خطبة عيد الأضحى 1444هـ

تركي بن عبدالله الميمان

2023-06-28 - 1444/12/10 2023-07-08 - 1444/12/20
التصنيفات: عشر ذي الحجة
عناصر الخطبة
1/التسليم لله تعالى 2/قدر يوم عيد الأضحى 3/شعيرة الأضحية 4/وظيفة المرأة ومكانتها 5/الفرحة بالعيد

اقتباس

وَعِيدُ النَّحْرِ أَفْضَلُ مِنْ عِيدِ الْفِطْرِ؛ لاجْتِمَاعِ الصَّلَاةِ والذَّبْحِ فِيهِ! (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، قال شَيْخُ الإِسْلَام: “الصَّلَاةُ وَالنُّسُكُ: هُمَا أَجَلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللهِ...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ وَمُرَاقَبَتِهِ؛ فَهِيَ الأَصْلُ والأَسَاسُ، وَهِيَ خَيْرُ لِبَاس (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ).

 

عِبَادَ الله: إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلهِ؛ فَلَا يَقَعُ شَيءٌ إِلَّا بِأَمْرِهِ وعِلْمِهِ! (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ).

 

وَالمُؤْمِنُ حَقًّا؛ يُسَلِّمُ للهِ في أَفْعَالِه، ويَعْلَمُ أَنَّهُ حَكِيْمٌ لا يَعْبَث، فَإِنْ خَفِيَتْ عَلَيهِ الحِكْمَة؛ نَسَبَ الجَهْلَ إلى نَفْسِهِ، وَسَلَّمْ لِحُكْمِ الحَكِيم، قال عز وجل: (ذَلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

 

وَالرِّزْقُ وَالأَجْلُ: مَكْتُوبَانِ مَحْتُومَانِ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ رُوْحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعِي؛ أنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوْتَ؛ حتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَها، وتَسْتَوْعِبَ رِزْقَهَا”.

 

وَالدُّنْيا دَارُ بَلاءٍ وعُبُورٍ، وَلَيْسَتْ دَارَ نَعِيمٍ وَحُبُورٍ (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ).

 

أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: يَوْمُ العِيْد؛ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ، ويَوْمُ الحَجِّ الأَكْبَرِ، وَهُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ، وأَكْثَرُ أَعْمَالِ الحَجِّ تَكُوْنُ فيهِ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَوْمُ النَّحْرِ”(أخرجه أبو داود، وصححه الألباني).

 

وَمِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ الإِسلامِ: صَلاةُ العِيْدِ، وَذَبْحُ الأُضْحِيَة؛ قال -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، قال المُفَسِّرُونَ: “فَصَلِّ لِرَبِّكَ صَلَاةَ الْعِيدِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَانْحَرْ نَسُكَكَ”.

 

وَعِيدُ النَّحْرِ أَفْضَلُ مِنْ عِيدِ الْفِطْرِ؛ لاجْتِمَاعِ الصَّلَاةِ والذَّبْحِ فِيهِ! (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، قال شَيْخُ الإِسْلَام: “الصَّلَاةُ وَالنُّسُكُ: هُمَا أَجَلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللهِ، فأَجَلُّ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ: النَّحْرُ. وَأَجَلُّ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ: الصَّلَاةُ!”.

 

وَذَبْحُ الأُضْحِيَةِ: مِنْ أَعْظَمِ القُرُبَاتِ، وَأَشْرَفِ العُبُودِيَّات، فَهِيَ إِرَاقَةُ الدَّمِ للهِ وَحْدَهُ لا شَرِيْكَ لَهُ؛ فَلَا يَجُوزُ الذَّبْحُ لِغَيرِ اللِه: كَائِنًا مَنْ كَان! قال -صلى الله عليه وسلم-: “لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ!”(رواه مسلم).

 

وَذَبْحُ الأُضْحِيَةِ مِنْ أَعْظَمِ الشُّكْرِ للهِ جل جلاله، وَإِيْثَارِهِ بِالمَالِ المَحْبُوبِ لِلْنُّفُوسِ. وَيَجْتَمِعُ فِيْهَا: الْإِيمَانُ وَالْإِخْلَاصُ، وحُسْنُ الظَّنِّ، وَقُوَّةُ الْيَقِينِ، وَالثِّقَةُ بِمَا في يَدِ اللهِ؛ فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللُه عَنْهَا، أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً، فَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “مَا بَقِيَ مِنْهَا؟” قَالَتْ: “مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلاَّ كَتِفُهَا” فقال: “بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا!”(رواه الترمذي وصححه)؛ أَيْ: بَقِيَتْ لَنَا في الآخِرَةِ إلا كَتِفَهَا. وفي هذا تَحْرِيضٌ على الصَّدَقَةِ، وَأَلَّا يَسْتَكْثِرَ المَرْءُ مَا أَنْفَقَهُ فِيْهَا؛ لِأَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ المالِ: يَفْنَى بِأَكْلِهِ، وَأَمَّا الصَّدَقَةُ: فَهِيَ بَاقِيَةٌ عِنْدَ اللهِ! (مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللهِ بَاقٍ).

 

وَيَمْتَدُّ وَقْتُ الأَضَاحي: إِلَى غُرُوبِ اليومِ الثالثِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهُوَ اليومُ “الثَّالِث عَشَر” مِنْ ذِي الحِجَّةِ؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: “أيامُ التشريقِ: أَيَّامُ أَكْلٍ، وشُرْبٍ، وَذِكْرٍ للهِ”(أخرجه مسلم). قال ابْنُ رَجَب: “أَيَّامُ التَّشْرِيقِ يَجْتَمِعُ فِيْهَا لِلْمُؤْمِنِينَ: نَعِيمُ أَبْدَانِهِمْ بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَنَعِيمُ قُلُوْبِهِمْ بِالذِّكْرِ وَالشُّكْرِ!”.

 

وَيَتَأكَّدُ الذِّكْرُ في هَذِهِ الأَيَّام؛ قال سبحانه وتعالى: (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)؛ قال عِكْرِمَةُ: “يَعْنِي التَّكْبِيْر في أَيَّامَ التَّشْرِيقِ، بَعْدَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ”، وقال ابْنُ عَبَّاس رضي الله عنه: “الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ: أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ: يَوْمُ النَّحْرِ، وَثَلَاثَةٌ بَعْدَهُ”.

 

عِبَادَ الله: المَرْأَةُ المُسْلِمَة: مَدْرَسَةُ الأَجْيَال، وَمصْنَعُ الرِّجَال! وَهِيَ وَصِيَّةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، حِيْنَ قال: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا”(أخرجه البخاري، ومسلم).

 

وَالإِسْلامُ أَعْلَى شَأنَ المَرأَةِ، ورَفَعَ قَدْرَهَا، وحَفِظَ حَقَّهَا، وأَوْصَى بِهِنَّ في أَعْظَمِ مَشْهَدٍ! قالَ -صلى الله عليه وسلم- -في خُطْبَةِ الوَدَاعِ-: “اتَّقُوْا اللهَ فِي النِّسَاءِ”(أخرجه مسلم).

 

أَيَّتُهَا المَرْأَةُ العَاقِلَةُ: اِحْذَرِي أَنْ تَكُوْنِي فَرِيْسَةً سَهْلَةً، لِأَصْحَابِ القُلُوبِ المَرِيْضَةِ: الَّذِينَ يُشَوِّهُونَ الحَقَّ والفَضِيلَةَ، وَيُزَخْرِفُونَ البَاطِلَ والرَّذِيْلَةَ، وَيُشَكِّكُونَ في الثَّوَابِتِ والعَقِيدَة! (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا* وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ).

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

عِبَادَ الله: اِفْرَحُوا بِالْعِيدِ وَلاتَطْغَوا؛ فَإِنَّهُ يَوْمُ عِبَادَةٍ وَسُرُورٍ، لا بَطَرٍ وَغُرُوْر.

 

وَحِينَ قَدِمَ رَسُوْلُ اللهِ المدينةَ، كانَ لَهُم يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيْهِمَا في الجاهِلِيَّة؛ فقال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ”(أخرجه أبو داود، وصححه الألبان).

 

وَعِيْدُ المُسْلِمِين: دِيْنٌ وَعِبَادَةٌ، وَذِكْرٌ وَتَكْبِيْرٌ، وصَلاةٌ وَصِلَةٌ، فَأَرِيْقُوا للهِ الدِّمَاءَ، وأَكْثِرُوا لَهُ الثَّنَاء، وَطَهِّرُوا قُلُوْبَكُمْ مِن البَغْضَاء، وتَلَبَّسُوا بالتَّقْوَى، فَهُوَ اللِّبَاسُ الَّذِي لا يَبْلَى! (لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ).

 

أَيُّهَا الأَحِبَّةُ: العِيْدُ فُرْصَةٌ لِتَطْهِيرِ القُلُوْبِ مِنْ دَاءِ ”الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ: حَالِقَةُ الدِّينِ، لَا حَالِقَةُ الشَّعَرِ!”.

 

وَلَنْ يَجِدَ القَلْبُ طَعْمَ الرَّاحَةِ: حَتَّى يَتَخَفَّفَ مِنْ أَثْقَالِ الحَسَدِ والآثَامِ، والحِقْدِ وَالاِنْتِقَامِ!

 

 لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أَحْقِدْ عَلَى أَحَدٍ *** أَرَحْتُ نَفْسِي مِنْ هَمِّ الْعَدَاوَاتِ

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).

المرفقات

خطبة عيد الأضحى 1444هـ.doc

خطبة عيد الأضحى 1444هـ.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات