عناصر الخطبة
1/ خطبةُ الوداع تذكِّر الأمّة بأسباب الحياة المثلى 2/ حكم الإسلام في الربا 3/ النساء شقائق الرجال 4/ الأمر بالمعروف سياج متين 5/ يومُ العيد يمثّل وسطيّةَ الدين 6/ صلة الأرحام في العيد 7/ بعض أحكام الأضاحياقتباس
إنَّ يومَ العيد ليسَ تمرّدًا من معنى العبوديّة وانهماكًا في الشهوات، كلاَّ فلم يكن فرحُ المسلمين في أعيادهم فرحَ لهوٍ ولعب، تُقتحَم فيه المحرَّمات، وتنتَهَك الأعراض، وتشرَّد فيه العقول أو تُسلَب، إنما هو فرحٌ تبقى معه المعاني الفاضلةُ التي اكتسبَها المسلمُ من العبادة، وليسَ كما يظنّ بعضُهم أنَّ غيرةَ اللهِ على حدودِه ومحارمِه في مواسمَ محدّدةٍ ثم ..
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الله أكبر عدد ما أحرم الحجاج من الميقات، وكلما لبى الملبون وزيد في الحسنات، الله أكبر عدد ما دخل الحجاج مكة ومنى ومزدلفة وعرفات، الله أكبر عدد ما طاف الطائفون بالبيت الحرام وعظموا الحرمات، الله أكبر عدد من سعى بين الصفا والمروة من المرات، والله أكبر عدد ما حلقوا الرؤوس تعظيمًا لرب البريات.
الحمد لله الذي سهل لعباده طرق العبادة ويسّر، وتابع لهم مواسم الخيرات لتزدان أوقاتهم بالطاعات وتعمر، الحمد لله عدد حجاج بيته المطهر، وله الحمد أعظم من ذلك وأكثر، الحمد لله على نعمه التي لا تحصر، والشكر له على آلائه التي لا تقدر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ملك فقهر، وتأذن بالزيادة لمن شكر، وتوعد بالعذاب من جحد وكفر.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، طاهر المظهر والمخبر، وأنصح من دعا إلى الله وبشر وأنذر، وأفضل من صلى وزكى وصام وحج واعتمر ووحد وكبر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا مديدًا وأكثر.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين العظيم، الذي أكمله لكم، وأتم عليكم به النعمة، ورضيه لكم دينًا، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)[المائدة:3].
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
إخوةَ الإسلام: خطبةُ الوداع جاءت تذكِّر الأمّة في كلِّ حين بأسباب الحياةِ المثلى، وتبصِّرها بسُبل الوقاية من الشرور والفتَن، ففي خطبة الوداع يقول -عليه الصلاة والسلام-: "إن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم". مبادئ خالدة لحقوق الإنسان لا يبلغها منهج وضعي ولا قانون بشري، فلصيانة الدماء يقول تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حياةٌ) [البقرة: 179]، ولصيانة الأموال يقول تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) [المائدة:38]، ولصيانة الأعراض يقول تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ) [النور:2]، هذا لغير المحصن، أما المحصن فعقوبته الرجم حتى الموت، فلا كرامة لباطل ولا حصانة لفوضى خلقية.
ولصيانة الأعراض كذلك: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ? وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور:4].
الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
معاشرَ المسلمين: في موقفِ الوداع يُعلن المصطفى حكمَ الإسلام الأبديَّ في قضيةٍ خطيرة من قضايا الاقتصاد، إنها قضيّة الربا، فيقول -عليه أفضل الصلاة والسلام-: "وإنّ ربا الجاهليّة موضوعٌ، وإنّ أوّلَ ربًا أبدأ به ربا العباس بن عبد المطلّب".
حرم الله الربا لعظيم ضرره وكثرة مفاسده؛ ولهذا أعلن الله تعالى الحرب على أصحابه ومروجيه، حرب في الدنيا: غلاء في الأسعار، أزمات مالية، أمراض نفسية، أما في الآخرة فعذاب أليم.
ويعتبر النظام الربوي مسؤولاً عن كثير من الأزمات المالية والاقتصادية على مستوى الأفراد والجماعات والدول.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أمّةَ الإسلام: المرأة في الإسلام شقيقةُ الرجال في إقامة الحياة على خيرِ حال، علاقتها به علاقةُ مودّةٍ ورحمة وسَكَنٍ وطمأنينة، يقول -عليه الصلاة والسلام- في خطبة الوداع: "فاتّقوا الله في النّساء، فإنّكم أخذتموهنّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله"، ولئن حكى التاريخ تحقيرَ العصور الجاهليّة الأولى للمرأةِ وسلبَها حقوقها وكرامتَها فإنّ الحالَ اليومَ أسوأُ منه في حضاراتِ غير الإسلام.
وفي أمتنا اليوم من يتباكى على حال المرأة، فينصبون أنفسهم مدافعين عن حقوقها، منصفين لأوضاعها المهضومة، فهي كما يزعمون كمٌّ مهمل وطاقة مهدرة ورئة معطلة.
وإن مما تأسف له النفوس أن هناك ثلة من المسلمين اليوم هضموا حقوق المرأة في الإسلام، فحرموها من الميراث المقدر لها شرعًا وعرفًا، ومنعوا التعدد، وعضلوهن عن الزواج من أجل أكل رواتبهن، وأهملوا العدل بين الزوجات، وكل ذلك حرام، ففي الميراث: "للذكر مثل حظ الأنثيين"، وفي زواجهن من الخاطب الكفء قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ". أخرجه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني، وفي شأن العدل بين الزوجات يقول الله تعالى: (فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من كانت له امرأتان يميل مع إحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط". أخرجه الخمسة وغيرهم، بسند صحيح.
فاتقوا الله –عباد الله- واستوصوا بالنساء خيرًا، وارفقوا ببناتكم وأخواتكم ومن هن تحت ولايتكم، فهن الحجاب من النار، أخرج البخاري ومسلم من حديث عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قال النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من ابتلي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بشيء فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ".
أمة الإسلام: لقد أعز الإسلام المرأة، ورفع مكانتها، وأعلى من شأنها، ولهذا أمرها بالحجاب والستر والعفاف والقرار في البيوت، كي لا تصل إليها يد العابثين بالأعراض، قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى) [الأحزاب:33]، وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53].
أيتها النساء: اتقين الله، ودعنَ لباس العاهرات، شرقيات كن أم غربيات، ولا تتتبعن الموضات، وإياكن وتقليد الكافرات في قصات شعرهن، والفاضح من لباسهن، وتجنبن النقاب ذا الزينة والتبرج، واحذرن من العباءة المخصرة وذات الزمام والمزركشة، فكل تلك الألبسة لا تمت للإسلام بصلة، بل هي طريق ممهد إلى النار والعياذ بالله، قَالَ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا"، وذكر "وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ؛ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا". أخرجه مسلم.
معاشر النساء: إنّ من شكر الله تعالى في حقكن أن تلتزمن بأدب الإسلام: (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِى فِى قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِى بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الاْولَى وَأَقِمْنَ الصلاةَ وَءاتِينَ الزكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) [الأحزاب:32، 33]، وأطعن أزواجكن بالمعروف واحفظن أعراضكن والتزمن بالحجاب الشرعي بحشمة وعفة، وتصدقن ولو من حليكن.
أيّها المسلمون: وتُختَم كلمات الوداع من نبيّ الأمّة وهو يفارقها بوَصيّة تضمَن لها السعادة والرفعةَ والنصرَ والعزّ، إنها وصيّة الالتزام بالتمسك بالوحيين والاعتصام بالهديين، قال –صلى الله عليه وسلم-: "تركتُ فيكم ما إن أخذتم به لن تضلّوا بعدي: كتابَ الله وسنتي". تمسُّكٌ بهما في شتَّى الجوانب، واعتصامٌ بهما في جميع الأحوال، عقيدةً وعملاً، شريعةً وتحاكمًا.
ألا فليكن التنظيمُ في حياة المسلمين على وفقهما، وليُنهَج في ديار المسلمين الإصلاحُ في ضوء مذهبهما، نظامُ حياةٍ كامل، ودستور إصلاح شامِل، وانظر إلى كتاب الله وهو يقرر ويوضح لنا بجلاءٍ ما الذي أصابَ ويصيبُ الأمة اليوم؛ قال تعالى: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَاذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ) [آل عمران: 165]، نعم قل: هو من عند أنفسكم، ضعفٌ في الإيمان، وصد عن كتاب الله وسنة رسول الله، تضييعٌ لآكد أركانِ الإيمان الصلاة، منعٌ للزكاة، تراشقٌ بالتهَم بين المسلمين، حبُّ الدنيا، فشوّ المعاصي، ضعفُ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقاطعٌ وتدابر، تشاحن وسوءُ ظن، إلى غير ذلك من أفعال تهدم الأمة برمتها.
أمة الإسلام: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سياج متين تقوم به الأمة لتحفظ دينها ويدوم خيرها، فتحفظ الصالح من أمورها وشؤونها، وتقضي على السيئ والفاسد من أحوالها وأوضاعها، ولا تستوفي أركان الخيرية لهذه الأمة إلا به: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران:110]، بدونه تضمحل الديانة وتعم الضلالة وتفسد الديار ويهلك العباد.
الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد.
أمة الإسلام: إن يومكم هذا يوم عظيم، هو يوم الحج الأكبر، وهو آخر الأيام المعلومات، وأول الأيام المعدودات، وحُقّ للمؤمن أن يفرحَ ويتهللّ عقِب عشرٍ مباركة عظيمةٍ من شهر ذي الحجَّة صام فيها وقامَ وتقرب بأنواع القربات ولهج لسانه بالذكر والدعوات.
يقعُ هذا العيدُ شكرًا لله تعالى على العبادات الواقعة في شهر ذي الحجة.
يومُ العيد يمثّل وسطيّةَ الدين، بهجة النفس مع صفاء العقيدة، إيمان القلب مع متعة الجوارح. العيدُ في حساب العمر وجريِ الأيام والليالي أيامٌ معدودة معلومَة، ومناسبةٌ لها خصوصيّتها، لا تقتصر الفرحةُ فيه على المظاهر الخارجيّة، لكنّها تنفذ إلى الأعماق وتنطلق إلى القلوب، فودِّع الهمومَ والأحزان، ولا تحقد على أحد من بني الإنسان، شاركِ الناسَ فرحتَهم، أقبِل على الناس، واحذَر ظلمَهم والمعصيةَ، فكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد.
العيد فرحةٌ تشمَل الغنيَّ والفقير، ومساواةٌ بين أفرادِ المجتمع كبيرِهم وصغيرِهم، تتصافى القلوب، وتتصافَح الأيدي، ويتبادَل الجميعُ التهانيَ.
في هذا اليوم ينبغي أن ينسلخَ كلّ إنسان عن كبريائه، وينسلخَ عن تفاخرِه وتباهيه، فلا يفكّر بأنّه أغنى أو أفضل من الآخرين.
إنَّ يومَ العيد ليسَ تمرّدًا من معنى العبوديّة وانهماكًا في الشهوات، كلاَّ فلم يكن فرحُ المسلمين في أعيادهم فرحَ لهوٍ ولعب، تُقتحَم فيه المحرَّمات، وتنتَهَك الأعراض، وتشرَّد فيه العقول أو تُسلَب، إنما هو فرحٌ تبقى معه المعاني الفاضلةُ التي اكتسبَها المسلمُ من العبادة، وليسَ كما يظنّ بعضُهم أنَّ غيرةَ اللهِ على حدودِه ومحارمِه في مواسمَ محدّدةٍ ثم تُستبَاح المحرَّمات.
العيد -عباد الله- مناسبةٌ للمراجعة الصادقة مع النفس، نتأمَّل فيها حكمةَ الله في قضائه، نتأمَّل قدرتَه وحكمَ آجاله، نتذكَّر إخوةً لنا أو أصدقاءَ أو أقرباءَ كانوا معنا في أعيادٍ مضت، كانوا ملءَ السمع والبصر اخترمتهم المنون، فندعو لهم بالرحمة والمغفرة والرضوان.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
الحمد لله مدبّرِ الأحوال، أحمده سبحانه وأشكره في الحال والمآل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تفرّد بالعظمة والجلال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، أكرمه الله بأفضل الخصال، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دامت الأيام والليالي.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقوا الله وزينوا عيدكم بالتكبير وعموم الذكر، وأدخلوا السرور على أنفسكم وأهليكم، واجعلوا فرحتكم بالعيد مصحوبة بتقوى الله وخشيته، يقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "أيام العيد أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى"، ولذلك لا يجوز صيام يومي العيد وأيام التشريق.
أيها الأحبة: رحم الإنسان هم أولى الناس بالرعاية، وأحقهم بالعناية، وأجدرهم بالإكرام والحماية، صلتهم مثراة في المال، ومنسأة في الأثر، وبركة في الأرزاق، وتوفيق في الحياة وعمارة للديار، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أجله، فليصل رحمه"، رواه البخاري.
صلتهم أمارة على كرم النفس وسعة الأفق وطيب المنبت وحسن الوفاء، ومعاداة الأقارب شر وبلاء، الرابح فيها خاسر، والمنتصر مهزوم، وكل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها تشهد له بصلة إن كان وصلها، وتشهد عليه بقطيعة إن كان قطعها.
وأعظم الرحم والداك، فاعلم أن الله قرن طاعتهما بطاعته، وحقهما بحقه، فقال سبحانه: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [النساء:36]، فاجعلوا عيد هذا اليوم منطلقًا لوأد القطيعة وطي صحيفة الشقاق والنزاع، فمن بشاشة عند اللقاء، ولين في المعاملة، إلى طيب في القول وطلاقة في الوجه، زيارات وصلات، تفقد واستفسار، مهاتفة ومراسلة، كف مبذول، وبر جميل، وإذا أحسنت القول فأحسن الفعل، وإن من خيار بيوت المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وخفض الجناح لليتامى والبائسين دليل الشهامة وكمال المروءة، ويحفظ -بإذن الله- من المحن والبلايا.
عباد الله: اعلموا أن من خير أعمالكم في هذا اليوم ذبح الأضاحي، والأضحية مشروعة بكتاب الله وسنة رسوله وإجماع علماء المسلمين، وبها يشارك أهل البلدان حجاج بيت الله الحرام في بعض شعائر الحج؛ فالحجاج يتقربون إلى الله بذبح الهدايا، وأهل البلدان يتقربون إليه بذبح الضحايا، وهذا من رحمة الله بعباده، فضحّوا -أيها المسلمون- عن أنفسكم وعن أهليكم تعبدًا لله تعالى وتقربًا إليه واتباعًا لسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم-.
ويبدأ وقت ذبحها من بعد صلاة العيد إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، ومن ذبح قبل الصلاة فهي شاة لحم وليست بأضحية، ولم يصب سنة المسلمين، قال -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ نُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ". متفق عليه.
والذبح في النهار أفضل، ويجوز في الليل. والواحدة من الغنم تجزئ عن الرجل وأهل بيته، الأحياء والأموات، ومن الخطأ أن يضحي الإنسان عن أمواته من عند نفسه ويترك نفسه وأهله الأحياء.
ومن كان عنده وصايا بأضاحٍ فليعمل بها كما ذكر الموصي، فلا يدخل مع أصحابها أحدًا في ثوابها، ولا يخرج منهم أحدًا، وإن نسي أصحابها فلينوهوا عن وصية فلان فيدخل فيها كل من ذكر الموصي.
والسنة أن يذبحها المضحي بنفسه، ومن كان لا يحسن الذبح فليحضر ذبحها، ويسمي المضحي أضحيته فيقول إذا أضجعها للذبح على جنبها الأيسر متجهة إلى القبلة: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك. وإن كان سيشرك أحدًا فيقول: عني وعن أهل بيتي الأحياء والأموات، أو الأحياء فقط، وإن كان موصى بذبحها فيقول: عن فلان أو فلانة، ويسمي من الأضحية له.
وأما مسح الظهر للأضحية فلا أصل له وليس من السنة، فاتقوا الله -يا عباد الله-، واقتدوا بالنبي –صلى الله عليه وسلم-. واتقوا الله في هذه البهائم، اذبحوها برفق، وأحدوا السكين، ولا تحدوها وهي تنظر، ولا تذبحوها وأختها تنظر إليها، وأمروا السكين بقوة وسرعة، ولا تلووا يدها وراء عنقها؛ فإن في ذلك تعذيبًا لها وإيلامًا دون فائدة. ولا تكسروا رقبتها أو تبدؤوا بسلخها قبل تمام موتها، ولا تدفعوا للجزار أجرته منها، واحذروا ذبح من هو تارك للصلاة، وكلوا من الأضاحي واهدوا وتصدقوا وانبذوا عن أنفسكم الشح والبخل، وإذا عجزت عن الأضحية فاعلم أن رسول الهدى قد ضحى بكبشين أملحين أقرنين، أحدهما عن نفسه وأهل بيته، والآخر عن أمته.
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم