خطبة عيد الفطر 1439هـ

الشيخ محمد بن مبارك الشرافي

2022-10-06 - 1444/03/10
التصنيفات: الفطر
عناصر الخطبة
1/الفرح بالعيد منضبط بضوابط الشرع 2/أعظم عبادة توحيد الله 3/وجود الأمن من أعظم النعم 4/التحذير من الاختلاط والتبرج 5/الوصية بصلة الرحم

اقتباس

فَيَا أَيَّتُهَا الأَخَوَاتُ الشَّرِيفَاتُ، وَالْحَرَائِرُ الْمَصُونَاتُ الْعَفِيفَاتُ: يَا مَنْ أَعَزَّكُنَّ اللهُ بِالدِّينِ، وَشَرَّفَكُنَّ بِالسِّتْرِ وَالْجِلْبَابِ! تَمَسَّكْنَ بِحِجَابِكُنَّ، كَمَا تَتَمَسَّكْنَ بِدِينِكُنَّ، فَاللهَ اللهَ فِي حَيَائِكُنَّ وَعَفَافِكُنَّ، وَاعْلَمْنَ أَنَّ الْمَرْأَةَ بِصَلَاحِهَا يَصْلُحُ الْمُجْتَمَعُ، وَبِفَسَادِهَا يُصْبِحُ الْمُجْتَمُعُ فِي تِيهٍ وَسَرَابٍ...

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ للهِ المُتَفَرِّدِ بِالجَلَالِ وَالْكَمَالِ وَالْجَمَالِ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرِ المُتَعَالِ، أَحْمَدُهُ وَأَشْكُرُهُ عَلَى سَابِغِ النِّعَمِ وَجَزِيلِ النَّوَالِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، سَجَدَ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ وَخَلِيلُهُ، خَيْرُ مَنْ مَشَى، وَأَكْرَمُ مَنْ قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ المَآلِ.
اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَر!

 

أٌمَّةَ الْإِسْلَامِ: هَنِيئًا لَكُمْ عَلَى إِتْمَامِ الصِّيَامِ وَإِكْمَالِ الْقِيَامِ، وَهَنِيئًا لَكُمْ بِهَذَا الْعِيدِ الْعَظِيمِ، دَامَتْ عَلَيْكُمُ الْفَرْحَةُ وَالسُّرُورُ، وَالْبَهْجَةُ وَالْحُبُورُ.

 

وَإِنَّهُ يَحِقُّ لِكُلِّ مَسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ أَنْ يُعَبِّرَ فِي هَذِهِ الْمُنَاسَبَاتِ عَنْ فَرَحِهِ وَسُرُورُهِ، وَأَنْ يَبْتَهِجَ فِي الْمَوَاسِمِ وَالأَعْيَادِ، وَالْتَعْبِيرُ عَنِ الْفَرْحَةِ يُنْعِشُ النَّفْسَ، وَيُجَدِّدُ النَّشَاطَ؛ لَكِنَّهُ فَرَحٌ فِي إِطَارِ الشَّرْعِ، وَضَوَابِطِ الدِّينِ، فَلَا خُيَلَاءَ وَلا إِسْرَافَ، وَلا اخْتِلَاطَ بَيْنَ رِجَالٍ غَيْرِ مَحَارِمَ مَعَ النِّسَاءِ، فَلا تَضْيِيعَ لِلْوَاجِبَاتِ أَوِ اقْتِرَافٍ لِلْمُحَرَّمَاتِ.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

إِنَّ الْمُسْلِمَ لَيَفْرَحُ بِأَنَّ اللهَ أَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ، وَطَهَّرَ قَلْبَهُ بِالْإِيمَانِ، وَعَطَّرَ لِسَانَهُ بِتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يُونُسَ: 58]، نَفْرَحُ لِنِعْمَةِ الْأَمْنِ التي تُظَلِّلُ بِلَادَنَا، وَالاسْتِقْرَارِ الذِي يَعُمُّ أَرْضَنَا، فَالْحُكُومَّةُ سُنِّيَّةٌ وَالدُّسْتُورُ هُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ.

 

الْيَوْمُ الذِي يَمُرُّ عَلَيْنَا دُونَ أَنْ نَقْتَرِفَ مَعْصِيَةً هُوَ يَوْمُ فَرَحٍ، وَلِلتَّوْبَةِ فَرْحَةٌ عَجِيبَةٌ، وَلَذَّةٌ إِيمَانِيَّةٌ لا تُقَارَنُ بِلَذَّةِ الْمَعْصِيَةِ الزَّائِفَةِ. فَأَسْبَابُ الْفَرَحِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مَوْجَودَةٍ، فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فَالْفَرَحُ مَعَهُ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَفِي كُلِّ مَكَانٍ؛ إِذْ هِيَ أَسَاسُ الدِّينِ وَأَصْلُ الْعِبَادَةِ، وَمَنْ لَقِيَ اللهُ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ أَكْمَلَ النَّاسِ عُبُودِيَّةً هُوَ الْمُعَظِّمُ للهِ -جَلَّ وَعَلَا- الْمُتعَبِّدُ لَهُ بَجِميعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، الْمُثْبِتُ لِرَبِّهِ الْكَمَالَ الْمُطْلقَ فِي كُلِّ شَيْءٍ؛ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "اللهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، عَنْ أُمِّنَا عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-.

 

فَالْحُكْمُ للهِ لا يَشْرَكُهُ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ، لا رَادَّ لِقَضَائِهِ وَلا مُعَقِّبَ لِتَدْبِيرِهِ، حَيٌّ لا يَمُوتُ، جَمِيعُ الْخَلْقِ تَحْتَ قَهْرِهِ وَقَبْضَتِهِ، يُمِيتُهُمْ وَيُحْيِيهِمِ، وَيُضْحِكُهُمْ ويُبكِيهِمْ، ويُغْنِيهِمْ وَيُفْقِرُهُمْ، وَيُصُوِّرُهُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ، مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، لا رَادَّ لِعَذَابِهِ إِنْ نَزَلَ، وَلا رَافِعَ لَهُ إِنْ حَلَّ إِلَّا هُوَ -سُبْحَانَهُ-، (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)[الرَّحْمَنِ: 29].

 

أَعْظَمُ عِبَادَةِ يَتَقَرَّبُ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ هِيَ إِفْرَادُهُ بِالْعِبَادَةِ، فَلا يُسْأَلُ إِلَّا هُوَ، وَلا يُسْتَغَاثُ إِلَّا بِهِ، وَلا تُصْرَفُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لَهُ وَحْدَهُ، وَمَنْ عَبَدَ مَعَ اللهِ غَيْرَهُ فَمَا قَدَرَ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَظَلَمَ نَفْسَهُ بِالْوُقُوعِ فِي الشِّرْكِ. إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُسْلِمَينَ الْيَوْمَ يَسْتَغِيثُونَ بِالْأَمْوَاتِ، وَيَطُوفُونَ عَلَى الْقُبُورِ، وَيَذْبَحُونَ الْقَرَابِينَ عَلَيْهَا، إِذَا مَرِضُوا فَزِعُوا إِلَيْهِمْ، وَإِذَا خَافُوا تَوَسَّلُوا بِهِمْ، فَمَاذَا بَقِيَ للهِ رَبِّ الْعَالِمَينَ؟

 

إِنَّ هَذَا لَأَمْرٌ جَلَلٌ وَخَطْبٌ كَبِيرٌ، لِأَنَّ هَذَا يُنَاقِضُ الْحِكْمَةَ التِي خُلِقْنَا مِنْ أَجْلِهَا، وَإِنَّ الشِّرْكَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ وَأَشَرُّ الْعُيُوبِ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[الْمَائِدَةِ: 72].

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ أَعْظَمَ الْأُمُورِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ هُوَ الاتِّبَاعُ، فَلا يُقْبَلُ عَمَلٌ إِلَّا بِتَوْحِيدٍ وَسُنَّةٍ، فَالاقْتَدَاءُ بِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ أَهَمُّ الْمُهَمِّاتِ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ بَعْدَ تَوْحِيدِ اللهِ؛ فَالسُّنَّةُ يُنِيرُ اللهُ لَكَ بِهَا السَّبِيلَ، وَتَثْبُتُ بِإِذْنِ اللهِ عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتِقَيمِ، وَقُدْوَةُ الْمُسْلِمِ فِي حَيَاتِهِ هَوُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-، ثُمَّ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ الذِينَ قَامَ بِهِمُ الْإِسْلَامُ وَطَبَّقُوهُ فِي حَيَاتِهِمْ قَوْلًا وَعَمَلًا. فَمَنْهَجُنَا هُوَ مَا جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، الْمُتَمَثِّلُ فِي الْمَنْهَجِ السَّلَفِيِّ الْمُعْتَدِلِ الْبَعِيدِ عَنِ الْغُلُوِّ، وَالْبَعِيدِ عَنِ التَّفْريِطِ، فَكُنْ عَلَى جَادَّةِ السَّلَفِ، تَنْجُو -بِإِذْنِ اللهِ- مِنَ الْمَزَالِقِ وَالشُّبَهِ.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

إِخْوَةَ الْإِسْلَامِ: إِنَّ أَعْظَمَ الْمِنَنِ بَعْدَ اسْتِقَامَةِ الدِّينِ هِيَ وَجُودُ الأَمْنِ، وَاطْمِئْنَانُ النَّاسِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَهَالِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَإِنَّ هَذَا لا يَكُونُ إِلَّا بِوُجُودِ دَوْلَةٍ قَوِيَّةِ تَحْمِي شَعْبَهَا، وَتُدَافِعُ عَنْهُمْ وَتَحُوطُهُمْ وَتَقِفَ ضِدَّ كُلَّ عَادٍ وَبَاغٍ عَلَيْهِمْ، وَإِنَّ هَذَا لا يَكُونُ إِلَّا بِاسْتِقْرَارِ الدَّوْلَةِ وَانْتِظَامِ أَرْكَانِهَا، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الشَّرْعَ وَالْعَقْلَ يَدْعُو إِلَى الْوُقُوفِ مَعْ دَوْلَتِنَا لِتَسْتَقِيمَ حَيَاتُنَا، حَتَّى لَوْ وُجِدَ مَا هُوَ مُقْتَضَى الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ التِي تَكُونُ فِي كُلِّ حَاكِمٍ وَكُلِّ مَسْؤُولٍ، فَالْقُصُورُ مُلَازِمٌ لِلْبَشَرِ، وَلَكِنَّ الْعَاقِلَ هُوَ مَنْ يَنْظُرُ لِلْمَحَاسِنِ وَيَتَغاضَى عَنِ الْعُيُوبِ، جَمْعًا لِلْكَلِمَةِ وَتَقْوِيَةً لِلصَّفِّ، وَسَدًّا لِذَرِيعَةِ دُخُولِ الْحَاقِدِينَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصْبَحَ مُعَافًى فِي بَدَنِهِ آمِنًا فِي سِرْبِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا" (رَوَاهُ البُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ).

 

وَإِنَّ بِلَادَنَا السُّعُودِيَّةَ بِلَادٌ مَحْسُودَةٌ، وَبِالْأَذَى مَقْصَودَةٌ، وَأَعْدَاءُ الْأُمَّةِ لا يَأْلُونَ إِقْدَامًا، وَلا يَنْكِصُونَ إِحْجَامًا فِي التَّخْطِيطِ لِإِشَاعَةِ الْفَوْضَى وَإِثَارَةِ الْبَلْبَلَةِ وَإِذَاعَةِ السُّوءِ، يُغْرُونَ قُرَيشًا بتِمَيِمٍ، وَزَيْدًا بِعَمْرٍو، وَبَعْضًا بِبَعْضٍ، لِتَكُونَ أَرْضُ الْإِسْلَامِ مَسْرَحًا لِلدِّمَاءِ الْمَعْصُومَةِ، طَوَائِفُ مُتَنَاحِرَةٌ، وَأَحْزَابٌ مُتَصَارِعَةٌ، يَسْهُلُ تَطْوِيعُهَا، وَيُمْكِنُ تَعْويقُهَا، قَالَ اللهَ -تَعالَى-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آلِ عِمْرَانَ: 103].

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

أُمَّةَ الْإِسْلَامِ: إِنَّ الْغَيْرَةَ عَلَى الْمَحَارِمِ، وَالْحِمَايَةَ لِلْأَعْرَاضِ لَهِيَ مِنْ صِفَاتِ الرُّجُولَةِ وَعَلَامَاتِ النَّخْوَةِ وَالْبَسَالَةِ، وَإِنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ قَدْ خَفَّتْ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الرِّجَالِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ، لَقَدْ عَمَّ التَّفْرِيطُ، وَأَرْخَى كَثِيرٌ مِنَ الآبَاءِ وَالْأَزْوَاجِ لِمَحَارِمِهِمُ الزِّمَامَ، تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ لِوَحْدِهَا فِي الْأَسْوَاقِ لِيْلًا وَنَهارًا، سِرًّا وَجِهَارًا، ويَبْقَى الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي سَيَّارَتِه يُتَابِعُ الْمَقَاطِعَ وَالْجَوَّالاتِ، وَيَتْرُكُ أَهْلَهُ فِي الْأَسْوَاقِ لِوَحْدِهِمْ. وَبِسَبَبِ ذَلِكَ، تَمُدُّ أَيَادٍ مِنَ الْبَشَرِ الْمُفْتَرِسَةِ حَبَائِلَ التَّحَرُّشِ؛ لِإيِقَاعِ الْأَنْفُسِ الطَّاهِرَةِ فِي الْغَيِّ الدِّنِيء، وَالْمُسْتَنْقَعِ الْوَبِيءِ.

 

أَصُونُ عِرْضِي بِمَالِي لا أُدنِّسُهُ *** لا بَارَكَ اللهُ بَعْدَ الْعِرضِ بِالْمَالِ

 

لَقَدْ تَبَلَّدَ الْإِحْسَاسُ وَهَانَتِ الْمَحَارِمُ لِدَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ. فأَيْنَ نَحْنُ مِنْ قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التَّحْرِيمِ: 6]؟ وَأَيْنَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ

 

أَيُّهَا الشُّرفَاءُ: كَمْ فَرَّطَ أُنَاسٌ فِي جَانِبِ الْأُسْرَةِ فَكَانَتِ الْحَسَرَاتُ وَالْجِرَاحَاتُ، إِنَّ غَيْمَةً وَاحِدَةً قَدْ تَحْجُبُ شَمْسَ السَّعَادَةِ؛ وَإِنَّكَّ لَتَعْجَبُ مِنْ أُنَاسٍ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الطَّاهِرَاتِ الْعَفِيفَاتِ، أُنَاسٌ هَمُّهُمْ تَتَبَّعُ الْعَوْرَاتِ، فِي الْجَوَّالاتِ وَالْمُرَاسَلَاتِ، وَلِلْأَسَفِ الشَّدِيدِ، قَدْ يَكُونُ الْبَعْضُ مِنْهُمْ رَبًّا لِأُسْرَةٍ، فَقُولُوا لِي بِرَبِّكُمْ: كَيْفَ تُفْلِحُ أُسْرَةٌ وَقَائِدُ هَذِهِ الْأُسْرَةِ يَعِيشُ فِي هَذَا الْوَبَاءِ الْفَتَّاكِ؟

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَيَا أَيَّتُهَا الأَخَوَاتُ الشَّرِيفَاتُ، وَالْحَرَائِرُ الْمَصُونَاتُ الْعَفِيفَاتُ: يَا مَنْ أَعَزَّكُنَّ اللهُ بِالدِّينِ، وَشَرَّفَكُنَّ بِالسِّتْرِ وَالْجِلْبَابِ! تَمَسَّكْنَ بِحِجَابِكُنَّ، كَمَا تَتَمَسَّكْنَ بِدِينِكُنَّ، فَاللهَ اللهَ فِي حَيَائِكُنَّ وَعَفَافِكُنَّ، وَاعْلَمْنَ أَنَّ الْمَرْأَةَ بِصَلَاحِهَا يَصْلُحُ الْمُجْتَمَعُ، وَبِفَسَادِهَا يُصْبِحُ الْمُجْتَمُعُ فِي تِيهٍ وَسَرَابٍ. فَالْأُمُّ هِيَ الْمُجْتَمَعُ، وَالْأُمُّ هِيَ الْأَسَاسُ، وَهِيَ صَمَّامُ الْأَمَانِ بِإِذْنِ اللهِ.

 

الأُمُّ مَدْرَسَةٌ إِذَا أَعْدَدْتَهَا *** أَعْدَدْتَ شَعْبًا طَيِّبَ الْأَعْرَاقِ

 

قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 59].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَظَاهِرِ الْعِيدِ مَا يَحْدُثُ بَيْنَ الأَهْلِ وَالْجِيرَانِ مِنْ صِلَةٍ لِلْأَرَحَام وَتَبَادُلٍ للتَّزَاوُرِ وَالسَّلامِ؛ مِمَّا لَهُ الأَثَرُ الْبَالِغُ عَلَى النُّفُوسِ فِي نَشْرِ الْمَحَبَّةِ وَالأُلْفَةِ وَالتَّعَاوُنِ بَيْنَ الأَقَارِبِ، وَهَذِهِ عِبَادَةٌ عَظِيمَةٌ جَاءَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ)[الرَّعْدِ: 21]، وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ" (أَخْرَجَهُ اَلْبُخَارِيُّ).

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُ: إِنَّ الْعِيدَ فُرْصَةٌ عَظِيمَةٌ لِتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ، وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ، وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ، وَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا للهِ عَوَّضَهُ اللهُ خَيْرًا مِنْهُ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمُسْلِمَاتُ: إِنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَنْ يَنْقَطِعَ بِانْقِضَاءِ رَمَضَانَ، بَلْ لا نَزَالُ نَتَعَبَّدُ لِرَبِّنَا -سُبْحَانَهُ- بِالصَّلاةِ وَالْقُرْآنِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ حَتَّى نَلْقَاهُ وَهُوَ رَاضٍ عَنَّا.

 

وَإِنَّ مِنْ ذَلِكَ صَيَامَ سِتٍّ مِنْ شَوَّال قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ" (رواه مسلم)! فَيَجُوزُ صِيَامُهَا مُتَفَرِّقَةً وَمُجْتَمِعَةً، مِنْ أَوِّلِ الشَّهْرِ أَوْ آخِرِهِ، وَلَكِنْ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ فَلا يَصُومَنَّهَا حَتَى يَقْضِيَ.

 

اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنَّا الصَّيِامَ وَالْقِيَامَ وَالْقُرْآنَ، وَأَعِنَّا عَلَى كُلِّ خَيْرٍ وَجَنِّبْنَا كُلَّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثْنِينَ بِهَا عَلَيْك، قَابِلِينَ لَهَا وَأَتِمَّهَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ كُنْ لَنَا وَلا تَكُنْ عَلَيْنَا، وَانْصُرْنَا وَلا تَنْصُرْ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَهُمْ وَاحْفَظْ أَعْرَاضَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَاغْفِرْ لِمَوْتَاهُمْ وَاشْفِ مَرْضَاهُمْ، اللَّهُمَّ وَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاكْفِهِمْ شِرَارَهُمْ يَا مَنْ بِيَدِهِ الأَمْرُ يَا رَحْمَنُ يَا رَحِيم! اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ لِوُلاةِ أُمُورِنَا بِطَانَتَهُمْ وَاهْدِهُمْ سُبَلَ السَّلامِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ!

 

اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الْحَمْدُ.

المرفقات

رمضان شهر الجود

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات