عناصر الخطبة
1/ ملامح من فرحة العيد 2/ الاهتمام بالأبناء والشباب واصطحاب الأخلاق أيام العيد 3/ من مظاهر غياب القيم أيام العيد 4/ قصة فداء إسماعيل عليه السلام 5/ دروس وعبر من القصة 6/ نصائح وتوجيهات تتعلق بالعيد والنحراقتباس
إننا نجتمع في هذا المكان لشرف الزمان، إنه يوم عيد الأضحى؛ لنكبر ونشكر الرحمن، وقد جعل الله الأعياد مناسبة لإسعاد بني الإنسان، ولنفرح بفضل الله وبرحمته بالسر والإعلان.
الخطبة الأولى:
الله أكبر...
الحمد لله الذي شرع الفرح بالعيد يوم الجائزة والثواب، وبين لهم ما ينجيهم يوم المعاد والحساب، يكافئ على الشكر زيادة وبرا، ويثني على من أنفق علانية وسرا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر المؤمنين بالتوسعة على العيال، والتصدق من الحلال، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسوله بعثه بأفضل الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين النماذج والمثال.
الله أكبر.. الله أكبر.. الله أكبر..
الله أكبر عدد ما سكب الحجاج من العبرات، وهم يتضرعون بخشوع لربهم في عرفات، الله أكبر عدد ما رفعوا من الدعوات، والتمسوا من المغفرة والرحمات، الله أكبر عدد ما رموا من الجمرات، وما أدوا لربهم من سجود وركعات، الله أكبر عدد من تاب من العصاة، فبدل الله سيئاتهم حسنات.
عباد الله: إننا نجتمع في هذا المكان لشرف الزمان، إنه يوم عيد الأضحى؛ لنكبر ونشكر الرحمن، وقد جعل الله الأعياد مناسبة لإسعاد بني الإنسان، ولنفرح بفضل الله وبرحمته بالسر والإعلان.
إن العيد عندنا -أيها الصالحون والصالحات- يبدأ بالتهليل والتسبيح والتكبير، فيحضر للمصلَّى الذكور والإناث الصغير منهم والكبير، ويشهد هذا الخير الغني منهم والفقير، بعد أن يغتسل كل واحد منهم في بيته، ويتطيب ويلبس الثوب الجديد، يكبر الله تاركا مجلس كل متكبر أو عنيد، وبعد صلاة العيد، يذبح شاته استعدادا لتناول اللحم اللذيذ، دون أن ينسى التصدق وفعل الخيرات استعدادا ليوم الوعيد.
الله أكبر... إن عيد الأضحى -أيها المسلمون والمسلمات- يرتبط ارتباطا وثيقا في ذاكرة المسلمين بفريضة الحج، في موسم يختمه ضيوف الرحمن بالذكر والشكر والتكبير. (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) [البقرة:203].
إنها ذكريات تتجدد زمانا ومكانا؛ لتنتعش بها أرواح المؤمنين؛ فمن حج تمنى العودة، ومن لم يحج اشتاق وتمنى، إنها ذكريات تحياها الأجيال، فينتقل لها الموروث بجميع حمولاته ليعمِّق الصلات بين خير خَلف وخير سلف، ولتزداد النفوس نقاء وصفاء وإيمانا بأن الحياة الإنسانية لا تستقيم بغير قيم وبغير دين، و(إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [آل عمران:19].
وعندما يُعرِض الناس عن الله وعن كتاب الله وعن سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا تسألوا آنذاك عن مشاكلهم وبلاويهم وأمراضهم؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر المهاجرين، خمسٌ إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم يُنقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوًّا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم".
ولا حصر حينئذ للمعاناة والمشاكل التي لا تؤدي إلا إلى اكتظاظ السجون وامتلاء المستشفيات؛ فهل يقتدي بنا غيرنا ليعتنق الإسلام الذي يعتقدون أننا نمثله ونعيش في ظلال شريعته؟ كيف يمكن لغير المسلمين أن يدخلوا في دين الله أفرادا أو أفواجا أمام هذا المشهد؛ ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسطر المنهج السليم والبسيط حين يقول: "كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى"، قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: "مَن أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى".
فهل للوالدين رأسمال أفضل من صلاح الأبناء الذين هم زينة الحياة الدنيا؟ وهل للمجتمع رأسمال أغلى وأفضل من صلاح الشباب الذي هو عماد صلاح البلاد والعباد؟ فكيف يسعد الناس بالعيد إذا غابت القيم وفسدت الأخلاق؟.
ومن مظاهر ذلك، بعد ذبح الأضاحي تجد الناس في هرج ومرج يتصايحون ويملؤون الأزقة والشوارع بالأزبال وألوان من النفايات والقاذورات، مما يتسبب مع جو الحرارة في ظهور جيوش من أنواع الذباب والبعوض ومختلف الحشرات، ناهيك عن انتشار الجراثيم والروائح الكريهة. أهكذا يكون حال خير أمة أخرجت للناس؟ أهكذا أراد الله -سبحانه- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- أن تكون أيام أعيادنا وأفراحنا؟.
طوبى لمن عَلم وانتفع وعمل بما علم! وطوبى لمن ضحى وتصدَّق وأعطى وادَّخر وأهدى! وطوبى لمن أطاع واستغفر ربه وأناب وعلم أن الله لا يريد منا لحما ولا دما ولكن يريد التقوى، ويريد أن تكون الصلاة والنسك والحياة والممات له -سبحانه- وحده: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162-163].
الله أكبر: عباد الله، إن عيد الأضحى هو يوم التضحية والفداء، ويوم الفرح والصفاء، ويوم المكافأة من رب الأرض والسماء، بعد مكافأة الكريمين إبراهيم وإسماعيل بالعطاء؛ فماذا كان مصير الأعداء والخبثاء؟ الذين أرادوا بسيدنا إبراهيم -عليه السلام- الكيد والعداء! (فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ) [الصافات:98].
أما خليل الله، فكان له شأن آخر! (وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الصافات:99]، لا يريد إلا هداية وصلاحا ومُصلحين، (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات:100]، والدعاء من الصادقين المخلصين، مسموع ومستجاب من رب العالمين، الذي يمهد طرقهم، ويذلل عقباتهم، ويُجبر كسرهُم، ويحقق غايتهم ومُرادهم، وينصُرهم نصرا عزيزا: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) [الصافات:101].
ويُمتحن إبراهيم -عليه السلام- ويبتلى ليُمنح ويسمو، (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ)، وهي مرحلة حب الوالد للولد وحاجته له، (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى)، إنه اختبار الطاعة لله، وما دام هو أمر من الله فإن الفرع يتحد ويتوافق مع الأصل: (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).
(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات:102].
وهنا نقف أمام مقرر تربوي تعليمي يبرز انسجام والتحام الأجيال بما يخالف ما ترسخ في عقليات حاضرنا بما يسمى بـ [صراع الأجيال]... أب مطلع لخالقه، وولد بار بوالده.
وتحين اللحظة الحاسمة: (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) [الصافات:103]، وهذا موقف تقشعر له الجلود، وتخفق له نبضات القلوب، إنه امتحان صعب وابتلاء عظيم، يأتي بعده النداء الذي أعلن النتيجة: (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [الصافات:104]، والحياة كلها ابتلاء وامتحان! (الذِّي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الملك:2].
ويأتي التقرير بحقيقة هذا الابتلاء: (إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ) [الصافات:106]، بلاء مبين، بعده تكريم من الجواد الكريم: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات:107]، ليعلو بعد هذا العطاء شأن آل إبراهيم وذكرهم في العالمين، (وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [الصافات:108-111]. شهادة خالدة من عزيز حكيم.
وعلى هذه السنة وهذا النهج سار قُدوتنا آخر المُرسلين، المبعوث رحمة للعالمين... أما مَن عاند وأعرض وعارض ورغب عن هذه الملة فقد سفه نفسه ولا يضر إلا ذاته؛ (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [البقرة:130]...
فما أحوج الأمة اليوم إلى ترسيخ قيم السمو والرفعة والتضحية والفداء لدى الأجيال الصاعدة!.
نفعني الله وإياكم بما سمعنا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الله أكبر...
الحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه.
التذكير بآداب العيد، وبتوقيت الذبح والنحر وشروطه؛ امتثالا لأمر الله -تعالى-: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر:2]، واتباعا لسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- القائل: "خذوا عني مناسككم"، والتأكيد على توقيتها: "مَنْ صَلَّى صَلاتَنَا، وَنَسَكَ نُسُكَنَا، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ؛ وَمَنْ نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَلا نُسُكَ لَهُ"...
وتوجيه النصح للوالدين بتعليم هذه الأمور للنشء وللشباب بتحمل مسؤوليات الريادة في أمور دينهم ودنياهم، وتذكير النساء بما لهن من حقوق وما عليهن من واجبات، وأن الكريم من أكرمهن واللئيم من أهانهن، وأن عيد الأضحى مليء بفرص التواصل وإشاعة روح المحبة والتعاون على البر، وإدخال المسلمين السرور بعضهم على بعض، وأن من يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب... وعيدكم مبارك سعيد.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم