خطبة عيد الفطر 1436هـ

خالد بن سعد الخشلان

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ كثرة المؤامرات على الإسلام والمسلمين 2/ مساوئ الإعلام الهدّام 3/ وجوب شكر نعمة الأمن والاستقرار 4/ الحث على لزوم العبادة بعد رمضان 5/ حكم اجتماع الجمعة والعيد 6/ تذكر المنكوبين والمشردين والدعاء لهم 7/ نصائح للشباب والفتيات 8/ وصايا تربوية للآباء والأمهات

اقتباس

يأتي هذا العيد المبارك والكيد الكبار للمسلمين يعظم والتآمر يتوسع من قبل الصليبين والصفويين والصهاينة المجرمين على المسلمين عمومًا، وعلى أهل السنة خصوصًا بمختلف مدارسهم، ونحن في هذه البلاد المباركة التي تحتضن قبلة المسلمين ومسجد الرسول الأمين -صلى الله عليه وسلم- ومن صحاريها وسهولها انطلقت قوافل الإسلام في الزمن الأول تنشر العدل والهدى والنور والسلام في أرجاء المعمورة شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا، وهي رائدة التعاون الإسلامي ورافعة لواء السنة والتوحيد. يحاول الأعداء إلحاق الأذى بهذه البلاد المباركة، ويحيكون المؤامرات تلو المؤامرات ويغررون ببعض أبناء هذه البلاد ليكونوا أداة لتحقيق مآربهم الخبيثة ومقاصدهم الشريرة.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي خلق الخلق وأحصاهم عددًا، وكلهم آتيه يوم القيامة فردًا، أحمده سبحانه على عموم نعمه وسوابغ فضله وجميل صنعه، وأشكره سبحانه على تتابع خيراته وتوالي حسناته.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله وصفيه وخليله ومجتباه من خلقه، أرسله الله رحمة للعالمين، وحجة على الخلائق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 

الله أكبر أهل هلال شهر وأنور، الله أكبر كلما أشرق صباح عيد وأزهر.

الله أكبر كلما صام لله صائم وأفطر، الله أكبر كلما طاف بالبيت طائف ولبَّى وكبَّر

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

أما بعد فيا عباد الله ما من وصية يوصي بها المسلم أخاه المسلم في ساعات الفرح أو الحزن في أحوال العسر أو اليسر كالوصية بتقوى الله -عز وجل-؛ فهي الوصية الشاملة لأنواع الخيرات، الجامعة للبركات الواقية من الشرور والآفات، ألا فاتقوا الله عباد الله تقوى تُرضون بها ربكم، وتُصلحون بها أحوالكم، وتستعدون بها لما أمامكم.

 

إن التقوى أيها الإخوة المسلمون عملية إيجابية، عملية مستمرة يحرص المسلم فيها على تعزيز معاني العبودية والطاعة لله رب العالمين، في حياة المسلم كلها، في مواسم الفضل وغيرها في أوقات الشدة والرخاء والعسر واليسر.

 

فاجعل أيها المسلم تقوى الله -عز وجل- حدثًا عظيمًا تسعى لتحقيقه في دنياك، في ليلك ونهارك، في أقوالك وأفعالك، في حركاتك وسكناتك، في حبك وبغضك ومشاعرك كلها، وأنت إن فعلت هذا فصارت التقوى الهدف الأسمى الذي تسعى للوصول إليه وصارت التقوى في الوقت ذاته المحرك لك نحو الأعمال الصالحة والقربات النافعة لفعلها والتزامها والحاجزة للنفس عن الوقوع في السيئة؛ إن فعلت هذا فأبشر يا عبد الله بخير حياة في الدنيا وخير حياة في الآخرة.

 

(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس: 62- 64]. رزقنا الله وإياكم تقواه، ووفقنا للعمل بما يحقق رضاه؛ إنه سميع مجيب.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

عباد الله: هذا هو يوم عيد الفطر السعيد يأتي بعد أن صام المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها شهر رمضان المبارك، وأحيوا ما تيسر من ليله، وعمروا مساجدهم بقراءة القرآن، ودخلوا مدرسة الإرادة والصبر والتحمل، وها هم اليوم فرحين بفضل الله ورحمته؛ ينتظرون في هذا اليوم جوائز الرب -سبحانه وتعالى-، جوائز الرب الجواد الكريم؛ مغفرةً لذنوبهم وتكفيرًا لسيئاتهم ومضاعفةً لحسناتهم ورفعةً لدرجاتهم.

 

ها هم عباد الله اليوم، ها هم عباد الله الصائمون القائمون يرجون في هذا اليوم قبول أعمالهم، ويطمعون في أن يشملهم ربهم برحمته، ويعمهم بفضله وإحسانه ويكرمهم بعتق رقابهم من النار ويتفضل عليهم بتحقيق أمالهم.

 

فاللهم يا أكرم من أعطى وأجود من منح؛ امنن على عبادك الصائمين بقبول أعمالهم وقبول دعواتهم، واجعلهم من أهل جنتك ونعيمك الناجين من نارك وعذابك.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

أيها الإخوة المسلمون: يأتي هذا العيد المبارك والكيد الكبار للمسلمين يعظم والتآمر يتوسع من قبل الصليبين والصفويين والصهاينة المجرمين على المسلمين عمومًا، وعلى أهل السنة خصوصًا بمختلف مدارسهم، ونحن في هذه البلاد المباركة التي تحتضن قبلة المسلمين ومسجد الرسول الأمين -صلى الله عليه وسلم- ومن صحاريها وسهولها انطلقت قوافل الإسلام في الزمن الأول تنشر العدل والهدى والنور والسلام في أرجاء المعمورة شرقًا وغربًا وشمالاً وجنوبًا، وهي رائدة التعاون الإسلامي ورافعة لواء السنة والتوحيد.

 

يحاول الأعداء إلحاق الأذى بهذه البلاد المباركة، ويحيكون المؤامرات تلو المؤامرات ويغررون ببعض أبناء هذه البلاد ليكونوا أداة لتحقيق مآربهم الخبيثة ومقاصدهم الشريرة.

 

وإن أعظم ما يواجَه به هذا الكيد وهذا التآمر مِن قِبل أعدائنا وأعداء الإسلام والمسلمين مزيد اعتصام بكتاب ربنا، مزيد تمسك بسنة نبينا، مزيد استمساك بديننا وشريعتنا.

 

لن نواجه أولئك الأعداء والمتربصين والحاقدين الطامعين؛ لن نواجههم بمجرد العدد والعُدَّة فهم في الغالب أكثر عددًا وأقوى عُدَّة، وإنما المواجهة الحقيقية والإعداد الحقيقي لن يكون إلا بالتدين الحق والاستقامة على الدين عندها تتكسر نصال الأعداء وتنثني سهامهم ويبطل كيدهم والله -عز وجل- يقول في محكم كتابه: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا)، (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [آل عمران:175].

 

نريد عملاً جادًّا، نريد في ظل هذه الظروف الحرجة عملاً جادًّا نحافظ به على عقيدتنا وثوابتنا وهويتنا واجتماع كلمتنا، نريد عملاً جادًّا لتطبيق الشريعة في صغير الأمر وكبيره، وتفعيل ذلك في أرض الواقع.

 

نريد عملاً جادًّا في تولية الأكفاء والناصحين الذين يحرصون فيما وُلُّوا من مسئوليات مهما صغرت على تحقيق مصالح الناس؛ حتى لا يجد الأعداء في بعض الأخطاء منفذ يتسللون منه لبث الفتنة والإثارة والفرقة.

 

إننا -على سبيل المثال- لنعجب أشد العجب من حال وسائل الإعلام في بلادنا وما تطرحه على شاشاتها أو صفحاتها مما لا يمثل هموم الأمة، ولا يسهم في نشر الوعي الحقيقي، بل على العكس من ذلك تمامًا يسعى إلى تقييد للأمة عن الأخطار المحيطة بها وإشغال للمجتمع حتى في أوقات الأزمات والشداد في التافه من البرامج والساقط من المسلسلات والتمثيليات حتى في شهر رمضان الفاضل لم يراعوا حرمة للشهر ولا مقام للزمن.

 

مشاهد للنساء المتبرجات أشباه العاريات، أي دور تقوم به تلك المسلسلات وأين واجب للأمة تقدمه تلك التمثيليات؟!

 

هذا فضلاً عن القنوات التي يتملكها بعض المنتسبين لهذه البلاد، وتُحسَب علينا وقد تأذى من سمومها وشرورها القاصي والداني؛ إثارةً للشبهات وتحريكًا للغرائز والشهوات،بل ووقفت هذه الوسائل الإعلامية أحيانًا كثيرة مع أعداء الدين والإسلام.

 

وإن واجب على المسئولين عن الإعلام ومُلاك تلك القنوات أن يتقوا الله في دين الأمة وعقيدة الأمة وأخلاق شبابها، ويعملوا جادين على نفي الخبث وعدم تزييف الوعي في برامجهم، والسعي في النهوض بالمجتمع إلى معالي الأمور، وتنوير العقول حتى يكون الإعلام في بلادنا عامل بناء لا هدم، عامل اجتماع لا فُرقة، عامل إيقاظ لا عامل تضليل.

 

إعلام يعيش هموم الأمة، ويحمل رسالتها، ويسعى لتحقيق أهدافها، نسأل الله أن يهدي القائمين على الإعلام بالقيام بمسئوليتهم والله -سبحانه وتعالى- يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال:27].

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

أيها الإخوة في الله: يأتي هذا العيد السعيد ونحن بفضل الله -عز وجل- في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية ننعم بأمن وارف يأمن الإنسان على نفسه وأهله وماله؛ ينام آمنًا ويصحو آمنًا، يغدو ويروح آمنًا، توجهنا إلى مساجدنا وأسواقنا وأماكن عملنا بأمان، وخيرات الله وأرزاقه ونعمه تُساق إلى هذه البلاد سوقًا من أنحاء المعمورة شرقها وغربها حتى صدق فينا قول المولى سبحانه: (أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [القصص: 57].

 

وفي الوقت نفسه نرى بأم أعيننا ونسمع بآذاننا أخبارًا مفزعة وقصصًا مخيفة ومشاهد مروعة تحكي عظم المأساة وهول المصيبة، وفداحة الخَطْب يوم يغيب الأمن وينتشر الخوف والرعب، يوم يفقد الإنسان نعمة الأمن على نفسه وأهله وولده، يوم يبحث الإنسان عن كسرة خبز يسد بها جوعة أطفاله وجرعة ماء يطفئ بها لهيب عطشهم.

 

يوم يموت أطفال الإنسان بين يديه بسبب الجوع والظمأ، ولا يستطيع أن يقدم لهم شيئًا، والله ما أقساها من حالة وما أشدها من معاناة!!

 

هل تصورت أخي المسلم في هذه البلاد المباركة عِظَم ما أنت فيه من نعيم عظيم وفضل الله عليك بنعمة الأمن ورغد العيش واستتباب الأمن.

هل تصور أبناؤنا وأهلنا عظم هاتين النعمتين؟

 

إن واجب على كل مسلم يتمتع بهاتين النعمتين التي تتضاءل بجانبها كثير من النعم أن يقدرهما قدرهما، ويرعاهما حق رعايتهما؛ اعترافًا بحق مسديهما وواهبهما -سبحانه وتعالى- ولهجًا بالثناء والشكر له -سبحانه وتعالى- بالقلب واللسان والجوارح، والسعي الجاد للمحافظة عليهما، وليس مثل الطاعة والبعد عن الظلم ولزوم القصد والاعتدال والبعد عن الإسراف ليس مثل ذلك وسيلة في حفظ نعمتي الأمن ورغد العيش.

 

وقد أحسن من قال:

إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا *** فَإِنَّ الذُّنُوبَ تُزِيلُ النِّعَمْ

وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَا *** دِ فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ

وَإِيَّاكَ وَالظُّلْمَ مَهْمَا اسْتَطَعْـ*** تَ فَظُلْمُ الْعِبَادِ شَدِيدُ الْوَخَمْ

وَسَافِرْ بِقَلْبِكَ بَيْنَ الْوَرَى *** لِتَبْصُرَ آثَارَ مَنْ قَدْ ظَلَمْ

فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ بَعْدَهُمْ *** شُهُودٌ عَلَيْهِمْ وَلَا تَتَّهِمْ

وَمَا كَانَ شَيْءٌ عَلَيْهِمْ أَضَـ*** رَّ مِنَ الظُّلْمِ وَهُوَ الَّذِي قَدْ قَصَمْ

فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ جِنَانٍ وَمِنْ *** قُصُورٍ وَأُخْرَى عَلَيْهِمْ أُطُمْ

صَلُوْا بِالْجَحِيمِ وَفَاتَ النَّعِيـ *** مُ وَكَانَ الَّذِي نَالَهُمْ كَالْحُلُمْ

 

وصدق الله -عز وجل- إذ يقول: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) [القصص:58].

 نسأل الله أن يرزقنا شكر نعمه، ويجعلنا مثنين بها عليه قابليها؛ إنه شكور حليم.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

أيها الإخوة في الله وأنتم تنعمون اليوم بالعيد بين أهليكم وأولادكم لا تنسوا إخوانكم المرابطين من جنودنا ورجال أمننا حراس الحدود والثغور الذي يضحون بأنفسهم في سبيل الدين والمقدسات والوطن، يفدون بأنفسهم من أجل تحقيق الأمن لنا جميعًا، فشكر الله مسعاهم، وضاعف أجورهم، وتقبل شهداءهم، وشفا جرحاهم وحفظ أحياءهم في أنفسهم وأهليهم وأولادهم.

 

أيها الإخوة في الله: إن ما يتعرض له إخواننا في فلسطين وبلاد الشام، والعراق واليمن وبورما، وغيرها من بلاد العالم الإسلامي من ظلم الظالمين والمعتدين، جروحٌ نازفة في جسد أمتنا الإسلامية الحبيبة قد طالت بها المعاناة وعظم بها البلاء واشتد الكرب والخطب.

 

إنها مآسٍ تحتِّم على الأمة أن توحِّد صفوفها، وتجمع أمرها بإيقاف هذه الدماء النازفة وتبذل كل ما تستطيع من عمل إيجابي لنصرة قضايا المسلمين.

 

وإن على ولاة الأمر في كل مكان من هذه المسئولية ما ليس على أحد الناس ممن لا يملكون إلا الدعاء وسؤال المولى -عز وجل- أن يعجِّل بكشف الغمة وتفريج الكربة عن المسلمين، وأن يرينا في أعدائنا وأعداء الأمة ما تقر به الأعين وتشفى به الصدور.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

أيها الإخوة المسلمون: إن من توفيق الله للعبد: اغتنامه لأيام الفضل ومواسم الربح والمتاجرة مع الله -جل وعلا-، وإن من أعظم الخذلان والخسران: التفريط في اغتنام تلك المواسم وتضييعها لكل عمل وقول لا يقرب العبد من مولاه -سبحانه وتعالى-.

 

فيا أيها الموفق هنيئًا لك اغتنام مواسم الفضل والخير، ولتستمر في حياة القرب من الله والعيش مع الطاعة، وكذا العبادة ففي ذلك الخير الكثير والعز والشرف لك في الدنيا والآخرة.

 

ويا أيها المقصِّر والمفرِّط حتى متى تمر بك تلك المواسم الشريفة وأنت لاهٍ عنها معرِض عن اغتنامها، ألم تحن منك ساعة التوبة والأوبة، ألم تستيقظ من الرقدة والغفلة؟!

 

بادر -رحمك الله- عمرك، بادر حياتك؛ فأيامك معدودة، وأنفاسك محدودة، والعمر يمضي سريعًا، لا تسوِّف في العمل الصالح حتى يأتي رمضان القادم؛ فإنك لا تدري ما يعرض لك، بل الآن الآن، ابدأ مرحلة التغيير نحو الأفضل، الآن الآن، ابدأ رحلة العودة والرجوع إلى الله -عز وجل-.

 

استثمر أيام عمرك وسنين حياتك في طاعة مولاك، وفي كل كربة تدنيك منه -سبحانه وتعالى-.

 

واتعظ بتقلبات الدهر، اتعظ بتقلبات الزمن، إياك إياكَ والاغترار بشبابك وقوتك، إياك إياكَ والاغترار بصحتك وعافيتك، إياك إياكَ والاغترار بمالك وغناك فقد تُسلب ذلك كله في لحظة خاطفة من حياتك، بل قد تُسلب ما هو أعظم من ذلك؛ قد تُسلب حياتك نفسها، فيفجعك هادم اللذات ومفرق الجماعات وميتِّم البنين والبنات، فتقدم على ربك حينئذ خاليًا من كل عمل صالح يكون شفيعًا لك.

 

نعوذ بالله -أيها الإخوة- من حال أهل الغفلة والغرور. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ) [فاطر:5].

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله يعز من أطاعه واتقاه، وناصر من اعتصم به ولاذ بهما، ومذل من خالف أمره وعصاه، وهاذم من أعرض عنه وما تولاه، أحمده سبحانه وهو أهل الحمد والشكر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا رحمكم الله أن عمل المؤمن ليس له نهاية إلا الموت، فاستمروا رحمكم الله على الطاعة والعبادة، وتزودوا من التقوى فإن خير الزاد التقوى.

 

أيها الإخوة المسلمون: فقد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان؛ عيد الفطر وعيد يوم الجمعة، وقد حصل هذا في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم-، فصلى -صلى الله عليه وسلم- بالناس العيد، وخطبهم خطبة العيد، وكان مما قال لهم -صلى الله عليه وسلم-: "اجتمع عيدان في يومكم هذا، فمن شاء أجزأه من الجمعة، وإنًّا مجمعون إن شاء الله".

 

وقد أخذ جماعة من أهل العلم من هذا الحديث وأمثاله أن مَن شهد صلاة العيد من المسلمين رخِّص له التخلف عن صلاة الجمعة، وإن كان الأفضل والأولى والأحوط والأكمل أن يحضر الجمعة ويصليها مع المسلمين، وأما من لم يشهد صلاة العيد فلا يجوز له التخلف عن صلاة الجمعة، بل يجب عليه السعي له كما قرر أهل العلم أن من رخص له في التخلف عن صلاة الجمعة لشهوده صلاة العيد؛ فإن صلاة الظهر لا تسقط عنه، بل يصليها في بيته مع أولاده الذين حضروا صلاة العيد أو يصليها لوحده.

 

وعلى هذا فلا يجوز لمن لم يشهد صلاة العيد أن يتخلف عن صلاة الجمعة، ومن شهد صلاة العيد جاز له التخلف عن صلاة الجمعة، ولزمته الظهر، وإن كان الأولى كما قلت ألا يتخلف عن صلاة الجمعة.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

عباد الله: حافظوا على الصلاة؛ فإنها آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين، ولا حظ في الإسلام لمن تركها، أدُّوها مع المسلمين حيث ينادَى لها، مروا أبنائكم وبناتكم وأهليكم بها، رغِّبوهم بفعلها تفلحوا (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [مريم:55].

 

أدوا زكاة أموالكم طيبةً بها نفوسكم، لا تبخلوا بحق الفقراء والمساكين؛ فإن في إخراج الزكاة طهارة للنفس وزكاة لها (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم) [التوبة: 60].

 

بروا آبائكم وأمهاتكم فقد قرن الله حقه بحقهم (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) [الإسراء: 23]، رضا الله من رضا الوالدين، وسخط الله في سخطهما، أدخلوا السرور عليهما، وهل هناك في الحياة من هو أولى بإدخال السرور والبهجة والحبور كالأبوين، فاحذروا من عصيانهما وعقوقهما؛ فإن ذلك والله سبب في هلاك الدنيا والآخرة.

 

صلوا الأرحام بالزيارة والسلام والهدية والإكرام، ابتعدوا عن الشحناء والبغضاء والخصام، ترفعوا عن حظوظ النفس وأمور الدنيا لا تكن سببًا تقطع به الأرحام، فربكم -عز وجل- يحذركم غاية التحذير من ذلك (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) [محمد:  22- 23].

 

حافظوا على نظافة قلوبكم من الغل والحقد، والحسد والكبر، تواضعوا لخلق الله ولتطب نفوسكم وصدوركم مع إخوانكم المسلمين.

حافظوا على جواركم فلا تستعملوها إلا في مراضي الله.

 

إن من الإخلال بالأمانة: أن ينعم الله عليك بالسمع والبصر وغيرهما من الجوارح فتستعملهما في معاصي الله ومساخطه والله -عز وجل- يقول: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) [الإسراء:36].

 

أيها الآباء: اللهَ الله فيمن اؤتمنتم عليه من رعاية أسرة والأبناء والبنات، انصحوا لهم حذارِ من الغش لهم أو التفريط في المسئولة والأمانة، فـ"ما من راعٍ يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيته إلا حرَّم الله عليه الجنة".

 

علموهم برفق، ورغبوهم بتعاليم الإسلام وأخلاقه رغبوهم زكوا نفوسهم وأخلاقهم، أكثروا من الدعاء لهم بالصلاح والهداية والاستقامة، وابتعدوا عن الدعاء عليهم ولا تيأسوا من صلاحهم وهدايته حذروهم من المعاصي، وعظِّموا خوف الله ومحبته ورحمته ورغبته وخشيته، ومراقبته لقلوبهم، جنِّبوهم التشبه بالأعداء فيما هو من خصائص الأعداء.

 

ربُّوا مولاتكم وبناتكم على الذكر والعفاف في زمن صار العري تمدنًا والتكشف موضة، وليكن حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نُصْب أعينكم وأعينهن "صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما"، وذكر منهما "ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة؛ لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا".

 

إن من معصية الله أن تظهر الفتاة محاسن جسمها ومقاطع بدنها أمام الرجال من محارمهما كإخوانها ونحوهم؛ مما يثير الغرائز ويحرِّك الفتن، ويوقع في الشرور، وإن رضا الأب والأم بذلك معصية، وإضاعة للمسئولية، و"كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته".

 

وألا وإن ما يجب على الآباء الانتباه له مراقبة الأبناء ومتابعتهم في ألا يقعوا فريسة لأهل الغلو ودعاة الفتنة، رافقوهم بحب وحاورهم برفق متى ما لاحظتم عليهم خطأ ادعوا لهم بالصلاح والاستقامة، والله خير حافظًا وهو أرحم الراحمين.

 

مروا عباد الله بالمعروف، وانهوا عن المنكر، وادعوا إلى الله -عز وجل- بالحكمة والموعظة الحسنة بما تستطيعون وتتقنون وأقوالكم الحسنة ففي ذلك أعظم الأثر.

 

الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.

 

هذا يوم العيد، هذا يوم عيد الفطر السعيد فصيِّروه -رحمكم الله- عيدًا للجميع، عودوا المرضى، صلوا لأرحام، زوروا الجيران والأصحاب، واسوا الصغار والمساكين، أشيعوا البهجة والسرور فيمن حولكم، ابتعدوا عن كل ما ينغص مجالس علمكم.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.

 

 

المرفقات

عيد الفطر 1436هـ1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات