس أو في بعض الصحارى، فإذا به يوجد ميتًا قد عدى ما عدى عليه من الحشرات، وقد رأيت صورًا لبعض هؤلاء، والله إن النفس لتكره، وإن الجسد ليقشعر بمجرد أن يراها، نعوذ بالله تعالى من سوء الخاتمة.
والنبي -صلوات الله وسلامه عليه- لما كان في الحج وكان معهم رجل يلبي على دابته يقول: لبيك لبيك، فلما وقفت ناقته سقط من عليها فمات، فلما أراد أن يكفنوه قال -صلى الله عليه وسلم-: "كفنوه في ثوبيه -أي في إحرامه- ولا تقربوه طيبًا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا"؛ لأنه مات وهو يلبي فيبعث يوم القيامة ملبيًا، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "يبعث أحدكم على ما مات عليه"، فعياذًا بالله أن يموت المرء وهو على فراش فاحشة أو أن يموت وقد تعاطى مخدرًا، أو أن يموت وفي يده كأس من خمر، أو أن يموت على حال سيئ من مثل هذه الأحوال.
لذا -أيها الإخوة الكرام- ينبغي أن يحذّر الإنسان من أن يسلك شيئًا من السبل التي يتعاطى بها هذه المخدرات، أن يحذّر أولاً من الصحبة السيئة، فعدد من أولئك الذين يتعاطون المخدرات إنما تعاطوها بسبب صحبة وضعها له أحدهم، سواء في كأس من الشاي أم القهوة، أو ربما زين له أن يتعاطها في إبرة أو في شم أو ما شابه ذلك، حتى بدأ يجره شيئًا فشيئًا حتى صار هذا الإنسان هو الذي يطلبها.
ولقد اتصلت بي فتاة قبل أيام، وإذا هذه الفتاة تشتكي بأنها حامل من شاب قد واقعها بالفاحشة، ولما بدأت أحاول أفهم الموضوع لأجل أن نحل مشكلتها سواء عن طريق أهلها أم عن طريق الجهات الأمنية، فإذا بهذه الفتاة لا تريد أن تفارق ذاك الفاجر الذي وقع بها بالفاحشة أبدًا وهو يتهرب منها ولا يكلمها ولا يرد عليها، فلما دققت معها في الكلام فإذا ذلك الخبيث قد أوقعها في تعاطي مادة الهيروين حتى بدأت هي التي تجري وراءه، وهي التي تقبل رجله حتى يعطيها من تلك المادة ويفعل بها ما يشاء، وهي ابنة رجل لما تحدّثت فإذا أبوها مسؤول وله مقامه بين قومه، وإذا له وظيفة مرموقة وله مكانته، وإذا تفكر في الانتحار للتخلص من حياتها بسبب جرعة من هذا المخدر -عياذًا بالله- تريد أن تنتحر، وقد ضيعت دينها وضيعت عرضها وهتكت شرفها، وإذا بها لا تجد للحياة نجدة أبدًا بسبب مثل ذلك.
وأقبل إليّ شاب مرة يطلب مني أن أحوله إلى من يرقيه الرقية الشرعية، فلما سألته وإذا هو مضطرب، قلت له: أنت مصاب بماذا؟! قال: يا شيخ: أشعر دائمًا أن الحشرات تلاحقني وتطير حولي، فظننته مصابًا بشيء من مس أو ما شابه ذلك، فلما قرأت عليه مرارًا فإذا هو ليس عنده شيء من هذا، وعنده حركات غريبة من إشارات بيديه وفي فمه وفي عينيه، فلما دققت في حاله وسألت بعض زملائه فإذا هو -والعياذ بالله- يتعاطى أيضًا شيئًا من المخدرات، يتعاطى حبوب الكبتاجون، وقد أفسدت عليه عقله وأفسدت عليه حياته، واتصلت به مرارًا بعدها لاتباع حالته، فإذا هو قد ترك الدراسة، ثم وظف في مكان ما، ثم ترك الوظيفة، ثم سجن، ثم زرته بنفسي في مستشفى النفسي، كل هذا بسبب تعاطيه مثل هذه المخدرات.
فالإنسان -أيها الإخوة الكرام- لا ينتظر حتى يقع الفأس بالرأس، سواء على نفسه -عياذًا بالله- أم على ولده أم على زوجته أم بناته أم ما شابه ذلك، ثم يبدأ يبحث عن الحلول، والله إن هذه الكمية ما دخلت إلى هذا البلد إلا لأنهم فعلاً أرادوا أن يفسدوا شبابنا وبناتنا -عياذًا بالله-، وإلا أيضًا أنه يوجد لهم أشخاص هنا من المفسدين يأخذون هذه الكميات ويحاولون أن يوزعوها وأن يروجوها على الشباب والبنات وربما أيضًا من كان فوقهم من الرجال والنساء، وإن لم يكن أولئك بينهم وبين قوم من المفسدين والمخربين فقد قبض على عدد منهم قرابة خمسمائة شخص، لو لم يكن أولئك الذين يصدرونها من الخارج إلينا عندهم أصلاً علاقات بمن يروجها ويوزعها لما فكروا أصلاً في أن يدخلوها إلى هذا البلد.
وهذه الكثرة تدل -عياذًا بالله- على انتشارها، سواء بين طلاب الثانوية أم الجامعات أم ما شابه ذلك، أو ربما أيضًا قيل: بعض طلاب المتوسطة، وقد رأيت شيئًا من ذلك في بعض السجون لما زرتها، فليحذر الإنسان من رفاق السوء من أن يصاحبهم.
لا تَصْحَـبْ أَخَا الْجَهْلِ وَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُ *** فَكَمْ مِنْ جَاهِلٍ أَرْدَى حَلِيمًا حِينَ آخَاهُ
يُقَاسُ الْمَرْءُ بِالْمَرْءِ إِذَا مَا الْمَرْءُ مَاشَاهُ *** وَلِلشَّيْءِ مِـنَ الشَّيْءِ مَقَايِيسٌ وَأَشْبَاهُ
الإنسان إذا خالط أمثال هؤلاء لم يقولوا: تعالوا نصلي، قم نصلي الوتر، قم نصلي صلاة الليل جماعة، تعال نتصدق، تعال نحضر درسًا، كلا، بل يحاولون أن يبحثوا عما يسلون به وقتهم ويصرفونه، وربما أوقعوه في أنواع من هذه المخدرات كما قال عمر: "ودت الزانية لو أن النساء كلهن زانيات"، المتعاطي حينما يرى زملاءه يود أن كلهم مثله، معه سيجارة حشيش أو معه حبوب أو ما شابه ذلك.
يحذّر الإنسان أولاً من رفقة السوء، يحذر من التفكك الأسري، فإن عدد من وقعوا فيها بسبب تفكك أسري عندهم من طلاق بين أبويهم، ثم تزوج الأب وتزوجت الأم وتركوا الأولاد لا يجدون من يرعاهم ومن يهتم بهم، فليحذر الإنسان من مثل ذلك، يحذر من أن يقع فيه.
ومن ذلك أيضًا التقتير على الأولاد في النفقة، يقتر على أولاده في النفقة ويمسك يده مع قدرته على الإنفاق، فيأتي من يأتي إلى ولده المراهق الذي ربما لو تقطع لسانه عندك وهو يطلب المال لم يخرج إلا بريال أو نصف ريال، يأتي إليه من يأتي ويقول: تعال أعطيك ألف ريال لكن أوصل هذه الحبوب إلى فلان، أو أوصل هذه الحزمة من الحشيش أو ما شابه ذلك إلى فلان، ثم بعد ذلك قد يروج ترويجًا متواصلاً، ثم قد يتعاطاها أيضًا، فليحذر أيضًا من مثل ذلك.
ومن أعظم أسبابها أيضًا: ضعف متابعة الأب لأولاده، تجد أنه لا يجلس معهم، لا يراجع أمرهم، لا يجالس بناته، لا ينظر في حالهن، وبالتالي قد يزيد الأمر بأن يقع الولد في أشياء وأبوه هو آخر من يعلم، فإذا وقع الفأس في الرأس بدأ الأب يبكي كيف أخلّص ولدي مما وقع فيه؟! فليحذر الإنسان -أيها الأفاضل-، ولا يستبعد الإنسان وقوع مثل ذلك فإن عددًا ممن وقع أبناؤهم في المخدرات من أعظم الأسباب أن الأب أصلاً ما كان يتوقع أن ابنه يتعاطى شيئًا من هذه المخدرات، ثم لما علم قال: يا أخي: ابني طيب لطيف في تعامله معي وحسن في مجالسته معنا، كيف تعاطاها؟! نقول: لأنك غافل عنه، غلبك الظن الحسن، وأهملت متابعته، وبالتالي وقع في مثل ذلك.
ومما أيضًا يجب على الإنسان فعله لتجنب مثل ذلك: أن يكثر الدعاء لله تعالى بأن يحميه وأولاده من الوقوع فيها، فإنها آفة عظيمة، كم هتكت والله من أعراض، وكم فرقت من أسر، وكم سجنت من رجال ونساء، وكم أدت إلى قضايا من قتل وغير ذلك، كلها بسبب زوال مثل هذا العقل.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من المسكرات والمخدرات، اللهم احمنا منها واحم أبناءنا وبناتنا وذريتنا يا رب العالمين، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه، ومن صار على نهجه واقتفى أثره واستنَّ بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
أيها الإخوة الكرام: كلنا مسؤولون عن محاربة هذه الآفة العظيمة التي تفسد البلدان: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف: 157]، وكل من كان طرفًا في ترويجها أو في تهريبها أو في تعاطيها فهو آثم بذلك، وكل من كان يقربها إلى الناس فإنه شريك معهم في الإثم، يقول -عليه الصلاة والسلام-: "لعن الله الخمر وساقيها وبائعها ومشتريها وحاملها والمحمولة إليه وعاصرها ومعتصرها"، وجعل -عليه الصلاة والسلام- يلعن في الخمر عشرة أشخاص كل من كان طرفًا في مثل ذلك فهو ملعون؛ لأجل أن يقطع الطريق أصلاً المؤدي إلى انتشارها.
وإن من أعظم ما يؤدي أيضًا إلى وقوع بعض شبابنا في المخدرات -إضافة إلى ما ذكرنا-: متابعتهم لعدد من الأفلام الأجنبية التي يرون بأعينهم أمامهم من يتعاطون هذه المخدرات، كنت أقرأ بعض التقارير المتعلقة بالإعلام، هل تصدقون أنه قبل عشرين سنة أو خمس وعشرين سنة تحديدًا كان ممنوعًا أن يظهر في القنوات أي إنسان بيده سيجارة، وإذا كان في مسلسل شخص يدخن واشترت وزارة الإعلام ذلك المسلسل أو ذلك الفيلم فإن اللقطة التي فيها حمله للسيجارة تقطع من الفيلم لأنها مخالفة للأنظمة، ثم اتسع الخرق على الراقع وارتخت القبضة، وأصبح الآن التدخين من خلال القنوات -سواء قنواتنا أم القنوات الأخرى- يُرى صراحًا، وبدأ الأمر الآن يزداد في عدد من القنوات -عياذًا بالله- من أن تجد أحدهم يتعاطى الحشيش ويتعاطى أنواعًا من الخمر، وأولادنا يرون مثل ذلك، ويرونه يتعاطى المخدرات وهو يضحك وسعيد في حياته، وربما وقع في فاحشة أو معه صديقة أو ما شابه ذلك، فيزين بهذه الصورة للأبناء أن يقعوا في مثل ذلك.
والمسلم ينبغي أن يحذر ويعرف الأساليب التي يكتشف بها ولده إن كان يتعاطى المخدرات، فإذا رأيت ولدك كثير النوم، رأيت ولدك مضطربًا، ليس مجتمع الفكر والعقل بين يديه، يحب أن يجلس لوحده دائمًا، له اتصالات مريبة، إن دخلتم عليه أقفل هاتفه، لا تقرؤوا رسائل جوالي، أنا سأخرج مع فلان وهو مع آخر، إذا كان عنده علاقات لا يريدك أن تعرف عنها أبدًا شيئًا، أو كان معه مال لا تدري من أين يحضره، تدخل إلى غرفته فتجد على الطاولة خمسمائة ريال أو ألف ريال، تقول: يا بني: من أين لك المال؟! فتجده كل مرة يقول: اقترضت، بعت جوالي، بعت حاسوبي، عندها يجب على الأب أن يدقق في مثل ذلك، أو إذا كان الابن يسرق من أهله ويصرف المال، كل يوم تُفقد خمسمائة أو ألف أو ألفان، يُفقد ذهب أو أجهزة، ينبغي أن يكون الأب دقيقًا في مثل ذلك، وأن يكون حازمًا في التعامل مع مثل هذه المظاهر.
كذلك أن يبلغ عن كل من يتعاطها أو يروجها، أنا أوصي الطلبة الذين في الثانوية والطالبات أيضًا، والذين في الجامعات أو كذلك غير المرتبطين بدراسة، كل من كان يشك بأنه يتعاطى أو يروج أو يتعامل بهذه المخدرات بأي نوع من أنواعها يجب أن يبلغ عنه، يتصل بمكافحة المخدرات، يتصل بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يتصل بالشرطة، يتصل بأية وسيلة حتى يحال بينه وبين أن يفسد الناس ممن لم يتعاطوا مثل ذلك وممن هم بريئون من الوقوع فيها.
أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحمي جميع بلدان المسلمين من الآفات، اللهم احمِ جميع بلدان المسلمين من الشرور والآفات والمسكرات والمخدرات يا رب العالمين، يا ذا الجلال والإكرام.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم