حولوا المصائب إلى نعم

أحمد شريف النعسان

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ مكانة الإيمان والعمل الصالح 2/ خطر فقدان الإيمان والعيش بدونه 3/ تحويل المصائب إلى نعم ووسائل ذلك

اقتباس

الإِيمَانُ باللهِ -تعالى- واليَومِ الآخِرِ ضَرُورِيٌّ للإِنسَانِ, بَل هوَ أَعظَمُ من ضَرُورَةِ المَاءِ والطَّعَامِ والهَوَاءِ, وأَعظَمُ من الصِّحَّةِ. الإِنسَانُ إذا عَاشَ على الإِيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ ومَاتَ على ذلكَ, لا يَضُرُّهُ مَا فَقَدَ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا من طَعَامٍ وشَرَابٍ وصِحَّةٍ وعَافِيَةٍ؛ لأنَّ ..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فيَا عِبَادَ اللهِ: الإِيمَانُ باللهِ -تعالى- واليَومِ الآخِرِ ضَرُورِيٌّ للإِنسَانِ, بَل هوَ أَعظَمُ من ضَرُورَةِ المَاءِ والطَّعَامِ والهَوَاءِ, وأَعظَمُ من الصِّحَّةِ.

 

الإِنسَانُ إذا عَاشَ على الإِيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ ومَاتَ على ذلكَ, لا يَضُرُّهُ مَا فَقَدَ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا من طَعَامٍ وشَرَابٍ وصِحَّةٍ وعَافِيَةٍ؛ لأنَّ مآلَهُ إلى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ والأَرضُ, نَعِيمُهَا مَا لا عَينٌ رَأَتْ, ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ, ولا خَطَرَ على قَلبِ بَشَرٍ, وأَعظَمُ النَّعِيمِ: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة:22-23].

 

أمَّا إذا عَاشَ بِدُونِ إِيمَانٍ وعَمَلٍ صَالِحٍ ومَاتَ على ذلكَ -والعِيَاذُ باللهِ تعالى- وكَانَ قَد تَنَعَّمَ في هذهِ الحَيَاةِ الدُّنيَا بالطَّعَامِ والشَّرَابِ والصِّحَّةِ ومَا أَرَادَ, فَقَد خَسِرَ الدُّنيَا والآخِرَةَ؛ لأنَّهُ سَيَتَمَنَّى العَودَةَ للدُّنيَا من أَجلِ الإِيمَانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ, وسَيَقُولُ: (يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ) [الحاقة:27-29].

 

ولكن سَوفَ يَسْمَعُ قَولَ اللهِ -تعالى- للمَلائِكَةِ الكِرَامِ: (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ) [الحاقة:30-32].

 

يَا عِبَادَ اللهِ: حَوِّلُوا بِنِعمَةِ اللهِ -تعالى- المَصَائِبَ إلى نِعَمٍ, وذلكَ من خِلالِ إِيمَانِكُم باللهِ -تعالى- واليَومِ الآخِرِ, فإذا مَا وَقَعَتْ عَلَيكُم مُصِيبَةٌ من المَصَائِبِ, ورَأَيتُمُوهَا كَبِيرَةً وعَظِيمَةً, تَذَكَّرُوا مَا قَالَ اللهُ -تعالى- وهوَ أَصْدَقُ القَائِلِينَ, وتَذَكَّرُوا مَا قَالَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, الذي مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: كُونُوا على يَقِينٍ بأنَّ الذي يَذْكُرُ مَا قَالَهُ اللهُ -تعالى-, ومَا قَالَهُ نَبِيُّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- عِندَ المَصَائِبِ -مَهمَا عَظُمَتْ- فَإِنَّهَا سَوفَ تَتَحَوَّلُ بِفَضْلِ اللهِ -عزَّ وجلَّ- عَلَيهِ إلى مِنَحٍ, وسَوفَ يَتَلَقَّى تِلكَ المَصَائِبَ بِصَدْرٍ رَحْبٍ وَاسِعٍ.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: ونَحنُ نَعِيشُ هذهِ الأَزمَةَ التي عَمَّتْ وطَمَّتْ, يَذْكُرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا مَا أَحَبَّ بِمَا قَالَهُ -تعالى-, وبِمَا قَالَهُ الحَبِيبُ المُصطَفَى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, لَعَلَّهَا أن تَتَحَوَّلَ هذهِ المِحَنُ والمَصَائِبُ إلى مِنَحٍ.

 

أولاً: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:157].

 

يَا عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا وذَكِّرُوا قَولَ اللهِ -عزَّ وجلَّ-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155-157].

 

إذا كَانَ بَعدَ المُصِيبَةِ والصَّبْرِ عَلَيهَا الصَّلَوَاتُ والرَّحمَةُ والهِدَايَةُ من اللهِ -تعالى-, أَمَا تَرَونَ بأنَّ المِحْنَةَ كَانَتْ مِنْحَةً؟

 

ثانياً: "ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ, وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ":

 

يَا عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا وذَكِّرُوا قَولَ اللهِ -عزَّ وجلَّ- للمَلائِكَةِ إذا قَبَضُوا رُوحَ وَلَدِ عَبدٍ: "ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ, وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ"، روى الترمذي عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ. فَيَقُولُ اللهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ, وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ".

 

إذا كَانَ بَعدَ المُصِيبَةِ والصَّبْرِ عَلَيهَا بَيتٌ في الجَنَّةِ, أَمَا تَرَونَ أنَّ المِحْنَةَ كَانَتْ مِنْحَةً؟

 

يَا عِبَادَ اللهِ: إنَّ كَلِمَةَ: الحَمْدُ للهِ, إِنَّا للهِ وإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ, بَعدَ المُصِيبَةِ مَهمَا كَانَتْ عَظِيمَةً, تَكُونُ على القَلبِ مِثْلَ الثَّلْجِ على النَّارِ.

 

ثالثاً: "إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِن اللهِ مَنْزِلَةٌ":

 

يَا عِبَادَ اللهِ: تَذَكَّرُوا وذَكِّرُوا حَدِيثَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا سَبَقَتْ لِلْعَبْدِ مِن اللهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ, ابْتَلَاهُ اللهُ فِي جَسَدِهِ, أَوْ فِي مَالِهِ, أَوْ فِي وَلَدِهِ, ثُمَّ صَبَّرَهُ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْهُ" [رواه أحمد].

 

إذا كَانَ بَعدَ المُصِيبَةِ مَنزِلَةٌ عَالِيَةٌ عِندَ اللهِ -تعالى-, مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ, أَمَا تَرَونَ أنَّ المِحْنَةَ كَانَتْ مِنْحَةً؟

 

يَا عِبَادَ اللهِ: بِنِعمَةِ الإِيمَانِ باللهِ -تعالى- واليَومِ الآخِرِ تَتَحَوَّلُ المِحَنُ إلى مِنَحٍ, والنِّقَمُ إلى نِعَمٍ, وتَجعَلُ الإِنسَانَ مُتَفَائِلاً لا مُتَشَائِمَاً, بِنِعمَةِ الإِيمَانِ باللهِ -تعالى- واليَومِ الآخِرِ لَن تَكُونَ من النَّادِمِينَ عِندَ سَكَرَاتِ المَوتِ, ولا في أَرضِ المَحْشَرِ, وإلا كَانَ العَبدُ نَادِمَاً عِندَ سَكَرَاتِ المَوتِ, وفي القَبْرِ, وفي أَرضِ المَحْشَرِ.

 

اللَّهُمَّ زِدْ في إِيمَانِنَا يَا رَبَّ العَالَمِينَ، آمين.

 

أقُولُ هَذا القَولَ, وأستَغفِرُ اللهَ لِي ولَكُم, فَاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

 

المرفقات

المصائب إلى نعم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات