عناصر الخطبة
1/من خصائص دين الإسلام 2/مصادر قوة هذا الدين 3/ثمرات أخذ الدين بقوه ودلالاته 4/من أعظمِ أسباب الوهن 5/من مظاهر القوة في العيد.اقتباس
والعيد مظهرٌ من مظاهر القوة التي جاء بها الإسلام, تأتلفُ فيها النفوسُ وتتسامح، وتتقارب فيها القلوبُ وتتصافح, في العيدِ يعودُ المتهاجِرَانِ، ويتواصلُ المُتَقاطِعَانِ, في العيدِ تتجددُ طهارةُ النفوسِ فتنفي عنها كُلَّ جفاءٍ وشحناءٍ وحسد؛ إنها قوةُ النفس المؤمنة...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله رب العالمين؛ (تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)[الرحمن: 78], حيٌ قيوم، لا تأخذه سنةٌ ولا نوم، له ما في السماوات وما في الأرض؛ (لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)[الإسراء: 111].
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله والله أكبر.
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر كبيراً.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؛ (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[الأنعام: 79], وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أرسله الله رحمة للعالمين، فبلغ الرسالة ونصح، وأبان الشريعة وشرح، وهدَّم الوثنية وفضح، نبيٌ كريم؛ (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[التوبة: 128], صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-؛ فإنها أعظمُ ما ابْتُغِيَ به رحمةُ الله؛ (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[آل عمران: 179].
أيها المسلمون: شريعةٌ سماويةٌ ودينٌ قويم، وهِدَايَةٌ رَبَّانيةٌ وصِرَاطٌ مُسْتَقِيْم، طُمأنينةٌ وسكينةٌ، وسعادةٌ وانشراح, عبوديةٌ لله خالصةٌ، واستجابةٌ لله كاملة، وخضوعٌ لله تامّ, دينٌ ارتضاه الله لعبادِه فأكمَلَهُ, حمى حُدُوْدَه وفَصَّلَ أحكامَهُ، وأظهرَ شعائرَه وحفظَ دستورَه, قرآنٌ من الله يُتلى، وَحِكْمَةٌ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تُفَصِّلُ وتُبَيِّن؛ (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)[النحل: 44].
دينٌ أرسى قواعدَ القوةِ وأحكمَ دعائمها، وشيدَ صروحَها وذللُ مسالِكَها, قوةٌ بها النفوسُ تتألقُ، وبها الأُمم تسودُ، وبها المطالِبُ تتَحققُ، وبها المكارِم تُعْتَلى.
قوةٌ ترتقي بها النفوسُ إلى مقامِ العِز, وتعلو بها الدولُ إلى مقام التمكين, قوةٌ تتجذرُ في المجتمعاتِ؛ فتُقيمُ لها حِصْناً متيناً وسياجاً منيعاً.
قوةٌ إيمانٍيةٌ وقوةُ بدنيةٌ، قوةُ حِسيةٌ وقوةٌ معنوية، قوتان متآزرتان لا غنى لإحداهما عن الأخرى, هما مطايا العِزِّ، وهما وسامُ التكريم, ومَن لم تَكُن له قوةٌ تنهض به؛ لن يكون له شرفٌ يفخرُ به, وفي الحديث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمنُ القويُ خيرٌ وأحبُ إلى اللهِ مِنَ المؤمنِ الضعيف"(رواه مسلم).
ودينُ الإسلامِ هو دينُ الرفعةِ والبقاء، والسؤددِ والخلود, حكمَ الله له بالظهور على سائر الأديان؛ (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[التوبة: 33], وإن ديناً هذا حكمُ الله لَه, لن يكونَ مصدراً للضعفِ، ولن يكون مَنْشَأً للخمول، ولن يكون مَوئلاً للذلِ، ولن يكون مُتَّكَأً للكسل؛ بل هو مصدرٌ للقوةِ في شتى مضارِبها, أحكامُه ومبادؤهُ، أوامِرُه ونواهيه، عباداتُه وشعائرُهُ, ليست طقوساً خاويةً، ولا تعاليمَ مُجَرَّدة؛ بل لها حِكَمٌ بالغةٌ ومعانٍ عظيمة, تَصْنعُ القوةَ في الأفرادِ في المجتمعاتِ وفي الدول.
يَتَعَبَّدُ المسلمُ لرَبِّه مخلصاً, يأتمِرُ بأمرِه وينتهي عن نهيه، ويعملُ بشريعته ويستمسكُ بدينه, راضياً بالله ربا, وبالإسلامِ ديناً, وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- نبيا؛ فتتضاعفُ القوةُ في قلبِه, وتزداد القوةُ في جوارِحِه, قوةٌ إيمانيةٌ تستجلب كُلَّ القوى المادية, قال هودٌ -عليه السلام- لقومه: (وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)[هود: 52], استقامةٌ على الإيمان وصلاحٌ في الدين, مددٌ للقوةِ وضمانٌ للتمكين.
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله والله أكبر.
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر كبيراً
أيها المسلمون: إن تكاليفَ الحياةِ لها مشقةٌ، وإن مسالكَ الحياةِ لها عناء، وإن حياةَ الإنسانِ لفي كبد؛ عواصِفُ الفِتَنِ تضرِبُ في كلِّ صَوْبٍ, ورياحُ الشهواتِ والشبهاتِ تَقصِفُ في كُلِّ اتجاه, وفي خَضَمِّ ذلكَ كُلِّه يخوضُ المسلمُ والمسلمةُ غِمارَ مصاعبَ شتى, لن ينجو مِنها إلا مَنْ كانتْ له قوةٌ في إيمانِه, وقوةٌ في علمه، وقوةٌ في يقينه، وقوةٌ في تمسَّكِه بقرآنِهِ وسُنةِ نَبِيِّه, ففي زمانِ الفتنِ كَم زَلَّت عن الصراطِ أقدام, ما كان لها أنْ تَزِلَّ لولا ضَعْفُها!, وكم انتكست عن الهدايةِ قلوب, ما كان لها أنْ تنتكسَ لولا وَهَنُها!.
وقوةُ الإيمانِ وصلاحُ الدين حصنٌ من المزالق، وأمانٌ من النكبات، وحرزٌ من المهالِكِ وقوةٌ في النائبات, فمَن أخَذَ تعاليمَ الدينِ بقوة؛ قَويَ على مواجهةِ الشدائد والمدلهمات, مَن أخَذَ تعاليمَ الدينِ بقوة؛ لَمَ يقوَ على إفسادِه غاوٍ، ولم يتسلط عليه شيطان؛ (يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)[مريم: 12], (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 63].
إنَّ أخذَ الدين بقوة هو قبولُ لكُلِّ أوامِرِهِ ونواهيه، وأحكامه وتشريعاتِه بانقيادٍ تامٍ واستسلامٍ كامل, من غير ترددٍ ولا توَقُّف، ولا تخبطٍ ولا انتقاء، دخولٌ في شرائع الإسلامِ جملةً دون تَفرِيق؛ (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ)[البقرة: 208], فمن لَزَمَ هذا الصراطِ ألبسَه الله تاج العِزِّ، وأقامَه مقام القوةِ، وأمدَّه بالعونِ والتمكين.
عباد الله: ولئن كانت مَتَانَةُ الدينِ سبباً للقوة, فإن الجرأةَ على حُرُماتِ الله سببٌ للضعفِ والهوان, أبى اللهُ إلا أن يُذِلِّ من خالفَ شَرْعه؛ (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ * كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)[المجادلة: 20، 21].
وإن الركونَ إلى القوةِ الماديةِ، والاستغناءِ بها عن القوة الإيمانية, لهو من أعظمِ أسباب الوَهَن, سارَ أقوياءٌ في سبيل المعرضين، مُعْجَبِيْنَ بما أوتوا من قوة، مُغْتَرِّينَ بما أوتوا من سلطان,؛ فقذفَ اللهُ في قلوبهمِ الرُعبَ، وأخرجَهم من ديارِهم أذلةً صاغرين؛ (مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ)[الحشر: 2].
وما صُنِعَتِ القوةُ في الأمةِ بمثل إفشاءِ شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, يقومُ بها الرجال والنساء، والكبارُ والصغار؛ فبها يُحمى الإيمانُ ويرفعُ، وبها يُردُّ الباطِلُ ويدفعُ, شعيرةٌ لا يقومُ بها إلا الأصفياءُ الأنقياء، الأكرمون النجباءُ، وَعَدَهُمُ الله وَعْداً كريماً؛ (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة: 71].
أقول ما سمعتم, وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدي ولوالديكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً رسولُ رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِه أجمعين.
أما بعد: فاتقوا الله -معاشر المسلمين- لعلكم تفلحون.
أيها المسلمون: والعيد مظهرٌ من مظاهر القوة التي جاء بها الإسلام, تأتلفُ فيها النفوسُ وتتسامح، وتتقارب فيها القلوبُ وتتصافح, في العيدِ يعودُ المتهاجِرَانِ، ويتواصلُ المُتَقاطِعَانِ, في العيدِ تتجددُ طهارةُ النفوسِ فتنفي عنها كُلَّ جفاءٍ وشحناءٍ وحسد؛ إنها قوةُ النفس المؤمنة, حين تتواضعُ لله رب العالمين، وتتخلى عن حظوظها، فَتَصِلُ من الأرحامَ مَن قطعها، وتعطي مَن منعها، تعفو عمن ظلمها، وتصفحُ عمن أساء إليها؛ استجابةً لأمر الله ورسولِه: "لا تَقَاطَعُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَانًا، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَث"(متفق عَلَيْهِ).
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر, لا إله إلا الله والله أكبر.
الله أكبر, الله أكبر, الله أكبر كبيراً.
عباد الله: والأسرةُ المسلمةُ هي لبنةُ من لبنات القوةِ في الأمة, إن قَويتِ الأسرةُ بترابُطها وتصافيها، واستقامتها وتراضيها؛ حققت لها مجداً، وصنعت لها فخراً, وكَسَبَت لها عِزاً, الأسرةُ إن قَويَت بإيمانِها وصلاحها, عاشت تقيةً، وحُشِرَت يوم الحسابِ رَضيةً؛ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ)[الطور: 21].
والمرأةُ المسلمةُ هي القوةُ المستهدفة في المجتمعات المسلمة، هي الحصنُ المنيعُ على الأعداء، وهي القلعة المُسْتَعْصِيَة عليهم, هي المربيةُ للأجيال، والحافظةُ للأنجال، والحاميةُ لظهورِ الرجال, إن وَهَنت وتَخَلُخَلَت وتَخَلَّت عن مقامها, جاسَ العدو خلال الديارِ, وتَبَّرَ ما علا تتبيراً.
ألا ما أكرمَ مقام المرأةِ حين تَصْمُدُ ثابتةً على مبادئها في زَمَن البَلاءَ!, ألا ما أعظمها حين تَعْتَزُّ بدينها وبحيائها وبحجابها وبِقِيمِها في زَمَن الكيدِ والمكرِ واللأواء!.
تَصْنعُ المرأةُ جيلاً جليلاً, إن صَلُحَت في نفسها، ووقرت في بيتها، ولم تَستَفِزَّها موضاتُ المُستَغربين، ولم تستخفها دعوات المبطلين، تسيرُ إلى ربها بأمان, قُدُواتُها أمهاتُ المؤمنين؛ (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا)[الأحزاب: 31].
اللهم قَوِّ إيماننا ويقيننا, واحفظ ديننا ودنيانا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم