عناصر الخطبة
1/تهنئة بالعيد 2/الفرح بالعيد 3/استعلاء المؤمنين بإيمانهم 4/خصائص مميزة لأهل الإسلام 5/شروط النصر والتمكين 6/دروس وعبر من رحيل شهر رمضان 7/رسائل مهمة إلى المرأة المسلمةاقتباس
لا مجالَ للضّعفِ، ولا محلَّ لليأسِ، بل املؤوا بالفألِ قلوبَكم، وارفعوا بالعزِّ رؤوسَكم، وقولوا كما علّمَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه أن يقولوا بعدَ هزيمةِ أُحد: "اللَّهُ أَعْلَى وأَجَلُّ"، "اللَّهُ مَوْلَانَا، ولَا مَوْلَى لَكُمْ".. ولن يتحققَ العلوُّ إلا بالتمسكِ بالإيمانِ، والعضِّ بالنواجذِ على شرائعِ الإسلامِ.
الخطبة الأولَى:
الحمدُ للهِ ذي الفضلِ والإنعامِ، الحمدُ للهِ ذي الجلالِ والإكرامِ، الحمدُ للهِ الذي أكملَ لنا العدة، وهدانا السبيلَ، وأتمَّ لنا شهرَ رمضان، بفضلِ منه وإحسان؛ (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185].
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر وأجلّ، الله أكبر على ما هدانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه.
أما بعد: ها نحن نتقلبُ من نعمةٍ إلى نعمةٍ، فمن نعمةِ بلوغِ رمضانَ إلى نعمةِ التوفيقِ لصيامِ أيامِه وقيامِ لياليه، إلى نعمةِ عيدِ الفطرِ وما يتجلى فيه من مظاهرِ الكرمِ والإحسانِ من الله المنَّانِ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58].
نبتهجُ بالعيدِ ونفرحُ بفضلِ اللهِ شكراً له على ما هدانا بكرمِه إلى الطاعةِ، ونكبّرُه على ما منَّ علينا بتوفيقِه لإكمالِ عِدّةِ رمضانَ. فاللهم لولا أنتَ ما اهتدينا، ولا صمنا، ولا تصدّقنا، ولا صلينا.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
نبتهجُ بالعيدِ؛ لأن اللهَ أمرنا فيه بإظهارِ الفرحةِ، وإعلانِ السرورِ، وقد قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في أحدِ الأعيادِ التي تشرَّفت بحضورِه: "لِتَعْلَمَ يهودٌ أنَّ في دينِنا فُسْحَةً، إني أُرْسِلْتُ بحنيفيَّةٍ سَمْحَةٍ".
نفرحُ بالعيد؛ لأن الفرحةَ اليومَ عبادةٌ، والاحتفالَ شعيرةٌ، ونشرَ البهجةِ اليومَ من أحب الأعمال إلى الله (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج: 32].
نفرحُ بالعيدِ رَغْمَ ما تعيشُه الأمّةُ من المآسي والآلامِ؛ لأن اللهَ علَّمنا ألا نستسلمَ للحزن، ولا نقبعَ في أسرِ الضعفِ والهوانِ، فقال لنا: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[آل عمران: 139].
(وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ)؛ لأنكم أصحابُ الحقِّ الضاربِ بأعماقِه في الجذورِ، فلن تستأصلَه كلُّ قوى الباطل، ولن تُفْنِيَه كلُّ جهودِ الكيدِ والمكرِ (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)[الرعد: 17].
(وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ)؛ لأنكم أهلُ الإسلامِ الذي وعدَ اللهُ أن يُظهرَه على الدينِ كلِّه، ووعَدَ رسولُه -صلى الله عليه وسلم- أنه سيبلغُ ما بلغَ الليلُ والنهارُ. وها نحن نرى صدقَ وعدِ اللهِ ووعدِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم-، فالإسلامُ -بلغةِ الأرقامِ والإحصائياتِ- هو أعلى الأديانِ نموّاً، وأسرعُها انتشاراً، فمع ضراوةِ الحربِ على الإٍسلامِ وأهلِه، إلا أن ذلك لا ينعكسُ في الواقعِ إلا شدةَ الإقبالِ عليه، فترى الناسَ يدخلون في دين الله أفواجاً.
(وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ)؛ لأنكم القائمون بحملِ شريعةِ السماءِ، وهم الغارقون في وحولِ شهواتِ الأرضِ، تعملون للهِ وإعلاءِ كلمتِه، ويعملون للشيطانِ وإغواءِ العباد. تدعون إلى الجنةِ، ويدعون إلى النارِ. تتمثلون مقولةَ رِبْعِي بن عامرٍ -رضي الله عنه- لقائدِ الفرسِ رُسْتُم: "إن اللّه ابتعثنا لنُخرجَ مَنْ شاءَ من عبادةِ العبادِ إلى عبادة ربِّ العبادِ، ومِنْ ضيقِ الدنيا إلى سَعَتها، ومن جَورِ الأديان إلى عَدْلِ الإِسلام".
(وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ)؛ لأن اللهَ معكم في الدنيا ينصركُم ويؤيّدُكم، ومعكم في الآخرةِ يُكرمُكم ويُنعّمُكم كما وعد -سبحانه- فقال: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)[غافر: 51]. وأما هم فما لهم من دون اللهِ من وليٍّ ولا نصيرٍ، وسيريهم اللهُ بطلانَ مكرِهم في الدّنيا، وعاقبةَ كيدِهم في الآخرة (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)[الأنفال: 36].
(وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ)؛ فلا مجالَ للضّعفِ، ولا محلَّ لليأسِ، بل املؤوا بالفألِ قلوبَكم، وارفعوا بالعزِّ رؤوسَكم، وقولوا كما علّمَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أصحابَه أن يقولوا بعدَ هزيمةِ أحد: "اللَّهُ أَعْلَى وأَجَلُّ"، "اللَّهُ مَوْلَانَا، ولَا مَوْلَى لَكُمْ"، "قَتلانا في الجنَّةِ وقتلاكُم في النَّارِ".
(وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) هذا هو الشرطُ، فلن يتحققَ العلوُّ إلا بالتمسكِ بالإيمانِ، والعضِّ بالنواجذِ على شرائعِ الإسلامِ.
وها نحن قد تخرّجنا من مدرسةِ رمضانَ، وعشنا كثيراً من حقائقِ الإيمانِ، وشرائعِ الإسلام.
ثلاثون يوماً مارسنا فيها تدريباً عملياً على التقوى، فكنا حذِرينَ أشدَّ الحذرِ من كلِّ معصيةٍ تفسدُ علينا صيامَنا، وما التقوى إلا التوقّي من أشواكِ المعاصي.
تعلمْنَا فيها الصبرَ، فصبرنا عن الجوعِ في النهارِ، وصبرنا على طولِ القيامِ في الليلِ.
ذقنا فيها لذّةَ العبادة، وعرفنا أن طريقَ الطاعةِ هو سبيلُ السعادةِ القلبيةِ، والمتعةِ الروحيةِ، ورأينا صدقَ وعدِ اللهِ حين قال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[النحل: 97].
في مدرسةِ رمضانَ تضاعفت لياقتُنا الإيمانية، فسابقنا في درجاتِ الإيمانِ والعملِ الصالحِ، وامتلأَ يومُنا بتلاوة القرآن، وعُمِّرَ ليلُنا بالتهجّدِ والقيامِ، وبُذِلَتْ أموالُنا في أبوابِ الإحسانِ والصدقاتِ.
فإذا أردنا علوَّ دينِنا ودنيانَا، فلنحافظْ على مكتسباتِ رمضانَ، ولنداومْ على العملِ بما عملْنا فيه من حقائقِ الإيمانِ وشرائعِ الإسلامِ، ولنبشرْ حينها بالنصرِ والتأييدِ، والفرجِ والتمكينِ (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 55].
اللهم وَفِّقنا للإيمان والهدى، وأعنّا على إقامةِ شرعك، وإعلاءِ كلمتك.
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله. والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
معاشرَ النساءِ من أمَهاتٍ وزوجاتٍ، وأَخَواتٍ وبَنَاتٍ: قُمْتُنَّ على إطعامِنا، وأَضْنَيْتُنَّ أنَفُسَكُنَّ لإسْعادِنا، فشَكَرَ اللهُ لَكُنَّ، ووفّى أُجورَكُنّ.
وهكذا فلْتكنِ المسلمة! باذلةً معطاءةً، كريمةً سَمْحَةً، متحليةً بالإحسانِ إلى نفسِها ومن حولَها.
معاشر النساء: نسمعُ دعواتٍ من هنا وهناك، تدعو إحداكُنَّ إلى الفردانيّةِ والأنانيّةِ، بأن تعيشَ المرأةُ لنفسِها وحسبْ، ملقيةً بأعباءِ أسرتِها وراءَ ظهرِها، متغافلةً عن حقوقِها تجاه زوجِها وأولادِها وأمَّتِها.
فالحذرَ الحذرَ من مثلِ هذه الدعوات، التي لا تصدرُ إلا ممن يريدُ تضييعَ الأسرةِ، وتدميرَ المجتمعِ. فحين تتخلى المرأةُ عن دورِها في أسرتِها من التربيةِ والتعليمِ، والدعمِ والرعايةِ، وتوفيرِ الدفءِ والحنانِ، فما الظنُّ بمخرجاتِ هذه الأسرةِ، ثم كيف سيكونُ المجتمعُ الذي هو مجموعُ لَبِنَاتِ أُسَرِه؟
شتانَ بين من يعيشُ حاملاً همومَ دينِه وأمتِه، فيجتهدُ في غرسِ الخيرِ، وصناعةِ الجيلِ، وبينَ من لا يعيشُ إلا لنفسِه وشهواتِه وأهوائِه.
الأولُ سيعيشُ كبيراً ويموتُ كبيراً، يرى ثمرةَ جهدِه في الدنيا بالذكرِ الحسنِ ومحبةِ الناسِ، وفي الآخرةِ بعظيمِ الأجرِ والثوابِ.
وأما الثاني فسيعيشُ صغيراً ويموتُ صغيراً، لا يُذْكَرُ بالخير، ولا يفتقدُه أحدٌ، يخرجُ من الدنيا خاوياً نادماً على لذّاتٍ منقطعةٍ، وشهواتٍ فانيةٍ، وبضاعةٍ مزجاةٍ... فأين الثَّرى من الثُّرَيَّا؟!
زكّى اللهُ قلوبَكن، ونوَّرَ بالهدى طريقَكن، وجعل القرآنَ والسنةَ زادَكن، وأجرى الخيرَ والصلاحَ على أيديكن.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم