عناصر الخطبة
1/عيد الفطر المبارك يوم من أيام الله 2/تأملات في نظرة المؤمن للأوبئة والابتلاءات 3/تنبيهات مهمة في عيد الفطر المبارك 4/بعض الأسباب الشرعية والصحية للوقاية من وباء كورونا.اقتباس
الأوبئة والشرور مهما استفحلت؛ فإنها تزول ويعقبها الفرج والأنس والسرور؛ فالمؤمن لا يفسد فرحه وباء، ولا يمنعه من سعادته بلاء .. فيفرح المسلم في مواطن الفرح ويشكر ربه على ذلك، ويصبر في مواطن البلاء حتى يعيش بين سعادة أقدار الخير، وبين عبودية التسليم والرضا بأقدار الله المؤلمة..
الخطبة الأولى:
الحمد لله الكريم المنان الذي أكرمنا بالإيمان، وأتم علينا شهر رمضان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الذي شرع لعباده من الأعياد ما تجلو بها الأحزان، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من صام وقام للديان -صلى الله عليه وسلم- ما تلا أصحابه القرآن وتزود أحبابه بالبر والإحسان وعلى آله وصحابته أئمة الهدى والتبيان وعلى التابعين لهم إلى يوم تشيب فيه الولدان، أما بعد:
أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-؛ فهي وصية الله للأولين والآخرين؛ فقال في كتابه العزيز: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء:131]، ووصى الله بها عباده المؤمنين؛(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[الحشر: 18-19].
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: إنكم في يوم من أيام الله، إنه يوم عيد الفطر المبارك الذي جعله فرحة للصائمين ومكرمة للقائمين؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس:58]؛ وروى الإمام البخاري -رحمه الله- من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لِلصّائِمِ فَرْحَتانِ يَفْرَحُهُما إذا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ"، وفي هذه الفرحة تأكيد على سمو شريعة الإسلام ومبانيه العظام.
وفي عيد الفطر المبارك هنيئا لمن صام رمضان وقام للديان، وما أجمل ما قاله الشاعر:
ليهنكَ بعدَ صومكَ عيدُ فطرٍ***يريكَ بقلبِ حاسدكَ انفطارا
أتاكَ وفوقَ غرَّتهِ هلالٌ*** إذا قابلتهُ خجلًا توارى
يشيرُ وعادَ نحوكَ كلَّ عامٍ***يحدِّدُ فيكَ عهداَ وازديارا
ولا برحتْ لكَ العلياءُ دارًا***ومتَّعكَ الزَّمانُ بملكِ دارا
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
وقد يتساءل متسائل -أيها المؤمنون- أنى لنا أن نفرح والبلايا تحيط بالأمة من كل جانب؛ فأوبئة قاتلة، وطواعين فاتكة، وقتل وتدمير، وظلم وتهجير، وطمس للهوية وتغيير؛ والجواب يتلخص في نقاط عدة؛ فمن ذلك:
أولا: أن المؤمن يعتقد اعتقادا جازما بأنه لن يصيبه الوباء ولن يصل إليه البلاء؛ إلا إذا كتبه الله عليه وقدره؛ قال -سبحانه-: (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[التوبة: 51]؛ كما أن السنة الغراء جاءت بالتأكيد على هذه العقيدة وغرستها في قلوب المؤمنين، ونجد ذلك جليا في تعليم النبي -صلى الله عليه وسلم- لابن عمه عبدالله ابن عباس -رضي الله عنهما- بقوله: "واعلمْ أنَّ ما أصابكَ لم يكن ليُخطِئَكَ وما أخطأكَ لم يكنْ ليصيبكَ".
ثانيا: أن المؤمن الحق يرضى بأقدار الله -تعالى-؛ فيشكره على الأقدر الجميلة ويصطبر على الأقدار المؤلمة؛ ففي كل ذلك خير له، وصدق الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث قال: "عَجِبْتُ لأمرِ المؤمنِ، إنَّ أمرَهُ كُلَّهُ خيرٌ، إن أصابَهُ ما يحبُّ حمدَ اللَّهَ وَكانَ لَهُ خيرٌ، وإن أصابَهُ ما يَكْرَهُ فصبرَ كانَ لَهُ خيرٌ، وليسَ كلُّ أحدٍ أمرُهُ كلُّهُ خيرٌ إلّا المؤمنُ"(صححه الألباني)؛ فيفرح المسلم في مواطن الفرح ويشكر ربه على ذلك، ويصبر في مواطن البلاء حتى يعيش بين سعادة أقدار الخير، وبين عبودية التسليم والرضا بأقدار الله المؤلمة.
ثالثا: أن الأوبئة والشرور مهما استفحلت؛ فإنها تزول ويعقبها الفرج والأنس والسرور؛ فالمؤمن لا يفسد فرحه وباء، ولا يمنعه من سعادته بلاء، ورحم الله الإمام الشافعي؛ حيث قال:
ولرب نازلةٍ يضيق بها الفتى *** ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكنت أظنها لا تفرج
وقال آخر:
هون عليك فكل الأمر ينقطع***وخل عنك ضباب الهم يندفع
فكل هم له من بعـده فـرج***وكل كرب إذا ضاق يتسـع
إن البلاء وإن طال الزمان به***الموت يقطعه أو سوف ينقطع
رابعا: أن الحياة الدنيا دار ابتلاء وتمحيص واختبار؛ فتارة يبتلي الله عباده بالخير وتارة يبتليهم بالشر، يقول -تعالى-: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)[الأنبياء: 35]؛ قال السعدي -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية الكريمة: "أوجد عباده في الدنيا، وأمرهم، ونهاهم، وابتلاهم بالخير والشر، بالغنى والفقر، والعز والذل والحياة والموت، فتنة منه -تعالى- ليبلوهم أيهم أحسن عملا ومن يفتتن عند مواقع الفتن ومن ينجو".
ومن أيقن بأن هذا حال الدنيا عاش لحظات الفرح بالأنس والسرور، وعاش ساعات الحزن بالصبر والرضا؛ فنال الأجور.
فيا -أيها المسلم- لا تحزن إذا حل بساحتك البلاء، ولا تقنط إذا طال حولك الوباء، وثق برب الأرض والسماء، واعمل بما تستطع من الأسباب الشرعية والصحية، ودع ما سوى ذلك على الحفيظ الكريم، وردد بصوت عال:
دَعِ الأَيَّامَ تَفْعَل مَا تَشَاءُ *** وطب نفساً إذا حكمَ القضاءُ
وَلا تَجْزَعْ لنازلة الليالي *** فما لحوادثِ الدنيا بقاءُ
وكنْ رجلاً على الأهوالِ جلداً *** وشيمتكَ السماحة ُ والوفاءُ
وَلا حُزْنٌ يَدُومُ وَلا سُرورٌ *** ولا بؤسٌ عليكَ ولا رخاءُ
وَمَنْ نَزَلَتْ بِسَاحَتِهِ الْمَنَايَا *** إذا نزلَ القضا ضاقَ الفضاءُ
دَعِ الأَيَّامَ تَغْدِرُ كُلَّ حِينٍ *** فما يغني عن الموت الدواءُ
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الكريم المجيد الذي أنعم علينا بفرحة العيد، والصلاة والسلام على الإمام الرشيد وعلى آله وصحابته الجيل الفريد، وبعد:
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
أيها المؤمنون: ألا وإن مما ينبغي التذكير به والتأكيد عليه في هذا اليوم المبارك:
شكر الله -تعالى- على اكتمال العدة إتمام النعمة، قال -سبحانه-: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 185].
وكذا وجوب إحسان الظن بالله بأنه سيتقبل ما قدمه العبد من بر وإحسان؛ فالله -تعالى- عند حسن ظن عبده به؛ فقد قال -سبحانه- في الحديث القدسي: " أنا عندَ ظنِّ عبدي بي فلْيظُنَّ بي ما شاء".
وما أجمل قول الشاعر وهو يرى جميل ظنه بربه:
وإني لأرجو الله حتى كأنني *** أرى بجميل الظن ما الله صانع
ومما ينبغي الحث عليه في هذا اليوم المبارك: التذكير بصيام الست من شوال وبيان فضلها؛ كما جاء في حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-، قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن صام رمَضانَ وأتبَعه سِتًّا مِن شوّالٍ خرَج مِن ذُنوبِه كيومَ ولَدَتْه أُمُّه".
وكذلك: يجب على المسلم أن يصل أرحامه وأن يتفقد أحوالهم وأن يشاركهم فرحتهم؛ فإن من وصلهم وصله الله، ومن قطع رحمه قطعه الله؛ كما جاء في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ الرَّحِمَ شَجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فقالَ اللَّهُ: مَن وصَلَكِ وصَلْتُهُ، ومَن قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ"(رواه البخاري). كل هذا إذا لم يكن في زيارته لهم ضرر صحي وأمن السلامة مع أهمية الأخذ بالأسباب الوقائية، أما والأمر ما زال فيه تخوف فليقصر صلته بالاتصال والرسالة وغير ذلك من البدائل المشروعة والمتاحة.
وعلينا -أيها المسلمون- أن نحمي أنفسنا من الأوبئة والأمراض والمخاوف؛ بالتوبة والدعاء والاستغفار، وصنائع المعروف؛ فإنها تقي مصارع السوء، وعلينا أن نلتزم بالتعليمات الصحية المشتملة على التباعد الاجتماعي وترك المصافحة وأماكن الزحام والتزام الحجر الصحي حين يأمر أهل الاختصاص بذلك، ولنسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
اللهم تقبل منا الصيام والقيام وأكرمنا يوم لقائك بدار السلام.
اللهم اصرف عن الوباء والغلاء والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين.
اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق والدين.
وصلوا وسلموا على البشير النذير؛ حيث أمركم بذلك العليم الخبير؛ فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم