خطبة عيد الفطر المبارك 1445هـ

الشيخ نواف بن معيض الحارثي

2024-04-10 - 1445/10/01 2024-04-09 - 1445/09/30
التصنيفات: الفطر
عناصر الخطبة
1/تهنئة بالعيد 2/يوم الجوائز 3/وصايا جامعة في توحيد الله تبارك وتعالى 4/وجوب الالتزام بأصول الدين وشرائعه 5/دعوة إلى التحلي بالقيم والآداب 6/أسس صلاح المجتمعات 7/رسائل إلى المرأة المسلمة.

اقتباس

إِنَّ القِيَمَ وَالأَخْلاقَ الرَّفِيعَةَ هِيَ دَعَائِمُ المُجتَمَعَاتِ الخَيِّرَةِ، وقِيمَةُ كُلِّ فَرْدٍ فِي مُجتَمَعِهِ بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنْ أَخْلاقٍ حَمِيدَةٍ، وَآدَابٍ مَجِيدَةٍ، وكَمَالُ إِيْمَانِ المَرْءِ إِنَّمَا يُقَاسُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ...

الخطبة الأولَى:

 

يكبرُ (سبعًا)

 

اللهُ أَكْبَرُ مَا صَدَحَتِ الأَصْوَاتُ بِالتَّكْبِيرِ فِي المَسَاجِدِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا سَبَّحَ للهِ رَاكِعٌ وَسَاجِدٌ، اللهُ أَكْبَرُ مَا اسْتَبْشَرَ الصَّائِمُونَ بِعَظِيمِ الأَجْرِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا قَامَ المُتَهَجِّدُونَ للهِ يَرْجُونَ لَيْلَةَ القَدْرِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا تَاقَتْ قُلُوبُ الصَّائِمِينَ لِهَذَا العِيدِ، اللهُ أَكْبَرُ مَا تَنَفَّسَ الصُّبْحُ بِهَذَا اليَوْمِ السَّعِيدِ.

 

هَلَّ الِهلَالُ فَحَيُّوا طَالِعَ العِيدِ *** حَيُّوا البَشِيرَ بِتَحْقِيقِ المَوَاعِيدِ

للهِ فِي الخَلْقِ آَيَاتٌ وَأَعْجَبُهَا *** تَجْدِيدُ رَوْعَتِهَا فِي كُلِّ تَجْدِيدِ

 

الحَمْدُ للهِ مُيَسِّرِ أَسْبَابِ البِرِّ وَالخَيْرَاتِ، المُثِيبِ عَلَى الصَّلاَحِ وَالطَّاعَاتِ، وَمُجْزِلِ الأُجُورِ وَالأَعْطِيَاتِ، وَرَافِعِ الصَّائمِينَ وَالقَائمِينَ أَعلَى الدَّرَجَاتِ، سُبْحَانَهُ يَقْبَلُ مِنْ عِبَادِهِ القَلِيلَ، ويُثِيبُهُمْ عَلَيْهِ الوَافِرَ الجَزِيلَ، ونَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، غَافِرُ الذَّنْبِ وَقَابِلُ التَّوْبِ، وَكَاشِفُ العُسْرِ وَالكَرْبِ.

 

ونَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللهِ ورَسُولُهُ، أَفْضَلُ مَنْ صَلَّى وصَامَ، وحَجَّ واعتَمَرَ وَبَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ فِي الجَهْرِ وَالإِسْرَارِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ المُصْطَفَى المُخْتَارِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ البَرَرَةِ الأَخْيَارِ، مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الأَبْرَارِ إِلَى يَوْمِ القَرَارِ. 

 

أَمَّا بَعْدُ: فاتَّقُوا اللهَ -تَبَارَكَ وتَعَالَى-، واشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ التِي تَتَرادَفُ عَلَيْكُمْ وَتَتَوالَى، واعرفوا نعمتَه عليكم بهذا العيدِ السعيدِ، فلَقَدْ بَزَغَ فَجْرُ هَذَا اليَوْمِ السعيدِ لِيَرْسُمَ عَلَى مُحَيَّاكُمُ البَهْجَةَ وَالسُّرُورَ، وَيَنْشُرَ عَلَيْكُمْ نَسَمَاتِ الفَرَحِ وَالحُبُورِ، وَيُبَشِّرَكُمْ بِمَا أَعَدَّ اللهُ لَكُمْ مِنْ عَظِيمِ الأُجُورِ، فهَذَا يَوْمُ الْأُعْطِيَاتِ، وَمَوْسِمُ الْمَكْرُمَاتِ، يومٌ توج اللهُ به شهرَ الصيامِ وافتتحَ به أشهرَ الحجِّ إلى بيته الحرامِ، إنَّه يومُ الجوائزِ.

 

 عن ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما- يرفَعُهُ قالَ: "إِذَا كَانَتْ غَدَاةُ الْفِطْرِ بَعَثَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فِي كُلِّ بِلَادٍ، فَيَهْبِطُونَ الْأَرْضَ، فَيَقُومُونَ عَلَى أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَيُنَادُونَ بِصَوْتٍ يُسْمِعَ مَنْ خَلَقَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ، فَيَقُولُونَ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، اخْرُجُوا إِلَى رَبِّكُمْ رَبٍّ كَرِيمٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ وَيَعْفُو عَنِ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ.

 

فَإِذَا بَرَزُوا إِلَى مُصَلَّاهُمْ يَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لِلْمَلَائِكَةِ: مَا جَزَاءُ الْأَجِيرِ إِذَا عَمِلَ عَمَلَهُ؟" قَالَ: "فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: إِلَهَنَا وَسَيِّدَنَا جَزَاؤُهُ أَنْ تُوَفِّيَهُ أَجْرَهُ"، قَالَ: "فَيَقُولُ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ يَا مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُمْ مِنْ صِيَامِهِمْ شَهْرَ رَمَضَانَ وَقِيَامِهِمْ رِضَايَ وَمَغْفِرَتِي، وَيَقُولُ: عِبَادِي، سَلُونِي، فَوَعِزَّتِي وَجَلَالِي لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ شَيْئًا فِي جَمْعِكُمْ لِآخِرَتِكُمْ إِلَّا أَعْطَيْتُكُمْ، وَلَا لِدُنْيَاكُمْ إِلَّا نَظَرْتُ لَكُمْ انصرفوا مغفورًا لكم"(رواه الطبراني في معجمه والبيهقي في شعبه وغيرهما).

 

فَمُبَارَكٌ عَلَيْكُمُ الْفَرْحَةُ، وَهَنِيئًا لَكُمُ التَّمَامُ، وَلَكُمْ مِنَّا التَّهْنِئَةُ وَالتَّحِيَّةُ وَالسَّلَامُ، وتقبّلَ اللهُ منّا ومنْكُم صالحَ القولِ والعملِ.

 

أيها المؤمنون: لَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ -تَعَالَى- فِي كُلِّ أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ يَدْعُونَ الخَلْقَ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ –تَعَالَى- وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَاجْتِنَابِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ، فَدِينُ الأَنْبِيَاءِ -عَلَيْهِمُ السَّلَامُ- وَاحِدٌ كُلُّهُمْ دَعَوُا الْخَلْقَ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ -تَعَالَى-، وَنَهَوْهُمْ عَنِ الشِّرْكِ (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)[النحل: 36].

 

 فاحذروا الشركَ فإنَّه أكبرُ الآثامِ (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[المائدة: 72]، واحذروا قوادحَ التوحيدِ من السحرِ وغيرها، و"من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفرَ بما أُنزل على محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-".

 

وقرينُ التوحيد أن تشهدَ أن محمداً رسولُ اللهِ -صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه-؛ فحقِّقوها بطاعتِه فيما أَمر، واجتنابِ ما نهى عنه وزجر، وتصديقِه فيما أخبر، وألا يُعبدَ اللهَ إلا بما شرعَ، مع محبتِه وتوقيره، والزموا ما جاء به -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنّه لا طريقَ للجنةِ إلاّ من طريقتِه، ولا فلاحَ في الدنيا والآخرةِ إلاّ باتبِاعه وطاعتِه (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[الحشر: 7].

 

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ "لكل أمة عيد، وهذا عيدُنا".

 

معاشر المسلمين: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فَتَقْوَى اللهِ جِمَاعُ الخَيْرَاتِ، وَمَنْبَعُ البَرَكَاتِ، وَهِيَ مَنَاطُ الفَوْزِ فِي العُقْبَى (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[النساء: 131].

 

الصلاةُ عمادُ الدِّينِ وعصامُ اليقينِ، هي ناصيةُ القرباتِ وغُرَّةُ الطاعاتِ وخيرُ الأعمالِ، فرأسُ الأمرِ الإسلامِ، وعمودُه الصلاةُ، مَن حافظَ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً يومَ القيامةِ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[العنكبوت: 45].

 

 صوموا شهرَكم، ومن أفطرَ منه وجب عليه أن يقضيَ عدّةَ ما أفطر من أيام أُخَر. و"مَن صامَ رَمَضانَ ثُمَّ أتْبَعَهُ سِتًّا مِن شَوَّالٍ، كانَ كَصِيامِ الدَّهْرِ".

 

أَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، طَيِّبَةً بِهَا نُفُوسُكُمْ، ولا تتهاونوا في أداءِ فريضةِ اللهِ في الحج؛ (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 97].

 

الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر أصلٌ عظيمٌ من أصولِ الشريعة وركنٌ مشيدٌ من أركانها المنيعة "والَّذي نَفسي بيدِهِ لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عنِ المنكرِ، أو ليوشِكَنَّ اللَّهُ أن يبعثَ عليكُم عقابًا منهُ ثمَّ تَدعونَهُ فلا يَستجيبُ لَكُم"(رواه الترمذي).

 

لَا تَغْفُلُوا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، تَعَاهَدُوا كِتَابَهُ وَاعْرِضُوا عَلَيْهِ قُلُوبَكُمْ وَجَوَارِحَكُمْ؛ فَهُوَ شرعُ اللَّهِ فِيكُمْ، وَهُوَ بَرْنَامَجُ حَيَاتِكُمْ، وَفِيهِ مُرَادُ رَبِّكُمْ، وَمَكْمَنُ سَعَادَتِكُمْ وَطَرِيقُكُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَاحْذَرُوا هَجْرَهُ وَتَعَدِّيَ حُدُودِهِ؛ فَيُقِيمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْكُمْ حُجَّتَهُ وَعِنْدَهَا تُحْرَمُوا شَفَاعَتَهُ (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا)[الإسراء: 9].

 

أيها المؤمنون والمؤمنات: إِنَّ القِيَمَ وَالأَخْلاقَ الرَّفِيعَةَ هِيَ دَعَائِمُ المُجتَمَعَاتِ الخَيِّرَةِ، وقِيمَةُ كُلِّ فَرْدٍ فِي مُجتَمَعِهِ بِمَا يَتَّصِفُ بِهِ مِنْ أَخْلاقٍ حَمِيدَةٍ، وَآدَابٍ مَجِيدَةٍ، وكَمَالُ إِيْمَانِ المَرْءِ إِنَّمَا يُقَاسُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ، فَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ المُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيْمَانًا؟ قَالَ: "أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا".

 

 أَلاَ وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ القِيَمِ وَالأَخْلاقِ -عباد الله-: المُرُوءَةَ فِي الحَقِّ، وَالشُّكْرَ عَلَى المَعْرُوفِ، وَالعِفَّةَ عَنِ المَظَالِمِ، وَبَسْطَ الخَيْرِ، وَجَلْبَ المَوَدَّةِ، وَالتُّؤَدَةَ فِي الأُمُورِ، وَالصِّدقَ فِي المُعَامَلَةِ، وَالاستِقَامَةَ فِي السُّلُوكِ، وبذلَ الندى، وكفَّ الأذى، وسترَ العيوب، والعفوَ عن الزلل، وحسنَ العشرة، ولينَ الجانب، وبشاشةَ النفسِ وسماحتِها، وأن تعرفَ لكلِّ ذي حقٍّ حقَه.

 

 وإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الإِيمَانِ، وَأَوفَرِ حُظُوظِ البِرِّ والإِحْسَانِ: الإِحْسَانَ إِلَى الأَقَارِبِ مِنَ الوَالِدَيْنِ وَالأَزْوَاجِ والإِخْوَانِ والأرحامِ، فَإنَّ لِلْوَالِدَيْنِ حَقّاً عَلَى الوَلَدِ عَظِيماً، وفِي عُقُوقِهِمَا خَطَراً جَسِيماً (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)[الإسراء: 23].

 

وإنَّ العيدَ فرصةٌ عظيمةٌ لتصل من قطعكَ، وتعطيَ من حرمَكَ وتعفوَ عمَّن ظلمكَ (أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ)[النور: 22]، و"مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(رواه البخاري ومسلم).

 

أيها المؤمنون: إِنَّ المَعْصِيَةَ لَمْ تَظْهَرْ فِي قَوْمٍ إِلَّا وَقَدِ اسْتَحَقُّوا بِهَا عُقُوبَةَ اللهِ، وإن للذنوبِ أثراً وضرراً على الفردِ والمجتمعِ فاجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ؛ وهي الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلاَتِ.

 

اقْصُدُوا الرِّزْقَ الْحَلَالَ، وَلَا تَتَخَوَّضُوا فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فإنَّه لا يدخُلُ الجنَّةَ لحمٌ ودمٌ نبَتا على سُحتٍ النَّارُ أَوْلى به.

 

 إياكم والظلمَ فإنه ظلماتٌ يومَ القيامِة "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ"(رواه البخاري).

 

بجميلِ الكلامِ تدومُ المودةُ، وبحسنِ الخلُقِ يطيبُ العيشُ، وبلينِ الجانبِ تستقيمُ الأمورُ "أَلا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ الجَنَّةِ؟ كُلُّ ضَعِيفٍ مُتَضاعِفٍ، لو أقْسَمَ علَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ. ألا أُخْبِرُكُمْ بأَهْلِ النَّارِ؟ كُلُّ عُتُلٍّ جَوّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ"(رواه البخاري).

 

"إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، ولا تحسَّسوا وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَنَافَسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمْ. المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخْذُلُهُ، وَلاَ يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هاهُنَا التَّقْوَى هاهُنَا -وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ - بِحَسْبِ امْرِىءٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أخَاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ، وَعِرْضُهُ، وَمَالُهُ. إنَّ اللهَ لاَ يَنْظُرُ إِلَى أجْسَادِكُمْ، وَلاَ إِلَى صُوَرِكُمْ، وَلكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وأعْمَالِكُمْ". و"المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، والمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللهُ عَنْهُ"(رواه البخاري ومسلم).

 

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ "لكل أمة عيد، وهذا عيدُنا".

 

أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: إِنَّ التَّأرِيخَ يُؤَكِّدُ أَنَّ صَلاَحَ المُجْتَمَعَاتِ هُوَ فِي تمسكها بدينها ثم بوَحْدَةِ كَلِمَتِهَا، وَاجتِمَاعِ أَمْرِهَا، وَالتِئَامِ شَمْلِهَا، فأَطِيعُوا رَبَّكُمْ، وَاتَّبِعُوا نَبِيَّكُمْ، وَاسْمَعُوا لِوُلَاةِ أَمْرِكُمْ في غيرِ معصيةِ اللهِ، وَحَافِظُوا عَلَى أَمْنِكُمْ، وَاحْرُسُوا أَرْضَكُمْ وَوَحْدَتَكُمْ، وَاشْكُرُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

 

عباد الله: إِنَّ الشَّبَابَ هُمْ رَكِيزَةُ الْمُجْتَمَعِ، وَرِجَالُ الْغَدِ وَالْمُسْتَقْبَلِ، فَمَا بَالُ بَعْضِ الشبابِ يَتَّخِذُونَ التَّقْلِيدَ الأعمى لَهُمْ مَنْهَجًا، وَالتَّبَعِيَّةَ طَرِيقًا وَمَسْلَكًا؟ أَمَا يَرْغَبُونَ فِي اسْتِقْلالِ شَخْصِيَّاتِهِمْ؟ أَمَا يُحِبُّونَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ كِيَانُهُمْ وَإِبْدَاعُهُمْ؟ لِمَاذَا يُعَطِّلُونَ عُقُولَهُمْ وَيَدفِنُونَ قُدُرَاتِهِمْ؟

 

فيا معشر الشبابِ: تَجَمَّلُوا بِالأَخْلاقِ، وَتَزَيَّنُوا بِالحِلْمِ وَالعِلْمِ، وَتَفَاضَلُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ بِالتَّقْوَى، وَاستَمْسِكُوا بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى؛ واجْعَلُوا عُقُولَكُمْ قَائِدًا نَحْوَ الحَقِيقَةِ وَالصَّوَابِ، نَائِيًا بِكُمْ عَنْ كُلِّ مَا فِيهِ شَكٌّ وَارتِيَابٌ، وَارْبَؤُوا بِأَنْفُسِكُمْ عَنْ مَزَالِقِ التَّقْلِيدِ وَالهَوَى، واقتدوا بنبيِكم الكريمِ والصحابةِ الأخيارِ فَالاقتِداءُ بِأَهْلِ الخَيْرِ وَالصَّلاحِ سَبَبُ الفَوْزِ والفَلاَحِ، وسَبيلُ الظَّفَرِ والنَّجَاحِ، وَهُوَ مِنْ مُقْتَضَياتِ العَقْلِ الرَّشِيدِ وثَمَرَاتِ الفِكْرِ السَّدِيدِ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21].

 

ألا فاتقوا الله عباد الله، واعرفوا فضل الله عليكم، ووَاصِلُوا فِعْلَ الخَيْرَاتِ، وَعَضُّوا بِالنَّواجِذِ عَلَى أَسْبَابِ الطَّاعَاتِ، واستَمِرُّوا فِي دَرْبِ البِرِّ والقُرُبَاتِ، واعلموا أن السنة لمن خرج إلى مصلى العيد من طريق أن يرجع من طريق آخر -إن تيسر ذلك-؛ اقتداءً بالنبي -عليه السلام- وإظهارًا لشعائر الله؛ (فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[الزمر: 17- 18].

 

اللهم تقبل منا...

 

 

الخطبة الثانية:

 

يكبر خمسًا ثم يقول:

الحَمْدُ للهِ ذِي المَنَّ وَالإِكْرَامِ، أَكْرَمَنَا بِشُهُودِ شَهْرِ الصِّيَامِ، وَشَرَعَ لَنَا عِيدَ الفِطْرِ بَعْدَ التَّمَامِ، فَلَهُ الحَمْدُ عَلَى جَمِيلِ إِحْسَانِهِ وَعَظِيمِ امتِنَانِهِ، وَنَشْهَدُ أن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ العِيدَ جَائِزَةً لِلعَابِدِينَ، وَفَرْحَةً لِلصَّائِمِينَ.

 

وَنَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ -صلى الله عليه وسلم-، دَعَا النَّاسَ إِلَى أَنْ يَكُونُوا مُتَآلِفِينَ، وَلِنَعْمَاءِ رَبِّهِمْ شَاكِرِينَ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَعَلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ. 

 

أَمَّا بَعْدُ: فيا أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: تَعتَرِضُ الإِنْسَانَ فِتَنٌ كَثِيرَةٌ، وَمَخَاطِرُ جَمَّةٌ، فِي دِينِهِ وَحَيَاتِهِ، وَفِي أَفْكَارِهِ وَأَخْلاقِهِ، وَفِي مَوَاقِفِهِ وَأَعْمَالِهِ "بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا"(رواه مسلم).

 

وَالسَّعِيدُ مَنْ عَرَفَ المَخْرَجَ مِنْهَا فَالتَزَمَ هَدْيَ القُرآنِ، وَثبتَ فِي المَوَاطِنِ، وَاستَعانَ بِاللهِ فِي جميعِ أُمُورِهِ (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)[طه: 123].

 

أيَّتُها الأخواتُ الشريفاتُ، والحرائرُ المصوناتُ العفيفاتُ: فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الأَغَرِّ خَطَبَ -صلى الله عليه وسلم- الرِّجَالَ، ثُمَّ خَطَبَ النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ، فَقَالَ: "تَصَدَّقْنَ فَإِنَّ أَكْثَرَكُنَّ حَطُبُ جَهَنَّمَ"؛ فَقَامَتِ امْرَأَةٌ مِنْ سِطَةِ النِّسَاءِ سَفْعَاءُ الخَدَّيْنِ، فَقَالَتْ: لِمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "لِأَنَّكُنَّ تُكْثِرْنَ الشَّكَاةَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ"، قَالَ: "فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ يُلْقِينَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ مِنْ أَقْرِطَتِهِنَّ وَخَوَاتِمِهِنَّ"(رواه مسلم). 

 

يا نساء المسلمين: تذكري أن "مَنْ أَطَاعَتْ رَبَّهَا، وَصَلَّتْ فَرْضَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا، دَخَلَتِ الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِهَا شَاءَتْ"؛ فَأَيُّ نَعِيمٍ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا ؟! وَأَيُّ غَايَةٍ مَقْصُودَةٍ أَشْرَفُ مِنْ دُخُولِ جَنَّةِ النَّعِيمِ، وَرُؤْيَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟!

 

ألا فالتزمنَ بشرعِ اللهِ، وحافظنَ على الحجابِ، فَالْحِجَابُ تَوْجِيهُ رَبِّ الْأَرْبَابِ، وَتَوْصِيَةُ سَيِّدِ الْأَحْبَابِ، وَهُوَ سَتْرٌ وَصَوْنٌ، وَالْقَرَارُ فِي الْبُيُوتِ كَرَامَةٌ وَعَوْنٌ، ثُمَّ إِنَّ بَنَاتِكُنَّ عِنْدَكُنَّ أَمَانَةٌ، فَكُنَّ لَهُنَّ قُدْوَةً وَحَصَانَةً، عَوِّدْنَهُنَّ الصَّلَاةَ وَالْحَيَاءَ وَالْحِشْمَةَ وَالسَّتْرَ.

 

ويا معشر الرجالِ: احْمُوا جِدَارَ الْعَفَافِ قَبْلَ سُقُوطِهِ، وَدَافِعُوا عَنِ الْحَيَاءِ قَبْلَ خُدُوشِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْغَيْرَةَ عَلَى الْحُرُمَاتِ شَرَفٌ، تَدُلُّ عَلَى عِزَّةِ الْمُسْلِمِ، وَعَلَى سُمُوِّهِ، وَنُبْلِ أَخْلَاقِهِ، والَّذِي لَا يَغَارُ عَلَى مَحَارِمِهِ فِي عَقْلِهِ نَقْصٌ، وَفِي رُجُولَتِهِ خَلَلٌ، ولا بارك الله بعد العرضِ في المالِ!

 

يَا أَهْلَ الْعِيدِ السَّعِيدِ: اجْعَلُوا هَذَا اليَوْمَ فُسْحَةً بَعْدَ الصِّيَامِ، وَفَرْحَةً بَعْدَ نِعْمَةِ التَّمَامِ، بِالتَّوْسِعَةِ عَلَى الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، بِالفَرَحِ المَشْرُوعِ، وَالْحَذَرِ مِنَ المَمْنُوعِ، أَطْلِقُوا الفَرَحَ وَالاِبْتِسَامَةَ، وَابْتَعِدُوا عَنِ الْعِتَابِ وَالْمَلَامَةِ، وَبِهَذَا تَتَصَافَحُ النُّفُوسُ المُطْمَئِنَّةُ، وَتَتَلَاقَى القُلُوبُ المُؤْمِنَةُ، جَعَلَ اللهُ عِيدَكُمْ سَعِيدًا، وَعَمَلَكُمْ صَالِحًا رَشِيدًا.              

 

اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، اللهُ أَكْبَرُ وَللهِ الحَمْدُ "لكل أمة عيد، وهذا عيدُنا".

 

ثم صلوا وسلموا...........

 

 

المرفقات

خطبة عيد الفطر المبارك 1445هـ.doc

خطبة عيد الفطر المبارك 1445هـ.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات