خصائص جزيرة العرب

محمد بن عبدالرحمن العريفي

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ فضائل جزيرة العرب في القرآن والسنة 2/ خصائص جزيرة العرب 3/ الفتن التي تحاك ضد الجزيرة العربية 4/ واجب أهل الجزيرة العربية نحوها 5/ حدود جزيرة العرب

اقتباس

جزيرة العرب هي حرم الإسلام، فلا ترى فيها صليبًا يُرفع، ولا ترى فيها كنيسة يُشرك فيها بالله جل وعلا، ولا ترى فيها قبرًا يُرفع عليه ضريح يتقرب إليه من دون الله جل وعلا.. إن بحثت عن المساجد وجدتها في جزيرة العرب... إن بحثت عن الحجاب والتمسك فيه وجدته أولاً في جزيرة العرب، وفي بقية بلدان المسلمين بركة.. ولكن أصل ذلك إذا رأيته ستجد أن التمسك فيه يكون في جزيرة العرب؛ تبيانًا من الله جل وعلا وتكريمًا لهذه الجزيرة؛ إذ جعلها قبلة المسلمين ..

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جَلَّ عن الشبيه والند والنظير. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، أرسله ربه رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، فهدى الله تعالى به من الضلالة، وبصَّر به من الجهالة، وجمع به بعد الشتات، وأمَّن به بعد الخوف، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين، وأصحابه الغر الميامين، ما اتصلت عين بنظر، ووعت أذن بخبر، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون: بيّن الله جل وعلا في كتابه الكريم أنه خلق الخلق واختار منهم ما يشاء فقال سبحانه وتعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) [القصص: 68]، فخلق الله تعالى البلدان فجعل جزيرة العرب هي أخيرها وأحسنها، وخلق الله تعالى الأيام فجعل يوم النحر هو خيرها وأحسنها، وخلق الله تعالى الشهور فجعل شهر رمضان هو خيرها وأحسنها وأفضلها، وخلق الله تعالى الليالي فجعل ليلة القدر هي خيرها وأعلاها وأحسنها، وخلق الله تعالى المياه فجعل ماء زمزم هو خيرها وأحسنها وأفضلها (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ) [القصص: 68].

وجزيرة العرب ألّف فيها العلماء الكتب المتعددة في فضلها وذكر خصائصها، وتعداد مميزاتها فسموها بجزيرة العرب، وسميت بأرض العرب، وسميت ببلاد العرب وهي أكبر شبه جزيرة في العالم كله..

وقد خصها الله جل وعلا بخصائص كثيرة من ذلك أن الله تعالى جعل فيها الكنوز، كما روى الإمام البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينما أنا نائم إذ جيء بخزائن الأرض فجُعلت بين يدي»، وقد اكتُشف أن 70% من النفط الذي في العالم كله هو في جزيرة العرب وفيما حولها.

وبيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن الخزائن الحقيقية للمال الذي يستفيد منه الناس أجمع في العالم كله إنما يكون في جزيرة العرب.

لذا -أيها المسلمون- خص الله تعالى هذه الجزيرة بخصائص متعددة منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الشيطان يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب» يعني لا يمكن أبدًا أن يجتمع أهل الجزيرة العرب على الإشراك بالله جل وعلا أو على عبادة الأصنام، نعم في آخر الزمان ربما عادت بعض القبائل إلى شيء من عبادة الأصنام، لكن أن يحصل اجتماع على ذلك، وظهور للشرك بعد انقضائه؛ فإن هذا لا يكون أبدًا.

قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر الذي رواه عمر رضي الله تعالى عنه وهو في الصحيحين قال: «أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب»، وقال: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب».

وفي حديث عائشة رضي الله عنها قال عليه الصلاة والسلام: «قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذر مما صنعوا، ثم قال: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» والحديث رواه البخاري.

بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن جزيرة العرب هي الأرض المقدسة وهي حرم الإسلام وهي مأرز الإسلام إذا ضُيِّق على الإسلام في آخر الإسلام فإنه يأرز إلى جزيرة العرب، قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث ابن عمر الذي رواه البخاري ومسلم قال صلى الله عليه وآله وسلم: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ» ثم قال: «ألا وإن الإسلام يأرز بين المسجدين» يعني يأرز إلى جزيرة العرب إلى مكة إلى المدينة «ألا وإن الإسلام يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها» كما تجتمع الحية في جحرها وينطوي بعضها على بعض، فإن الإسلام يكون مأرزه في جزيرة العرب.

فانظر -رعاك الله- إلى بيانه عليه الصلاة والسلام وإلى ما قرن ما بين غربة الإسلام وما بين اجتماع الإسلام في جزيرة العرب، قال في أول الحديث: «بدأ الإسلام غريبا»، ثم قال في آخره: «إن الإسلام يأرز كما تأرز الحية إلى جحرها» يأرز إلى أين؟ يأرز ويجتمع في جزيرة العرب.

وبيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضيلة جزيرة العرب وأن الله جل وعلا اختارها لأجل أن تكون قبلة المسلمين في العالم كله يسجدون إلى جهاتها في الخمس صلوات في يومهم وليلتهم.

وبيّن عليه الصلاة والسلام أن قلوب المسلمين ينبغي أن تهفو إلى جزيرة العرب، وأن تأتي إليها فقال -كما جاء عند البخاري-: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما تنفي النار خبث الحديد والذهب والفضة».

فبيّن عليه الصلاة والسلام أن المسلم ينبغي أن يبقى قلبه معلقًا بجزيرة العرب، يأتي إليها ما بين الفينة والفينة الأخرى..

لذا -أيها المسلمون- جعل الله تعالى عددًا من الأنبياء يأتون إلى جزيرة العرب، ويزورونها كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم والنسائي لما كان عليه الصلاة والسلام حاجًّا مر عليه الصلاة والسلام بثنية من الثنايا قال: «ما هذه الثنية»؟ قالوا: هذه ثنية كذا وكذا فقال عليه الصلاة والسلام: «كأني أنظر إلى موسى على جمل أحمر خطامه ليف له جؤار في التلبية»، ثم مضى فمر عليه الصلاة والسلام في موضع آخر فسأل عنه، فأُخبر، فقال عليه الصلاة والسلام: «كأني أرى أخي يونس له جؤار في التلبية». فبين عليه الصلاة والسلام أن الأنبياء زاروا هذه الجزيرة وأقبلوا إليها وهفت قلوبهم إلى مسجدها.

وبيّن صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أن الله جل وعلا جاء بإبراهيم عليه السلام من فلسطين؛ حيث النبات الطيب والماء الوافر والجو العليل؛ أقبل به ربه جل وعلا إلى جزيرة العرب، واختار الله تعالى من جزيرة العرب لتكون هي مأرز الإسلام واجتماع الناس إليها في الحج والعمرة، فيقبل إبراهيم عليه السلام تاركًا فلسطين ليضع هاجر وابنها ثم بعد ذلك يكون في جزيرة العرب مكة التي جعل الله تعالى لها شأنها..

في جزيرة العرب مكة والمدينة.. والمدينة قال فيها عليه الصلاة والسلام: «إن الله تعالى قد حرم مكة، وإني قد حرمت المدينة».

وقال عليه الصلاة والسلام وهو يبين دعاءه إلى الله تعالى في أن يهب المدينة بركة قال: «اللهم اجعل في المدينة بركة ضعفي ما جعلت من البركة في مكة»، وها هي مباركة سواء في مكة أو في المدينة.

وبيّن عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى يحمي جزيرة العرب من الفتن، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما من بلد إلا ويسكنه الدجال إلا مكة والمدينة»، ثم قال عليه الصلاة والسلام: «يجعل الله تعالى على كل نقب من أنقابها» يعني على كل موضع يمكن أن يدخل إليها من خلاله قال: «يجعل الله تعالى على كل نقب من نقابها جندًا من الملائكة في أيديهم السيوف ملتهبة يحرسونها»، فلا يمكن أن يؤذي أهلَها الدجالُ أبدًا.

وقال عليه الصلاة والسلام: «إن المدينة تنفي خبثها» يعني تنفي المنافقين والمضيعين وأصحاب المعاصي لا يزالون تطردهم المدينة من نفسها طردًا.

في جزيرة العرب بيّن ربنا جل وعلا أنه أهلك كل من أراد الطغيان فيها: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) [الفيل: 1- 2].

لما أقبل إلى جزيرة العرب باغيًا أن يكسر شوكتها وأن يدنس دينها وإذا بالله جل وعلا يبعث على أبرهة وجنده طيرا أبابيل فتهلكهم في مكانه (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ) [الفجر: 6- 8] ومع ذلك لما عصوا وعتوا وأرادوا الفساد في جزيرة العرب قبضهم الله بين ليلة وضحاها.

أيها المسلمون: ولا يزال إلى اليوم جزيرة العرب هي حرم الإسلام، فلا ترى فيها صليبًا يُرفع، ولا ترى فيها كنيسة يُشرك فيها بالله جل وعلا، ولا ترى فيها قبرًا يُرفع عليه ضريح يتقرب إليه من دون الله جل وعلا..

إن بحثت عن المساجد وجدتها في جزيرة العرب... إن بحثت عن الحجاب والتمسك فيه وجدته أولاً في جزيرة العرب وفي بقية بلدان المسلمين بركة، ففي مصر بركة، وفي الشام بركة، وفي اليمن بركة وفي بقية بلدان المسلمين بركة ومساجد وحجاب..

ولكن أصل ذلك إذا رأيته ستجد أن التمسك فيه يكون في جزيرة العرب تبيانًا من الله جل وعلاً وتكريمًا لهذه الجزيرة؛ إذ جعلها قبلة المسلمين؛ لذلك كل من أراد الإفساد في جزيرة العرب أراد أن يسرع الاختلاط في جزيرة العرب، أو أراد أن ينشر بين أهلها النفاق والفساد أو أراد أن يحدث فيها اضطرابًا في جزيرة العرب؛ فإن الله جل وعلا كفيل بأن يقصمه فهي التي اختارها الله تعالى لتكون قبلة للمسلمين.

لذا لا نعجب أن يقبض على أنواع من المخدرات تصدّر إلى جزيرة العرب حتى أعلنت الجهات الرسمية أن ما يقبض عليه في جزيرة العرب من المخدرات هو ثلث ما يقبض عليه في العالم كله، عجبًا!! لماذا يرسلون إليها الملايين من الحبوب المخدرة ومن الهيروين ومن غيره من الأصناف التي تفسد شبابها وبناتها؛ إلا أنهم يعلمون أنهم إذا فسدوا وانتشرت بينهم المخدرات وسارت قبلة المسلمين في يد أقوام لا يستحقونها فإنها منذر بفساد الإسلام فيفسدونها لأجل أن يفسدوا على الإسلام.

لذا هي مسئولية عظيمة على كل من سكن في جزيرة العرب سواء من أهلها الأصليين، أو ممن أقام فيها، بل على جميع المسلمين أن يحموا جزيرة العرب من الفتن، وأن يحموها من أن يكون فيها زعزعة أو بلبلة؛ لأن هذا سوف يؤدي إلى تعطل المسلمين في حجهم وفي عمرتهم وفي المصاحف التي تصدر إليهم وما يكون فيها من خير.

أسأل الله تعالى أن يحمي جميع بلدان المسلمين من كل شر، أسأل الله أن يحفظ جميع بلدان المسلمين من كل شر وآفة..

أقول ما تسمعون وأستغفر الله الجليل العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وإخوانه وخلانه ومن سار على نهجه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون: اختلف أهل العلم قديمًا وحديثا في حدود جزيرة العرب التي جاءت فيها النصوص الشرعية كقوله عليه الصلاة والسلام: «أخرجوا اليهود والنصارى في جزيرة العرب، لا يجتمع دينان في جزيرة العرب»، «إن الشيطان يأس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب»، فقالوا: هل جزيرة العرب هي ما بين البحار الثلاثة: ما بين البحر في شرقها وغربها وجنوبها بحيث يكون كل هذا المسمى اسمه جزيرة العرب تنطبق عليه الأحاديث الواردة؟ أم أن جزيرة العرب تشمل فقط مكة والمدينة، وتشمل معها اليمامة وهي الديار التي كان يسكنها العرب الأصحاح منذ القديم؟

واختلفوا في ذلك على أقوال، ولا يهمنا في ذلك تفصيل المسألة وما هو الراجح، إنما الذي ينبغي علينا أن نحمي جميع بلدان المسلمين عامة، وأن نحمي البلد التي جعل الله تعالى فيها مكة والمدينة خاصة من أن يحدث فيها أي زعزعة أو فتنة أو مخدرات أو شرك أو دعوة إلى فساد.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظنا وإياكم بحفظه ويكلأنا جميعًا برعايته..
 

 

 

 

المرفقات

جزيرة العرب

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات